بقلم: إيبينيزر أوباداري
ترجمة- دعاء عبد المنعم
نُشر في فورين بوليسي بتاريخ 21 مارس 2025
فيما ركزت كثير من التعليقات على الآثار السلبية لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعليق المساعدات الخارجية الأمريكية على الضرر الناجم عنه بالنسبة للقارة الإفريقية، فإنه جرى إهمال ما قد ينشأ عن هذا القرار من فرص للقارة السمراء واعادة تموضعها إزاء هذ الملف المتعلق بالمساعدة بما يزيد من فرص استفادتها منه في وضع قد يتجاوزر الضرر الناشئ عنه، وهو ما بات يعرف في أدبيات التحليل السياسي بحسابات الفرص والمخاطر.
فهنا قد تتجاوز الفرص المخاطر، اذا توافر إدراك معين في التعامل مع هذا الملف الذي صدم القارة من حيث لم تكن تحتسب أو تتوقع.
في هذا المقال الذي نشرته فورين بوليسي ويترجمه “مصر 360” بسط لزوايا الموضوع من جوانب عدة..
يستهل الكاتب مقاله بالحديث عن آثار التعليق على وضعية نفوذ الولايات المتحدة في القارة مقابل وضع منافسيها العتيدين الصين وروسيا قائلا:
في ظل القلق المتزايد بشأن النفوذ المتزايد للصين وروسيا في إفريقيا، والمخاوف بشأن قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على مكانتها في المنطقة، فإن الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس “دونالد ترامب”، بإيقاف جميع المساعدات الخارجية الأمريكية الممولة من قبل أو من خلال وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، قد زاد الطين بلة.
ويمضي: سواء نجح الطعن القانوني على التوجيه في نهاية المطاف أم لا (حكم قاض فيدرالي أمريكي، بأن الرئيس “تجاوز سلطته الدستورية”) ، فإن التصميم الواضح لإدارة ترامب على جعل جميع المساعدات الخارجية تتماشى مع “السياسة الخارجية للولايات المتحدة بموجب أجندة “أمريكا أولا”، يشير إلى أننا ندخل حقبة جديدة بقواعد جديدة في كل من العلاقات الأمريكية الإفريقية والمساعدة الإنمائية الأمريكية في إفريقيا.
ويمثل هذا التحول فرصة للبلدان الإفريقية لإعادة ضبط علاقتها بالمساعدات الخارجية، وكذلك إعادة التفكير في الأسس الأخلاقية والفلسفية للتنمية الإفريقية.
ركزت معظم ردود الفعل الفورية على الأمر الرئاسي على الآثار المترتبة على المصالح الجيو استراتيجية للولايات المتحدة في منطقة، يبدو فيها أن واشنطن تتراجع فيها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل عام 2022.
ومن هذا المنظور، فإن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يشير إلى نية التراجع، عندما يتعين على الولايات المتحدة، أن تسير قدما، وتسعى إلى الحفاظ على علاقاتها الجيدة بحلفائها.
كما يشير إلى الاستعداد للتخلي عن المبادرة الدبلوماسية للمنافسين الجيو سياسيين مثل، الصين وروسيا بالإضافة إلى زمرة من القوى الوسطى- بما في ذلك تركيا والإمارات العربية المتحدة- التي تشعر بوجود فرص في إفريقيا.
علاوة على ذلك، جادل منتقدو القرار، بأن تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هو هزيمة ذاتية، بقدر ما يشير إلى تخلي الولايات المتحدة عن نهج القوة الناعمة الذي شهد تحقيق البلاد مكاسب في المعركة على القلوب والعقول التي تعد دائما جزءا لا يتجزأ من الدبلوماسية الدولية.
مع متوسط إنفاق سنوي يبلغ حوالي 23 مليار دولار سنويا منذ عام 2001، كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وجه وأداة القوة الناعمة الأمريكية منذ إنشائها في ذروة الحرب الباردة، حيث دعمت المبادرات في مجالات تشمل برامج التطعيم والوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية ودعم مجموعات المجتمع المدني.
