“المحامون سيواصلون الإضراب والتصعيد.. ويوم 21 المقبل سيكون التصعيد من خلال تجمع آلاف المحامين في مقر نقابتهم بشارع رمسيس بالقاهرة، وقد يتطور الموقف لاعتصامات في كافة محاكم مصر، لذلك استسمح كل من هو قادر على التدخل ونزع فتيل الأزمة، التراجع عن القرار غير القانوني برفع رسوم التقاضي لمستوى فوق طاقة المواطن، بما يهدر حقه الدستوري في التقاضي”.

الكلمات حادة اللهجة، جاءت على لسان المحامي الحقوقي محسن بهنسي الذي تحدث بمزيج من الغضب والمرارة لـ”مصر360″ عن أبعاد أزمة “الرسوم القضائية”، والتي قد تشهد تصاعدا، يذهب بها لذروة كبرى يوم 21 يونيو الجاري.

الأزمة بدأت في مارس الماضي عقب قرار، أصدره رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار محمد نصر سيد، بزيادة المقابل المادي للخدمات التي تقدمها المحكمة للمحامين والمتقاضين، تحت مسمى “رسوم خدمات مميكنة”.

ولاقت الرسوم الجديدة احتجاجا قانونيا وحقوقيا واسعاً، واعتبرت قيدا على حق التقاضي، فضلا عن سابقة صدور حكم من القضاء الإداري بإلغاء قرار مماثل، أصدرته محكمة المنصورة عام 2021.

المحامون.. حراك واسع لمطلب غير فئوي

من اللحظات الأولى، تعاملت نقابة المحامين، والنقابات الفرعية، بجدية شديدة مع القرار، فدعت لأكثر من اجتماع تنسيقي، واتخذت خطوات احتجاجية متصاعدة، من البيانات الرافضة للرسوم غير الدستورية، للامتناع عن الدفع بخزائن المحاكم، وصولا للإضراب المؤقت، ثم الدعوة لجمعية عمومية يوم 21 يونيو الجاري، وهي التي حذر بهنسي، مما قد تؤول إليه في حال تواصل تجاهل مطالب المحامين، التي لا تخصهم وحدهم، ولا يمكن وصفها بالفئوية على حد تعبيره.

يقول بهنسي: “نقابة المحامين أولت الأمر اهتماما شديدا، باعتبارها معنيه بالحريات وحقوق المواطن، وقررت من خلال نقيبها ومجلسها الإضراب الكامل أمام جميع محاكم الجنايات ليوم، ثم ثلاثة أيام، ثم دعت لجمعية عمومية يوم 21 القادم، وقد تتخذ قرارا بالإضراب العام أمام كل المحاكم المصرية”.

ويشدد بهنسي، “مطالبنا ليست فئوية، ولا بد أن يعلم الجميع، أننا لسنا ضد الدولة، بالعكس نحن مع الدولة المصرية قلباً وقالباً”.

ليست خدمة.. ولا سندا قانوني لها

يشرح بهنسي الصورة قائلا: “هناك تعنت واضح من قبل مجلس القضاء، وبالأخص محكمة الاستئناف، فلا يعقل أن تصدر مؤسسة العدالة المنوط بها أن تعطي للناس حقوقهم، قراراً بدون سند قانوني وبدون تشريع وبدون وجه حق”.

واعتبر بهنسي، أن التكلفة التي يتكبدها المتقاضي ومحاميه، باتت مرتفعة جدا، دونما خدمة حقيقية يتلقاها، فالأوراق يمكن تسلمها إلكترونيا عبر “السيستم”، ولو كانت هناك خدمة حقيقية تُقدم؛ لوجب التوجه أولاً للسلطة التشريعية، ممثلة في مجلس النواب للحصول على تشريع، يقنن هذه الخدمة.

بهنسي اعتبر أيضا، أن موقف وزير العدل تجاه الأزمة “سلبي تماماً”، وهو الأمر الذي يفسره المحامي عمر هريدي، عضو مجلس النقابة بخلاف قديم بين وزير العدل، ونقيب المحامين منذ كان الأول رئيساً لمحكمة استئناف الإسكندرية، والثاني نقيبا للنقابة الفرعية بالإسكندرية.

