تتطور الأحداث في شمال دار فور بشكل متسارع في الآونة الحالية، والنازحون في مخيم زمزم وغيره، يدفعون الثمن من دمائهم؛ ثمن إخفاقات قوات الدعم السريع الأخيرة في الخرطوم ونجاح الجيش في استعادتها من الميليشيا.

ففي يومي 10 و11 إبريل، وكرد فعل، هاجمت ميليشيا قوات الدعم السريع معسكر زمزم للنازحين شمال دارفور، ما أدى إلى مقتل 45 مدنيًا وإصابة مئات الجرحى، بينهم نساء وأطفال. وكعادتها الوحشية، قامت الميليشيا بتصفية عدد من الشباب، ووثقت ذلك بنفسها عبر مقاطع فيديو، كما أحرقت المنازل، وفرّ الآلاف نحو منطقة طويلة، وآخرون إلى مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث أصبحت المدينة التي يسيطر عليها الجيش مكشوفة بعد اجتياح الميليشيات للمعسكر.

وفي ذات الوقت، واصلت الميليشيا قصف معسكر أبو شوك للنازحين الواقع شمال دارفور، باستخدام مدفعية هاوتزر AH4 صينية الصنع.

وبحسب مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل الأمريكية، فقد استوردت الإمارات هذه المدافع من الصين، وقامت بتحويلها لقوات الدعم السريع. وقد رصدت صور الأقمار الاصطناعية استخدام المدفع في قصف مدينة الفاشر، بالإضافة إلى معسكري زمزم وأبو شوك.

لم تكتفِ الميليشيا بذلك، بل استمرت في مهاجمة المكونات القبلية غير الخاضعة لها، خصوصًا تلك التي تُعدّ حاضنة اجتماعية للقوات المشتركة “الموالية للجيش”، بهدف تحييدها عبر ضرب مكوناتها.

 ففي 10 إبريل، هاجمت الدعم السريع محلية أم كدادة، التابعة لولاية شمال دارفور، ونفذت عملية انتقامية وحشية، قامت خلالها بتصفية أكثر من 56 مواطنًا غير مسلح، من بينهم شيوخ، إلى جانب اعتدائها على الطاقم الطبي الوحيد في مستشفى أم كدادة وقتله بالكامل.

ووفقًا لمصادر محلية، فقد اختفى أكثر من 33 شخصًا منذ الهجوم، فيما فرّ الآلاف إلى منطقة طويلة.

 إن التوصيف القانوني لهذه الأحداث يرقى إلى جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، نظرًا لطبيعة الاستهداف على أساس عرقي وقَبلي، وهو نمط ممنهج سبق أن شهده العالم في أحداث الجنينة بغرب دار فور. وعليه، فإن الأزمة تتعمق على كافة الأصعدة.

دوافع الجرائم

جاء  التصعيد من قِبل قوات الدعم السريع مدفوعًا بخسارتها معارك وسط السودان وفرار قواتها نحو مناطق نفوذها التقليدية في غرب البلاد.

 هذه الخسارة دفعتها؛ للبحث عن سيطرة على مناطق جديدة، للحفاظ على تماسك مشروعها مع جنودها وحلفائها المحليين والإقليميين.

وتُرجِمت هذه الدوافع أيضا في تكثيف الإمداد العسكري عبر مطار نيالا والحدود مع ليبيا، حيث تمكنت من الاستيلاء على منطقة المالحة– وهي نقطة اتصال استراتيجية في شمال دار فور– ما مكنها من تأمين خطوط إمدادها في ٢٧ مارس، إلى جانب السيطرة على عدد من القرى والصحراء الشاسعة، وهو ما شل فاعلية القوات المشتركة “الموالية للجيش” التي أحبطت في مرات عديدة عمليات إمداد عسكري وهجمات للدعم السريع.

الأمر الآخر.. أن الميليشيا دعمت قواتها بتجنيد نحو 20,000 شخص، حسب تصريحات قائدها الثاني عبد الرحيم دقلو، الذي بدا واثقًا من قدرته على  اجتياح الفاشر، مانحًا السكان مهلة ثلاثة أيام لمغادرة المدينة.

الإغاثة تُذبح والمجاعة تلوح

أدّت الهجمات المتواصلة التي تشنها قوات الدعم السريع في شمال دار فور إلى تدهور خطير وغير مسبوق في الوضع الإنساني، حيث دخلت المنطقة مرحلة الانهيار الكامل للخدمات الأساسية، في ظل حصار خانق على مدينة الفاشر، وقصف مستمر طال معسكرات النزوح ومحيطها.

وتوقفت المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية عن إيصال المساعدات، بسبب تعرّض فرق الإغاثة للاستهداف المباشر من قِبل قوات الدعم السريع، وهو ما أكدته تقارير منسوبة لمصادر محلية وشهادات من منظمات دولية، تعمل في الميدان.

 وتزايدت المخاوف من تحوّل العاملين في المجال الإنساني إلى أهداف مباشرة، مما أدى إلى تعليق أو تقليص عمليات الإغاثة، رغم اعتماد معظم السكان الكامل عليها.

ونتيجة لذلك، اضطر آلاف المدنيين للنزوح مجددًا من معسكرات مثل، زمزم وأبو شوك، في سابقة مأساوية تُسجل للمرة الأولى منذ النزوح الجماعي في 2003. لكن المأساة الأعمق تكمن، في أن النازحين الجدد يتجهون إلى مناطق تعاني أصلًا من المجاعة، ونقص حاد في الغذاء والدواء والمياه، ما يضاعف من حجم الكارثة.

المعاناة المستمرة تنذر بانفجار غير إنساني واسع النطاق، لن يقتصر تأثيره على دار فور أو السودان فقط، بل قد يمتد إلى دول الجوار، نتيجة تصاعد موجات اللجوء عبر الحدود، والتأثيرات غير المباشرة للأزمة على الاستقرار الإقليمي.

ومع غياب أي تدخل دولي حاسم أو ممرات آمنة للمدنيين، تبقى حياة الملايين في مهبّ الخطر، في واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية تعقيدًا في العصر الحديث.