أثار توقيع مجموعة مواني أبوظبي، المملوكة لصندوق أبوظبي السيادي “أيه دي كيو” والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، اتفاقية انتفاع قابلة للتجديد لمدة 50 عامًا لتطوير وتشغيل منطقة صناعية ولوجستية تحت اسم “كيزاد شرق بورسعيد”، تمتد على مساحة 20 كيلومترا بشرق بورسعيد، الكثير من الجدل بالشارع المصري، جدل لا ينصب فقط على استمرار أنشطة أبوظبي في المواني المصرية فقط، ولكن حول تفاصيل الاتفاقية ذاتها وبنودها.
بموجب هذه الاتفاقية، ستتولى “مواني أبوظبي” تطوير وتشييد وتمويل وتشغيل وإدارة المنطقة الصناعية واللوجستية على عدة مراحل، حيث سيُخصَّص استثمار إجمالي بقيمة 120 مليون دولار للدراسات السوقية والفنية ذات الصلة، إضافة إلى تطوير المرحلة الأولى على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة على مساحة 2.8 كيلومتر مربع بنهاية عام 2025، وتضم مجموعة من المقاولين المحتملين، بينهم مجموعة حسن علام القابضة.
15% فقط.. حصة مصر من “كيزاد شرق بورسعيد”
يقول الدكتور وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إن مجموعة مواني أبوظبي ستتولى تطوير البنية التحتية للمنطقة لاستقطاب الاستثمارات بقطاعات محددة، على أن تحصل مصر على 15% من الإيرادات المحققة عبر تلك الاستثمارات، ما يعني أن الحكومة ستستفيد من نسبة من العائدات التي تتدفق إلى الشركة من المستثمرين.
الكثير من المحللين أبدوا انزعاجهم من المدة الطويلة للعقد التي تبلغ نصف قرن، رغم أن التعاقدات التي تمت في السابق مع مواني أبوظبي، دارت كلها في فلك الـ30 عامًا، وكذلك النسبة الضئيلة من الإيرادات التي تبلغ 15% وهي أقل بكثير من النسب المتعارف عليها عالميًا في مثل هذه المشروعات التي تدور في فلك 30% بمشروعات الشراكة، خاصة أن التجارب السابقة للإمارات بالمواني المصرية، لم تؤت ثمارها حتى الآن.
ترى تلك الآراء أن شركة مواني أبوظبي ستتحمل فقط ١٢٠ مليون دولار فقط في المرحلة الأولى، ويمكنها فتح باب بيع حق الانتفاع لقطع الأراضي الصناعية أمام المستثمرين، وتجمع الأموال منهم، أي إنها ستعمل بأموالهم متسائلين: لماذا لم تقم الحكومة أو أي شركة محلية بذلك الأمر؟
ما حصة الإمارات بالمواني المصرية؟
تمتلك مصر 18 ميناءً تجاريًا مدنيًا، حصلت دولة الإمارات على امتياز 6 مواني منها، بنسبة 33.3% كلها تتسم بالأهمية الشديدة.
في العام الماضي، وقعت اتفاقية امتياز مع الهيئة العامة لمواني البحر الأحمر في 2023، بهدف بناء وتشغيل مشروع محطة سفاجا متعددة الأغراض بقيمة 200 مليون دولار أمريكي، ليكون أول محطة دولية متعددة الأغراض في صعيد مصر.
الإمارات لا تستهدف المواني فقط، لكنها تستهدف أيضا أنشطة أخرى، تتعلق بالمواني، إذ وقعت اتفاقية لتطوير محطتين سياحيتين بمينائي الغردقة الواقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر بالقرب من مدخل خليج السويس، وشرم الشيخ، الذي يقع عند ملتقى خليج السويس والعقبة، بجانب اتفاقيتين لإنشاء محطتين لمناولة الأسمنت السائب في مينائي غرب بورسعيد والعريش.
على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، عززت مجموعة مواني أبوظبي استثماراتها بالسوق المصرية، مع استحواذها على شركتي “ترانسمار” للشحن الإقليمي، و”تي سي آي” لتشغيل المواني وأعمال الشحن والتفريغ، ومؤخراً على شركة “سفينة بي في” للوكالات البحرية والشحن.
كما أبرمت المجموعة اتفاقيات امتياز طويلة الأجل لتطوير وتشغيل محطات السفن السياحية في مواني البحر الأحمر في سفاجا والغردقة والعين السخنة وشرم الشيخ، ووقّعت اتفاقية بالأحرف الأولى لتطوير وتشغيل محطة لسفن الدحرجة في العين السخنة.
