كتبت- دعاء عبد المنعم
قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف تمويل الولايات المتحدة لبرامج المساعدات الخارجية قد تصل إلى مستوى حكم بالإعدام على ملايين الأشخاص الذين يواجهون الفقر الشديد والمجاعة“، هذه الكلمات ذات النبرة المرعبة العالية هي بيان برنامج الأغذية العالمية الذي صدر مؤخرا عن قرارات ترامب بشأن وقف تمويل المساعدات الغذائية الطارئة لعديد من البلدان في العالم. أما منظمة الصحة العالمية فقد ذكرت في بيان لا تقل لهجته تحذيرا وإرعابا وتعبيرا عن مخاوف تطاول حياة الملايين في أرجاء العالم، كما سنرى من أرقام هذا التقرير، إذ ذكرت أن ما يحدث هو صدمة حادة، وخفض التمويل لا يهدد التقدم فحسب، بل قد يؤدي إلى تحول إلى الوراء”. وحذرت المنظمة الصحية الأممية، من أن خفض المساعدات الخارجية الأمريكية قد يكون له تأثيرات شبيهة بـ”جائحة “كورونا”، لتصبح جائحة ترامب سيفا مصلتا، تنذر بموت ملايين وتهديد حياة بشر لا حصر لهم ولا عد. فالوباء يهدد منطقة واحدة أو بلدا واحدا، أما الجائحة فتجتاح بلدان عدة وربما العالم كله، وهكذا جائحة ترامب.
آخرون عبروا عن الوضع بأشكال مختلفة، لكن المحصلة واحدة، التمويل الإنساني في أزمة، وحياة ملايين النساء والأطفال في خطر، وهناك نقص حاد في تمويل المساعدات الإنسانية للدول التي تعاني تدهورًا في أوضاعها المعيشة كلبنان واليمن.
وتعتبر الأمم المتحدة أهم المنظمات العالمية في تقديم المساعدات الإنسانية، حيث تضم أكثر من 100 هيئة ومنظمة، منها 30 وكالة وصندوقا وبرنامجا، وتقدم سنويًا مساعدات بقيمة تفوق 60 بليون دولار، في مجالات الطفولة، والأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والسلام والأمن والعمل المناخي والصحة والمرأة وحقوق الإنسان.
وتتعاون هذه المنظمات والكيانات مع بعضها البعض ومع المنظمات غير الدولية للاستجابة الفورية للمساعدات الإنسانية.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، إن أكثر من 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يحتاجون بشكل عاجل إلى مساعدات إنسانية.
تفاقم الصراعات و”الأزمات” يهدد بمزيد من المخاطر
هناك صعوبات عدة تواجه التمويل الإنساني منها، عدم توفير آلية دعم حكومية دولية للتنسيق على صعيد المنظومة الإنسانية، تعبر عن إدارة جماعية وعدم وضع الخطط البديلة لمصادر أخرى، كما أن الاحتياجات الإنسانية تتزايد يومًا بعد اليوم؛ نتيجة تزايد الصراعات وتفاقم الأزمات في العالم، إضافة إلى انسحاب بعض الدول الكبرى من المنظمات المعنية بتلبية الاحتياجات الإنسانية، وكلها عوامل ساعدت في أن التمويل يتضاءل سنويًا.
ويشهد العالم أكثر من مائة صراع مستمر حتى اليوم، حيث يوجد أكثر من 45 صراعًا مسلحًا في الشرق الأوسط، ومنها العدوان الإسرائيلي على غزة والصراع في السودان.
هذه الصراعات سببت سقوط الآلاف من القتلى ونزوح أكثر من 122 مليون شخص، سجلت الأمم المتحدة من بينهم نحو 43 مليون لاجئ. وبالطبع لا يخفى ما لهذا النزوح من تأثيرات خطيرة على حياة الملايين.
وفضلا عن الصراعات، هناك الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت في عدد من بلدان العالم وارتفاع التضخم بشكل جنوني في بعض الدول، وصولا إلى نسبة 500% التي سجلتها دولة زيمبابوي في العام 2024.
وكذا التغيرات المناخية التي أثرت على جودة الأراضي، ما أثر على الأمن الغذائي في العالم.
فوضى عالمية
جاءت القرارات الترامبية ليصبح الوضع خارج السيطرة، وتزيد حالة الفوضى في جهود الإغاثة الإنسانية العالمية.
