كتبت- دعاء عبد المنعم
هددت إيران على مدار عشرات السنوات الماضية بإغلاق مضيق هرمز، لو تعرضت إلى هجوم عسكري، أبرز تلك التهديدات، كان أثناء الحرب الإيرانية العراقية، والآن مع التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل والهجمات العسكرية المتبادلة بينهما، يُثار التساؤل مجددا حول سيناريوهات الإغلاق، والتأثيرات المتوقعة، وتبعات إغلاقه لو نفذت إيران تهديدها.
يقع مضيق هرمز الفاصل بين أراضي سلطنة عمان وإيران، بين شبه جزيرة مسندم التابعة لسلطنة عمان جنوبًا والأراضي الإيرانية من الشمال، ويرتبط بالخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب.
وتشرف إيران “قانونياً” على المضيق من جهتها، بينما تشرف عليه سلطنة عمان من الجهة الأخرى، بينما تخضع حركة الملاحة الدولية فيه لنظام “المرور العابر”، طبقا للمادة 80 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982.
ويعد المضيق المعروف باسم “فك الأسد” لأهميته في شبكة الطرق العالمية، بما يمثله من أهمية استراتيجية واقتصادية، شريان العالم الصناعي، خصوصا في حجم التجارة النفطية، حيث يعبر منه خمس الإنتاج النفطي الذي يستهلكه العالم، بمعدل يبلغ حوالي 20 مليون برميل من النفط يوميا، كما يعبر من خلاله 80 مليون طن من الغاز المسال سنويًا، وهو ما يمثل 19% من تجارة الغاز الطبيعي المنقولة بحرًا.
قطر تحديدا تنقل كل غازها الطبيعي المسال عبره، وهو ما يمثل نحو ربع استخدام الغاز الطبيعي المسال عالميًا، وفقًا لتقديرات الطاقة العالمية
وفي عام 2024، نُقل حوالي من 84% من النفط الخام و83% من الغاز الطبيعي عبر مضيق هرمز إلى الأسواق الآسيوية، ومن أهم الدول الرئيسية الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، في حين يُنقل عبره أيضا حوالي نصف مليون برميل من النفط الخام يوميًا من دول الخليج العربي إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعتمد إيران على مضيق هرمز بشكل كامل في نقل مبيعاتها النفطية، وتأمين احتياجاتها من السلع، وتعتبر الصين أكبر مستوردي النفط من إيران، بالإضافة إلى عبور معظم صادرات دول أوبك النفطية من خلاله.
لا يلعب المضيق دورًا محوريًا فقط في حجم التجارة النفطية الدولية، بل جرى استخدامه كوسيلة لإحداث تغييرات جذرية في بعض الأزمات الإقليمية في الماضي، حيث تم منع تصدير النفط منه إلى الغرب، إبان حرب أكتوبر 1973.
وكان مضيق هرمز نقطة اتصال الخليج العربي مع العالم الخارجي، إذ كانت التجارة المتبادلة بين غرب آسيا ومنطقة الشرق الأدنى القديم تعبر من خلاله.
كما يُستخدم كمنفذ لعبور التجارة المنقولة إلى منطقة الخليج العربي وبعض المواني الإيرانية، فكانت تصل بعض التجارة القادمة من الصين إلى مدن واقعة على الخليج عبر طريق الحرير القديم البحري الذي يربط كان التجارة الدولية بين الصين وأوروبا ومرورًا بالشرق الأوسط. وكانت إيران من أهم محطات الطريق بريًا قديمًا، ومن أهم السلع التي تصل إلى طهران عبر القوافل العابرة من خلاله الحرير الخام الصيني والسلع الهندية كالتوابل، ومع شروع تنفيذ الصين في تنفيذ مباردة الحزام والطريق؛ بهدف إعادة إحياء طريق الحرير القديم بحريًا وبريًا، باتت طهران أحد أهم محطات الطريق بريًا، بينما تعد قناة السويس الممر الملاحي الرئيسي في المباردة ذاتها.
خبراء: غير ممكن وهناك بدائل
مع إعلان السلطات الإيرانية أن إغلاق مضيق هرمز قيد الدراسة، برزت توقعات الخبراء عن تبعات الإغلاق، حيث قد يسبب انقلابا في موازين التجارة النفط الدولية، ويؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعاره، وارتفاع أسعار الشحن، وقد تتأثر مبيعات النفط الإيرانية؛ لأنها تعتمد على المضيق في نقلها، مما قد يخلق توترا بين إيران والصين؛ نتيجة عدم استطاعة إيران الوفاء بكافة متطلبات الصين النفطية.
ويري الخبراء أن إغلاق مضيق هرمز غير ممكن على أرض الواقع، أولا: بسبب اتساعه حيث يتراوح عرضه بين 55 و95 كيلومترا، كما أن معظمه يقع في سلطنة عمان، وفي حال إغلاقه، يمكن عبور السفن من خلال طرق بديلة عبر الإمارات العربية وسلطنة عمان.
وهناك طرق بديلة، حيث تمتلك المملكة العربية السعودية والإمارات بنية تحتية قادرة على تجاوز مضيق هرمز، ومنها امتلاك أرامكو السعودية خط أنابيب النفط الخام “شرق- غرب”، ويمتد من مركز بقيق بالقرب من الخليج العربي إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، يتسع حوالي 7 ملايين برميل يوميًا؛ لتجنب قطع أي إمدادات، كما يمتلك الإمارات أيضًا خط أنابيب، يربط حقول النفط بميناء الفجيرة إلى خليج عمان بدون مرور عبر مضيق هرمز، يتسع طاقته 1.8 مليون برميل يوميا.
كما أن إيران نفسها تمتلك خط أنابيب “غوره- جوسك”، يصل إلى خليج عمان بدون مرور عبر المضيق، تتسع طاقته لنقل حوالي 70 ألف برميل يوميًا.
لكن استخدام الطرق البديلة في نقل المواد النفطية؛ يسبب انخفاضا في الإمدادات النفطية، في الوقت الذي تجاوز الاستهلاك النفطي العالمي أكثر من 100 مليون برميل في العام، وتعد الصين من أكبر المستهلكين للنفط في العالم.
ومع زيادة الضربات العسكرية بين إيران وإسرائيل، اختار بعض مالكي السفن تجنب مضيق هرمز، وتوخي الحذر في البحر الأحمر، كما ارتفعت أسعار شحن ناقلات النفط الخام من منطقة الخليج العربي إلى الصين بنسبة 24% لتصل إلى 1.67 دولارا للبرميل منذ أيام، ويمثل أكبر ارتفاع منذ بداية هذا العام، مما استدعى القلق وحالة من الترقب، انتظارا لما قد تؤول إليه الأحداث.