قدمت الحكومة السودانية دعوى قضائية ضد دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، تتهمها فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب السوداني، وذلك من خلال مساندتها لقوات الدعم السريع التي يترأسها محمد حمدان دقلو”حميدتي”، والذي يشن حربا على الجيش السوداني، يستخدم فيه المدنيين من المواطنين السودانيين، ويقتلهم بالسلاح الذي ترسله له الحكومة الإماراتية.

و دعوى السودان ضد الامارات أمام محكمة العدل الدوليةخطوة تصعيدية جديدة ضد التدخلات الإماراتية في السودان، والتي هي جزء من تدخلاتها في عدد من البلدان العربية بينها ليبيا، واليمن في سياق البحث عن دور سياسي أوسع بدعم حركات منشقة داخل هذه البلدان بالمال والسلاح والدعم السياسي.

وتعرض هذه الورقة المطالب السودانية التي تثيرها هذه الدعوى القضائية والمسائل التي تثيرها ومالاتها القانونية والسياسية، والسوابق القضائية المشابهة التي أثيرت أمام المحكمة، والجانب القانوني لهذه الدعوى.

خلفية الدعوى القضائية:

أولا: سبب الأزمة والصراع بين الدولتين:

تأتي هذه الدعوى على خلفية عدد من الوقائع السياسية والعسكرية التي جرت في العامين الأخيرين في السودان، بعد ما يقرب من عامين من الصراع العسكري بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وهو صراع عسكري ودموي، يدفع المواطنون السودانيين أرواحهم في أتون هذا الصراع، والذي انفجر في إبريل 2023.

قامت الإمارات بمساندة قوات الدعم السريع التي يديرها حميدتي سياسيا وعسكريا، وهو الذي كان طرفا مشاركا في الحكم في الحكومة السودانية، وانشق عن النظام في عام 2023.

ولم تكن هذه الدعوى وليدة اللحظة أو نتيجة فراغ، بل سبقتها اتهامات سودانية واضحة للإمارات بارتكاب جرائم حرب بدعم قوات الدعم السريع.

سبق للسودان، أن دعا مجلس الأمن في إبريل 2024 لعقد جلسة طارئة؛ لبحث ما اسماه “عدوان الإمارات على الشعب السوداني، وتزويد ميليشيا الدم السريع بالسلاح والمعدات”.

وهاك سجال سابق دار بين مندوبي البلدين لدى الأمم المتحدة في نيويورك خلال الجلسة التي خُصصت؛ لمناقشة الأوضاع في مدينة الفاشر في 13 يونيو 2024.

قمة التصعيد في التوتُّر بين البلدين كانت في شهر نوفمبر 2023، حينما خرج الفريق ياسر العطا، مساعد القائد العامّ للقوات المسلحة علناً، واتهم الإمارات وتشاد بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع.

وتبادل الطرفان طَرْد عدد محدود من الدبلوماسيين المعتمَدين لدى العاصمتين، وأبقيا على التمثيل الدبلوماسي بينهما، وعاد الفريق ياسر العطا في مايو 2024، ليكرر الاتهامات ذاتها، بعد أن تقدَّم السودان بشكوى رسمية لمجلس الأمن بشأن التدخُّل الإماراتي في شؤونه الداخلية.

كما رفضت الحكومة السودانية علناً مشاركة الإمارات في منبر جدة، بعد أن كان مقترحاً مشاركة الإمارات ومصر في هذه المفاوضات، باعتبار تأثيرهما على طرفَي النزاع.
وتتهم الخرطوم أبوظبي بتقديم دعم عسكري ولوجستي ومالي لقوات الدعم السريع، الأمر الذي يسمح لها بمواصلة الحرب.

كما أن الإمارات تمارس نفوذها على عدد من دول الجوار- وفي مقدمتها تشاد وإفريقيا الوسطى وخليفة حفتر في ليبيا- من أجل أن تفتح أراضيها لإيصال الدعم لقوات الدعم السريع.

مع هذا الدعم، بات هناك قلق كبير ليس فقط على استقرار السودان وأمنه، بل على وحدته والخشية من استنساخ النموذج الليبي.

