قدم ترامب حزمة من السياسات الجديدة مست مختلف دول العالم في الشرق والغرب والحلفاء والخصوم، وشملت تعريفات جمركية وتحركات لوقف الحرب في أوكرانيا ومشروع تهجير لتصفية القضية الفلسطينية بجانب سياسات داخلية مثيرة للجدل والشقاق داخل أمريكا نفسها.
وقد اختبر ترامب مصر والعالم العربي في مشروع التهجير والتلويح بورقة المساعدات الاقتصادية، وهو التوجه الذي لم يدفع العرب حتى اللحظة إلى اتخاذ موقف موحد في مواجهه مخطط تصفية القضية الفلسطينية، ولم يدفع الفلسطينيين إلى مواجهة الانقسام الداخلي، إنما ظلت حماس متمسكة بمواقفها في مواجهة منظمة التحرير، وبقيت السلطة الفلسطينية مشغولة بمهاجمة حماس أكثر من إسرائيل، وبات من الصعب القول، إن هناك انتفاضة عربية (إلا مظاهرات الشعب المغربي دعما لفلسطين) في مواجهة سياسات ترامب وتوجهاته الجديدة.
وقد اتجهت الموجة “الترامبية” لتضرب قواعد التجارة الحرة، وتفرض رسوما جمركية على السلع القادمة من مختلف دول العالم، بما فيها حليفتها الأوروبية، فقد فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية شاملة بنسبة 20% على جميع الصادرات الأوروبية تقريباً، بالإضافة إلى رسوم منفصلة بنسبة 25% على السيارات وبعض قطع غيار السيارات. وصرح ترامب، بأنه سيعلن عن رسوم جمركية إضافية على الأخشاب ورقائق أشباه الموصلات والمنتجات الصيدلانية، وبلغت هذه التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب حوالي 380 مليار يورو من سلع الاتحاد الأوروبي.
وقد رد الاتحاد الأوروبي على هذه الإجراءات وفرض رسوما جمركية تتراوح بين 10% و25% على الواردات الأمريكي، وأقرت المفوضية الأوروبية، حزمة رسوم مضادة على منتجات الألومنيوم والصلب الأمريكية.
تقديرات الخسائر المحتملة للقارة الأوروبية جراء هذه الرسوم تراوحت بين 200 و350 مليار دولار، مما سيؤثر بشكل كبير على العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
وقد ردت كثير من الشركات الأوروبية والصينية على تبني علاقات تجارية مع دول أخرى بعيدا عن الولايات المتحدة، كما وضع الاتحاد الأوروبي برامج عمل لدعم التصنيع الداخلي يعتمد على الموارد المحلية وزيادة قدرتها التنافسية.
كما وضع الاتحاد الأوروبي خططا للاعتماد على القدرات الذاتية وتعزيز قدراتها العسكرية وزيادة التصنيع الداخلي والاستقلالية الاقتصادية، مما يمكن أن يُضعِف من التأثير الأمريكي في المستقبل.
إن أوروبا التي لطالما كانت الحليف الأقرب للولايات المتحدة، قد تجد نفسها مضطرة لتقوية اقتصاداتها العسكرية والمالية من أجل مواجهة هذه التحديات الجديدة، وهو ما قد يعيد تعريف العلاقة بين القارتين في المستقبل القريب.
وقد اتخذ ترامب خطوة مثيرة للجدل، عندما بدأ مفاوضات مباشرة مع روسيا حول الصراع في أوكرانيا، متجاهلاً المواقف الأوروبية ودعا لوقف الحرب دون العودة لحلفائه الأوروبيين، وهي خطوة صدمت العواصم الأوروبية التي طالما اعتبرت روسيا تهديدًا استراتيجيًا. ومع ذلك تحركت أوروبا وعقد مؤتمر في لندن لدعم أوكرانيا، ولا زال الموقف الأمريكي واقفا عند حدود قناة الاتصال التي فتحت مع روسيا، والعموميات التي تتحدث عن أهمية وقف الحرب دون الدخول في التفاصيل.
أما الجانب الآخر للخلاف الأمريكي الأوروبي، فهو يتعلق بحلف الناتو، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه لن يدافع عن حلفاء واشنطن الأوروبيين في الناتو، إذا لم يدفعوا. وقال للصحفيين في المكتب البيضاوي: “إذا لم يدفعوا، فلن أدافع عنهم.” وأضاف أنه تبنى هذا الرأي لسنوات، وأبلغه لحلفاء الناتو خلال فترة رئاسته بين 2017 و2021 بضرورة زيادة إنفاقهم الدفاعي، لكنه أشار إلى أن “حتى الآن، لا يزال ذلك غير كافٍ.”
إن فكر الرئيس ترامب في التعامل مع حلفائه هو فكر الصفقة التجارية أو المعاملة المالية، بمعنى إذا حميتك أو دافعت عنك، فيجب أن تدفع مقابل ذلك، بصرف النظر إذا كانت هناك علاقة تحالف مع هذه الدولة أم لا.
لقد مثل الإنفاق العسكري أحد جوانب الخلاف بين ترامب والاتحاد الأوروبي، فالمعروف أن أوروبا تنفق حوالي 380 مليار دولار سنويًا على الدفاع، في حين أن الولايات المتحدة تنفق 968 مليار دولار، وهو ما دفع ترامب إلى مطالبتها بضرورة زيادة إنفاقها العسكري ليصل إلى 900 مليار دولار، مهددًا بعواقب، إذا لم تلتزم هذه الدول بما وصفه “بالتزاماتها العسكرية”.
وقد بدأت دول الاتحاد الأوروبي في زيادة إنفاقها العسكري مع حرب أوكرانيا، وأعلنت بعد تصريحات ترامب الأخيرة، أنها سترفعه مرة أخرى، أي أنها لم تخضع لشروطه وواجهته بتعديل في سياساتها الدفاعية.
واللافت أن الرئيس الأمريكي كرر هذا الانتقاد لأعضاء الحلف واتهمهم بعدم الالتزام بالهدف الحالي للتحالف، وهو إنفاق 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع. إلا إنه وفقًا لأحدث إحصائيات الناتو، فإن 23 دولة عضوًا تجاوزت نسبة 2% من إنفاقها الدفاعي العام الماضي. من بين هذه الدول، خمس دول— إستونيا، اليونان، لاتفيا، بولندا، والولايات المتحدة— أنفقت أكثر من 3% على الدفاع، فيما كانت بولندا الأعلى بنسبة 4.12% من ناتجها المحلي الإجمالي.
والمعروف أن الجيوش الأوروبية أكثر عددا داخل الناتو من الجيش الأمريكي، فتركيا على سبيل المثال تمتلك ثاني عدد من الجنود في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة، حيث يبلغ عددهم حوالي 355,200 جنديا، تليها فرنسا (202,200)، ألمانيا (179,850)، والجميع ينوي زيادتها.
تحاول أوروبا أن تواجه سياسات ترامب بالفعل، وليس بالشعارات رغم الانقسام الموجود داخل دول الاتحاد الأوروبي، وأن الإحساس بخطر سياسات ترامب، دفعهم للعمل المشترك وتقديم بدائل لها، وهو موقف يحسب للاتحاد الأوروبي.
أما العالم العربي فلا زال رفض سياسات ترامب بالشعارات أو الإدانة والشجب، ولم تبدأ دولة مثل، مصر مستهدفة بشكل خاص من سياسات ترامب، والذي أكد أكثر من مرة، أنها تتلقى مساعدات من أمريكا وعليها ديون، بمراجعة الأسباب التي أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي، حتى تستطيع مواجهة هجمة ترامب.