وعلى نحو مماثل، فإن المستفيدين الأكثر ترجيحا في إفريقيا هما: الصين وروسيا، إذا كان هدفهم المباشر هو تقليص البصمة الأمريكية في المنطقة، فإن الهدف طويل المدى لا لبس فيه: تقويض التحالف الغربي بهدف تشويه سمعة الديمقراطية الليبرالية- كما يشهد على ذلك تحريض موسكو على الانقلابات في جميع أنحاء منطقة الساحل، إضافة إلى دعمها المادي والمعنوي المستمر لمختلف المجالس العسكرية.
وبالمثل، فإن مبادرة الحزام والطريق الشهيرة في الصين والعدد المتزايد من معاهد كونفوشيوس المنتشرة في جميع أنحاء القارة (اعتبارا من يوليو 2020، تم إنشاء 61 منها في 46 دولة) ليست سوى ستار دخان لنشر أيديولوجية بكين المفضلة.
ومع ذلك، يبقى أن نرى، ما إذا كان أي منهما لديه القوة المالية أو الرغبة في تغطية العجز المتوقع من سحب الولايات المتحدة للمساعدات.
مربط الفرس
هنا ينتقل الكاتب لما قد يهم القارة الإفريقية مباشرة وفي الصميم، فيقول:
ورغم كل هذه الانتقادات، فإن الاعتبار الأكثر أهمية في كل هذا هو رد فعل الدول الأفريقية نفسها، والأهم من ذلك، ما إذا كانت ترى في جهود إدارة ترامب لتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فرصة لتحقيق هدفين مرتبطين: أولا، إعادة التفكير في علاقة إفريقيا بالمساعدات الخارجية، وثانيا، طرح بعض الأسئلة الأساسية حول التنمية الإفريقية وتأثير المساعدة الخارجية عليها.
بعبارة أخرى، كيف يمكن للبلدان الإفريقية، أن تحقق أقصى استفادة من وضع ليس مثالياً؟
ويستطرد كاتب المقال: يقدر مجموع المعونة المقدمة إلى البلدان الإفريقية منذ عام 1960 بأكثر من 2.6 تريليون دولار.
في حين أن المعونة الأجنبية، وخاصة المخصصة للأغراض الإنسانية، قد أنقذت أرواح كثيرة بلا شك، لا يمكن تجاهل المخاوف بشأن تأثيرها السلبي غير المقصود على البلدان المتلقية.
وينقل كاتب المقال رأيا للباحث “كين أوبالو”، من جامعة جورج تاون، بأن ملف المساعدات الخارجية يسلب البلدان “فرصة تنمية استقلالية السياسات”، ويساعد في دعم وإطالة عمر الأنظمة السياسية غير المستدامة. ويمضي المقال في الإضاءة على هذه الموضوعة الأساسية:
في الواقع، أدت تدفقات المساعدات إلى قطاعات محددة من الاقتصاد الإفريقي (قطاع الرعاية الصحية مثال بارز) إلى اختفاء شبه كامل للدولة من هذه القطاعات،
وفي حين أنه قد يكون صحيحا، أن هذا لم يكن مقصودا، إلا أنه لا يغير حقيقة، أن الاعتماد على المساعدات غالبا، ما ينتهي به الأمر إلى تسميم أجواء ومفاصل الدولة والمجتمع في البلدان المتلقية، مما يجعل الدولة أقل خضوعا للمساءلة، مع اعتماد كل من الدولة والمجتمع أكثر فأكثر على مجموعة من الوكلاء الخارجيين.
تشير الاتهامات المتكررة بشأن سوء الإدارة المنهجية لبعض هذه الأموال- التي وجهها ليس فقط النقاد التقليديون لنظام المساعدات، ولكن أيضا مجموعات الإغاثة نفسها- أن المساعدات الخارجية تدعم عن غير قصد النخب نفسها التي تهدف إلى تقويضها من خلال دعم الجهود المؤيدة للديمقراطية.
