ترجع خطورة المقترحات الخاصة بقانون الانتخابات إلى كونها تعمل على ضمان السيطرة على المجلس التشريعي، وإلى إلغاء التنافسية، وجعل الانتخابات أقرب لعملية تعيين.
والحقيقة، أنه منذ بداية تجربة التعددية المقيدة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات و”حزب الدولة”، يحصل على أغلبية تفوق الثلثين، سواء كان اسمه حزب مصر العربي الاشتراكي أو الحزب الوطني أو أحزاب الموالاة الحالية، وهي أغلبية تضمن له الموافقة على أي مقترحات تشريعات حكومية أو رئاسية، وتضمن له حق الفيتو على أي تحركات من أحزاب المعارضة.
ومع ذلك، فقد كان هناك نواب معارضون منتخبون من الشعب، عقب معارك انتخابية وسياسية كبرى، كما أن نواب الحزب الوطني في ذلك الوقت جاء كثير منهم عقب انتخابات تنافسية، وعرفوا بنواب الخدمات الذين يتمتعون بصفات “ابن البلد” والنائب الذي يقف في “ضهر” أبناء دائرته، ويعمل على حل مشاكلهم، ويؤيد الحكومة والرئيس في مواقفهم السياسية.
إن ضمان غالبية برلمانية لم يمنع من وجود تنافس في العملية الانتخابية بين مرشحين محسوبين على الدولة، سواء كانوا مستقلين أو ينتمون للحزب الحاكم أوبين مرشحي حزب الدولة وأحزاب المعارضة.
والحقيقة، أننا أمام مشكلة حقيقية تتعلق بقانون الانتخابات المطروح حاليا من قبل الدولة، في أنه غاب عنه الحس السياسي، ووضع أساسا لبرلمان يستبعد كتلا تصويتية، قد تمثل أغلبية المجتمع، لأنه لم يكتف بضمان الأغلبية، كما كان يحدث في الماضي، إنما يلغي التنافسية من العملية الانتخابية.
والحقيقة، لمعالجة خلل “الانتخابات الباهتة” أو المعدة نتائجها ومرشحيها سلفا، يجب أن يكون باعتماد النظام الفردي لدوائر مساحتها معقولة (نائب لكل 400 أو 500 ألف ناخب) وأن الدوائر “المتناهية الصغر” يتحول فيها النائب إلى مجرد مخلص لبعض مشاكل دائرته اليومية، ويحضر الأفراح وليالي الملاح، ويؤدي واجب العزاء، ويحل مشاكل العائلات في الزواج والطلاق، أما إذا أصبحت الدوائر مليونية، كما جرى في الانتخابات السابقة، فإن هذا يعني أنها تفتح الباب على مصراعيها لكبار رجال الأعمال والأثرياء الجدد، كما جرى في الانتخابات الأخيرة، والحل هو العودة للدوائر المتوسطة التي يترشح فيها اثنان من المرشحين فقط.
أما مسألة زيادة أعضاء البرلمان تحت حجة زيادة عدد السكان، فهي مسألة واهية يجب التوقف عن ترديدها، فعلى سبيل المثال الهند، يبلغ عدد أعضاء مجلس النواب 550 عضوا ومجلس الشيوخ 250 عضوا، في بلد بلغ عدد سكانه نحو المليار ونصف مليار نسمة.
أما مشكلة القائمة في الانتخابات السابقة والقانون الحالي (الذي ستتغير فيه فقط أعداد المرشحين)، فتعود إلى كونها قائمة “تعيينات”، فهي قائمة مطلقة، لا ينافسها أحد ومضمون النجاح فيها، ويصبح هدف من يترشحون على مقاعدها نيل رضاء من يُعِدون القائمة، وليس أصوات الناخبين.
فلا يمكن تكرار نظام انتخابي قائم على 4 قوائم انتخابية مطلقة ومغلقة، الأولى قائمة تضم 100 مرشح أو بالأحرى ١٠٠ مقعد مضمون النجاح، وضمت 11 محافظة من الجيزة حتى الحدود السودانية، كما ضمت الأخرى 6 محافظات بينها القاهرة وشملت أيضا ١٠٠ مقعد مضمون النجاح، في حين ضمت القائمتان الأخيرتان 42 مقعدا ليصبح إجمالي مرشحي القوائم 284 مرشحا ضامنين النجاح بمجرد اختيارهم في القوائم، وإذا أضفنا لهم نسبة الـ ٥٪ التي يعينها رئيس الجمهورية وفق الدستور، فنصبح أمام ٥٥٪ من أعضاء البرلمان معينين.
إذا أضفنا إلى نظام القوائم طبيعة النظام الفردي الذي يحكم العملية الانتخابية، ويضم دوائر مترامية الأطراف، يكون فيها دور أساسي للمال السياسي، وتتراجع فيها التنافسية بين المرشحين لأقل درجة، فإن هذا يعني أننا أمام عملية انتخابية لا تضمن فقط غالبية المقاعد لأحزاب الدولة، كما كان يجري في الانتخابات السابقة، إنما يغيب عنها التنافسية من الأساس، ويتراجع إحساس المواطن أنه شريك في اختيار مرشحيه ونوابه.
النظام الأمثل المقترح هو نظام يعتمد بالأساس فلسفة النظام الفردي، وتكون دوائره الانتخابية متوسطة الحجم (ما بين ٤٠٠ إلى ٥٠٠ ألف ناخب)، وهنا سيشعر الناخب، أنه “صاحب قرار” في اختيار نائبه، وهنا يدخل الاعتبار الشخصي والسياسي في اختيارات الناخب الذي سيشعر هنا، بأنه يختار نائبه دون وصاية من “كنترول” حزبي أو من مؤسسات الدولة، أما القوائم فهي يجب أن تكون قوائم محافظات، حتى لو كانت مطلقة، فالمهم ألا تكون ٤ قوائم، إنما أن تكون في حدود ٢٧ قائمة، تضم كل المحافظات أو ٢٥ منها، وتمثل ثلث أعضاء مجلس النواب.
وهنا ستعطي قوائم المحافظات فرصة لمرشحين من الخبراء والشخصيات العامة، لا يستطيعون خوض غمار الانتخابات الفردية، ويعتمدون على خبراتهم العملية وولائهم لتيار فكري وحزبي محدد، للترشح وخوض غمار الانتخابات والاستفادة منهم تحت قبة البرلمان.
الوضع الطبيعي والمسار الآمن لأي نظام سياسي حتى في ظل نظم التعددية المقيدة، هو أن يدفع قانون الانتخابات المواطنين إلى المشاركة في العلمية الانتخابية، حتى لو جعل هذه المشاركة، لا تؤدي في البداية إلى تغيير النظام القائم بالطرق السلمية والديمقراطية، إنما تدمج أغلب المواطنين في المسار السياسي الشرعي، وتجعل لهم صوت حقيقي في البرلمان، وأن يكون سخطهم على الأوضاع الاقتصادية والغلاء وغيرها من المشاكل عبر ممثلين لهم في البرلمان، انتخبوهم أو صوتوا لهم، وهذا يفتح الباب أمام مسار آمن للتغيير السلمي، مبني على إخراج ما يجري في بطن المجتمع إلى سطحه وأمام أعين الجميع.