“بدلا من المساواة العرقية والجنسانية والتسامح مع الأقليات الأخرى، يُريد ترامب العودة إلى سيادة البيض والأدوار الجندرية التقليدية. وبدلاً من التنافس بين القوى العظمى المُقيد بالأعراف، يُريد أن تكون القوى العظمى حرة في انتزاع ما في وسعها، تمامًا، كما فعلت قبل قرن. وبدلاً من حرية التعبير والمعارضة الوطنية، يُريد صحافة مُكممة، وجامعات خاضعة، والقدرة على ترحيل المقيمين القانونيين لمجرد آرائهم السياسية. وبدلاً من رئاسة أمة مُتنوعة تتجدد طاقاتها بوصول المهاجرين الطموحين، يُريد أمريكا مُحاطة بالأسوار، حيث يكون بعض المولودين فيها فقط مواطنين”.- هكذا لخص ستيفن م. والت- أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد أمريكا ترامب.

إن سياسات وخطابات ترامب وإدارته لها تأثير ملموس على إعادة صياغة وتشكيل مفاهيم حقوق الإنسان من خلال ثلاثة عناصر: مرجعية المفهوم الأساسية التي تبلورت على مدار العقود التالية لنهاية الحرب الثانية ١٩٤٥، وعالمية حقوق الإنسان التي اكتسبت قوة دفع من النظام الليبرالي العالمي، وأخيرا وليس آخرا، تقويض جهود دعم الديمقراطية على المستوى العالمي، وتشجيع المستبدين في أنحاء العالم. إن تقويض الديمقراطية الأمريكية، وإعادة صياغة التحالفات ليس على خطوط الصدع التقليدية: عالم حر ديمقراطي في مقابل الآخرين، وإلغاء التمويل المتاح للمؤسسات الوطنية الداعمة للديمقراطية ونشطاء حقوق الإنسان، والانسحاب من المؤسسات الدولية الراعية والداعمة للحقوق، وتغليب الصفقات في العلاقات بين الدول … مجرد أمثلة في هذا الصدد.

على الصعيد المحلي، يُنظر إلى تصرفات إدارة ترامب، باعتبارها اعتداءً على الحقوق الأساسية: تعتبر الجماعات الدينية، أن توجيه إدارته بالسماح لهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك ICE بمداهمات أماكن العبادة، يشكل انتهاكًا لحريتهم الدينية. وقد أدى هذا إلى إثارة الخوف بين المصلين المهاجرين، مما دفع بعضهم إلى التوقف عن حضور المناسبات الدينية. يلغي التوجيه مبدأ اساسيا قائمًا منذ فترة طويلة لحماية المواقع الحساسة، ويمنح عملاء ICE سلطة واسعة.

شن ترامب وحلفاؤه هجمات على زعماء دينيين محددين؛ انتقدوا سياساته، واتهمت إدارته بتقويض حرية ممارسة الأديان التي لا تتوافق مع كنيسته.

إن قرار إلغاء التوجيه القائم منذ فترة طويلة ضد مداهمات الهجرة في الأماكن “المحمية” أو “الحساسة” مثل، دور العبادة للديانات المختلفة، يعتبر انتهاكًا خطيرًا للحريات الدينية، وقد أدى هذا إلى إثارة الخوف وردع المشاركة في الأنشطة الدينية، حتى من دون مداهمات فعلية.

إن الحرب على “التنوع والمساواة والإدماج” داخل الحكومة الفيدرالية هي جزء من جهد أوسع نطاقًا لإلغاء قوانين الحقوق المدنية، وإعادة فرض التسلسلات الهرمية القائمة على العرق والجنس، مما قد يؤدي إلى تقويض مبدأ المساواة.

إن أجندة ترامب تتضمن “العودة إلى سيادة البيض والأدوار الجندرية التقليدية”، وهذا يشير بطبيعته إلى إعطاء الأولوية لحقوق ومكانة الرجال البيض على المجموعات العرقية الأخرى.

إن المناقشة الموسعة حول “حرب إدارة ترامب على التنوع والمساواة والشمول”، وجهودهم الرامية إلى “استئصالهم من الحكومة الفيدرالية” تشير إلى الابتعاد عن السياسات التي تهدف إلى ضمان المساواة في الحقوق والفرص لجميع الأفراد- بغض النظر عن العرق أو الجنس، وتسلط الضوء على الهدف المعلن لترامب وحلفائه وهو: “استعادة عالم حيث يكون المؤهل الأول والأهم لأي وظيفة مهمة، هو ما إذا كنت أبيض اللون وذكرًا”.

تتناقض هذه الرؤية بشكل مباشر مع مبدأ حقوق الإنسان العالمية والمساواة، مما يشير إلى تفضيل نظام يعتمد على العرق والجنس.

