كتبت- دعاء عبد المنعم
ليست مجرد انتهاكات عادية، بل إنها ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، هكذا تصف المفوضية السامية لحقوق الإنسان المشهد في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
جثث ملقاة في الشوارع، آلاف المدنيين ينزحون هائمين على وجوههم، ومطالب أممية للتحرك العاجل لإنقاذ المدنيين بعد هجمات جماعة 23 مارس، في شرق الكونغو الديموقراطية ، واستيلائها على بعض المناطق.
بدأ الصراع بين قوات جماعة مارس 23 والجيش الكونغولي، في بدايات هذا العام، واستطاعت الجماعة السيطرة على مدنية جوما عاصمة إقليم كيفو الشمالية.
وحركة 23 مارس أو إم 23 هي واحدة من مائة جماعة مسلحة، تقاتل الجيش الكونغولي في شرق البلاد.
تأسست الجماعة عام 2012 عقب تمرد قوات سابقة في المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب ضد الحكومة الكونغولية، وتقودها مجموعة عرقية “التوتسي”، وتتواجد في مقاطعة كيفو الشمالية، ولديها أكثر من 8000 مقاتل، وهي مدعومة من رواندا وفقًأ للأمم المتحدة.
وساهمت المعادن الموجودة في منطقة شرق الكونغو في رسم ملامح الصراع الحالي، حيث تُعدّ الكونغو الديمقراطية موطنًا لبعض أكبر احتياطيات المعادن والمعادن الأرضية النادرة في العالم، ومنها الكوبالت والنحاس والزنك، المستخدمة في إنتاج الإلكترونيات المتقدمة.
ومع تزايد اعتماد العالم على هذه المعادن، ازدادت حوافز الجماعات المحلية والخارجية للانخراط في الصراع الكونغولي.
انتهاكات جسيمة.. وجرائم حرب
أدى الصراع إلي انتهاكات جسيمة وتدهور كبير لحقوق الإنسان، وصولا إلى جرائم الحرب وفقًأ لتقارير أممية وحقوقية، رصدت عمليات الإعدام لأطفال وجرائم جنسية ومنها الاغتصاب والعنف، وتعرض المساعدات الإنسانية للنهب والسرقة.
وثقت الأمم المتحدة 602 ضحية للإعدام خارج نطاق القضاء، والإعدام بإجراءات موجزة، ارتكبتها جميع أطراف النزاع في إقليمي كيفو الشمالي والجنوبي منذ بداية العام.
وفي إقليم إيتوري شمال شرق البلاد، تواصل مجموعات مختلفة قتل وتشويه، واختطاف المدنيين، وتوثيق حالات إعدام للأطفال والتجنيد القسري للأطفال، مما يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
أشارت التقارير إلى أعمال العنف القائم على النوع الاجتماعي وحالات الاغتصاب في المناطق التي سيطرت الجماعات المسلحة، حيث زاد العنف الجنسي بنسبة 270 % من يناير إلى فبراير خلال هذا العام، وأن عدد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال من قبل الجماعات المسلحة ارتفع بنسبة 137 % في فبراير 2025 وحده.
وأدت عمليات اقتحام السجون إلى هروب العديد من المجرمين الخطرين، بمن فيهم المدانون بارتكاب جرائم دولية، وتعرض 165 سجينة إلى الاغتصاب في هروب جماعي من سجن “موزنزي” في مدنية غوما في يناير، وقُتلت معظمهن لاحقا في حريق في ظروف مريبة.
وفي حين أعلنت كل من الأمم المتحدة والسلطات الكونغولية، أن الجماعات المسلحة قتلت 3000 شخص في المنطقة بأسلحة ثقيلة، وان المستشفيات في مدنية غوما أصبحت مليئة بالجرحى، وتعرض مستشفيان منهم إلى القصف في يناير، وقتل العديد من المدنيين منهم نساء وأطفالا، وتعطل إمدادات الكهرباء والمياه، وانقطاع خدمة الإنترنت.
وإن حجم أعمال العنف وانعدام الأمن في المنطقة منعت وصول بعض المساعدات الإنسانية إلى غايتها، كما تعرض الصحفيون ومنظمات المجتمع المدني إلى التهديد والإجبار على مغادرة المنطقة، ومنذ بداية العام الجاري نزح 400 ألف شخص فرارا من النزاع المسلح.
وأشارت أيضًا إلى إغلاق آلاف المدارس وتدميرها وتحويلها إلى ملاجئ طارئة، أو احتلالها من قبل الجماعات المسلحة، مما أدى إلى حرمان أكثر من 1.6 مليون طفل في شرق الكونغو الديمقراطية من التعليم،
والآن يعاني حوالي 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ويوجد أكثر من 7 ملايين نازح، بينهم 3.8 ملايين في إقليمي كيفو وحدهما.
دعوات أممية.. وردود الأفعال
بسبب تفاقم الوضع الإنساني في الكونغو الديمقراطية، طلب مسؤولون في الأمم المتحدة، من المجتمع الدلي للتحرك لوقف الانتهاكات، وحذر من تدهور الأوضاع الإنسانية هناك، كما سيخضع جميع المسئولين عن هذه المأساة إلى المسألة أمام المؤسسات القضائية المحلية والإقليمية والدولية، وجاء ذلك في حوار الذي عقد في إبريل الجاري، على هامش فعاليات الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف.
ومنذ بداية الاشتباكات بذلت المنظمات الحكومية جهودها في تخفيف المعاناة عن المتضررين وتهدئة أطراف النزاع، حيث اعتمد مجلس حقوق الإنسان قرارا بإنشاء بعثة لتقصي الحقائق بشأن الانتهاكات لحقوق الإنسان المرتبكة في شرق الكونغو الديمقراطية، كما عُقدت دورات استثنائية بشأن حالة حقوق الإنسان في الكونغو الديمقراطية، ومنها الدورة الاستثنائية للمجلس حقوق الإنسان لمناقشة الوضع الإنساني في الكونغو الديمقراطية، والجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي في يناير السابق لبحث الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة.
ودعت هيئة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية خلال فبراير، إلى تقديم معلومات وأدلة لتحقيق في الجرائم المرتكبة في شرق الكونغو الديمقراطية، وسيتم محاسبة أي شخص بغض النظر عن انتمائه أو جنسيته، وأدانت الدول الأوروبية ومنها فرنسا وألمانيا والمنظمات الدولية هذه الانتهاكات الصارخة بحق المدنيين.
انسحاب “ترامب”… أزمة أممية وإنسانية
أشارت “فيفيان فان دي بيري”، نائب بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية، إلى أنه عقب قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، بإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أصبحت عملية تقديم المساعدات للنازحين أكثر صعوبة، حيث تقدم الوكالة الأمريكية أكثر من 50 مليار دولار سنويًا، في حين تناشد حكومة الكونغو للحصول على تمويل قدره 2.54 ملياري دولار للتقديم المساعدات المطلوبة.