تشهد بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال توترا مستمرا منذ تكليفها في أواخر ديسمبر الماضي، وبدء مهامها رسمياً في يناير الماضي، إثر تدهور العلاقة بين الصومال وإثيوبيا ورفض مقديشو استقبال أي من الجنود الإثيوبيين الذين طالما شكلوا الجزء الأكبر من هذه البعثة، واشتعال الخلاف بين حكومة مقديشو ورئيس البعثة الأمنية الإفريقية، الجنوب إفريقي، وفي ثنايا المشهد هناك تعقيد آخر وهو الموقف الأمريكي الرافض لتمويل البعثة رغم الشراكة الأمنية بين مقديشو وواشنطن في توجيه ضربات وغارات جوية على مواقع حركة الشباب في الصومال.
كان مجلس الأمن الدولي قد اعتمد في ديسمبر الماضي، القرار 276 – مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت- والذي أيد فيه الاستعاضة عن بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية ببعثة الاتحاد الإفريقي للدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال، وذلك لفترة أولية مدتها 12 شهرا، بدأت في يناير، وتستهدف البعثة إضعاف حركة الشباب المتطرفة “من خلال تعطيل حركتها وتقييد وصولها إلى التمويل غير المشروع”، ودعم حكومة الصومال الفيدرالية في تنفيذ خطتها لتطوير قطاع الأمن الصومالي.
وشهد تشكيل بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال عددا من المشاكل، منذ أن رفضت حكومة مقديشو مشاركة إثيوبيا في البعثة إثر التوتر بين حكومتي مقديشو وأديس أبابا؛ نتيجة توقيع الأخيرة اتفاق مع حكومة أرض الصومال الانفصالية من أجل إدارة وامتلاك وتشغيل منفذ بحري على البحر الأحمر داخل هذا الإقليم الانفصالي لصالح إثيوبيا، وهو ما اعتبرته الصومال انتهاكا لسيادتها، حتى أزمة التمويل التي تواجه استمرار البعثة في عملها على الأراضي الصومالية.
وحذر سيفويل بام، رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم الأمن في الصومال (AUSSOM) من أن البعثة الجديدة تواجه تهديدا كبيرا لاستدامتها، في أعقاب الأزمة المالية المتفاقمة التي تواجهها البعثة، مؤكداً في كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي في 15 إبريل، “إن الوضع المالي لبعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال خطير للغاية، ويهدد وجود البعثة ذاته، محذراً من التأثير المدمر لعدم دفع الرواتب لمدة تتراوح بين 7 و9 أشهر، مما أدى إلى حالة اكتئاب شديدة بين الموظفين المدنيين والعسكريين المشاركين في المهمة.
مكايدة جنوب إفريقيا
مطلع الأسبوع الجاري، أصدر وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، بيانًا شديد اللهجة ضد القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال، السفير سيفويل ثانديكايا بام، متهمًا إياه بالتعاطف مع حركة الشباب الإرهابية– حسب شبكة شبايلي الصومالية.
ويزعم الوزير الصومالي، أن رئيس البعثة الإفريقية وهو دبلوماسي من جنوب إفريقيا ويشغل منصب نائب وممثل الاتحاد الإفريقي في الصومال، قدم تقارير مضللة إلى الهيئات الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تصور حركة الشباب، على أنها جماعة تسعى إلى إقامة دولة والحد من الأضرار المدنية، وهو ما اعتبره تشويها صارخا للواقع.
كانت صحف ومواقع إعلامية صومالية قد تداولت أخبارا عن تحيز المسئول الجنوب إفريقي وتأييده لحركة الشباب، وهو ما اعتبرته حائلاً دون استقرار الأوضاع في الصومال وإضعاف الجهود الدولية الرامية لموجهة الارهاب، بخاصة ضد حركة شباب المجاهدين المصنفة دولياً جماعة ارهابية.
وقال وزير الخارجية الصومالي في البيان: “لدينا قلق بالغ إزاء أنشطة بام المزعومة، هذا السلوك يقوض جهود الحكومة الصومالية لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الوطني”.
وتقول مصادر مقربة من وزارة الخارجية الصومالية إن الحكومة الفيدرالية تدرس طرد السفير الجنوب إفريقي من مقديشيو؛ بسبب ما وصفته بخيانة الثقة والتحالف مع قوى تعمل ضد تنمية الصومال، وهو ما سيكون من شأنه تصعيد كبير في التوترات بين الصومال والاتحاد الإفريقي وتقويض لمهام بعثة ATMIS لدعم الاستقرار في الصومال، والتي تم إطلاقها لتحل محل عملية حفظ السلام السابقة التابعة للاتحاد الإفريقي ودعم انتقال الأمن في الصومال.
ويأتي التهديد الصومالي باستبعاد رئيس البعثة– الجنوب إفريقي- وأزمة التمويل وعدم التعاون مع الاتحاد الإفريقي لحلها، جزء من السياسة الصومالية في استخدام البعثة لتصفية الحسابات السياسية لحكومة مقديشو التي باتت الآن أكثر تقارباً مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمواجهة حركة شباب المجاهدين.