ويصل بهنسي لذروة في توصيفه للأمر، عندما يشبه ما يحدث بفلسفة الجباية من جيب المواطن، إبان الاحتلال، عندما كان المشهد مختلفاً، ولا توجد في مصر مؤسسة تشريعية وأحزاب سياسية ونقابات قوية ومنظمات مجتمع مدني، كما هو حاصل الآن.

في انتظار مؤسسة الرئاسة

بهنسي ليس وحده الذي يرى حلا متاحاً من خلال تدخل مؤسسة الرئاسة، التي لم تصدر تعليقا حتى الآن حول الأزمة، لكن لا يرضيها بالتأكيد “حسب بهنسي”، اشتعال موقف سيكون أحد طرفيه 600 ألف محامي في ظل واقع، ننشد فيه كمواطنين وكدولة الاستقرار والالتفات للتنمية والمشاريع الاقتصادية الضخمة التي تنفذها الدولة.

يختتم بهنسي تعليقه الساخن بالقول “إنه إذا كان المطلوب هو تحسين السيستم القضائي؛ فلنبحث عن بدائل أخرى غير جيوب المواطنين، وإذا أردتم زيادة رواتب وبدلات القضاة ومعاشهم، فليكن ذلك أيضا بعيدا عن جيب المواطن”.

 ويحذر من أن عدم اتخاذ موقف و”تكبير الدماغ”؛ سيتسبب في صدام مع المحامين؛ لأنهم لن يتراجعوا، فهم المنوط بهم للدفاع عن المواطن، وهم المتضررون في “أكل عيشهم”.

ويتساءل: “هل يعقل أنه حينما أريد الحصول على صيغة تنفيذية ادفع مبالغ تتخطى الـ200 ألف جنيه؟!”.

رسوم الميكنة تهدد السلم المجتمعي

المحامي طارق العوضي، عضو لجنة العفو الرئاسي قال، إن الحكومة سبق وحاولت في 2010 تمرير قانون للرسوم القانونية، لكن المحامين شكلوا جبهة، ونجحوا في إسقاط المشروع بعد إقناع دكتور أحمد فتحي سرور رئيس البرلمان وقتها بخطورته.

واعتبر العوضي، أن المحامين هنا لا يدافعون عن مصلحة خاصة، فالرسوم يدفعها الموكل، لكنهم يدافعون عن الدستور والقانون، حيث “لا ضرائب ولا رسوم إلا بقانون، يحدد قيمتها وفئاتها”، كما يدافعون عن الحق الدستوري للمواطن في اللجوء لقاضيه الطبيعي، وهو الحق الذي تمثل هذه الرسوم “عائقاً ماديا” تجاهه.

ووصف العوضي هذه الرسوم، بأنها ليست رسوماً قضائية من تلك التي حددها وشرعها القانون، أما فرض “رسم مقابل الميكنة” على كل ورقة تقدم في الدعوى، بواقع 33 جنيهًا للورقة الواحدة، بغض النظر عن قيمة القضية، ما قد يصل بتكلفة بعض القضايا إلى مبالغ باهظة جدًا، فهو ما قد يدفع المواطنين للعزوف عن القضاء واللجوء للجلسات العرفية أو محاولة اقتضاء حقوقهم بالقوة، ما يهدد السلم المجتمعي، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وتساءل هل تزامن أزمة الرسوم القضائية مع أزمة الفتنة الطائفية، وأزمة قانون الإيجار القديم، يعني وجود “طرف ما” يسعى لإثارة المشاكل والأزمات في المجتمع؟

ويتوقع العوضي، أن تواصل الجمعية العمومية لنقابة المحامين التصعيد، رغم أن مجلس النقابة يفضل عدم التصعيد، وينتظر يداً، تمتد بالحل، ويعتقد أن الدولة “لن تقف مكتوفة الأيدي”.

