الـ” 1000 جنيه” التي حددتها الحكومة، حداً أدني للإيجارات في مشروع القانون الذي قدمته، والخاص بـ”الإيجار القديم” لا تكفي.. يقول مصطفى عبد الرحمن رئيس اتحاد ملاك العقارات القديمة.

ويقترح رفعا يصل بالحد الأدنى للإيجار القديم والخاص بالسكن إلى 2000 جنيه للمناطق الشعبية، و4000 جنيه للمناطق المتوسطة و8000 جنيه للمناطق الراقية.

بينما يصرخ شريف الجعار، رئيس اتحاد المستأجرين  على الجانب الآخر “امتداد عقد الإيجار للجيل الأول سواء للوحدات السكنية أو التجارية هو حق دستوريمكفول بحكم قضائي، وليس مجرد وجهة نظر”.

الجدل المتواصل منذ سنوات طويلة حول قانون الإيجار القديم، بلغ ذروة غير مسبوقة، مع تقديم الحكومة لمشروع قانون يخص الملف، ما أشعل صراع “الملاك في مواجهة المستأجرين”، فضلا عن انضمام أطراف أخرى بينها شركات عقارية ضخمة، تجد في مناطق تركزات الإيجار القديم فرصة استثمارية، وتسعى لتقديم عروض مالية ضخمة للمالك والمستأجر على حد سواء لإعادة تطوير منازل، تتسم بتصميم عمراني متميز. وإلى ساحة الصراع المشتعل دخل نواب برلمانيون، وخبراء في مجالات الاستثمار والعقار والاقتصاد.

شركات الاستثمار العقاري تعتبر ملف الإيجار القديم عائقا وتحد حقيقي، تقول مها عبد الرازق، رئيسة شركة مصر لإدارة الأصول العقارية، التي  تمتلك 525 عمارة، تضم 14 ألف وحدة في 26 محافظة، ما يمثل ثاني أكبر محفظة عقارية بمصر بعد وزارة الأوقاف، وينصب تركيزها في القاهرة بصورة رئيسية على العقارات الواقعة بمناطق وسط البلد والزمالك وجاردن سيتي، تقول مها إن قانون الإيجار القديم هو التحدي الأكبر الذي يواجهها، إذ يؤثر على غالبية الأصول العقارية التي تمتلكها الشركة رغم مواقعها المتميزة وإمكاناتها الاقتصادية، والتعديلات الأوسع نطاقا على قانون الإيجار القديم— التي لا تزال تنتظر الضوء الأخضر من مجلس النواب— ستمنح الشركة دفعة مالية أقوى، خاصة في ظل الاستخدام غير المصرح به لبعض وحدات الإيجار القديم.

لا توجد إحصائية رسمية، حول عدد الشقق المغلقة في مصر، فالبعض يقدرها بحوالي 13 مليون وحدة تقريبًا في مصر من بينها الوحدات الساحلية التي لا تستغل إلا عدة أيام خلال الصيف، بينما أكدت تقديرات العديد، أنها حوالي 5 ملايين وحدة عقارية.

كريم شافعي، رئيس مجلس إدارة شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري، التي تمتلك 25 عقاراً، واستثمرت نحو 800 مليون جنيه على مدار 16 عاماً، في وسط القاهرة، ألمح إلى النقطة ذاتها التي توقفت عندها مها عبد الرازق، قبل تقديم الحكومة مشروعها القانوني لمجلس النواب، إذ قال إن الشركة تواجه تحديات كبيرة في تطوير المباني التراثية بوسط القاهرة، أبرزها تفتت ملكيات العقارات وتوريث عقود الإيجار القديمة من جيل إلى آخر.

صراع المالك والمستأجر.. نظرة سطحية

تُعول الدولة على قانون إنشاء قاعدة بيانات الرقم القومي الموحد للعقارات، الذي أقره مجلس النواب أخيرا في حل مشكلة البيانات؛ بهدف تنظيم وتوثيق الثروة العقارية في مصر بمنح كل عقار رقمًا قوميًا، يشتمل كل التفاصيل الفنية والقانونية والإدارية المتعلقة به، مثل بيانات الموقع، والاستخدام، والملكية، والترخيص، والمخالفات، وأي تصرفات تتم عليه.

الباحث الاقتصادي محمد رمضان، يرى أن هناك إصرارا مستمرا على تسطيح ملف الإيجار القديم، وتصويره على أنه صراع بين المالك والمستأجر، لكن الحقيقة أنها مشكلة أعقد بكثير، تتعلق بالإطار التنظيمي والبنية القانونية للملكية، والإيجار في بلد ضخم بحجم مصر.

يبلغ حجم السوق العقارية المصرية 3.5 تريليون جنيه مصري وفقاً لآخر إحصاء في عام 2023، وتشكل العقارات السكنية أكبر حصة من السوق المصرية، حيث بلغت قيمتها 2.5 تريليون جنيه مصري في عام 2023، وتأتي العقارات التجارية في المرتبة الثانية بقيمة تريليون جنيه.

