هل تنتظر مصر انقطاع الكهرباء صيف هذا العام؟ سؤال مهم يجب أن يُطرح بشفافية، حتى لا يفاجأ المواطن، بما بات يسمى تهذبا بتخفيض الأحمال على الشبكات. الشاهد حتى اليوم أن هناك جهودا لمنع ذلك، لكن بالمقابل فإن ندرة الموارد المالية، ربما تشي بغير ذلك، وهكذا ربما نجد رئيس الوزراء، قد نكث في وعده بعدم انقطاع التيار ضمن وعود كثيرة سابقة نكث فيها.
إسرائيل تفاقم الأزمة
دوما إذا أراد المرء أن يبحث في أصل بعض الأزمات المصرية، فيجب عليه أن يبحث بداية عن الدور الصهيوني فيها، قبل أن يتطرق إلى أي سبب آخر لها. بداية وقعت مصر في ورطة منذ أن تعاونت مع إسرائيل في مجال الغاز إبان عهد الرئيس الأسبق مبارك. وفي العام 2020 تحولت مصر من مصدر إلى مستورد للغاز من الكيان الصهيوني. إذ تعاقدت على استيراد الغاز غير مسال منها، وذلك عبر خط أنابيب مشترك. وهذا الغاز في جزء معتبر منه منهوب من الثروات الفلسطينية، لأن بعض الحقول القائمة في مياة المتوسط، هي خارج نطاق التقسيم الصهيوني وفق خرائط تقسيم فلسطين في الأمم المتحدة عام 1947. المهم أنه في نهاية إبريل ومطلع مايو الحالي بدأ ينحسر استيراد الغاز من الكيان الصهيوني، حيث تقلص الاستيراد من مليار قدم مكعب في اليوم تقريبا إلى 800 مليون قدم يوميا، ما يعني وجود انخفاض بقيمة 20%. جدير بالذكر أن مصر تستورد الغاز من إسرائيل منذ العام 2020، وذلك في صفقة مدتها عدة سنوات قيمتها 15 مليار دولار. وعلى الرغم من أن قرار الانخفاض الأخير مهم، لأنه يقلل من اعتماد مصر على الكيان الصهيوني، ومن ثم يقلل من الابتزاز السياسي، إلا أن قرار الانخفاض هنا جاء من إسرائيل بزعم إجراء صيانة في الحقول، وكذلك كثرة الاحتياج الصهيوني في فصل الصيف، وهي بالتأكيد حجج تبدو ذات طابع سياسي.
والمعروف أن الغاز المستورد من إسرائيل كان يتم دفعه إلى محطتي الإسالة في أدكو ودمياط؛ بغرض إعادة تصديره إلى أوروبا التي شهدت أزمة كبيرة في الحصول على الغاز؛ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. ولكن بعد مشكلات كثيرة خفضت إنتاج مصر من الغاز؛ بسبب الحد من إنتاج حقل ظهر بنحو الثلث تقريبا، حولت مصر الغاز القادم من إسرائيل عبر الأنابيب لخدمة الاحتياجات المحلية.
عجز كبير في الإنتاج
وكما ذكر آنفا، بدأت المشكلة مع انخفاض إنتاج حقل ظهر من 3مليار قدم مكعب إلى 1,9مليار قدم مكعب يوميا، وكان الانخفاض ناتجا عن الاستنزاف الكبير من الاحتياطي من الحقل، إضافة إلى مشكلات فنية عديدة. أضيف إلى ذلك أن الشركة الإيطالية المنتجة تضررت بفعل عدم سداد مصر للمستحقات المالية، ما أدى إلى سحب الشركة لبعض معداتها من الحقل، قبل أن تستأنف عملها مرة أخرى بعد سداد جزء من تلك المستحقات، وجدولة الجزء الآخر.
اليوم تنتج مصر 5 مليار قدم مكعب يوميا. أما متوسط الاستهلاك المحلي- آخذا في الاعتبار زيادة الاستهلاك صيفا- فهو يتراوح ما بين 6,7-6,8 مليار قدم مكعب يوميا، ما يعني أن جملة الفجوة بين الانتاج المحلي والاحتياجات اليوم يتراوح ما بين 1,7-1,8 مليار قدم مكعب يوميا.
كل تلك البيانات حولت مصر من مصدر للغاز خلال الفترة من 18/ 2021 إلى مستورد. صحيح أنها كانت تستورد الغاز من إسرائيل منذ العام 2020، لكن هذا الاستيراد كان بغرض التجارة العالمية، وليس الاحتياج المحلي كما ذكر آنفا. جدير بالذكر أن حجم الصادرات المصرية إلى أوروبا من الغاز المسال قد وصل أوجه عام 2022 إلى 8,3 مليار دولار، مقارنة بـ3,5 مليار دولار عام 2021.