وتواجه الإمارات اتهامات متواترة بالسعي لتعزيز هيمنتها على أكثر من بلد، خاصة في منطقة القرن الإفريقي، وذلك للاستيلاء على ثروات هذه البلاد عَبْر دعم الميليشيات وتغذية الصراعات المحلية، ومن أهمها الصراع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وتشير بعض المعلومات، إلى أن أطماع نهب ذهب السودان تُشكِّل كلمة السر في تحالُف دولة الإمارات مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
يُذكر أن الإمارات تطمع بالتحكُّم في إنتاج الذهب السوداني.

ويُشار إلى أن “جبل عامر” وهي منطقة إستراتيجية تقع في شمال دار فور، لعبت دوراً جوهرياً في رسم الخريطة السياسية والاقتصادية بالسودان منذ انفصال الجنوب الغني بالنفط عن الشمال عام 2011، فضلاً عن أن منطقة سنقو تقع في جنوب نيالا التي تسيطر قوات الدعم السريع على مناجم الذهب فيها، الجدير بالذكر أنه بعد الانفصال، بدأ السودان في البحث عن بدائل، فوجد ضالته في التعدين، وخاصة الذهب.

اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية:

وتؤكد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في المادة الأولى، على كون هذه الأفعال جريمة بموجب القانون الدولي، وعلى الدول المصادقة على الاتفاقية التعهد بمنعها والمعاقبة عليها.

وتعتبر من جرائم الابادة الجماعية، حسب الاتفاقية أيا من الأفعال المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية او أثنية أو عنصرية أو دينية، ومن هذه الأفعال “قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء منها، إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا ، فرض تدابير تستهدف الحؤول دون انجاب أطفال داخل الجماعة ، نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى ” المادة الثانية من الاتفاقية” .

ولا يتمتع أي شخص بحصانة ضد تهمة الابادة الجماعية ، حيث تعاقب الاتفاقية على جرائم أخرى منها التأمر على ارتكاب الابادة الجماعية ، التحريض المباشر والعلني على ارتكابها ، محاولة ارتكاب الابادة الجماعية ، الاشتراك في الابادة الجماعية” المادة 3″. وتعاقب الاتفاقية مرتكبو الابادة الجماعية عن تلك الافعال سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا. ” المادة 4 “

طبيعة الدعوى المرفوعة:

تعتبر محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة وهي هيئة قضائية دولية تأسست بموجب ميثاق الأمم المتحدة، يتمثل دورها في تسوية النزاعات الدولية التي تعرض عليها من طرف الدول، كما يخول ميثاق الأمم المتحدة مجلس الأمن التابع والجمعية العامة، أن يطلبا من محكمة العدل الدولية آراء استشارية غير ملزمة بشأن مسائل القانون الدولي.

تهدف محكمة العدل الدولية إلى حل النزاعات بين الدول طبقا للقانون الدولي والعدالة الدولية، أملا منها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

وتصدر بذلك قرارات قانونية ملزمة للدول الأعضاء يتوجب عليها الامتثال لها، كما تعمل أيضا على إصدار توجيهات قانونية بشأن تفسير وتطبيق الاتفاقيات الدولية.
وتسعى أيضا إلى دعم وتنفيذ مبادئ العدالة والمساءلة والدفاع عن حقوق الإنسان على مستوى العالم، إذ تعمل على تعزيز سيادة القانون عبر ضمان تطبيقه بشكل متسق وعادل داخل البلدان وفيما بينها، كما تقطع مع مسألة الإفلات من العقاب بمحاسبة الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وغيرها. فضلا عن ذلك، تسهم محكمة العدل الدولية بشكل كبير في منع النزاعات وحلها، من خلال توظيف الآليات القانونية والوسائل السلمية.

وقد أُنشئت محكمة العدل الدولية يوم 26 يونيو 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وكانت أولى جلساتها الافتتاحية في إبريل 1946. خلفا للمحكمة الدائمة للتحكيم الدولي التي أنشئت في ظل عصبة الأمم.