يضيف رمضان، أن مصر لديها قانونين للإيجار من منتصف التسعينات تقريبا، وهو أمر غريب للغاية، فالدولة حررت إيجار معظم الوحدات في التسعينات مع القانون الجديد الذي يمثل 93% من السوق، بينما الإيجار القديم يمثل تقريبا 7٪ من السوق.

وقد شهدت مصر منذ بداية من 2007 مصر تخمة عقارات مرعبة 13 مليون وحدة تقريبا بمصر مغلقة، بحسب بيانات 2016، ومن الممكن أن يكون جزءًا منها وحدات ساحلية مغلقة في الصيف، لكن على الأقل هناك حوالي 5 مليون وحدة عقارية مغلقة في مصر غالبيتها غير متاحة للإيجار، لإحجام الملاك عن التأجير في ظل ضعف العائد مقارنة بالفوائد البنكية، أو لأن كثيرا من تلك الشقق في مناطق التوسع العمراني التي تحتاج مصاريف أخرى غير الإيجار (كمصاريف أعلى في التنقل مثلاً)، وهو أمر يجعل الطلب على الإيجار في المناطق الجديدة أقل بكثير منها في المناطق القديمة، التي لا تزال كثافتها السكانية أعلى وتوفر الخدمات فيها أفضل نسبيا.

وعزز تغول سلطة المالك في عقود الإيجار الجديد ثفافة التملك، إذ لا يلتزم الملاك بالزيادة المقررة بنسبة 10% سنويا، وجميعهم يشطبون بند التجديد التلقائي من العقد، بل ويرفض البعض توقيع عقد أكثر من سنة، حتى يتيح لنفسه التخلص من المستأجر في أي وقت.

في بعض المشروعات بالتجمع الخامس التي يبلغ الإيجار الشهري للوحدة السكنية فيها 40 ألف جنيه، يوجد ما هو أخطر، إذ ترفض إدارات الكمبوند إعطاء المستأجر كارت شحن الكهرباء وتحتفظ به عندها وحال عدم التزام المستأجر بالتعاقد، يمكن فصل التيار عنه لحين حضور المالك الأصلي.

مصر.. سوق عقاري مختلف

 القطاع غير الرسمي في مصر، كان هو الحاضنة لتوفير المساكن لأغلب المصريين، والقطاع الرسمي على تطوره في السنوات الأخيرة، لم يصل لأغلب المصريين مع ضعف القوى الشرائية، وارتفاع أسعار الوحدات السكنية، خاصة أن المتر في الإسكان الاجتماعي يصل فيه سعر المتر لـ 18 ألفا.

فعالية دور الحكومة الأساسي في تنظيم السوق من خلال ضرائب عقارية جدية على الشقق المغلقة، وهو أمر من شأنه خفض أسعار الإيجار بمصر، لدرجة تجعل الاستثمار العقاري غير جيد على المدى القصير، لكن على المدى الطويل ستنتج سوقًا صحية أكثر تعبيرًا عن القدرة الشرائية الحقيقية للمصريين.

بالعودة للباحث الاقتصادي محمد رمضان، نجده يضرب المثل بألمانيا، فالأحياء هي التي تحدد الإيجار في عملية تفاوضية مستمرة بين اتحادات الملاك واتحادات المستأجرين، ولذلك السوق صحية بشكل كبير، فالمواطنون لا يريدون التملك وتقريبًا نسبة الملاك بألمانيا لا تتخطى 46٪ في حين في مصر 84٪ من الأسر تمتلك منزلها.

سلم اجتماعي وأمن قومي وحقوق مشروعة

النائبة أميرة صابر، عضو مجلس النواب، ترى أن حق السكن الآمن وحق الملكية العادلة في ميزان واحد، فقانون الإيجار القديم يعالج واحدة من الاحتياجات الاساسية التي لا بديل لها، ويطال بطريقة– مباشرة أو غير مباشرة ما لا يقل عن 10 ملايين مواطن، ويؤثر في ديناميكية سوق العقار كله، بل يؤثر في الأمن القومي لذلك، فإن أي تعديل لا بد أن يكون متوازنًا.

ترى النائبة، أن الخلل في قضية الإيجار القديم هي وجود ملاك حُرموا لسنوات من عائد عادل على ممتلكاتهم، وكذلك مستأجرون أغلبهم من محدودي ومتوسطي الدخل مهدَّدون بتحمل التكلفة الكاملة للتصحيح، وذلك كله في وجود سوق عقارية، تعاني فجوة بين العرض الحقيقي والطلب الفعلي، وتتضمن 5 ملايين وحدة مغلقة وعقود عرفية غير منظمة.

