كتبت- دعاء عبد المنعم

تسع نقاط فقط من أصل مائة، حصلت عليها المملكة العربية السعودية في التقرير السنوي لمنظمة “فريدم هاوس”، لمؤشر الحرية للحقوق السياسية والحريات المدنية 2025، التي تشمل الفترة من 1 يناير 2024 حتى 31 ديسمبر 2024.

وثقت تقارير لمنظمات دولية وحقوقية تجاوزات السعودية في الملف الحقوقي ومنها، القمع العابر، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء والإخفاء القسري والتعذيب، والقيود الكبيرة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع وحرية الصحافة.

العمال.. أبرز الضحايا

ويتعرض العمال الأجانب العاملون في المملكة إلى عدة انتهاكات مختلفة بحقهم، ومنها استمرار نظام الكفالة الذي لا يتمتع العمال بأي حقوق في ظله، حيث قدم الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب في يونيو الماضي شكوى إلى منظمة العمل دولية ضد السعودية، اتهم فيها السعودية بمخالفة اتفاقيات منظمة العمل الدولية بشأن العمل القسري، بسبب ظروف المعيشة والاستغلال في العمل.

مؤخرًا، انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه شاب مصري، يتعرض إلى الإهانة من قبل كفيل سعودي، يجبره على توقيع مخالصة، مهددًا إياه بالرحيل، إذا لم يوقع، فيديو أقل من 3 دقائق يبّين مساوئ نظام الكفالة في السعودية الذي يسهل سوء المعاملة والعمل القسري والاستغلال، من قبل أصحاب العمل.

وثقت التقارير أيضًا حوادث انتهاكات ضد العمال، ومنها وفاة العشرات من العمال الأجانب من بنجلاديش والهند والنيبال؛ بسبب عدم توافر الإجراءات الحماية لهم، سقطوا من أعلى المباني، وتوفوا إثر صدمات كهربائية ومنهم من انفصل رأسهم عن جسدهم، وصُنفت الحادثة، بأنها طبيعية، ولم يتم تعويض أسرهم وفي حالة وفاة العامل الوافد في العمل بصورة طبيعية، ووفقا للقانون السعودي والمعايير العمل الدولية الوفاة الطبيعية لا تعوض.

كما وثق تقرير لمنظمة العفو الدولية، الاستغلال الشديد الذي تعرضت له أكثر من 70 امرأه كينية عاملة في السعودية من قبل أصحاب العمل داخل المنازل، وغالبًا تأتي بدوافع عنصرية، وظروف العمل القاسية، حيث لم يحصلن طوال عملهن على أي إجازة، إضافة إلى عدم حصولهن على رواتب مجزية.

كما أن قرار إجبار الشركات الأجنبية إنشاء مقراتها الإقليمية في المملكة قد يؤدي إلى التسبب ببعض الإحباط بشأن “قابلية العيش”، للموظفين داخل البلاد؛ بسبب القيود الصارمة التي يفرضها النظام السعودي على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وفي حال احتاجت الشركات إلى اللجوء القضاء لحل أي نزاع، فإن عدم وجود سلطة قضائية مستقلة أو قانون عقوبات قائم، سيكون عقبة خطيرة أمام الشركات التي تسعى إلى حل عادل ومنصف، إضافة إلى استمرار انتهاكات ضد حقوق العمال المهاجرين، وقد تهدد هذه الانتهاكات سمعة الشركات الأجنبية.  

واستمر القمع العابر للحدود الذي يمارسه النظام السعودي، والذي بلغ ذروته بحادث قتل الصحفي “جمال خاشقجي”، متجاوزا مواطنيها، وصولا إلى جنسيات أخرى.

 وفي بيان لمنظمة العفو الدولية، أن المصري “أحمد كامل”، معرض إلى الترحيل القسري من المملكة، بعد أن أبلغته أنه سيتم تسليمه خلال الأسبوع، حيث اعتقلته السلطات السعودية في نوفمبر 2024، وذلك بعد الحكم عليه غيابيًا بالسجن المؤبد في مصر؛ بسبب نشاطه الاحتجاجي في محاكمة ذات دوافع سياسية.

وما زال النظام السعودي يستخدم حظر السفر كوسيلة للقمع، حيث يعاني الحقوقي “محمد القحطاني”، من حظر سفره بعد إطلاق سراحه في يناير 2025 بعد سجنه لمدة 10 سنوات.

الصورة ليست أقل قتامة، فيما يتعلق بحرية الصحافة، حيث جاءت السعودية في المرتبة  162 من أصل 180 دولة لمؤشر حرية الصحافة 2025.

تحسينات شكلية

إن رغبة المملكة في تحقيق أهداف رؤيتها 2030 العديدة وإصلاح صورتها على الساحة العالمية، دفعتها لبعض التحسينات الشكلية في مجال حقوق الإنسان .