ويعتبر النظام الأساسي للمحكمة جزءًا من الميثاق، وهذه المحكمة لا تحاكم الأفراد، ولكنها تحاكم الدول.

وهذا هو الاختلاف بينها وبين المحكمة الجنائية الدولية التي تحاكم الأفراد على أساس مسؤوليتهم الجنائية الفردية، فيما يخص الجرائم الخاضعة للقانون الدولي، بينما تركز محكمة العدل الدولية على الواجب والمسؤولية الدولية للدول.

تعتبر جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، هي بحكم الواقع أعضاء في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية (المادة 93-1 من ميثاق الأمم المتحدة). بيد أن قبول اختصاص محكمة العدل الدولية يبقى اختياريًّا. وهذا يعني أن على الدول أن توافق بالتحديد على إحالة القضايا القانونية أو حقائق يتم التنازع عليها مع دول أخرى. وبمجرد أن تقبل الدول اختصاص محكمة العدل الدولية بشأن دعوى ما، تكون الدول تلقائيًّا ملزمة بقرارها.

ويمكن للدول أن تقبل سلطة محكمة العدل الدولية بطرق مختلفة:

على سبيل المثال يجوز للدول في أي وقت، إصدار بيان رسمي يؤكد اعترافها بحكم الواقع باختصاص المحكمة على أنه إلزامي، في ما يتعلّق بجميع النزاعات ودون الإشارة إلى أي نزاع بصورة خاصة. وبذلك، تتفق الدول على أن ترفع إلى المحكمة جميع النزاعات القانونية مع أية دولة أخرى أصدرت ذات الإعلان. وبذلك يكون للمحكمة اختصاص إصدار حكم بشأن جميع القضايا القانونية التي تخصّ تفسير معاهدة ما، أو أية قضية تخصّ القانون الدولي، ووجود أي حقيقة، إن ثبتت، يمكن أن تشكل إخلالًا بالتزام دولي، وطبيعة أو مدى التعويضات التي يراد إصدارها بشأن هذا الإخلال.

وفي حالة وجود نزاع، يمكن للدول المعنية أن تختار بالاتفاق المتبادل رفع قضية معيَّنة إلى اختصاص المحكمة (المادة 36-1 من النظام الأساسي).

والدول وحدها يجوز لها أن تحيل مسائل إلى محكمة العدل الدولية ضد دول أخرى قبلت أيضًا اختصاصها. وينطبق اختصاص المحكمة على جميع النزاعات التي تشمل عنصرًا قانونيًّا مثل تفسير أي معاهدة وأية نقطة في القانون الدولي، ووجود أية حقيقة إذا ما تأكدت ستشكل إخلالًا من جانب دولة بالتزاماتها الدولية، وطبيعة أو مدى التعويضات المقرر تقديمها مقابل الإخلال بهذا الالتزام. (المادة 36 من النظام الأساسي).

وتعتبر قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة ونهائية في ما يتعلق بالدول ويمكن التقدم باستئناف ضدها (المادة 94-1 من الميثاق، والمادة 60 من النظام الأساسي). ولمجلس الأمن السلطة، بناءً على طلب الدولة المتضررة، لتنفيذ تدابير خاصة لإنفاذ الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية (المادة 94-2 من الميثاق).

إمكانية إصدار التدابير المؤقتة

نظرًا للمدة التي تستغرقها الإجراءات القانونية وبطء وتيرتها، يجوز لمحكمة العدل الدولية، عندما تستوجب ذلك طبيعة الدعوى، اتخاذ قرار بفرض تدابير احتياطية على أيٍ من أطراف الدعوى (المادة 41 من النظام الأساسي). والشيء الذي يتعرض للخطر هنا حماية حقوق أيٍ من الأطراف ومنع أفعال خطيرة لا رجعة فيها، يجري ارتكابها أثناء الفترة التي يتطلبها التحقيق في حيثيات القضية.

