تخطط وزارة الاستثمار لنقل ملكية الشركات المملوكة للدولة على دفعات إلى صندوق مصر السيادي؛ بدعوى تعظيم العائد من أصول الدولة، وتعزيز القيمة الحقيقية للاقتصاد المصري من خلال إدارتها بفعالية عبر استراتيجيات مبتكرة وشراكات مع القطاع الخاص.

نقلت الدولة في نهاية يناير الماضي، أصول 13 وزارة وجهة حكومية بوسط القاهرة إلى صندوق مصر السيادي، أبرزها المقرات الرئيسية لوزارات الخارجية، والعدل، والتعليم، والصحة، والنقل، والمالية، وذلك بعد انتقالها للعمل من العاصمة الإدارية الجديدة. وقبلها تم نقل 7 أصول لملكية الصندوق، ضمت أرض ومبنى مجمع التحرير، والمقر الإداري لوزارة الداخلية، وأرض الحزب الوطني المنحل، ومباني القرية الكونية، ومعهد ناصر الطبي، وأرض حديقة الأندلس بمدينة طنطا.

يمتلك الصندوق حصصًا في ثلاثة محطات كهرباء داخل مصر، أنشأتها شركة “سيمنز الألمانية”، وهي: البرلس والعاصمة الإدارية الجديدة وبني سويف، ويساهم الصندوق بنسبة 12% من رأسمال الشركة الوطنية لصناعة السكك الحديدية، ويمتلك 100% من أسهم شركة مصر القابضة للتأمين، وكذلك 49% من صيدليات العزبي.

ووضعت وزارة الاستثمار خطة لمضاعفة حجم الأصول والاستثمارات التي يديرها الصندوق السيادي المصري الذي تأسس قبل 7 سنوات، ويدير حاليًا أصولا بنحو 637 مليون دولار، ويبلغ رأسماله حوالي 12.7 مليار دولار.

بحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، فإن عدد شركات قطاع الأعمال العام يصل إلى 709 شركات حتى أغسطس 2024 موزعة بين 18 قطاعًا، تتبع 33 جهة تمتلك الشركات، و45% من تلك الشركات تتبع وزارة القطاع العام.

ما خطة الصندوق للتعامل مع الأصول؟

قال المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، إن دور الصندوق السيادي هو إدارة المحفظة الاستثمارية للأصول المملوكة للدولة، وليس بيعها؛ ويستهدف دعم موازنة الدولة مرحليًا، لكنه في الأساس صندوق لدعم الأجيال المقبلة.

أكد الوزير في مؤتمر الاستثمار لغرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة، الذي حضرته “مصر 360” مساء الثلاثاء، أن الدولة لديها نية واضحة للتخارج من النشاط الاقتصادي عبر وثيقة سياسة ملكية الدولة وتعظيم العائد من الشركات المملوكة لها.

لكن الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية سابقًا، يطالب بضمانات لكيلا يتحول الصندوق إلى نسخة مُكررة من بنك الاستثمار القومي، الذي كان يساهم في إدارة بعض شركات الدولة بأسلوب تقليدي لم يؤتِ ثماره.. متسائلاً: ما الضمانات التي تضمن ألا يتحول الصندوق لنمط مكرر من بنك الاستثمار؟.. وما دور وزارة قطاع الأعمال العام بعد تحويل الشركات للصندوق؟

تأسس بنك الاستثمار القومي بقرار جمهوري عام 1980؛ بهدف تمويل كافة المشروعات المُدرجة بالخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق الإسهام في رؤوس أموال تلك المشروعات أو عن طريق مدها بالقروض أو غير ذلك من الوسائل، ومتابعة تنفيذ تلك المشروعات، وكان مساهمًا في العديد من الشركات والبنوك العامة.

هل توجد نية لإلغاء وزارة قطاع الأعمال العام؟

بحسب نافع، فإن توحيد الإدارة من خلال الصندوق السيادي “جيد” للحد من الهدر والفاقد، لكن تحقيق ذلك يتطلب إدارة سلبية للأصول (بمعنى تقليص تدخل الصندوق)، وأن تكون إدارة الشركات ذاتها إيجابية من خلال مجالس إدارات متخصصة، وهذه كانت فلسفة القانون 203 لسنة 1991 الخاص بقطاع الأعمال العام، لكن الوزارة (وزارة قطاع الأعمال) تخلت عن تنفيذ ذلك، وتحولت إلى التدخل في إدارة الشركات، ربما بسبب الإدارة غير الكفؤة للأخيرة في بعض الأحيان.

