بعد خسارتها مواقعها الاستراتيجية في العاصمة الخرطوم، شنت قوات الدعم السريع هجومًا واسع النطاق على قرى الجموعية جنوب غربي أم درمان منذ أواخر مارس، في محاولة لتعويض هزائمها خسائرها واستعادة زمام المبادرة عسكريًا. لم يكن هذا الهجوم مجرد عملية عسكرية، بل جاء ضمن حملة انتهاكات ممنهجة، استهدفت المدنيين داخل منازلهم، حيث لم تفرق القوات بين رجل وامرأة أو بين طفل وشيخ. في نهج يعتمد التهجير القسري والجماعي كوسيلة رئيسية ونهجا أساسيا لتقويض الحواضن الاجتماعية للجيش.
حتى تاريخ 4 إبريل، أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 97 مدنيًا، بينما تم اعتقال 25 شابًا من أبناء المنطقة، وأجبروا على القيام بأعمال قسرية تحت التهديد. كما خضع العديد منهم للاستجواب العنيف، بهدف انتزاع معلومات حول الممتلكات الثمينة في القرى، وهو نمط من الانتهاكات المتكررة التي تنفذها هذه القوات في المناطق التي تستهدفها.
تهجير قسري وحصار مستمر
تضم منطقة الجموعية 42 قرية، تمتد على ضفاف النيل شمالًا وجنوبًا، وتتمتع بأهمية استراتيجية واجتماعية كبيرة، إذ يُعرف سكانها بتاريخهم العريق في التجارة، مما جعل المنطقة هدفًا لقوات الدعم السريع التي سعت للسيطرة عليها واستغلال مواردها.
بدأت قوات الدعم السريع هجومها على القرى الجنوبية، والتي تشمل بركة الغربية، ووادي السدير، والغرزة، وكدي، وود دياب، وعمورات، والمقداب، والقليعة، والشيخ البشير، والشيخ محمد علي، والصندوداب، والحاجاب، والتريس، والسليمانية وغيرها، مما أدى إلى تهجير أكثر من 4,000 شخص من منازلهم.
وبالرغم من أن الجيش تدخل في 1 إبريل لإجلاء السكان إلى منطقة جبل أولياء، فإن القرى الشمالية لا تزال تعيش تحت حصار خانق، وسط تصعيد خطير يتمثل في قصف مدفعي عنيف من قبل قوات الدعم السريع، ومقاومة شرسة من شباب المنطقة الذين يدافعون عن أرضهم بكل ما لديهم من إمكانيات محدودة.
استغلال الجموعية كواجهة للقتال ضد الجيش
خلافًا لما تروج له قوات الدعم السريع من ذرائع، فإن منطقة الجموعية لم تكن ساحة نزاع عسكري سابقًا، كما لم يكن للجيش وجود فيها، مما يدحض أي مبرر للهجوم عليها. لكن استهدافها يعكس محاولة لاستغلالها كقاعدة انطلاق لعملياتها العسكرية ضد الجيش السوداني، حيث أكدت مصادر محلية، أن الدعم السريع نصبت مدفعيات ثقيلة على ضفاف النيل، موجهة نحو مقار الجيش العسكرية في منطقتي المدرعات وأم درمان العسكرية، بالتوازي مع شن هجوم بري من عدة محاور.
هذا التصعيد تزامن مع إعلان تغييرات كبيرة داخل هيكل قيادة الدعم السريع، حيث تم تعيين عبد الرحمن جمعة، قائد الدعم السريع بدارفور، ليتولى قيادة العمليات في أم درمان، وهو مؤشر واضح، على أن الهجوم على الجموعية لم يكن تحركًا عشوائيًا، بل خطوة محسوبة في إطار استراتيجية عسكرية أوسع، تسعى من خلالها قوات الدعم السريع؛ لاستعادة نفوذها في العاصمة، بعد أن فقدت سيطرتها عليها لصالح الجيش.
تفكيك الحاضنة الاجتماعية للجيش وإثارة الفوضى
الهجوم على الجموعية ليس مجرد عمل عسكري، بل يأتي ضمن مخطط أوسع، يهدف إلى إضعاف النسيج الاجتماعي السوداني، وضرب أي مجموعات تمثل امتدادًا للحاضنة الشعبية للجيش. هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها قوات الدعم السريع إلى هذا النهج، فقد سبق لها أن استهدفت مجموعات اجتماعية أخرى مثل، قبائل الشنابلة والمجانين في كردفان والنيل الأبيض، مستخدمة ذات الأساليب القائمة على الترهيب والقتل والتهجير، لإجبار هذه المجموعات على التخلي عن دعم الجيش، أو حتى الانضمام إلى صفوفها تحت وطأة التهديد.
في ظل هذه الاستراتيجية، تسعى قوات الدعم السريع إلى استغلال علاقتها غير المنتظمة مع أبناء الجموعية، واللعب على وتر أن الجيش غير قادر على حمايتهم، بهدف زعزعة ثقتهم فيه وإجبارهم على اتخاذ موقف محايد أو حتى معادٍ تجاهه. هذا السيناريو، إن تحقق، سيمكن الدعم السريع من فصل الجموعية كمجموعة اجتماعية مؤثرة عن الجيش، مما يسهل عليها تنفيذ عملياتها العسكرية في المنطقة دون مقاومة تُذكر.
خطاب مخادع ومحاولات لتضليل الرأي العام
في الأيام المقبلة، من المتوقع أن تطلق قوات الدعم السريع حملة إعلامية مضللة، تحاول فيها تقديم نفسها كطرف حريص على مساعدة أهالي الجموعية، عبر توزيع بعض الإمدادات الغذائية والمساعدات الإنسانية، كما فعلت في مناطق أخرى، سبق أن هجّرت سكانها.
لكن الحقيقة الواضحة هي أن الدعم السريع هي المسئولة عن قتل وتشريد الآلاف من أبناء الجموعية، وهي التي تواصل استهدافهم بالقصف والحصار، بهدف فرض واقع جديد، يخدم أجندتها العسكرية والسياسية. هذا الأسلوب ليس جديدًا، بل هو جزء من استراتيجية متكررة، تعتمد على خلق الأزمات، ثم محاولة استغلالها سياسيًا وعسكريًا لتحقيق مكاسب ميدانية.
الهجوم على الجموعية، ليس مجرد فصل آخر من فصول الحرب الدائرة في السودان، بل هو جزء من مخطط أوسع يسعى لتفكيك المجتمعات المحلية، وإعادة تشكيل التحالفات الاجتماعية والسياسية، بما يخدم مصالح الدعم السريع.
المعركة في الجموعية، ليست فقط معركة عسكرية، بل هي أيضًا معركة وجودية، حيث تحاول قوات الدعم السريع إعادة رسم الخريطة الاجتماعية والسياسية، عبر استخدام التهجير القسري والجماعي، والقتل والتخويف والاستغلال الإعلامي، لفرض سيطرتها وإعادة تموضعها في الصراع الدائر على السودان.