رغم كل النقاشات المطولة حول تعديل قانون الانتخابات، بما يستهدف تفعيل الحياة السياسية والحزبية، إلا أن ما تم إقراره مؤخرا من تعديلات شكلية، أصابت الكثيرين بالإحباط.
فقد صدق الرئيس السيسي على قانون بتعديل قانون الانتخابات الصادر برقم 85 لسنة 2025ـ وذلك في 2025/ 6/ 10 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014، والقانون رقم 174 لسنة 2020 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب. إضافة لتعديلات أخرى، تتصل ببعض أحكام قانون مجلس الشيوخ الصادر بالقانون رقم 141 لسنة 2020.
في هذا السياق، أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” ورقة موقف بخصوص هذه التعديلات وتأثيرها على الحياة السياسية مستقبلا، أعدها الباحث والحقوقي شريف هلالي.
خلصت الورقة، إلى أن القانون بعد التعديل كسابقه ــ نظام القائمة المطلقة المغلقة إلى جانب النظام الفردي في انتخابات مجلس النواب القادمة مع بعض التعديلات المحدودة في عدد المقاعد المخصصة للقوائم أو الفردي.
ويتناقض هذا النظام مع المطالب التي دعت إليها أحزاب المعارضة، وبشكل خاص الحركة المدنية الديمقراطية من خلال مشاركتها في الحوار الوطني منذ 2023، وحتى الآن.
حيث دعت إلى اتباع نظام القوائم النسبية إلى جانب المقاعد الفردي، وهو ما تجاهلته الحكومة وأحزاب الموالاة التي وقفت وراء التعديلات الأخيرة، وصوتت لها في مجلسي النواب والشيوخ، باعتبارها المستفيد الأكبر من استمرار ذات النظام الانتخابي الذي اعتُمِد منذ عام 2015، وجرت بموجبه انتخابات الفصلين التشريعيين الماضيين، وأسفرا عن أغلبية كاسحة لتلك الأحزاب، باستثناء بعض المقاعد المحدودة لبعض الأحزاب المعارضة المشاركة، في قائمة ما يسمى بـ دعم الدولة.
تعديل شكلي لا يضيف جديدا
ـ أبقت التعديلات على عدد مقاعد مجلسي النواب والشيوخ دون تغيير، 568 للنواب، 200 للشيوخ، وتقسيمها مناصفة بين الانتخاب بنظام القوائم المغلقة المطلقة، والنظام الفردي.
ـ خصصت تعديلات قانون مجلس النواب 50% من المقاعد للقوائم المغلقة، و50% للنظام الفردي مناصفة، بإجمالي 568 مقعدًا، موزعة بواقع 284 للقوائم ضمن أربع دوائر، و284 للفردي موزعة على 143 دائرة.
ـ أما مجلس الشيوخ، فيُنتخب 200 من أعضائه بالقاعدة نفسها: 100 مقعد للقوائم المغلقة في أربع دوائر، و100 للفردي في 27 دائرة (كل محافظة دائرة واحدة)، بينما يعين رئيس الجمهورية 100 عضو إضافي في الشيوخ، و30 في النواب.
ـ خصصت التعديلات 25% من مقاعد مجلس النواب للمرأة، و10% في الشيوخ.
ـ فيما يتعلق بمقاعد مجلس النواب، خُصص للقوائم 284 مقعدا ضمن 4 دوائر على مستوى الجمهورية ، منها دائرتان تضم 102 مقعد.
ـ من جهة أخرى، أجاز التعديل، أن تضم القائمة مترشحي أكثر من حزب، كما أجاز أن تضم القائمة مرشحين مستقلين غير منتمين لأحزاب أو تجمع بينهم.
ـ في العموم، جاء التعديل بشكل طفيف على توزيع المقاعد المخصصة للقوائم، إذ زادت المقاعد المخصصة للقوائم الكبرى من 100 إلى 102 مقعد، وفي المقابل، انخفضت المقاعد المخصصة للقوائم الأقل عددا من 42 إلى 40 مقعدا.
تعديلات جديدة على تقسيم الدوائر
شملت التعديلات أيضا تغييرات جغرافية على بعض الدوائر، من أبرزها، إضافة مقعد ثالث لدائرة الواسطي وناصر في محافظة بني سويف، ودمج دائرة السيدة زينب مع دائرتي الدرب الأحمر وعابدين في القاهرة، وإعطائهم ذات المقعد الذي كان يمثلهم في الانتخابات السابقة.
إلى جانب فصل قسم الأهرام عن دائرة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، واستحداث دائرة مستقلة لمدينة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية.
وهو ما أدى إلى انتقادات عدد من المراقبين، مشيرين إلى غياب التوازن في بعض هذه التعديلات، على سبيل المثال، هناك دائرة “إمبابة” التي تضم أكثر من 5 ملايين ناخب، وتُمثَّل بمقعدين فقط، مقارنة بـ4 مقاعد لدائرة البدرشين ذات الكثافة السكانية الأقل.