حيث انسحب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” من منظمة الصحة العالمية، وقام بتعليق جميع المساعدات الخارجية الأمريكية لمدة 90 يوما، في أول يوم له في منصبه، ما أدى إلى وقف برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حول العالم وتفكيكها، وتعطيل وصول المساعدات الغذائية والطبية، كما حظر تمويل الأونروا، وهي الوكالة الأممية المختصة بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وذلك في هذا الوقت الي بات فيه ملايين الفلسطينيين في أمس الحاجة للمساعدة في ظل العدوان الإسرائيلي المستفحل. وغير ذلك من القرارات التي تسببت في خفض ميزانية العديد من المنظمات الإنسانية.
وتعد الولايات المتحدة أكبر المساهمين في التمويل الإنساني، فهي تقدم المليارات دولارات سنويًا، ولقد قدمت خلال عام 2024 للمساعدات الخارجية 41 مليار دولار منها حوالي 9 مليارات دولار للمساعدات الإنسانية، في حين تبلغ المساهمات الإلزامية الأمريكية التي يجب دفعها لمنظمة الصحة العالمية 261 مليون دولار.
جائحة ترامب
وفقًا لتقارير منظمات أممية قد يؤدي فقدان التمويل إلى تراجع التقدم في الحد من الوفيات أثناء الحمل والولادة، وخاصة في مناطق الحرب، كما أن المزيد من النساء بتن معرضات لخطر الموت أثناء الحمل والولادة؛ بسبب خفض المساعدات من جانب الدول الغنية، وهو ما قد يؤدي إلى آثار تشبه الأوبئة، وتشير التقديرات إلى وفاة 260 ألف امرأة في عام 2023 لأسباب تتعلق بالحمل.
كما أن تخفيض التمويل الأمريكي هذا العام أدى إلى إغلاق العيادات وفقدان العاملين الصحيين لوظائفهم، وعرقلة سلاسل التوريد التي توفر الأدوية المنقذة للحياة، وعلاج الأسباب الرئيسية لوفيات الأمهات، مثل النزيف وتسمم الحمل والملاريا.
وهناك تفاوتات كبيرة بين وفيات الأمهات في الدول الفقيرة والغنية، ففي الدول الفقيرة، سُجِّلت 346 حالة وفاة بين الأمهات لكل 100 ألف ولادة حية عام 2023، أي ما يقرب من 35 ضعفًا من 10 حالات وفاة لكل 100 ألف ولادة حية في الدول الغنية. وبينما تُجرى 99% من الولادات تحت إشراف اختصاصي صحي في الدول الغنية، تنخفض هذه النسبة إلى 73% في الدول الفقيرة.
وتمثل نسبة الوفيات الأمهات في الدول التي تعاني من الصراعات نسبة 61 % من الوفيات على مستوى العالم، ولكنها لا تمثل سوى 25% من المواليد الأحياء على مستوى العالم.
وحذرت منظمة الصحة العالمية، من أن خفض المساعدات قد يكون له تأثيرات شبيهة ب”جائحة “كورونا”.
ومن المتوقع، أن تنخفض ميزانية منظمة الصحة العالمية للفترة 2026- 2028، من 9 مليارات دولار إلى 400 مليون دولار.
وسلطت منظمة اليونيسف “المنظمة الأممية للطفولة” الضوء على أن خفض تمويل المنظمة سيحد من قدرة المنظمة على تلبية احتياجات ملايين الأطفال، كما أن تخفيض التمويل جاء بعد عامين من خفض المساعدات في وقت من الحاجة غير المسبوقة، وهناك الملايين من الأطفال يتأثرون بالصراع، ويحتاجون إلى التطعيم ضد أمراض، بينها الحصبة وشلل الأطفال، ويجب تعليمهم والحفاظ على صحتهم،
وذكرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أن انخفاض التمويل وأعداد الموظفين وتراجع حضور المفوضية في الدول المضيفة للاجئين سوف يؤدي لخسائرَ في الأرواح، ويهدد صحة ما يقدر بنحو 12.8 مليون نازح ولاجئ، من بينهم 6.3 ملايين طفل، وأن نقص الدعم الصحي للاجئين يُجبرهم على محاولة الوصول إلى الخدمات العامة المُرهقة؛ بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف هذه الخدمات بأنفسهم، مما يُثقل كاهل العيادات والمستشفيات المحلية.