وكلما كان النظام المعني أكثر استبدادية، كلما كانت الآثار الكامنة أكثر قتامة.
ومن القضايا ذات الصلة الوضع المتنازع عليه للمنظمات غير الحكومية التي هي، في أفضل حالاتها، أدوات لا غنى عنها لتداول الأعراف الاجتماعية الديمقراطية العابرة للحدود، وفي أسوأ الأحوال أدوات النخبة ذات الصلة العضوية الضئيلة بالمجتمع ككل.
وعلى مر السنين، سنت العديد من الحكومات الإفريقية قوانين تهدف إلى إخضاع المنظمات غير الحكومية.
إن إعادة التفكير في العلاقة بين المساعدات والتنمية في هذا المنعطف سيكون مدخلا مفيدا إلى محادثة أوسع، وتشتد الحاجة إليها حول التأثير الاجتماعي للمنظمات غير الحكومية في السياسة الأوسع للمجتمع المدني، مع الأخذ في الاعتبار الانقسام الدائم بين الاحتياجات الشعبية وتفضيلات النخبة في جزء كبير من إفريقيا ما بعد الاستعمار.
وإلى جانب التفاصيل الدقيقة لسياسات محددة، يوجد البعد الفلسفي والأخلاقي لسعي إفريقيا المطول إلى التنمية.
ولا تزال هناك أسئلة مشروعة حول ما إذا كانت المنطقة قادرة حقا على تحقيق اختراق في ظل النظام المعرفي الحالي- الذي يشكل حجر الزاوية فيه المساعدات الخارجية- وما إذا كان الاعتماد المستمر على المساعدات الخارجية يعرض القارة في الواقع لخطر دائم.
وهذا لا يعني إنكار الفوائد الواضحة للمساعدة الأجنبية، ولا سيما المعونة الإنسانية، بقدر ما يشير إلى أنه بمرور الوقت من المرجح أن يؤدي الاعتماد الذي شهده عدد كبير من البلدان الإفريقية إلى خلق نوع من الاعتماد على المسار الخارجي، قد يصعب التغلب عليه.
وبعيدا عن كونه رؤية جديدة، فإن خطر خلق الاعتماد على المساعدات- سواء من خلال إضعاف القدرات المحلية، أو تآكل المساءلة الحكومية، أو تقوية الحكومات الاستبدادية ضد مواطنيها – كان عنصرا أساسيا في التعليقات العلمية والشعبية على التحديات الإنمائية في إفريقيا على مر السنين.
فرصة تاريخية
وسواء ألغت المحاكم الأمريكية تجميد المساعدات الخارجية لترامب أم لا، فإن هذه الخطوة نفسها توفر فرصة تاريخية؛ لإعادة تقييم جاد لدور المساعدات الخارجية في إفريقيا والنظر في أسئلة أخلاقية وفلسفية أعمق تتعلق بالتنمية الاقتصادية للقارة.
لا مستقبل لقارة تستعين بالخارج
وكما أشار وزير الأشغال الليبيري السابق “دبليو جيود مور”، في مقال نشر مؤخرا في سيمافور، “لا يوجد مستقبل لإفريقيا التي تختار الاستعانة بمصادر خارجية لطموحها”.
وفي حين تم الإعلان عن قلق حقيقي بشأن الآثار المحتملة لتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على إفريقيا، فإن فرصة إعادة التقييم والإصلاح على أساس جذري، لا يمكن للقارة نفسها أن تفوتها.
إن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سيكون له العديد من العواقب المؤلمة في جميع أنحاء إفريقيا، إلا أنه يمثل أيضا فرصة لفتح فصل جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
بالنسبة للدول الإفريقية، يمكن أن يكون ذلك مقدمة لعصر ذهبي، لقد أعطى ترامب إفريقيا فرصة عن غير قصد، فليس لدى القارة ما تخسره.