قامت إدارة ترامب بتفكيك شرط عمره عقود من الزمن، يلزم المقاولين الفيدراليين بتوظيف المزيد من النساء والأشخاص ذوي البشرة الملونة. فسر البعض هذا القرار، على أنه خطوة من شأنها أن ترضي أنصار الفصل العنصري، مما يعني ضمناً تراجع التقدم الذي أحرزته حركة الحقوق المدنية نحو المساواة العرقية.

تشير بعض المصادر إلى وجهة نظر داخل دوائر ترامب، تصف الجهود الرامية إلى تعزيز المساواة العرقية والإدماج، بأنها “غطاء شامل للتمييز ضد البيض”، وبذلك يتم دعم وجهة نظر، ترى أن مصالح الرجال البيض قد تتعرض للتهديد من خلال مبادرات الشمول.

هناك أيضا وجهة نظر ذات صلة، (وليست خاطئة تماما) من اليسار السياسي مفادها، أن التنوع والإنصاف والإدماج ما هو إلا ستار دخاني لرأس المال، وخدمة وغطاء متعدد الثقافات للأجندات النيوليبرالية للطبقات الإدارية، سواء كانوا مديرين تنفيذيين في الشركات أو مديري الجامعات.

والنتيجة المترتبة على المعاني العديدة التي تحملها كلمة “التنوع والإدماج”؛ هي أنه عندما أعلن الرئيس ترامب في بداية ولايته، أنه يريد اقتلاعهما من الحكومة الفيدرالية، كان هناك بعض التعاطف ــ بل وحتى الاتفاق ــ من جانب أولئك الذين يعارضون الإدارة وبرنامجها الإجمالي.

وعلى الصعيد الدولي، تشير سياسات ترامب وخطاباته إلى تحول بعيداً عن التركيز التقليدي للولايات المتحدة على حقوق الإنسان. إن إلغاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وضم أنشطتها لوزارة الخارجية، تعني- في نهاية المطاف- أن: “تعزيز الديمقراطية، وتمكين المرأة، ومكافحة الإتجار بالبشر، وحماية الحريات الدينية…” يجب النظر إليها من منظور مدى خدمتها للمصالح الأمريكية أولا، ومدى مساندتها لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. هذا معناه إعطاء الأولوية لمصالح الولايات المتحدة على القيم العالمية لحقوق الإنسان، مما قد يقوض الحياد المفترض لهذه الجهود.

إن تشكك الإدارة تجاه برامج مساعدات الديمقراطية التي تدعم “المساواة بين الجنسين” و “الإدماج العنصري والإثني” يشير إلى وجهة نظر أضيق بشأن الحقوق التي تعتبر مهمة لتعزيزها على الصعيد الدولي.

لقد أدى خطاب ترامب- كما ظهر في تهجير الغزاويين- إلى التطبيع مع مفاهيم لم تكن مقبولة سابقًا مثل، “التطهير العرقي” و “النزوح القسري”، مما قد يؤدي إلى إضعاف الإجماع الدولي ضد مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان. إن تصريحات ترامب خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نتنياهو- فبراير من هذا العام- كانت صادمة للكثيرين؛ حيث لم يتمكن العديد من فهم مغزى كلماته. وأكد أنه لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، جعل رئيس أمريكي مصطلحات مثل “التطهير العرقي” و”التهجير القسري“، التي كانت منبوذة وغير مقبولة دوليًّا، موضع نقاش، وكأنها أصبحت مقبولة على الساحة السياسية الدولية، في تحدٍّ واضح للقانون الدولي.

إن انسحاب إدارته من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، إلى جانب التشكيك في التحالفات القائمة منذ فترة طويلة، يشير إلى الابتعاد عن التعددية، وربما التركيز المنخفض على المعايير العالمية، بما في ذلك حقوق الإنسان.

إن تفضيل ترامب الواضح لعالم الأفراد الأقوياء على الأنظمة والتحالفات القائمة على القواعد يشير إلى تراجع دور أطر حقوق الإنسان الدولية.

إن الانسحاب من بعض المنظمات الدولية وإضعافها والتشكيك في توافقها مع سياسة “أمريكا أولاً” يشير إلى انخفاض محتمل في الدعم الأمريكي لمبادرات حقوق الإنسان الدولية. إن الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ووقف تمويل الأونروا، بحجة التحيز ضد إسرائيل، ومعاقبة المحكمة الجنائية الدولية، يوضح بشكل أكبر ابتعاد الولايات المتحدة عن هيئات حقوق الإنسان الدولية.

إن التركيز على “القيم الأمريكية” في وثائق مثل “تفويض القيادة: الوعد المحافظ” -التي تعد منفيستو حكم ترامب، ورفض أيديولوجيات “اليقظة” قد يؤدي إلى تفسير وتطبيق أضيق وأكثر انتقائية لحقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية.

