يشهد استهلاك المصريين من اللحوم الحمراء تراجعًا بوتيرة مستمرة، في ظل ارتفاع أسعارها لمستويات قياسية، حتى بات استهلاك الفرد الواحد سنويًا 9 كيلو جرامات، ما يعادل 750 جراما شهريًا. .
بحسب إحصائية للمجلس المصري لبحوث الرأي العام “بصيرة”، انخفض استهلاك المصريين من اللحوم الحمراء من 18 طنًا، لكل ألف من السكان عام 2018 إلى 9 أطنان لكل ألف من السكان في عام 2022.
حال مقارنة معدل الاستهلاك الفردي بمصر بالعالم، يتبين أن متوسط نصيب الفرد على مستوى العالم بلغ نحو 41.90 كجم سنويًا، وفي السعودية يبلغ الاستهلاك السنوي 50 كيلو جراما سنويا، مقابل 9.94 كيلو جرامات في مصر عام 2019، ليتراجع متوسط استهلاك الفرد في مصر بنحو %27.03 بين عامي 2019 و2005.
وتراجع استهلاك المصري من اللحوم الحمراء من مستوى 19 كيلو في 2015 إلى 10 كيلو جرامات عام 2019، و9 كيلو جرامات في 2022، ولا توجد بيانات رسمية عن حجم الاستهلاك، خلال العامين الماضيين (2023، 2024).
ارتفاع الأسعار.. كلمة السر في تراجع الاستهلاك
يعود تراجع الاستهلاك من اللحوم الحمراء في المقام الأول لارتفاع الأسعار، إذ توجد علاقة عكسية بين سعر اللحوم الحمراء بالأسعار الحقيقية ومتوسط استهلاك الفرد من اللحوم، فزيادة سعر الكيلو جرام بنحو 10٪ يؤدي إلى انخفاض الطلب عليها بنسبة 5.8٪ والعكس صحيح، ما يشير إلى أن الطلب على اللحوم الحمراء طلب غير مرن.
وتقدر الفجوة الغذائية من اللحوم بنحو 278 ألف طن عام 2005 مقابل 440 ألف طن عام 2019، أي أنها تزايدت بنحو %58.27، وأدى عدم قدرة الإنتاج المحلى على مواجهة الاحتياجات الاستهلاكية بالقدر الكافي إلى ارتفاع مستوياتها السعرية بشكل عام، في ظل انخفاض الدخول الفردية الحقيقة وتزايد عدد السكان المضطرد.
يمثل استهلاك اللحم البقري والجاموسي نحـو %89.3 مـن متوسـط إجمالي استهلاك اللحوم الحمراء بمصر، إذ لا يفضل المصريون لحوم الماعز والأغنام والجمال كثيرًا، وقد شهدت أسعار اللحم البقري ارتفاعات كبيرة منذ تحرير سعر الصرف في ظل اعتماد مصر على الاستيراد من الخارج.
تعتمد مصر على استيراد أكثر من 60% من احتياجات السوق من اللحوم من الخارج سواءً من مجمدات أو لحوم حية، حيث يتم استيراد اللحوم الحية من البرازيل وإسبانيا، والمجمدة من الهند والبرازيل، كما تعتمد أيضًا على الخارج في استيراد الأعلاف ومكوناتها، ما يجعل الأسعار المحلية شديدة الارتباط بالأسواق العالمية وسعر الجنيه أمام الدولار.
مع ارتفاع سعر اللحوم الحمراء زاد الطلب على بعـض الـسلع البديلة كالدواجن البيضاء، إذ تزايد متوسط نصيب الفرد منها من 5.5 كيلو جرامات/ سنوياً عام 2008 إلى 12.70 كجم سنويًا عام 2019، وذلك بمتوسط عام بلـغ نحـو 7.92 كجم/ سنويًا خلال الفترة (2005/ 2019)، فمتوسط نـصيب الفرد من الدواجن يتزايد سنويًا بنحو 0.27 كجم، أي ما يعادل 3.46% من متوسط نـصيب الفرد من الدواجن.
كيف تطورت أسعار اللحوم

تطورت أسعار اللحوم من مستوى 35 جنيهًا في 2005 إلى 40 جنيهًا في 2008، ثم 50 جنيهًا في 2010، قبل أن تصل لمستوى 400 جنيه حاليًا بارتفاع يناهز 900% في الفترة ما بين (2010ـ 2025)، في المقابل ارتفعت الدواجن البيضاء من مستوى 9.61 جنيهات في 2005 إلى 14 جنيهًا في 2010، وتدور حاليًا في فلك الـ 100 جنيه للكيلو، ما يجعلها خيار سعري أفضل للمستهلك عن اللحوم الحمراء.
نادر نور الدين، الخبير الزراعي ومستشار وزير التموين السابق، يقول إن استهلاك المصريين من اللحوم منخفض جدا مقارنة بمتوسط الاستهلاك العالمي، وتراجع للنصف؛ بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار والتراجع الحقيقي للدخول مقارنة بارتفاع الأسعار.
يضيف نور الدين أن التراجع الكبير في استهلاك اللحوم أمر يستحق، أن تتوقف الحكومة عنده، وتدرسه جيدًا، خاصة مع ارتفاع اسعار المحروقات ؛ لأنها سلعة جرارة سترفع اسعار الغذاء والمواصلات وأجور العمالة والنقل وكل شيء.
يرتبط دخل المواطن واستهلاك اللحوم بعلاقة وثيقة، ففي فترات كورونا على سبيل المقال تراجع استهلاك اللحوم بشكل كبير مع توجيه المواطن جزءا من دخله لبند الصحة، وبحسب دراسة لمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، حول “تأثير كورونا على أنماط استهلاك اللحوم والأسماك ومنتجاتها”، تبين انخفاض قيم استهلاك البروتينات ذات الأصل الحيواني “لحوم وطيور” بنسب تصل إلى 25%، مقارنة بما قبل ظهور فيروس كورونا المستجد.
ووفقًا لشعبة القصابين “الجزارين” بالغرف التجارية بالقاهرة، شهدت سوق اللحوم حالة من الركود؛ نتيجة عزوف المواطنين عن الشراء واتجاه عدد كبير منهم لشراء الدواجن؛ نظرًا لأسعارها مقارنةً بأسعار اللحوم التي تبلغ 400 جنيه للكيلو.
بات استهلاك اللحوم بمصر مرتبطًا في المقام الأول بأولويات الأسرة في الإنفاق، ففي شهر يوليو وأغسطس تتراجع بشدة مع منح الأسر الأولوية لشراء مستلزمات الدراسة، وفي النصف الثاني من رمضان تتراجع أيضًا مع تخصيص الأسر جزءا من الدخل لشراء كعك العيد.
تقول الشعبة، إن أسعار اللحوم بدأت في الارتفاع بقوة منذ عام 2022 بعد زيادة سعر الدولار بالبنوك، مما أثر على أسعار استيراد الأعلاف، بالإضافة إلى زيادة أسعار المحروقات، والكهرباء، والتغليف، والأيدي العاملة ليتخطى كيلو اللحوم البلدية الـ 400 جنيه للمرة الأولى.