الخدمات المميكنة تستحق رسوماً.. ولكن

لا يرفض المحامي عمر هريدي عضو مجلس نقابة المحامين مبدأ أو فكرة فرض رسوم مقابل الخدمات المميكنة، لكنه يشدد على أن تراعي تلك الرسوم التكلفة الفعلية للخدمة، ولا ترهق المحامي او المتقاضي، مشيرا للتأثير السلبي لرفع هذه الرسوم على العقود القائمة بالفعل بين المحامين وموكليهم، والتي تم فيها تقدير الأتعاب، بناء على السعر القديم للرسوم.

وقال إن المحامي يراعي دخل موكله، وقدراته والظرف الاقتصادي عموما، وهو يحدد المبلغ الذي سيتقاضاه كـ”أتعاب”.

وشدد أن فرض رسوم دون التشاور مع النقابة يخلق معاناة لكل الأطراف، معاناة كان يمكن تجنبها، لو أن تفاوضا جرى بين الطرفين قبل فرض الرسوم.

هريدي الذي كشف لناــ كما سبق وأوردناــ كيف حال جفاء قديم دون التواصل بين وزير العدل والنقيب، طالب بتنحية الخلافات القديمة، وترتيب لقاء بين الرجلين ينهي الأزمة.

واتفق هريدي مع سابقيه العوضي وبهنسي، في كون المشهد لا يتحمل إضرابات أو اعتصامات أو اضطرابات من أي نوع، وطالب الجميع بالالتفاف حول “الدولة المصرية” وتغليب المصلحة الوطنية، واعتماد الحوار وسيلة للخروج من الأزمة خلال إطار زمني محدد.

ولفت هريدي إلى غياب ثقافة الاستعانة بالدعم القانوني غير المدفوع، وطلب الإعفاء من بعض الرسوم حال عدم القدرة على دفعها.

مقترحات لـ”خارطة طريق” الخروج من الأزمة

ويقترح هريدي، وقف تطبيق الرسوم الجديدة مؤقتًا، ثم تطبيقها تدريجيًا، اعتبارًا من العام المقبل، مع وضع جدول يراعي نسبة التطوير.

 كما يدعو لتفعيل القوانين التي تعفي غير القادرين من الرسوم، وتوفير مكاتب متخصصة بالمحاكم؛ لمساعدة من لا يملكون القدرة المالية.

لافتاً لأهمية وجود متحدث رسمي من الهيئة القضائية، لشرح الأزمة للرأي العام.

بينما يقترح على المحامي تقديم مذكرة رسمية لرئيس الجمهورية للتدخل وحل الأزمة، بدلًا من اللجوء للاحتجاجات، حفاظًا على استقرار الشارع المصري.

 تغول.. ومغالاة

إبراهيم فؤاد، عضو مجلس نقابة المحامين، اعتبر القرار “تغولًا” من رؤساء محاكم الاستئناف على السلطة التشريعية، باعتبارها المنوط بها فرض الرسوم قانونًا.

بينما وصف فؤاد الرسوم، بأنها “مغال فيها “، حيث تبلغ نسبتها 500%، بعد أن ارتفعت رسوم مراجعة الورقة الواحدة من 5 جنيهات ونصف إلى 33 جنيهًا، مع الإشارة لكونها “رسوم ميكنة” تضاف إلى الرسوم القضائية الأصلية.

 وقال فؤاد: “نحن كنقابة اتصدمنا بالقرار ده”، وحاولنا التعامل مع الأمر “بروية” وإيصال صوتنا، بأن هذا الإجراء خاطئ، فنظمنا وقفات احتجاجية لمدة ساعة، وامتناع عن سداد الرسوم في الخزينة، وامتناع عن الاستئناف لمدة يوم، وامتناع عن الحضور لمدة يوم، ثم تطور الأمر إلى منع الحضور أمام محاكم الجنايات لمدة يومين، كل هذا دون استجابة.