من التحديات التي تواجه الصندوق أيضًا ملكية الشركات الحكومية التي تتوزع بين 158 شركة، تملك فيها الدولة أكثر من 75%، بينما توجد 80 شركة، تمتلك فيها الدولة 25%، بجانب تحديد أيا منها سينتقل أولا فنحو 54% من إجمالي الشركات تحقق أرباح و42% تحقق خسائر.

أضاف نافع، أن النجاح مقرون بالإدارة، فالمركزية الشديدة بالإدارة لن تحقق الهدف، ولذلك يجب أن تتحول شركات قطاع الأعمال العام إلى شركات إدارة أصول بالمعنى المعروف تتبع الصندوق السيادي، بمعنى ألا يتدخل الصندوق إلا في تعيين رؤساء الشركات، لكن المشكلة التي ستواجه “السيادي” في افتقاره إلى الكاش والسيولة وإدارة التدفقات، فما يحال إليه من أراضٍ وعقارات لا يستطيع التصرف فيها (أي أنها ترفع من أصوله، لكن المشكلة بالسيولة التي يمكن ضخها في الشركات لتنميتها).

يحتل صندوق مصر السيادي المرتبة 48 ضمن أكبر 100 صندوق سيادي بالعالم، وفقًا لرأس المال المرخص به، ويتبعه عدد من الصناديق الفرعية التي تعمل في أنشطة السياحة والاستثمار العقاري وتطوير الآثار، والمرافق والبنية الأساسية، والخدمات الصحية والصناعات الدوائية، والخدمات المالية والتحول الرقمي، والاستثمارات الخضراء، وإدارة وإعادة هيكلة الأصول ذوات الإصدارات المتعددة.

هل تنجح إعادة هيکلة المشروعات في زيادة إنتاجيتها وأرباحها؟

يُفترض أن يساهم الصندوق في تخفيف عجز الموازنة العامة للدولة وزيادة الناتج المحلي الإجمالي وتوفير فرص عمل منتجة من خلال ضم مشروعات القطاع العام إليه وإدارتها، بالإضافة إلى ضم ممتلکات الدولة من الأراضي والأصول غير المستغلة واستثمار عوائدها بمشروعات إنتاجية، بجانب إعادة هيکلة هذه المشروعات على نحو يزيد من إنتاجيتها وأرباحها، فضلاً عن تخفيف عبء المشروعات الخاسرة على الموازنة العامة للدولة.

لكن نافع، يقول إن الصندوق السيادي لا يجب أن يتحول إلى ذراع تحول دون تخارج الدولة، ما يتطلب وضع خطط واضحة حول كيفية خوض “السيادي” المرحلة المقبلة في تنفيذ وثيقة ملكية الدولة، ومنح مديريه القدرة على انتهاج إدارة حرة، بدون تدخلات تحد من قدرتهم على الأداء.

وطالب بإلغاء وزارة قطاع الأعمال، وأن تتحول الشركات القابضة لشركات إدارة أصول مع حصر شركات الدولة بشكل كافٍ، وإنشاء ذراع للصندوق تجمع البيانات بدقة والتجارب في إدارة أصول في البداية، بدلا من نقل جميع الأصول إليه.

سبق أن نفت الحكومة نيتها إلغاء وزارة قطاع الأعمال العام في ظل التوجه نحو توسيع دور صندوق مصر السيادي، مؤكدة أنها تعمل على تنقية بعض الشركات التي تحتاج إلى استثمارات ومستثمرين، وتحسين الكفاءة وهامش حركة وحرية أكبر في التعاطي مع القطاع الخاص.

الإدارة هي المحك الأساسي للنجاح أو الفشل؟

بحسب صندوق الثروة السيادي المصري، فقد نجح في جذب استثمارات بقيمة 3.3 مليار دولار من الصناديق السيادية العربية الأخرى خلال 2022، وكانت أهم القطاعات التي تلقت تلك الاستثمارات: الهيدروجين الأخضر والسياحة والاستثمار العقاري وتطوير الآثار والصناعة والخدمات المالية والتحول الرقمي والتعليم، ويدرس الصندوق أيضًا خلال السنوات الخمس القادمة القيام بـ 44 مشروعًا، وبإجمالي استثمارات 140 مليار جنيه.

ووقع الصندوق عقدًا مع الصندوق السيادي المالطي لتأسيس “مؤسسة صناديق الثروة السيادية لأوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا” في مالطا وبحضور شخصيات من فرنسا وإسبانيا، فضلًا عن “صندوق إثمار كابيتال” (المغرب)، والهيئة العامة للاستثمار الكويتية و”مؤسسة التمويل الحكومية” الإيطالية وشركة “ستاندرد تشارترد” البريطانية للاستشارات ومجموعة “بوسطن الاستشارية” (BCG) الأمريكية، وهي خطوة تعد حجر أساس لشبكة تعاون متوسطية.

