بدأت صادرات السلاح الصينية، تشق طريقها بقوة عالميًا في ظل استفادتها من عدة متغيرات دولية أولها، الحرب الروسية الأوكرانية التي قلصت من قدرات موسكو التصديرية، والثاني هو الاشتباكات الهنديةـ الباكستانية الخاطفة التي جعلت العالم، يشهد لأول مرة تجربة للسلاح الصيني في معركة على الأرض، وقدراته على تحييد أسلحة هندية، تم استيرادها من المحور “الأمريكي ـ الأوروبي”.

مع الحرب الروسية على أوكرانيا، انخفضت صادرات الأسلحة الروسية لتوجيه الإنتاج لاستخدام الجيش الروسي، كما ارتفع الإنفاق الدفاعي العالمي، ووجهت أوروبا إنتاجها نحو الداخل لتقوية جيوشها، خاصة ألمانيا، ووجدت الصين في تلك التطورات فرصة سانحة لتقديم نفسها لمشتري السلاح، الأمر الذي انعكس على زيادة الطلب المستقبلي على الأسلحة الصينية بشكل ملحوظ.

تطور نفوذ الصين في سوق الأسلحة العالمية

في عام 2019، وصفت وزارة الدفاع الأمريكية الصين، بأنها أسرع مصدر للأسلحة نموًا خلال السنوات من (2014 ـ 2019)، بعدما رسخت مكانتها كواحدة من أكبر خمس دول مصدرة للأسلحة عالميًا، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، حينها إذ صدّرت أسلحةً إلى ما يقرب من 40 دولة خلال عقدين وكانت باكستان وبنجلاديش وميانمار والجزائر أبرز المتلقين.

تتمثل أبرز صادرات بكين بالطائرات والسفن والمركبات المدرعة والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي، لكن الصين اتجهت بعدها لأسواق جديدة ففي عام 2020، اشترت صربيا نظام دفاع جوي صيني متطور، مسجلةً بذلك أول عملية بيع رئيسية لدولة أوروبية منذ سنوات، وفي عام 2021، بدأت بكين تسويق طائرتها المقاتلة JF -17 بقوة إلى الأرجنتين.

في معرض الدفاع العالمي 2024 بالسعودية، أرسلت الصين ما يقرب من 40 شركة أسلحة للمشاركة لأول مرة تحت راية واحدة، أُطلق عليها اسم “دفاع الصين”، كما استعرض الطيارون الصينيون طائرة J -10 المقاتلة بالمعرض، وفي معرض مصر الجوي في سبتمبر من  العام ذاته، حلق الطيارون الصينيون مرة أخرى بطائرة J -10 بالإضافة إلى طائرة النقل Y -20. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تُعرض فيها طائرة J -10 في إفريقيا والمرة الأولى التي تُعرض فيها طائرة Y -20 في الخارج.

لكن الحرب الروسية الهندية كانت بمثابة نقلة نوعية للصورة الذهنية للسلاح الصيني، إذ يقول لايل موريس، من معهد سياسات جمعية آسيا، إن الحرب كانت فرصة نادرة للمجتمع الدولي لتقييم المعدات العسكرية الصينية في ساحة المعركة ضد المعدات الغربية الهندية”.

تستحوذ باكستان على حوالي 63% من صادرات الأسلحة الصينية، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وفي المعارك الأخيرة، استخدمت باكستان طائرات J10 -C Vigorous Dragon وJF -17 Thunder، المسلحة بصواريخ جو- جو، وكانت المرة الأولى التي تُستخدم فيها طائرات J10-C في قتال فعلي، كما استخدمت الدفاعات الجوية في إسلام آباد معدات صينية- بما في ذلك نظام صواريخ أرض- جو بعيد المدى HQ -9P، ونشرت رادارًا صينيًا، بالإضافة إلى طائرات مسيرة مسلحة وطائرات استطلاع.

بحسب كيث كارتر، من كلية الحرب البحرية الأمريكية، فإن الصين نجت في تسويق معداتها الأقدم، فمع إنتاج الطائرات المقاتلة المحلية في الصين، دفعت بكين المزيد من مقاتلاتها القديمة، والأقل تطورًا إلى السوق. لسنوات، كانت طائرة JF -17 هي صادرات الصين الرئيسية من الطائرات المقاتلة، والتي أنتجتها بالاشتراك مع باكستان، وباعتها إلى ميانمار ونيجيريا والعراق، وفي عام 2022، باعت الصين طائرتها المقاتلة متعددة الأدوار J -10 المنتجة محليًا إلى باكستان في أول تصدير لها على الإطلاق للطراز الجديد.

ذكاء صيني في تسويق السلاح

تُقدّم بكين شروطًا في السداد بدفعات مرنة، غالبًا بسعرٍ أقل وقيودٍ أقلّ من الموردين الغربيين الآخرين، كما دخلت الشرق الأوسط مستغلة حجب أمريكا أسلحة بعينها عن شركائها في المنطقة، مثل الطائرات المُسيّرة المُسلحة، رغم الطلبات المُتكررة.

على سبيل المثال، دأب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على طلب طائرات مسيرة مسلحة من طراز MQ -1 من الولايات المتحدة للمساعدة في حماية الحدود عام ٢٠١٥. وعندما رفضت الولايات المتحدة هذا الطلب في العام نفسه، اشترى الأردن طائرات مسيرة مسلحة من طراز CH -4 من الصين.