الاحتياجات الفعلية اليومية من الكهرباء
تحتاج مصر نحو 40 جيجا وات من الكهرباء في اليوم الواحد، وهو ما يكلف الدولة، وفقا لما قاله أسامة كمال وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق- مليار دولار شهريا تقريبا، أو ما يصل في أقل تقدير وحسب بيانات أخرى إلى نحو 8 مليار دولار سنويا. وبطبيعة الحال، يتزايد الاحتياج للكهرباء في فصل الصيف بفعل ارتفاع درجات الحرارة. ويأتي احتياج مصر للغاز، لكونه الوسيلة الرئيسة لتشغيل محطات الكهرباء. جدير بالذكر أنه وفقا لبيانات وزارة الكهرباء عام 2020، فإن بمصر 80 محطة لتوليد الكهرباء، تعمل 25 منها بالغاز والسولار، و19 بالغاز والمازوت معا، و11 محطة بالغاز فقط، و12 بالسولار، كما توجد 6 محطات تعمل بطاقة المياه، وواحدة شمسية وتعمل بالغاز، و2 بالطاقة الشمسية و3 بالرياح، وواحدة بالمازوت ومقرها الوليدية بأسيوط.
ركض لمنع انقطاع كهرباء المنازل ومصانع الإنتاج
لا شك، أن الحكومة المصرية تركض هذه الأيام خشية انقطاع الكهرباء في المنازل، وكذلك للمصانع العملاقة، خاصة تلك التي تنتج الأسمدة والأسمنت والصناعات الغذائية، وهي في سبيل ذلك بالإعلان، وفق موقع الشرق الإخباري السعودي، عن استيراد الغاز المسال من الخارج حتى عام 29/ 2030، وقد بدأت في سبيل ذلك بما يلي: –
– التعاقد مع شل الهولندية وتوتال الفرنسية في ديسمبر 2024 لشراء 60 شحنة خلال العام 2025، بثمن 3 مليارات دولار، بحجم 500 قدم مكعب للشحنة الواحدة، وبواقع 5 شحنات كل شهر، وبثمن 50 مليون دولار للشحنة، مع سماح للسداد مدة عام.
– التفاوض في مايو الحالي مع قطر عقب القرار الإسرائيلي بخفض التوريد لمصر، بغية استيراد الغاز منها. هنا يجب ملاحظة، أن الغاز القطري سيأتي عبر السفن في شكل مسال، أي مرتفع الثمن، إلا أن قطر ستصدره لمصر بسعر مميز، وهو أقل من سعر السوق بـ20%، لكنه سيبقى مرتفع التكلفة مقارنة بالغاز غير المسال.
– القيام خلال الأسابيع القليلة الماضية بتأجير عدة محطات تغويز عائمة لتسييل الغاز المنتج محليا. وفي هذا الصدد قامت مصر في مايو الحالي بتأجير محطة تغويز غاز تركية عائمة، ستعمل بسيدى كرير بدءا من الربع الأخير من العام القادم، وذلك في اتفاق وقِع مؤخرا بين شركة بوتاش التركية وإيجاس المصرية. جدير بالذكر أن الخطوة المصرية السابقة هي الخامسة خلال العام 24/ 2025. إذ سبق لمصر أن وقعت اتفاقا مماثلا مع شركة “هوج إيفي” ومدته 10 سنوات للاستعانة بخدمات سفينة “هوج غاندي”. هنا يشار إلى أن عقد عمل سفينة التغويز هوج غاليون الموجودة حاليًا في العين السخنة، هو أول عقد لمحطة استيراد للغاز المسال تتعاقد عليها مصر، ويمتد حتى فبراير 2026. جدير بالذكر أن مصر تعاقدت أيضا مع سفينة التغويز “إنرغوس إسكيمو”، المملوكة لشركة “نيو فورتريس” الأمريكية، والتي ستعمل هي الأخرى في العين السخنة، اعتبارا من يونيو 2025، ولمدة 10 سنوات، لتعمل جنبا إلى جنب مع سفينة تغويز ألمانية بدءا من يونيو/ يوليو 2025.
– الإعلان عن قيام “شيفرون” الأمريكية بالشروع في تركيب خط أنابيب من حقل أفروديت القبرصي إلى محطات الإسالة المصرية بأدكو ودمياط، بغرض التصدير إلى الأسواق الأوروبية، وهو أمر قد يستغرق عدة سنوات، قبل أن يتم تشغيل الخط بالفعل.
حلول ضرورية على المدى القريب والبعيد
كل تلك الخطوات لن تغنى دون شك عن اتخاذ مصر حلولا على المدى القريب والبعيد، داخليا وخارجيا، منها: –
– على الصعيد الداخلي: –
* توفير المال اللازم لاستيراد الغاز والمازوت بغرض إمداد محطات إنتاج الكهرباء به.
* مواجهة سرقات التيار الكهربي، وبذل المزيد من الجهد للعناية بإنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة كالشمس والرياح.
– وعلى الصعيد الخارجي:-
* التفكير الجدي في استيراد الغاز من الجزائر سواء في صورته الطبيعية عبر خط أنابيب أو مسالا؛ لما في ذلك من رخص ثمنه نسبيا لقرب المسافة من مصر مقارنة بقطر، ولقلة تكاليف نقله؛ بسبب عدم مروره من باب المندب.
* دعم شبكات الربط الكهربي مع المملكة العربية السعودية والأردن، ومد الربط من الأردن إلى سوريا التي هي في أمس الحاجة للكهرباء. جدير بالذكر أن مصر مرتبطة كهربيا بالسعودية بخط سيدخل الخدمة في يونية القادم بقدرة 150ميجا وات، ضمن طاقة إجمالية ينتظر أن تصل إلى 3 آلاف ميجاوات.
* رفع حصة الشركاء الأجانب من الغاز المكتشف بغرض تشجيع الاستثمارات في مجال اكتشافات الغاز في مصر.