وأشار فؤاد، إلى أن المحامين يرون، أن البلاد تمر بمرحلة حرجة على المستوى السياسي، ولا يرغبون في تصعيد الأمور إلى ما لا نهاية، ومع ذلك، اضطروا إلى الدعوة لعقد جمعية عمومية يوم 21 يونيو، معربًا عن أمله في حل المشكلة قبل هذا الموعد.

ولم يستبعد فؤاد اللجوء إلى الاعتصام أو الإضراب عن العمل، مؤكدًا أن الأمر يتعلق بالمجتمع وبالبلاد ككل.

وتساءل كيف يمكن لسيدة مطلقة مثلا، تسعى للحصول على نفقة أو حقوق أخرى، أن تتحمل دفع مبالغ قد تصل إلى 10 آلاف أو 20 ألف جنيه لرفع دعوى.

ويتفق فؤاد مع سابقيه في ثقته في مؤسسة الرئاسة، وحكمة القيادة السياسية، وقدرتها على نزع فتيل الأزمة.

الإلغاء هو الحل

المحامي الحقوقي ناصر أمين شدد على عدم قانونية هذه الرسوم، التي تخالف المادة 68 من الدستور المصري، وكذا قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 الذي يخلو من نص، يمنح رئيس المحكمة هذا الحق.

وطالب ناصر أمين بإلغاء القرار، والرسوم التي فرضت دون سند قانوني، خاصة مع وجود أحكام سابقة للمحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإداري بهذا الخصوص.

 مؤكدًا ضرورة إلغاء هذه الرسوم نهائيًا.

السيدات.. الأكثر تضررا

المحامي بالنقض عبد الفتاح يحيى، يلفت بداية، أن الأزمة ليست في نقابة المحامين، وما قامت به، بل في الرسوم القضائية التي تم فرضها على الناس.

وأضاف: “حوالي 40% من الأسر تحت خط الفقر، و30% من السيدات معيلات، و69% من الأسر تعولها سيدات، وهذا يعني قيدا إضافيا عليهن في نزاعات محكمة الأسرة، وارتفاع الرسوم القضائية يمنعهن من الوصول لحقوقهن القانونية، ولو في قضايا عمالية كمان صعب يأخذوا حقوقهم”.

وتابع: “هناك أكثر من 750 ألف سيدة تقدمت لبنك ناصر الاجتماعي حتى عام 2021، لتحصل على 500 جنيه، فدعونا نتخيل إذا ذهبت امرأة من هؤلاء لرفع دعوى استئناف في محكمة الأسرة، وطولبت بدفع رسوم، تقدر بآلاف الجنيهات، كيف سيعرقل هذا حصولهن على العدالة؟”.

واستطرد: “النساء سيكن الطرف الأضعف في حال اللجوء للمجالس العرفية، وبدائل التقاضي الرسمي”.

عبد الفتاح ذكر، أن وزير العدل السابق قال إن لكل 4 مصريين تقريبًا قضية في المحكمة! أي أن الرسوم الجديدة بتمس كل بيت في مصر.

وحذر عبد الفتاح من “خصخصة التقاضي”، وتحويله إلى حق لمن يستطيع تحمل تكلفته فقط.

امتياز طبقي

ومن حيث انتهى عبد الفتاح يحيى، يبدأ الخبير القانوني وعضو اتحاد المحامين العرب محمد أبو خطوة مقاربته، محذرا من تحول التقاضي إلى “امتياز طبقي” قائلا: “زيادة الرسوم القضائية تعني عمليًا إقصاء المواطن محدود الدخل من ساحات القضاء، لتبقى متاحة فقط للفئة المقتدرة ماديًا، ما يعد انتهاكًا صريحًا لمبدأ المساواة أمام القانون”.

وقال إن النقابة لن تقف مكتوفة اليدين، كونها “ليست مجرد كيان، يدافع عن المحامين فحسب، بل هي صوت الشعب، وستلجأ إلى خطوات تصعيدية تدريجية حال استمرار التجاهل من قبل الجهات المعنية”.

وكرر تحذيره من تحول العدالة إلى “امتياز طبقي لا يتاح إلا لمن يملك المال”.