تمتاز الأسلحة الصينية بانخفاض التكاليف بشكل عام، مع أوقات التسليم السريعة، وتخفيف قيود الاستخدام، لكن المشكلة التي تواجهها في بيع بعض الأسلحة بتعليمات باللغة الصينية فقط، وتأخر في تسليم بعض قطع الغيار، مثلما حدث مع العراق في وقت الحرب على داعش.

كما يستفيد مُزوّدو الأسلحة الصينيون من غياب بكين عن الاتفاقيات الدولية الرئيسية للحد من الأسلحة التي تهدف إلى تنظيم تجارة الأسلحة التقليدية وتكنولوجيا الصواريخ وأنظمة إيصالها (نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ)، كما يتردد أن الموردين الصينيين لا يطلبون شهادات المستخدم النهائي، والتي تهدف إلى منع تحويل مبيعات الأسلحة إلى جهات أخرى، وضمان استخدام المستخدمين المصرح لهم وذلك ضمن الأغراض المصرح بها فقط.

قبل توجه الصين للتصدير، عملت على خفض وارداتها من الأسلحة الرئيسية وتزايد اعتمادها على الذات، وتواصل البلاد تنفيذ سياسات لمواصلة التطوير المحلي للتكنولوجيا العسكرية، لكن يعوق الصادرات الصينية تطلعها إلى تعزيز مخزونها من الأسلحة؛ بسبب التوترات الإقليمية المتزايدة والدور المحتمل الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة في أي صراع.

يحاصر الجيش الأمريكي الصين عبر سيطرته على شبكة من المواني والقواعد الجوية العسكرية منذ عقود بجانب نفوذه في اليابان وكوريا الجنوبية، فضلا عن إعلان الولايات المتحدة عن تسريع مبيعات الأسلحة إلى تايوان التي تعتبرها الصين جزءا منها.

ما موقف المبيعات الأمريكية في المقابل؟

استفادت أمريكا من الحرب الروسيةـ الأوكرانية بشكل كبير، إذ ارتفعت واردات أوكرانيا من الأسلحة، بما يقارب 100 ضعف بين عامي 2020 و2024، مما جعلها أكبر مستورد للأسلحة في العالم. وخلال الفترة نفسها، برزت الولايات المتحدة، التي تمثل 43% من صادرات الأسلحة العالمية، كأكبر مُصدر للأسلحة الرئيسية، تليها فرنسا وروسيا.

لكن الصين احتلت حاليا مكان روسيا في سوق الأسلحة الإفريقية، وتعمل على زيادة إمدادات المعدات العسكرية إلى دولة، وفي الأيام التي أعقبت تقارير القتال الجوي بين الهند وباكستان، ارتفع سهم شركة تشنغدو للطائرات، المُصنّعة لطائرات J10 -C، بأكثر من 40%، مع توقعات بأن تتلقى الشركة المزيد من الطلبات الموجهة إلى المقاولين الصينيين.

تسعى الصين إلى تحقيق الهيمنة في التقنيات المتقدمة ذات التطبيقات ذات الاستخدام المزدوج، وتستفيد من استراتيجيتها للاندماج المدني العسكري ووصولها إلى التقنيات والمعرفة الأوروبية والأمريكية لتحقيق ذلك.

يتم تصدير هذه التقنيات والمكونات ذات الاستخدام المزدوج بشكل متزايد عالميًا. وهي تشكل الجزء الأكبر من الدعم العسكري الصيني لروسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا. ومع مواجهة الشركات الصينية لمزيد من العقبات في مبيعاتها من أنظمة الأسلحة التقليدية، فمن المحتمل أن تحول تركيزها نحو تصدير السلع والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج للتطبيقات العسكرية- مما يخلق مجموعة جديدة كاملة من التحديات للحكومات الأوروبية والصناعات العسكرية، وساحة جديدة للمنافسة.

واقع الشركات الصينية يرصد تطورا كبيرا

على مستوى البورصات تواصل شركات التسليح على المستوى العالمي الانخراط في وضع يتسم بتغير ترتيبها باستمرار، فمع الطلب على التسليح ارتفعت أسهم أكبر شركة لتصنيع الأسلحة في ألمانيا، راينميتال، بنحو 540% منذ فبراير 2022 وحتى 2024، وبي إيه إي سيستمز البريطانية وسافران الفرنسية بنسبة 114% و176% على التوالي خلال الفترة نفسها.

أما في أمريكا، فانتعشت مبيعات شركات التسليح مع إعلان الحكومة الأمريكية، أنها ستخصص 25 مليار دولار (ضمن ميزانية مستهدفة قدرها 175 مليار دولار) لبناء نظام دفاع صاروخي، ومن المتوقع أن يستغرق بناء النظام ثلاث سنوات.

في المقابل، ارتفعت الشركات الصينية أيضًا، فمن أكثر 10 شركات ربحية في العالم، توجد شركة صناعة الطيران الصينية (AVIC)، المملوكة للدولة، والتي انتقلت من المركز الرابع إلى المركز الثاني في عام 2022، وزادت إيراداتها بمقدار 15 مليار دولار، ما يدل على تنامي الطلب على منتجاتها.

كما تتمتع شركة بناء السفن الصينية العملاقة، شركة بناء السفن الحكومية الصينية المحدودة، بمكانة قوية، وتنتج الشركة بكميات كبيرة مركبات سطحية وغواصات للبحرية الصينية وتصدرها. وفي عام 2023، زادت إيرادات الشركة بمقدار 3 مليارات دولار، واحتلت المرتبة الثامنة في التصنيف العالمي.