يقول د. سيد طه بدوي، رئيس قسم التشريعات الاقتصادية بكلية الحقوق جامعة القاهرة، إن صندوق الثروة السيادي موكول به القيام بدوره في تنمية موارد الدولة المصرية، وبالتالي يكون له الدور الأكبر في جذب الاستثمارات الأجنبية لمصر، وتجنب مخاطر تلك الاستثمارات عن طريق استخدام الفوائض النقدية المحققة في ميزان المدفوعات المصري وتوفير الاحتياطات الدولية الرسمية من العملات الأجنبية، أو من حصيلة خصخصة بعض المشروعات العامة، وكذلك الفوائض المالية والمتحصلات الناتجة من الصادرات السلعية المصرية.

أضاف أنه يجب على الصندوق، أن يقوم بالعديد من المشروعات الاساسية في مصر مثل، مشروعات توليد الطاقة وتحلية المياه، وذلك من خلال محافظ الاستثمارات الخارجية، والتي تخلق عوائد يمكن استخدامها في تمويل الإنفاق العام، بالإضافة إلى ذلك يجب على صندوق الثروة السيادية، أن يقوم بالتوظيف الإيجابي للأموال وتحقيق القيمة المضافة الحقيقة، وكذلك التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد من خلال توجيه إيجابيات الاستثمار الخارجي إلى الداخل، وتحويل الأزمة المالية العالمية لفرصة حقيقية.

ما المطلوب من الصندوق؟

تظل الإدارة هي كلمة السر في مدى نجاح الصندوق، ومدى قدرته على تغيير أسلوب الإنتاج شريطة الحصر الدقيق والتقييم الجيد للأصول والممتلکات، بالإضافة إلى توافر الإدارة الجيدة ذات الخبرة الکافية في مجال المحافظ الاستثمارية.

تطالب دراسات بتوفير الكوادر البشرية المتمرسة والمحترفة بالشأن الاقتصادي بصورة عامة، وبعمليات الاستثمار المباشر واستثمارات المحفظة بصورة خاصة، ويمكن الاستفادة من الكوادر بالمؤسسات المالية الأجنبية، بجانب العلاقة بين صندوق مصر والموازنة العامة للدولة، إذ يجب ألا يتجاوز تمويل الصندوق للموازنة العامة للدولة جزءا من أرباحه للحفاظ على استمرارية أصول الصندوق وعدم تعرضه للخسارة.

كما يتعين تحديد مؤشرات لقياس أداء وحوكمة الصناديق السيادية والاستثمار، بالإضافة إلى تطوير المهارات الداخلية لفرق الإدارة والمحللين الماليين، وتوظيف وتطوير المواهب المناسبة اللازمة، لتحسين القدرة على اتخاذ القرارات الاستثمارية الذكية، والتقييم المستمر، كل ذلك في إطار شراكات مع مراكز فكر ومراكز بحثية.

لماذا يثير الصندوق السيادي الجدل؟

رغم تأكيد وزارة الاستثمار أكثر من مرة، أن نقل ملكية أصول الدولة إليه لا يستهدف بيعها، إلا أن قطاعا من خبراء الاقتصاد مثل أحمد السيد النجار، يبدي تحفظًا على ذلك، إذ يرى أن الصندوق له حق التصرف في الأصول المملوكة له أو للصناديق المملوكة له بالكامل من خلال البيع أو التأجير المنتهي بالتملك، أو الترخيص بالانتفاع، أو المشاركة كحصة عينية وفقًا للقيمة السوقية على أساس متوسط القيمة المحددة بموجب 3 تقارير لمقيمين ماليين، تعتمدهم الهيئة العامة للرقابة المالية والبنك المركزي، محذرًا من تاريخ شركات التقييم التي سهلت استيلاء القطاع الخاص المصري والأجنبي (وضمنه العربي)، على الشركات المملوكة للدولة المصرية بأقل كثيرًا من قيمتها الحقيقية.

أضاف أن الصندوق لديه الحق في خصخصة الأصول العامة المستغلة وغير المستغلة المملوكة للدولة التي ستؤول له، ما يفتح الباب لأوسع برنامج للخصخصة ولبيع الأراضي والموارد الطبيعية العامة، بدلاً من إصلاح وتحديث القطاع العام وفتح الباب للاستثمارات الخاصة المصرية والأجنبية وضمنها العربية لبناء مشروعات جديدة، بدلاً من تداول مشروعات قائمة فعليا، حتى ولو كانت متعثرة بفعل فاعل.