خطورة الحرب الإيرانية الإسرائيلية أن تداعياتها ستكون خطيرة على كل دول المنطقة في حال سقط النظام الإيراني بالقوة المسلحة لأن إسرائيل ستتحول إلى قوة احتلال باطشة لا يردعها المجتمع الدولي والشرعية الدولية والأدوات السلمية، ولا الجيوش والقوة الخشنة والصواريخ البالستية ومشاريع الردع النووية.

والحقيقة أن العدوان الإسرائيلي على إيران جاء عقب قناعتها أنها تنوي تطوير سلاح نووي وأن قدراتها العسكرية تمثل تهديدا لها، ثم جاء الرد الإيراني القوي ليقول إنها تمتلك قدرات عسكرية للردع وأصبحت هناك عدة مؤشرات لتحليل مسار هذه الحرب: أولها أن الضربة الإسرائيلية لإيران ليست مثل سابقتها لأنها لم تكن مجرد ضربة عسكرية إنما اختراق استخباراتي كبير راح ضحيته في ٤ أيام اثنان من رؤساء أركان الجيش وقائد الحرس الثوري ، وحسم التفوق التكنولوجي والعسكري والاستخباراتي لصالح دولة الاحتلال، وهو الفرق الذي ظل حاضرا بين الجانبين على مدار أسبوع من المواجهات، صمدت فيه إيران وردت وتفوقت إسرائيل بسلاح الجو والاختراق الأمني والاستخباراتي.

فلم تحتاج إسرائيل لهيكل تنظيمي “طويل عريض” وميليشيا وفصائل مسلحة لكي تخترق إيران إنما فرقة كوماندوس تابعة للموساد ومجموعة من الخبراء استهدفت بهم ٢٠ قائدا عسكريا إيرانيا ونحو ١٠ علماء نوويين.

أما المؤشر الثاني فقد لاح في الأفق بإمكانية تدخل الولايات المتحدة وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن شرط وقف الحرب هو استسلام إيران، وهو أمر غير وارد أن تقبله إيران، مما عزز من إمكانيه تدخل الولايات المتحدة في المواجهات الحالية واستهداف المفاعل النووي الأكبر والأكثر تحصينا في “فوردو”. أما في إيران فإن حلفائها لا زالوا يدعمونها قولا لا فعلا سواء باكستان التي تكلمت أكثر مما فعلت بجانب الصين وروسيا اللذان تحركا من أجل وقف الحرب لا دعم إيران.

أما المؤشر الثالث فهو يتعلق بأننا لأول مرة أمام حرب “بالأصالة” عن إيران وليس بالوكالة كما كان يحدث من قبل بين أذرع إيران وخاصة حزب الله وإسرائيل.

 لقد حاولت إيران عقب نجاح ثورتها في ١٩٧٩ وترسيخ نموذجها السياسي تصدير ثورتها إلى دول المنطقة وفشلت، ثم انتقلت إلى توظيف أذرعها في أكثر من بلد عربي، فدعمت نظام بشار الأسد في جرائمه المخزية بحق الشعب السوري وتركت جرحا غائرا في نفوس السوريين، كما دعمت حزب الله حتى انتقل من فصيل مقاوم دعمه مجمل اللبنانيين في حرب تحرير الجنوب عام ٢٠٠٠ إلى فصيل مهيمن على القرار السياسي والعسكري ودخل في حرب ضد إسرائيل لم تفد غزة وأضرت بلبنان ورفضها الغالبية العظمي من أيناء الشعب اللبناني.

والحقيقة أن الأذرع التي حاربت بالوكالة عن إيران وتباهي بها قادة طهران سقطت تباعا بإضعاف حزب الله وتصفيه قادته ثم سقوط نظام بشار الأسد، وصارت أذرع إيران الخارجية غائبة وعادت كدولة “شبه طبيعية” تعتمد أساسا على قدرتها الداخلية وتحالفاتها الخارجية، حتى لو كانوا حتى اللحظة يتفرجون عليها (باكستان وروسيا والصين).

والحقيقة أن حصيلة هذه المؤشرات تقول إن هناك تفوقا إسرائيليا غير كاسح على إيران وهناك أوراق قوة لازالت تمتلكها الأخير تجعلها قادرة على الرد والصمود، ولكنها أصبحت حرب مباشرة بين قوتين كبيرتين أي ايران وإسرائيل، وأن نتائج ذلك كما يحدث عادة في حروب الدول الكبرى لن يكون تأثيره على الدولتين فقط إنما على المنطقة كلها. 

والحقيقة أن نهاية هذه الحرب سيحمل سيناريوهين لا ثالث لهما: الأول أن تتراجع إيران على وقع هزيمة جزئية سيترتب عليها وقف برامج التخصيب ومشروعها النووي وعدم القدرة على انتاج صواريخ بالستية وأن تتوقف الحرب دون أن تحقق إسرائيل كل أهدافها ويبقى النظام الإيراني ومشروعه المستقل عن أمريكا وإسرائيل.

وهنا سيكون النظام مطالب أن يحافظ على استقلاله الوطني الذي دافع عنه على مدار ٤٦ عاما وفي نفس الوقت يجري إصلاحات جراحية في بنيته السياسية والعقائدية ويفتح ملف المرشد الرمز الديني والروحي وليس الحاكم والسياسي وأن تنتقل السلطة إلى المؤسسات المدنية المنتخبة من رئيس الجمهورية إلي البرلمان وتتراجع وتعتذر ايران عن سياسة الأذرع والتنظيمات التي دعمتها على حساب الشعوب العربية وأضرتها وخصمت من رصيدها الثقافي والسياسي.

إن معضلة أذرع إيران أنها أعطتها أوراق قوة ناقصة لأنها سحبت منها أوراق أخري أكثر أهمية تتعلق بالدعم المجتمعي من قبل كل شعوب المنطقة أو على الأقل عدم العداء لها وحققت مكاسب وقتيه تباهى بها قادة طهران حين دعموا هيمنة حزب الله على القرار السياسي والعسكري اللبناني على حساب أغلب الشعب اللبناني، وأن يدعموا الحوثيين في اليمن، حتى لو ساهموا في احداث مزيد من الانقسام والفرقة بين الشعب اليمني.

أما السيناريو الثاني وهو الأسوأ أن تنجح أمريكا وإسرائيل في إسقاط النظام بالقوة المسلحة وهنا سيكون مستحيل عليهما أن يحتلا إيران إنما سيتركونها فريسة الفوضى والعنف والتنظيمات المسلحة والصواريخ العشوائية التي ستضرب الجميع من المصالح الأمريكية في العراق حتى دول الخليج.

مطلوب من الجميع وخاصة مصر ومعها كل الدول العربية وتركيا وما تبقى من الدول الحرة في العالم أن يعملوا على مواجهة هذا السيناريو الكارثي الذي سيكون واحدا من أسوأ الكوابيس التي سيشهدها العالم والإنسانية في العقود الأخيرة.