وتعتبر هذه التدابير، دون المساس بالقرار النهائي، إلزامية بطبيعتها. ويشكل عدم احترام هذه التدابير الاحتياطية إخلالًا بالالتزامات الدولية للدول المعنية، وتترتب عليه مسؤولية قانونية. ويولي الحكم النهائي للمحكمة مراعاة كاملة لاحترام أو لانتهاكات التدابير الاحتياطية الصادرة أثناء التحقيق.

القواعد الرئيسية لاختصاص المحكمة

ـ الدول فقط هي التي يجوز لها أن تكون أطرافا في القضايا المعروضة على المحكمة.”المادة 34 من النظام الأساسي”.

ـ يجوز للمحكمة، رهنا بقواعدها وبما يتفق معها، أن تطلب من المنظمات الدولية العامة معلومات ذات صلة بالقضايا المعروضة عليها، وتتلقى هذه المعلومات التي تقدمها هذه المنظمات بمبادرة منها.

ـ يشمل اختصاص المحكمة جميع القضايا التي يحيلها الأطراف إليها وجميع المسائل المنصوص عليها بشكل خاص في ميثاق الأمم المتحدة أو في المعاهدات والاتفاقيات النافذة.”المادة 36″.

اختصاص محكمة العدل الدولية بنظر النزاعات الناشئة عن تطبيق الاتفاقية:

كما تشير الاتفاقية إلى اختصاص واضح لمحكمة العدل الدولية بعرض النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقد بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسئولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة. وهو ما تنص عليه المادة 9 من الاتفاقية.

مضمون الدعوى:

في 5 مارس الماضي، قدّمت السودان طلبًا لرفع دعوى قضائية ضد الإمارات العربية المتحدة أمام محكمة العدل الدولية بشأن نزاع، يتعلق بانتهاكات مزعومة من قبل الإمارات لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (“اتفاقية الإبادة الجماعية”)، فيما يخص مجموعة المساليت في السودان، وخاصة في غرب دار فور.

ويتعلق طلب السودان بـ”أفعال باسم قوات الدعم السريع (‘RSF’) وميليشيات متحالفة معها، وتشمل- دون حصر- الإبادة الجماعية، والقتل، والسرقة، والاغتصاب، والتهجير القسري، والتعدي، وتخريب الممتلكات العامة، وانتهاك حقوق الإنسان”.

ووفقا للدعوى ترى الحكومة للسودانية، أن جميع هذه الأفعال “تم تنفيذها وتيسيرها من خلال الدعم المباشر الذي تقدمه الإمارات العربية المتحدة لميليشيا الدعم السريع المتمردة والجماعات المسلحة المرتبطة بها”.

كما يتناول الطلب “الأفعال التي تبنتها، أو وافقت عليها، أو نفذتها، أو لا تزال تنفذها حكومة الإمارات العربية المتحدة، فيما يتعلق بالإبادة الجماعية ضد مجموعة المساليت في جمهورية السودان منذ عام 2023 على الأقل”.

ـ ويشير الطلب، إلى أن الإمارات “متواطئة في الإبادة الجماعية ضد المساليت من خلال توجيهها وتقديمها دعمًا ماليًا وسياسيًا وعسكريًا واسع النطاق لميليشيا الدعم السريع المتمردة”.

ويستند الطلب إلى المادة 36، الفقرة 1، من النظام الأساسي للمحكمة، والمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، والتي تُعد السودان والإمارات طرفين فيها.
كما رافق الطلب طلبٌ لاتخاذ تدابير مؤقتة، وذلك بموجب المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة والمواد 73 إلى 75 من قواعد المحكمة.

وتطلب السودان من المحكمة، إلى حين صدور الحكم النهائي في القضية، الإشارة إلى التدابير المؤقتة التالية:

  1. أن تلتزم الإمارات العربية المتحدة، وفقًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، باتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع ارتكاب أي من الأفعال الواردة في المادة الثانية من الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص:
    (أ) قتل أفراد المجموعة.
    (ب) إلحاق ضرر جسدي أو نفسي جسيم بأفراد المجموعة؛
    (ج) تعمد فرض ظروف معيشية على المجموعة تهدف إلى تدميرها كليًا أو جزئيًا.
    (د) فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل المجموعة.
  2. أن تضمن الإمارات العربية المتحدة، فيما يتعلق بأفراد مجموعة المساليت، ألا ترتكب أي وحدات مسلحة غير نظامية قد تكون موجهة أو مدعومة منها، وألا ترتكب أي منظمات أو أفراد يخضعون لسيطرتها أو توجيهها أو نفوذها، أيًا من الأفعال المذكورة في النقطة (1) أعلاه، بما في ذلك التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية، أو التحريض المباشر والعلني على ارتكابها، أو محاولة ارتكابها، أو التواطؤ فيها.

