أعلنت الحكومة السودانية، على لسان وزير الإعلام خالد الأعيسر، عن سيطرة الجيش على كامل ولاية الخرطوم في العشرين من مايو الجاري، بعد استعادته مناطق جنوب أم درمان، وانسحاب قوات الدعم السريع من تمركزاتها، خاصة في منطقتي الصالحة والجموعية. فهل زال الخطر فعلا عن ولاية الخرطوم بكاملها؟
وقد أدى دخول الجيش إلى هذه المناطق إلى كشف حقائق مروعة، أبرزها اكتشاف مركز احتجاز غير قانوني تابع لقوات الدعم السريع داخل مدرسة “أبو سعد” بمنطقة الصالحة، والتي حُوّلت إلى معتقل ضم مدنيين ونظاميين من أفراد شرطة ولاية الخرطوم. بلغ عدد المحتجزين 648 شخصًا، توفي منهم 465؛ بسبب الجوع والعطش والكوليرا، وتم دفنهم داخل أسوار المدرسة في مقابر جماعية، ووصل عدد الجثث في أحد القبور إلى 24 جثة.
انسحاب منظم وتمركز جديد في شمال كردفان
تشير المعطيات، إلى أن قوات الدعم السريع انسحبت من جنوب أم درمان بشكل منظم نحو ولاية شمال كردفان، مستخدمة الطريق الغربي عبر مناطق غرب أم درمان التي لا تزال تحت سيطرتها. وتمركزت في مناطق منها “رهيد النوبة” (تبعد 148 كم عن أم درمان)، و”أمندرابة”، و”وعد السدر”، و”جبرة الجيش”، وجميعها تقع على طريق الصادرات القومي.
تمركز القوات في هذه المناطق أدى إلى ارتكاب انتهاكات مباشرة بحق المدنيين، حيث قُتل شخصان في 21 مايو بجبرة الشيخ أثناء دفاعهم عن ممتلكاتهم ضد محاولة نهب، نفذها أفراد من قوات الدعم السريع. وبعد الحادثة، طلب قائد القوة من الأهالي تجنيد 50 شابًا من المنطقة لتأمينها، أو دفع مبلغ 50 مليون جنيه سوداني (حوالي 20 ألف دولار أمريكي) كبديل، وهو ما قوبل برفض قاطع من الأهالي.
تجدر الإشارة، إلى أن هذه المناطق تعرضت منذ ديسمبر 2023، وحتى عام 2024 لهجمات جوية عشوائية من الجيش، بدعوى استخدام قوات الدعم السريع لمدرج طيران ومخازن عسكرية، ورغم توقف تلك الهجمات هذا العام، فإن عودة التمركز تثير مخاوف من تجددها. كما نهبت القوات القرى الواقعة على طريق (أم درمان– بارا)، وقُتل شخصان في منطقة أمندرابة.
إمداد عسكري عبر نيالا وضبط أسلحة إماراتية وصينية
رُصدت عمليات دعم لوجستي متواصل لقوات الدعم السريع عبر مطار نيالا، حيث كشفت صور الأقمار الصناعية هبوط ثلاث طائرات شحن عسكرية. كما أسفرت سيطرة الجيش على منطقة الصالحة بأم درمان عن ضبط طائرة إقلاع وهبوط عمودي (VTOL) معدلة، مزودة من الإمارات، ومجهزة بمدفعين عديمي الارتداد.
بالإضافة إلى ذلك، تم العثور على أربع طائرات مسيرة صينية الصنع، مزودة بقاذفات هاون مزدوجة عيار 120 ملم، في مخزن أسلحة تابع لقوات الدعم السريع. وتطابق هذه الطائرات تلك التي تم استخدامها في النزاعات المسلحة في إثيوبيا واليمن بدعم إماراتي.
الوقائع تُكذب وتنذر بهجوم جديد
تنفي هذه التطورات الرواية التي تروج لانكفاء قوات الدعم السريع إلى دار فور، وتأسيس سلطة هناك. فالانسحاب من الخرطوم، يرافقه إعادة تموضع في ولايتي شمال كردفان والنيل الأبيض، مع استمرار تحليق الطائرات المسيّرة في مناطق متفرقة من الخرطوم، وهي كلها مؤشرات واضحة على نية محتملة لإعادة الهجوم على العاصمة، سواء من نفس المحاور أو عبر مداخل جديدة.