بينما أوضح برنامج الأغذية العالمي إن 58 مليون شخص معرضون لخطر فقدان المساعدات، ما لم يتم توفير تمويل جديد بشكل عاجل، في 28 عملية من عمليات الاستجابة للأزمات.
ويواجه البرنامج انخفاضًا حادًا بنسبة 40 في المائة في التمويل لعام 2025، مقارنة بالعام الماضي، ومن بين العمليات الـ28 المشمولة في تحذير البرنامج، عدد من الدول العربية، بما في ذلك فلسطين والسودان وسوريا ولبنان والصومال والأردن ومصر.
كما يؤثر التقليص الحاد للتمويل الإنساني على أنظمة إمدادات المياه ومرافق الصرف الصحي وإدارة النفايات، وقد يهدد هذا أعدادا كبيرة من السكان بتفشي أمراض معدية مثل، الكوليرا والتهاب الكبد والملاريا، مما قد يُسبب عواقب وخيمة، ويعيق الاستجابة الإنسانية لفيروس نقص المناعة البشرية في الحالات الإنسانية.
وقال تقرير للمجلس الدولي للوكالات التطوعية، إن تجميد المساعدات الأمريكية له تأثير مدمر على المجتمعات التي تعاني من أزمات.
ويتمثل هذا التأثير ما بين تقليص حجم برامج المساعدة أو إنهائها كلياً، كما أن البنية التحتية الإنسانية تتعرض للتدمير، حيث أوقفت مراكز التغذية العلاجية عملياتها، بما يهدد حياة أطفال وحوامل، فضلا عن أكثر من 1500 مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة، لم يعد بوسعهم الحصول على علاج تتوقف عليه حياتهم، وأن 3250 يتيماً لا يمكنهم الآن الحصول على دعم مدرسي أو علاج من سوء التغذية، وتعد جماعات الإغاثة المحلية هي الأكثر تضرراً، حيث اضطرت 11 منظمة إلى وقف عملياتها في دولة جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأجزاء من آسيا.
وهناك الآن فجوة بين التمويل المقدم بالفعل والتمويل المطلوب، حيث ذكر المكتب الإنساني للأمم المتحدة، أنه لم يتم استلام سوى 5 في المائة من التمويل المطلوب الذي يقدر بما يقرب من 45 مليار دولار لمساعدة 185 مليون شخص، مما يترك فجوة تزيد عن 42 مليار دولار، وتوقعات عالمية أن يشهد تمويل هذا العام أدنى مستوياته على الإطلاق.
وفي هذا السياق، حذر مسئولون أممون وخبراء من هذا التراجع الشديد في التمويل الإنساني الذي وصفوه بأنه زلزال.
بحثا عن إنعاش
مع النقص الحاد للمصادر التمويل الإنساني، جاءت بعض الحلول كصدمات كهربائية لإنعاش عجلة التمويل مرة أخرى.
حيث أعلنت الأمم المتحدة خلال مارس 2025، أنها خصصت 110 ملايين دولار من الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ لتعزيز المساعدات المنقذة للحياة في عشر من أكثر الأزمات إهمالا ونقصا في التمويل حول العالم، ومن المعتاد أن يخصص صندوق الطوارئ الأممي مرتين في السنة موارد لحالات الطوارئ التي تعاني من نقص التمويل كإنذار عالمي لتسليط الضوء على الحاجة إلى تمويل إضافي من قبل الدول الأعضاء والقطاع الخاص وغيرهم من المانحين.
وقال منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة “توم فليتشر”، إن تخصيص صندوق الطوارئ اليوم يوجه الموارد بسرعة، إلى حيث تشتد الحاجة إليها، وأن “التخفيضات القاسية في التمويل لا تعني اختفاء الاحتياجات الإنسانية بالنسبة للدول التي تضررت من الصراع وتغير المناخ والاضطرابات الاقتصادية”.
وسيدعم التمويل الأخير استجابة السودان، وتشاد، وأفغانستان وجمهورية إفريقيا الوسطى وهندوراس وموريتانيا والنيجر والصومال وفنزويلا وزامبيا، كما سيدعم التمويل أيضًا المبادرات المنقذة للحياة المتعلقة بالتغيرات المناخ.