مغازلة أمريكا
مع تصاعد التوتر بين الحكومة في مقديشو ورئيس بعثة الاتحاد الإفريقي، اتخذت الولايات المتحدة موقفا متشددا برفض اقتراح الأمم المتحدة بتمويل بعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة لتحقيق الاستقرار والدعم في الصومال، والمعروفة باسم AUSSOM، والتي بدأت عملياتها في يناير، وهو ما يضع علامات استفهام أمام مستقبل قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال، ومدى استمرار عمليات مواجهة جماعة الشباب المسلحة.
من المنتظر، أن يصوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 15 مايو على آلية تمويل مشتركة جديدة بشأن بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال بموجب القرار 2719، حيث نشر موقع أخبار الأمم المتحدة مؤخرا تحذيرات على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، من أن العجز المالي المستمر قد يعرض عمليات قوة الأمم المتحدة المؤقتة في الصومال للخطر.
وقدم جوتيريش تقريرا إلى مجلس الأمن في 10 إبريل، حث فيه المجتمع الدولي على دعم خطة التمويل، مؤكدا أن الدعم المالي المستدام والمتوقع أمر بالغ الأهمية للسلام والاستقرار في الصومال.
وترى الولايات المتحدة، أن الصومال ليس أرضا مناسبة لاختبار نموذج التمويل الهجين المقترح لقوات الاتحاد الإفريقي التي تحافظ على وجودها في البلاد منذ عام 2007، حسب تصريحات لمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في 18 إبريل.
وبينما تتخذ الولايات المتحدة مواقف متشددة ضد تمويل بعثة الاتحاد الإفريقي، تنخرط واشنطن بشكل مباشر في مواجهة حركة شباب المجاهدين في الصومال، بالتنسيق مع حكومة مقديشو، ففي فبراير الماضي أمر الرئيس الأمريكي بتنفيذ غارات جوية دقيقة على كبير مخططي هجمات داعش وإرهابيين آخرين في الصومال للمرة الأولى في ولايته الثانية.
وترحب إدارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالغارات الأمريكية التي تستهدف حركة الشباب على الأراضي الصومالية، إذ أعلن مكتب الرئيس، أن الغارات تتم بالتنسيق مع إدارته، مرحباً بما وصفه بـ “الدعم الثابت من الولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب والالتزام المستمر تحت القيادة الحاسمة للرئيس دونالد ترامب”، حسب ما ورد في بيان لمكتب رئيس الصومال على منصة أكس في 1 فبراير.
ويمكن قراءة مواقف الصومال المتشددة ضد رئيس البعثة الأمنية للاتحاد الإفريقي– الجنوب إفريقي الجنسية- في إطار المواقف المتشددة للرئيس الأمريكي ضد جنوب إفريقيا منذ توليه السلطة في يناير، بسبب مواقف جوهانسبرج المناوئة لإسرائيل وسياسات ملكية الأراضي المتعلقة بمواطني جنوب إفريقيا ذوي البشرة البيضاء.
وفي محاولة للحيلولة دون اعتراف أمريكي محتمل باقليم أرض الصومال الانفصالي، نقلت وسائل إعلام صومالية عرضا صوماليا سخيا على الولايات المتحدة الأمريكية خلال الشهريين الماضيين، من خلال إعطائها سيطرة تشغيلية حصرية على مواني استراتيجية في خليج عدن.
وفي رسالة موجهة من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للرئيس ترامب في 16 مارس قال محمود، إن أمريكا يمكنها تعزيز وجودها في المنطقة وضمان وصولها عسكريا ولوجستيا دون انقطاع، ومنع المنافسين الخارجيين من التواجد في هذا الممر الحرج، وأشارت الرسالة إلى ميناء وقاعدة بربرة الجوية الواقعين في أرضي الصومال، وميناء وقاعدة بوساسو الجوية في بونتلاند، وهما الموقعان الخارجان عن سيطرة الحكومة الصومالية في أقاليم انفصالية، تعتبرها مقديشو جزءا من أراضيها السيادية.
والخلاصة أن مصير بعثة الاتحاد الإفريقي يبقى رهن عدد من التحديات والتطورات، فإلى جانب أزمة التمويل التي تعرقلها أمريكا، هناك مواقف الإدارة الصومالية برئاسة الرئيس حسن شيخ محمود ومحاولات التودد إلى الولايات المتحدة وكسب ود الرئيس ترامب، سواء في مهاجمة رئيس البعثة الجنوب إفريقي والتهديد بطرده، وتقديم مزيد من العروض السخية بتمكين أمريكا من السيطرة على منافذ بحرية ذات أهمية استراتيجية في منطقة البحر الأحمر، متصوراً أن هذا الإجراء يحمي مصالح الصومال ويقف حائلاً أمام الاعتراف بأي من الأقاليم الصومالية الانفصالية.