أفرجت السلطات السعودية سراح 48 سجينًا سياسيًا في المملكة، سجنوا على أساس قضايا حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، مؤخرًا، ومنهم طالبة الدكتوراه “سلمي الشهاب”، والحقوقي “عيسي النخيفي”، والحقوقي “محمد القحطاني”، وتعرض البعض منهم إلى الاحتجاز التعسفي قبل المحاكمة.

وأطلقت الحكومة السعودية عدة إجراءات من أجل حماية حقوق عمال المنازل الأجانب في العام الماضي، ومنها خدمة جديدة للتأمين، ولائحة تسمح لهم بإلغاء عقودهم وفق شروط معينة، وخدمة حماية الأجور، ولكن هذه الإجراءات ما زالت قاصرة عن حماية حقوق عمال المنازل وفقا لمنظمة العفو الدولية. 

الصفقات فوق الحريات

الزيارة الشهيرة التي امتدت ليومين للمملكة لم يتطرق فيها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، إلى الملف الحقوقي، فخلال جولة ترامب الخليجية، كانت الشراكة الاقتصادية بين البلدين هي لب الزيارة، حيث تم توقيع اتفاقيات حكومية في مجالات الدفاع والفضاء والطاقة والاقتصاد الرقمي والتعاون في مجال العدالة والأمن بقيمة أكثر من 300 مليار دولار.

ووصف ترامب الزيارة بالتاريخية، وقال إن مستقبل منطقة الشرق الأوسط يبدأ من السعودية، وأن المملكة تشهد إنجازات اللافتة في مختلف المجالات، وعلى الجانب الآخر، قال ولي العهد السعودية “محمد بن سلمان”، العمل المشترك مع أمريكا لا يقتصر على التعاون الاقتصادي، وإنما يمتد لإحلال السلام في المنطقة والعالم”.

ولم يتطرق ترامب أو ابن سلمان للملف الحقوقي من قريب أو بعيد.

المصلحة تجمعهما

حلل الخبراء تفضيل المصالح الاقتصادية والسياسية على الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، من الجانب الأمريكي، حيث أن نهج الجانبين السعودي والأمريكي في قضايا حقوق الانسان يتشابهان إلى حد كبير، وأن مصالحهما السياسية والاقتصادية تتفوق على تعزيز مجال حقوق الإنسان في كل من البلدين. 

ذكرت منظمة العفو الدولية، إن سياسة “ترامب”، والتي تعرف باسم “أمريكا أولًا”، تتسم بالقسوة والفوضى، والتي سببت حالة من الطوارئ في مجال حقوق الإنسان، من خلال تقويض حقوق الإنسان بشكل منهجي، وتعزيز مناخ الخوف والانقسام، وتقويض سيادة القانون.

وبالرغم من سياسة “أمريكا أولًا”، التي تنظر إلى حقوق المواطن الأمريكي كأولوية، وتضع أمريكا في المقام الأول، إلا أنها لم تعالج إساءة استخدام السعودية لحظر السفر، والاحتجاز الجائر لأفراد العائلات الأمريكية، والقمع العابر للحدود، حيث يقبع 3 مواطنين أمريكيين، وعدد من حاملي البطاقة الخضراء، داخل الاحتجاز بموجب حظر سفر في المملكة، ولم تهتم الإدارة الأمريكية لحظر السفر لهؤلاء.

ومن الأمثلة الواضحة حالة “سعد الماضي”، مواطن أمريكي احتجز ظلمًا في المملكة عام 2021 على إثر تغريدات، نشرها من قبل سنوات أثناء إقامته في المملكة، ثم أُطلق سراحه عام 2023، وما زال عالقا في السعودية حتى اليوم؛ بسبب حظر السفر، وفقًا لتقرير مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط الأمريكي.

ليست المرة الأولى التي يتم فيها تفضيل المصالح الاقتصادية والسياسية على حساب الملف الحقوقي، ففي ولاية الرئيس الأمريكي السابق “جو بايدن”، تخلت الإدارة الأمريكية عن الخطوات التي اتخذتها على أثر قضايا حقوقية ضد المملكة، ومنها تعليق بعض مبيعات الأسلحة إلى السعودية؛ بسبب ارتفاع أسعار النفط، وخاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

حتى الأمم المتحدة

وفي ديسمبر الماضي، قامت الأمم المتحدة بحذف الانتقادات التي وجهت للحكومة السعودية من السجل الرسمي في منتدى حوكمة الإنترنت الذي نظمته الأمم المتحدة في الرياض بعد شكوى الحكومة السعودية، ووصفت منظمة “هيومن رايتش ووتش”، الأحداث التي شهدها المنتدى هي خير مثال على استضافة مؤتمر أممي كبير من قبل حكومة قمعية، وفرض الرقابة على ممثلي المجتمع المدني وترهيبهم.