انتشر مقطع فيديو صادم على وسائل التواصل الاجتماعي، يُظهر حاوية الجثث المحترقة وهياكل عظمية متفحمة في محيط مستشفى التميز بالعاصمة السودانية الخرطوم. أثارت هذه المشاهد المروعة حالة من الغضب والتساؤلات حول هوية الضحايا والجهة المسئولة عن هذه الجريمة البشعة.

الصورة| هياكل ورفات الحاوية المحترقة

موقع الحاوية وظروف اكتشافها

بحسب مصادر محلية، فإن موقع الحاوية المحترقة تم تحديده بعد استعادة الجيش السوداني سيطرته الكاملة على ولاية الخرطوم، بما في ذلك مناطق شرق ووسط وجنوب الخرطوم، حيث وُجدت الحاوية. جاء ذلك عقب أكثر من 12 شهرا من سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة، مما يطرح تساؤلات جدية حول توقيت الحريق وأسبابه.

محاولات تضليل الرأي العام

في أعقاب انتشار الفيديو، حاولت بعض الجهات المرتبطة بقوات الدعم السريع ترويج رواية، مفادها أن الحريق كان بفعل الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه، وذلك بهدف طمس الأدلة التي قد تُثبت تورطهم في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في يونيو 2019، والتي راح ضحيتها مئات المتظاهرين السلميين.

الجثث المفقودة والمشرحة الممتلئة

ترجع جذور هذه القضية إلى ما بعد ثورة ديسمبر 2018، حيث اكتظت مشرحة مستشفى التميز بعدد كبير من الجثث التي لم يتم التعرف على هوياتها، مما أدى إلى انتشار روائح كريهة؛ تسببت في استياء واسع بين المواطنين. دفعت هذه الأزمة السلطات آنذاك إلى نقل الجثث إلى حاويات داخل المستشفى، وهو ما أثار مخاوف حول مصير الضحايا المختفين قسريًا خلال تلك الفترة. كما أدى تسرب الدماء والسوائل من الجثث إلى تفجر جدل واسع حول ضرورة التعامل مع هذه القضية بشفافية.

تدخل مجلس السيادة والاعتراضات الحقوقية

على إثر هذه التطورات، قرر مجلس السيادة الانتقالي، برئاسة عبد الفتاح البرهان، تشكيل لجنة نيابية للتحقيق في الأمر، مع إصدار توجيهات بدفن الجثث. إلا أن هذا القرار قوبل بمعارضة شديدة من قبل جهات حقوقية محلية ودولية، حيث اعتبر البعض أن تشكيل اللجنة عبر النيابة العامة يفتقر إلى النزاهة، فيما طالبت جهات أخرى بالكشف عن نتائج التحقيقات قبل الشروع في أي عمليات دفن.

وفي السياق ذاته، كانت هناك اعتراضات من قبل اللجنة النيابية التي شكلها النائب العام الأسبق تاج السر الحبر، والتي كانت مكلفة بالتحقيق في قضايا المختفين قسريًا. رفضت اللجنة أي قرارات بدفن الجثث قبل التحقق من هوياتها، مما أدى إلى تجميد القضية لفترة طويلة، قبل أن تعود إلى السطح مجددًا بعد احتراق الحاوية.

أسئلة مشروعة حول الجريمة

أعاد هذا الحدث المؤلم طرح العديد من التساؤلات حول المسئول الحقيقي عن إحراق الجثث، وهل الجثامين التي احترقت هي نفسها التي وُجدت قبل أربع سنوات، أم أن الحاوية كانت تضم ضحايا جريمة جديدة، تتعلق باحتجاز أشخاص داخلها ثم حرقهم؟ ولماذا تحاول بعض الجهات الترويج لاتهام الجيش السوداني بهذه الجريمة، رغم أن الوقائع على الأرض تشير إلى عكس ذلك؟

تحليل الوقائع والمسئولية المباشرة

تشير الحقائق، إلى أن قوات الدعم السريع كانت القوة المسيطرة على الخرطوم منذ اندلاع الحرب في 15 إبريل 2023، بينما كان الجيش محاصرًا داخل معسكراته، مما ينفي مسئوليته عن الجريمة. كما أن أسلوب الحرق يُعد إحدى السمات البارزة لجرائم قوات الدعم السريع منذ تأسيسها، حيث عُرفت بارتكاب انتهاكات واسعة في دارفور، شملت حرق القرى والمدن بعد احتلالها ونهبها.

كما أن سجل الدعم السريع خلال الحرب الأخيرة يعزز الاتهامات الموجهة إليه، فقد وثقت منظمات حقوقية جرائم مماثلة، مثل احتجاز مدنيين داخل أحواض الصرف الصحي (“سابتنك”)، وداخل بئر مياه في منطقة سوبا، مما يؤكد أن هذه الممارسات ليست جديدة عليهم. وبالتالي، فإن محاولة إلصاق التهمة بالجيش السوداني تبدو، وكأنها استراتيجية لصرف الأنظار عن الجناة الحقيقيين، وإرباك الرأي العام لتغطية هذه الجريمة المروعة.

انكشاف الحقائق بعد استعادة السيطرة

بعد استعادة الجيش السوداني سيطرته على العاصمة، بدأت تفاصيل الجرائم والانتهاكات، تتكشف بوضوح، مدعومة بأدلة دامغة، مما يفتح الباب أمام محاسبة مرتكبيها محليًا ودوليًا. كانت قوات الدعم السريع تعمل على قمع أي محاولات للكشف عن هذه الجرائم من خلال بث الرعب بين المدنيين، فضلًا عن تدمير البنية التحتية وتعطيل شبكات الاتصالات، مما أثر بشكل كبير على عملية رصد وتوثيق الانتهاكات.

إن الكشف عن هذه الجرائم يمثل فرصة حقيقية لتحقيق العدالة، وضمان محاسبة كل من تورط في انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. إذ تتصاعد المطالبات الشعبية بأنه لا يمكن السماح بطمس الأدلة أو تكرار سيناريو الإفلات من العقاب.