باختصار، يبدو أن سياسات ترامب وخطاباته تُضعف سلطة حقوق الإنسان وشموليتها من خلال إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية، والتشكيك في المعايير والمؤسسات الدولية، وسنّ سياسات محلية يراها الكثيرون انتهاكًا للحقوق الأساسية. هذا النهج قد يُقوّض الإجماع العالمي حول حقوق الإنسان، وقد يُشجع دولًا أخرى على تجاهل هذه المبادئ -كما ظهر في انسحاب فيكتور إوربان رئيس وزراء المجر من المحكمة الجنائية الدولية عند استقباله نتنياهو.

الأولويات: أجندة قومية محافظة

لترامب أولوياته في مجال حقوق الإنسان، لكن تركيزه يبدو انتقائيًا، وغالبًا ما يتماشى مع أهداف سياسية وقومية محددة.

١- انتقائية الحرية الدينية: يُنظر إلى بعض تصرفات إدارة ترامب، على أنها هجمات على الحرية- كما قدمت. وقع ترامب على أوامر تنفيذية تزعم “تخفيف الأعباء على حرية ممارسة الدين”، إلا أن هذا التركيز ينصب على حماية أتباع الديانات التي يتوافق معها أكثر. تؤكد وثيقة “تفويض القيادة” على الدفاع عن الحرية الدينية، باعتبارها قيمة أمريكية أساسية، وفي هذا السياق، يتم إيلاء اهتمام خاص لوضع المسيحيين في الشرق الأوسط والأقليات الدينية الأخرى.

٢- السيادة الوطنية وأمن الحدود: تركز الإدارة الأمريكية بشكل قوي على الدفاع عن السيادة الوطنية والحدود والموارد ضد التهديدات العالمية، ويبدو أن هذه الأولوية تؤثر على نهجها تجاه الهجرة والتعاون الدولي، مما قد يؤدي إلي انتهاكات لحقوق اللاجئين.

٣- مناهضة أيديولجية “اليقظة: تُظهر الإدارة معارضة قوية لقضاياها، وترى أنها مثيرة للانقسام ومضرة بالمجتمع الأمريكي. وقد تجلى هذا في إجراءات مثل، إنهاء الاعتراف الرسمي بشهر التاريخ الأسود في بعض الدوائر الحكومية، وتقييد المناقشات حول التنوع والمساواة والشمول. ويمكن اعتبار هذا بمثابة إعطاء الأولوية لوجهة نظر ثقافية محددة على حساب جهود الشمول ومكافحة التمييز الأوسع.

٤- تفسيرات ضيقة للقيم الأمريكية والحريات الفردية: تؤكد وثيقة “تفويض القيادة” على الحريات الفردية الممنوحة من الله، ولكن هذه الحريات غالبًا ما تكون مؤطرة ضمن فهم تقليدي ومحافظ، وتربطها بالأسرة والكنيسة والحكومة المحدودة، والوطن- كما أشرت في مقالي السابق على منصة مصر ٣٦٠. يشير هذا إلى إعطاء الأولوية لأنواع معينة من الحريات الفردية على أنواع أخرى، مما قد يؤدي إلى تجاهل القضايا المتعلقة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية أو حقوق الفئات المهمشة.

إن التركيز على استعادة الأسرة كمركز للحياة الأمريكية وتعزيز هياكل الأسرة التقليدية قد يُنظر إليه على أنه يتماشى مع وجهة نظر معينة بشأن الحقوق الشخصية، وربما يكون ذلك على حساب أنماط الحياة البديلة أو الخيارات الفردية المتعلقة ببنية الأسرة والعلاقات الشخصية.

إن المعارضة لـ “السياسات الاجتماعية” التي تروج لها المنظمات الدولية. وقد يشمل هذا أيضًا قضايا تتعلق بحقوق الإنجاب وغيرها من جوانب الاستقلال الشخصي، مما يدخل في هذا النطاق.

باختصار، يبدو أن تأثير ترامب على الحقوق الفردية والشخصية يتميز بتركيز انتقائي، يتماشى غالبًا مع أجندة محافظة وقومية. فبينما يُشدد على حقوق معينة كالحرية الدينية (بتفسير محدد)، ويُعارض القيود المُفترضة على الأصوات المحافظة، فقد تعرضت سياساته وخطاباته لانتقادات لتقويضها حقوق ورفاهية المهاجرين، وأفراد مجتمع الميم، والأقليات، من خلال إجراءات مثل السماح بمداهمات دائرة الهجرة والجمارك، وإلغاء مبادرات التنوع والإنصاف والشمول، وسنّ سياسات تمييزية. كل هذا يشير إلى تطبيق غير عالمي للحقوق الفردية والشخصية في ظل إدارته.