  3. من ناحيتها، رفضت الإمارات هذا الاتهام على لسان بيان أحد المسئولين لوكالة رويتر، قائلا إن الاتهامات “تفتقر إلى أي أساس قانوني أو واقعي. قال مسؤول إماراتي في بيان أرسل إلى رويترز، إن “الإمارات ستسعى إلى رفض فوري لقضية رفعها السودان ضدها أمام محكمة العدل الدولية”.
  4. دلائل الاتهام ضد الإمارات:

  5. سبق أن نشرت وكالة السودان للأنباء (سونا) ملفاً، قالت إنه يحوي أدلةً بشأن “حرب الإمارات على السودان”، قدّمته الحكومة السودانية إلى مجلس الأمن.

  6. يحتوي الملف ما يشير إلى مضبوطات مزعومة لعدد من الأسلحة والقِطَع العسكرية وأجهزة الاتصال والتجسُّس التي يدّعي التقرير أنها إماراتية المصدر، إضافة إلى عدد من وثائق الهُوِيَّة لشخصيات إماراتية يقول التقرير إنه عُثر عليها في مناطق شهدت معارك داخل السودان .

  7. واتهم التقرير النهائي لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المقدَّم في الفقرة 2 من القرار 2676 (2023)، الصادر في 15 يناير 2024، وكذلك بعض التقارير الصحفية الإماراتِ، بأنها ورَّدت الأسلحة والذخيرة إلى قوات الدعم السريع بواسطة رحلات جوية عَبْر تشاد، ووفقاً للمعلومات التي جمعها فريق الأمم المتحدة من مصادر في تشاد ودار فور، حول هذا الدعم، كانت هذه الادعاءات “ذات مصداقية”،
    وورد في التقرير: “كان لهذه القوة النارية الجديدة تأثير هائل على توازُن القُوى على الأرض سواء في دارفور أم المناطق الأخرى”.

  8. وعدّد التقرير أنواع الأسلحة المورَّدة، بما شمل المُسيَّرات القتالية (UCAV)، ومدافع الهاوتزر، وقاذفات الصواريخ المتعددة، والأسلحة المضادّة للطائرات مثل منظومات الدفاع الجوي المحمولة، التي شُوهِدت في نيالا والفاشر والجنينة.

  9. بالإضافة إلى ذلك، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عقوبات على شقيق حميدتي ونائبه، عبد الرحيم دقلو، وبعض القيادات بسبب “الدور الفاعل في أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك ارتكاب مذابح ضدّ المدنيين والقتل العِرْقي واستخدام العنف الجنسي”.

  10. اختصاص المحكمة بهذه الدعاوي

  11. هناك عدد من القضايا المشابهة رفعت أمام المحكمة في موضوع مخالفة اتفاقية الابادة الجماعية. أبرزها قضيتان الأولى رفعتها جنوب إفريقيا أمام المحكمة ضد إسرائيل العام الماضي، وانضمّ لها عدد من الدول.
    وحظيت باهتمام عالمي واسع، حيث غطتها كبرى وسائل الإعلام الدولية بشكل مكثف، مع تحليلات قانونية وسياسية موسعة.