ملاحقة مواني دبي قانونيًا
رغم امتلاك الإمارات ميناء “جبل علي” أكثر مواني العالم تطوراً، والذي حصل على جائزة أفضل ميناء بحري بالشرق الأوسط 24 عامًا متتاليًا، والحديث عن خبرتها الطويلة في هذا المجال، لم تترك بصمات إيجابية على تطوير المواني المصرية، خاصة ميناء السخنة الذي ظلت لمدة 12 عامًا متتالية عاجزة أو غير راغبة في الوصول بسعته لما يزيد على 1.1 مليون حاوية.
يبدو رقم الـ 1.1 مليون حاوية محدودا بالنسبة لقدرات ميناء جبل علي، التابع لمجموعة مواني دبي العالمية الذي حقق خلال شهر يوليو الماضي، رقماً قياسياً جديداً في المناولة الشهرية للحاويات، يبلغ 1.4 مليون حاوية نمطية قياس 20 قدماً بإجمالي أعمال المناولة 42.5 مليون حاوية نمطية في عام 2024.
الدكتور ممدوح حمزة استشاري هندسي، كان قد دعا إلى “ملاحقة شركة مواني دبي قانونيًا”؛ بسبب الخسائر التي سببتها لمصر، من أزمة تكدس شحن لا تزال قائمة، ونقص في معدات الإنزال، فضلًا عن صغر حجم غاطس الميناء، ما جعله غير قادر على استيعاب سفن الحاويات الكبرى، وحتى متوسطة الحجم، ذلك دون تحرك من الشركة المنتفعة بالتطوير، بخلاف أزمات الفصل التعسفي للعمالة وتأخر الرواتب، التي استدعت التدخل من الدولة.
في 2017، وقعت الإمارات شراكة مع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لإنشاء شركة تستهدف تنمية وتطوير مساحة 95 كيلو مترا مربعا بمنطقة العين السخنة، تشمل منطقة صناعية وسكنية، وتطوير ميناء السخنة بمساحة 22 كيلو مترا مربعا، ولم يتم تأسيها حتى الآن، وكان من المفترض بدء المرحلة الأولى التشغيلية من المشروع نهاية 2023، لكن حتى شهر فبراير 2025، لا تزال 35% من أعمال المشروع غير مكتملة.
تؤيد الرؤية الحكومية
توجهت الإمارات بقوة نحو المواني المصرية؛ بسبب حدوث أربعة متغيرات مهمة هي: توسعة قناة السويس، والإعلان عن إنشاء جسر الملك سلمان بين مصر والسعودية، وإطلاق مشروع نيوم، لإقامة منطقة اقتصادية عالمية بين مصر والسعودية والأردن، واحتدام المنافسة الدولية والإقليمية، بشكل بات يمثل تهديدًا للمصالح الإماراتية.
المنطلقات الحكومية لإسناد العقود للإمارات مفادها تطوير البنية التحتية دون تحميل الموازنة العامة عبء إضافي أو الحاجة إلى الاقتراض للتمويل في ظل التهام الفوائد نحو 50% من المصروفات، بحسب مصدر مسئول بوزارة النقل.
يضيف أن الحصول على 15% من إيرادات المشروع ليس المكسب الوحيد، فهناك مكاسب أخرى مثل، توفير الآلاف من فرص العمل المباشرة بمجالات النقل، والخدمات اللوجستية، والإدارة، بالإضافة إلى وظائف غير مباشرة، فضلا عن خدمة مستهدفات الدولة للتحول إلى مركز إقليمي للتجارة والخدمات.
حنان رمسيس، الخبيرة المالية، تؤيد الرؤية الحكومية في ذلك، إذ لا ترى أي مخاطر من الاستثمارات الإماراتية في المواني المصرية على العكس تحقق كفاءة تطوير المواني والاستفادة من التجربة الإماراتية في اللوجستيات، وتحقيق منافع مشتركة.
أضافت أن الدولة لديها احتياج للعملة الصعبة في ظل تراجع عائدات قناة السويس، بجانب أن الدولة تخشى من الاعتماد على الأموال الساخنة التي تخرج؛ وتسبب أزمة للاقتصاد ولذلك تعتمد على الاستثمارات المباشرة، وطالما أن مشروعات المواني تتسم بارتفاع التكاليف الاستثمارية الدولارية، فإن حصول الحكومة على ١٥٪ من العوائد جيد، خاصة أنها لا تتحمل أي تكاليف.