بحسب النائبة، فإنه يجب تقسيم الشقق لفئات تراعي القيمة الإيجارية في الأحياء الأفقر والأعلى قيمة مع زيادات تدريجية للعقد، فالعقود قبل 1965 تكون الزيادة 20 ضعفًا، ومن 1965 – 1981 نحو 10 أضعاف، ومن 1981 – 1996 تكون 5 أضعاف (سكني وغير سكني)، وربط الزيادة السنوية بالاقتصاد الحقيقي ومعدلات التضخم بدل النسبة المقترحة في القانون (15٪ نسبة ثابتة)، يُحتسَب متوسط بين التضخم الرسمي وزيادة الأجور المعلَنة سنويًا.

المادة 6.. قنبلة في انتظار الانفجار

تنص المادة (6) من مشروع القانون الحكومي وهي الأكثر إثارة للجدل على إخلاء المكان المؤجر، ورده إلى المالك أو المؤجر؛ بحسب الأحوال؛ بعد خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون، ما لم يتم التراضي على غير ذلك، وحال الامتناع عن الإخلاء يكون للمالك أو المؤجر؛ بحسب الأحوال، أن يطلب من قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الكائن في دائرتها العقار إصدار أمر بطرد الممتنع عن الإخلاء دون الإخلال بالحق في التعويض، إن كان له مقتضى.

شريف الجعار، رئيس اتحاد المستأجرين توقف عند ما اعتبره “تأويلا للمادة” ليقول: “المستأجر يسكن في الوحدة بناءً على حق قانوني ثابت، وأن العلاقة الإيجارية تستند إلى امتداد قانوني مشروع، لا يمكن الطعن فيه، كما أن هناك ما يسمى بـ«التكييف القانوني للدعوى»، وهو محصور في أربع حالات فقط، لا تشمل إلغاء العلاقة الإيجارية القائمة، وبالتالي فإن المحاكم ليست جهة لفسخ تلك العقود.

في المقابل، يطالب مصطفى عبد الرحمن رئيس اتحاد ملاك العقارات القديمة، بخلاف رفع القيمة التي حددتها الحكومة في مشروع قانون الإيجار القديم، بتخفيض فترة توفيق الأوضاع إلى ثلاث سنوات، بعدها يتم كتابة عقد جديد “قانون مدني”.

المستأجرون يرون، أن الملاك قد حصلوا على حقوقهم كاملة، إذ أخذو “خِلو رجل” مقابل تمكينهم من الشقة، وهو رقم كبير بمعايير الوقت الذي تم دفعه فيه، فالعائد على العقار الذي يصل لألف جنيه، كان مبلغا مهما منذ 50 عاماً، مطالبين أيضًا بأن يتم تعويضهم عن “خلو الرجل” بمعايير التوقيت الحالي.

ودخل بعض المستشارين القانونيين على الخط مثل المحامي عصام مهنا، الذي قال إن مشروع القانون جعل الإخلاء أمرا، وليس حكم من القضاء المستعجل بإخلاء العين المؤجرة. والأمر معروف، أنه يصدر خلال 48 ساعة من ساعة تقديمه، وذلك بخلاف الأحكام المستعجلة.

واقترح إضافة ماده للقانون بإنشاء شرطة متخصصة لتنفيذ قرارات قاضي الأمور المستعجلة بالإخلاء منها التخفيف على كاهل أقسام الشرطة من كم الأحكام الكثيرة المراد تنفيذها ومن جانب آخر سرعة تنفيذ قرارات الإخلاء.

60 عاما من التعقيد..البحث عن توازن

يقول د. مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إن الملف شديد التعقيد، ويصل عمره إلى حوالي 60 سنة، ومسودة القانون بالبرلمان التي يجري العمل عليها بصورة جيدة، ويتم استدعاء خبراء ومجموعات الملاك للاستماع لآرائهم، إضافة إلى مجموعات المستأجرين، للخروج بقانون متوازن بقدر الإمكان يحقق المصالح المختلفة لكل الأطراف.

بينما يرى المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، إن قانون الإيجار القديم، يعتبر واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في تاريخ التشريع المصري. وأشار الحمصاني، إلى أن الدولة ملتزمة خلال الفترة الانتقالية للقانون بتوفير بدائل سكنية مناسبة للمضارين من التعديلات بأسعار مقبولة،  فوزارة الإسكان ستطرح وحدات سكنية بأسعار مقبولة، تتناسب مع مختلف شرائح الدخول، بحيث لا يتعرض أحد للضرر.

ويستهدف صندوق التنمية الحضرية في مشروعه “القومي لتطوير عواصم المدن” إنشاء 500 ألف وحدة سكنية بجميع أنحاء الجمهورية، لا تبعد عن الأماكن التي توجد فيها وحدات الإيجار القديم، ما يعني أن المؤجر سيعيش في نفس  المنطقة التي اعتادها.