  12. كما ساهمت الحملة الدبلوماسية القوية لجنوب إفريقيا في إبراز القضية على المستوى الدولي، مما عزز زخمها السياسي والإعلامي. والثاتية رفعتها نيكاراغوا ضد ألمانيا تتهمها فيها….
    تقدمت دولة جنوب إفريقيا بدعوى قضائية ضدّ “إسرائيل” في 29/12/2023، وتشير جنوب إفريقيا في دعواها بأن “إسرائيل” تقوم بإبادة جماعية للفلسطينيين، مستندة على الوقائع الموثقة التالية:
  13. عمليات القتل والتشويه التي تمارسها “إسرائيل” على نطاق واسع ضدّ المدنيين الفلسطينيين.
  14. استخدام القنابل “الغبية” ضدّ المدنيين.
  15. الإجبار للمدنيين على النزوح الجماعي وتدمير الأحياء التي يعيشون فيها.
  16. حرمان المدنيين من الحصول على الغذاء والماء والرعاية الطبية والمأوى والملابس والنظافة والصرف الصحي.
  17. التحريض على القتل والتدمير استناداً لسلسلة من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، بما فيها الدعوة لاستخدام القنابل الذرية.
    من جانبها، أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً ابتدائياً وتدابير طارئة بحق إسرائيل في الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا في أواخر يناير 2024.
    يتضمن الحكم: اتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، ضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بأي أعمال إبادة، منع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، و اتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، عدم التخلص من أي دليل، يمكن أن يستخدم في القضية المرفوعة ضدها، تقديم تقرير للمحكمة خلال شهر بمدى تطبيقها لهذه التدابير والأحكام.
    وفرضت المحكمة بعض هذه الإجراءات على إسرائيل، في ما يتعلق بتمكين تقديم المساعدات الإنسانية، ومنع ومعاقبة التحريض المحلي على الإبادة الجماعية، وقضايا مماثلة. كما وافقت إسرائيل على تقديم تقارير مباشرة إلى المحكمة بشأن التزامها بهذه الأوامر، مع العلم أنّه لم يتم نشر هذه التقارير.
    وفي وقت لاحق، قدّمت جنوب إفريقيا ثلاثة طلبات أخرى؛ لفرض تدابير مؤقتة إضافية وتعديل التدابير القائمة، مستشهدة بالحملة العسكرية الإسرائيلية في رفح وغيرها من التطورات الجديدة.
    وفي 24 مايو 2024، أصدرت المحكمة قرارا يطالب “إسرائيل بالوقف الفوري لهجومها العسكري على مدينة رفح، وأي عمل أخر في جنوب غزة، قد يفرض على الفلسطينيين ظروفا معيشية، يمكن أن تؤدي إلى تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
    وأكدت المحكمة في قراراها مجددا على التدابير المؤقتة المشار إليها في الأمرين الصادرين في 26 يناير و28 مارس 2024.
    وفي 26 يناير 2024، رفعت نيكاراجوا قضيتها، وتشير فيها إلى أن ألمانيا- من خلال توفير الأسلحة لإسرائيل- تنتهك اتفاقيات معينة بشأن الإبادة الجماعية وغيرها من الصكوك التي تحمي القانون الدولي الإنساني. بالنسبة لأدوات مثل اتفاقية منع الإبادة الجماعية، قد تعتبر كل دولة طرف في الاتفاقية، أن من حقها ضمان الامتثال للاتفاقية.
    واتهمت نيكاراجوا ألمانيا، إياها بعدم الامتثال للالتزام المنصوص عليه في اتفاقية عام 1948 “ببذل كل ما في وسعها لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية” خلال حرب غزة.
    وشددت الدعوى على “الدعم السياسي والمالي والعسكري” الذي تقدمه ألمانيا “لإسرائيل” وقرارها تعليق تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
    كما طلبت نيكاراغوا اتخاذ تدابير مؤقتة، لكنّ المحكمة قضت، في إبريل، بعدم ضرورة اتخاذ هذه التدابير؛ نظرًا للإجراءات التي اتُخذت أصلًا في قضية جنوب إفريقيا.
    لكن لا يزال من الممكن توقع صدور حكم نهائي بشأن الأسس الموضوعية للدعوى في مرحلة ما، رغم طلب ألمانيا رفض القضية.
    سوابق قضائية أخرى للمحكمة في انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية:
    في يناير 2020، أمرت محكمة العدل الدولية ميانمار (بورما) باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية سكانها الروهينجيا المسلمين من أعمال العنف في حكم، وصفته جامبيا التي رفعت القضية، بأنه “انتصار للعدالة الدولية”.
    وقدمت جامبيا الدعوى القضائية في نوفمبر 2019 أمام المحكمة، متهمة ميانمار بارتكاب إبادة جماعية ضد الروهينجيا، بما ينتهك اتفاقية 1948.
    وتعلق الحكم الصادر حينها فحسب بطلب غامبيا اتخاذ إجراءات تمهيدية. لكن هيئة المحكمة المؤلفة من 17 قاضيا قالت في حكم صدر بالإجماع، إن الروهينغيا يواجهون خطرا مستمرا، ويتعين على ميانمار حمايتهم.

  18. خيارات المحكمة:

  19. قد تثار بعض الاعتراضات الأولية من جانب الدولة المدعي عليها، كالتي تثار للطعن في اختصاص المحكمة في البت في موضوع الدعوى على سبيل المثال (قد تزعم الدولة المدعى عليها، أن المحكمة غير مختصة أو أن الطلب غير مقبول). وهو أمر متروك للمحكمة نفسها للبت فيه.
    وينص النظام الأساسي أيضاً على الحالات التي تفشل فيها الدولة المدعى عليها في المثول أمام المحكمة، إما لأنها ترفض اختصاص المحكمة تماماً، أو لأي سبب آخر، و عدم حضور أحد الأطراف، لا يمنع الإجراءات من أخذ مجراها، على الرغم من أنه يجب على المحكمة، أن تتأكد أولاً من أنها مختصة.وقد يستغرق القرار النهائي للمحكمة أعواما.
    على الورق، تُعتبر أحكام محكمة العدل الدولية ملزمة قانونًا. لكن إذا اختارت الدول المتنازعة عدم الالتزام بها، فلا يمكن إنفاذها إلا من خلال قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
    تقييم الخطوة السودانية:
    تمثل هذه الدعوى خطوة مهمة من جانب الحكومة السودانية بعرض اتهاماتها على أكبر جهاز قضائي في العالم، لتحقق بعض الأهداف أهمها:
    ـ وضع الحكومة الإماراتية في قفص الاتهام أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بتوجيه اتهامات لها، بأنها ترتكب جرائم مخالفة لاتفاقية حظر الإبادة الجماعية، وهو ما يساوي موقفها مع موقف دولة الاحتلال الإسرائيلي في العدوان على غزة.
    وهو ما يمكن أن يلقي مزيدا على الضوء على سياسات الحكومة الإماراتية في دعم قوات الدعم السريع.
    ـ ممارسة ضغوط دولية على المستوى السياسي والقانوني والإعلامي على دولة الإمارات، يمكن أن تدفعها إلى التراجع بشكل تكتيكي أو تقلل من تحالفها مع قوات الدعم السريع، نظرا للعواقب التي تلحق بالسياسة الإماراتية في المنطقة.

  20. وهو ما يتوازى مع ممارسة الضغوط العسكرية للجيش السوداني على القوات التابعة لحميدتي، ونجاح الجيش في السيطرة على عدة مدن كانت في حوزة قوات الدعم السريع.
    ونجحت الحكومة السودانية في نقل هذا الصراع إلى الأمم المتحدة، بنقد الموقف الأماراتي والتشهير به في أكثر من اجتماع بخصوص السودان، والعمل على استبعاد الدور الاماراتي من أي تسويات على المستوى الإقليمي.

  21. وبخصوص نجاح الدعوى القضائية، فهذا ما يتوقف عليه إثارة هذا الملف على المستوى الإعلامي، وإلقاء الضوء على الممارسات الإماراتية، وتقديم مزيد من الأدلة المقنعة للمحكمة حول مسئولية الإمارات عن هذه الجرائم، وإثارتها أمام اجتماعات الأمم المتحدة، وهو ما يمكن أن يدفع هذا الملف بقوة أمام المحكمة وإمكانية إصدارها لتدابير أولية في شأن الدعوى قبيل إصدار حكمها في الادعاءات السودانية.