موقف أحزاب المعارضة :
كان موقف احزاب المعارضة رافضا لهذه التعديلات، وبشكل خاص أحزاب الحركة المدنية، واعتبرتها تراجعا، عما اتفقت عليه في “الحوار الوطني”، حيث أكدت الحركة منذ مشاركتها في ذلك الحوار على ضرورة انتهاج نظام القائمة النسبية لعدد من الأسباب أهمها:
- اعتبار نظام القائمة المطلقة التي جرت على أساسه انتخابات 2015، و2020 يهدر 49 % من أصوات الناخبين، وهو ما تثبته نتائج كل من المجلسين، إذ فازت قوائم ما سميت بقائمة “في حب مصر”، والتي تكونت من أحزاب الموالاة وبشكل خاص مستقبل وطن إلى جانب الشعب الجمهوري، وحماة مواطن، بعكس نظام القائمة النسبية الذي يعطي المقاعد وفقا للتناسب مع عدد الأصوات.
ـ إن هذا النظام الحالي لا يسمح بتمثيل كبير لأحزاب المعارضة، خاصة الصغيرة منها، إذ يفقدها أي فرصة لإحراز أي مقاعد، وفقا للقائمة المطلقة، خاصة في الوضع في الاعتبار الإمكانيات السياسية والمالية الضخمة التي تتمتع بها أحزاب الموالاة.
أيهما أصلح القائمة النسبية أم المطلقة؟
بمقارنة النظامين، فإن القائمة المطلقة، والذي تم إقراره مجددًا في التعديلات الجديدة، يسمح للأحزاب الكبيرة ذات النفوذ المالي والسلطوي بالسيطرة الكاملة على البرلمان، وتهميش بقية الأحزاب الأخرى.
كما ترى وجهة نظر أخرى، إلى أن مثل هذا النظام يعد أحد الأسباب الرئيسية لإضعاف وتهميش الأحزاب السياسية وبشكل خاص الصغيرة منها.
وطبقا لهذا النظام، فإن القائمة التي تحصل على 50% من أصوات الناخبين تفوز تلقائيًا بكل المقاعد المخصصة للدائرة، دون أي اعتبار للقوائم الأخرى المشاركة، وهو ما يؤدي إلى دعم مصالح الأحزاب ذات التمويل الكبير والنفوذ الواسع والعلاقات القوية مع أجهزة الدولة، وقطاع رجال الأعمال الذي يلعب دورًا كبيرًا في تجييش العمال والموظفين للتصويت للقائمة المدعومة من الدولة.
أما الاقتراح الثاني الذي تم تجاهله، ولم يؤخذ به، تضمن انتخاب كل الأعضاء بالقائمة النسبية غير المنقوصة عبر 15 دائرة على مستوى الجمهورية، ويختار الناخب قائمة حزبية، تتضمن عددا من المرشحين عن دائرة واحدة، والقائمة التي تحصل على أغلبية الأصوات، لا تحصل على كافة المقاعد لهذه الدائرة، وإنما عدد من المقاعد، يتناسب مع نسبة ما تحصل عليه من أصوات.
فيما ذهب الاقتراح الثالث إلى انتخاب 50% من الأعضاء بالنظام الفردي، و25% بنظام القائمة المطلقة و25% بنظام القائمة النسبية.
وقدم ممثلو أحزاب المعارضة عددا من الاقتراحات، مؤكدين أن أحكام المحكمة الدستورية العليا لم تمس أصل النظام الانتخابي، وبالتالي، فإن النظام النسبي محصن دستوريا، مثل القوائم المغلقة المطلقة والنظام الفردي.
خاتمة:
لا يبدو أن التعديلات الأخيرة ستؤدي لإحداث تغيير في المشهد السياسي في أعقاب الانتخابات التشريعية القادمة، باستثناء دخول بعض الأحزاب المقربة من الدولة ساحة النزال ومنها حزب الجبهة الوطنية، بالإضافة إلى الأحزاب الأخرى التي تم تأسيسها الفترة الماضية، ومنها حزب الوعي.
وبالتأكيد، سيتم توزيع هذه الأطراف داخل القوائم الجديدة المعبرة عن الموالاة، بما سيؤدي إلى دخول هذه الأطراف ضمن القائمة الرئيسية، بالإضافة إلى أن أحزاب المصري الديمقراطي والإصلاح والتنمية والعدل الذين شاركوا في القائمة المشار إليها في الانتخابات السابقة.
على الناحية الأخرى، يبدو هناك ثلاثة خيارات لباقي أحزاب المعارضة المدنية، الأول بمحاولة تشكيل قوائم للمنافسة في ظل عدم التوازن بين إمكانياتها السياسية والمالية، بينها وبين أحزاب الموالاة، والثاني التركيز على بعض قوائم الفردي لإدخال مرشحين يملكون فرصا للتنافس السياسي، أو على الأقل تمهيد الأرض للدورة الانتخابية التالية، إلا أن ذلك مرهون بوجود إشراف قضائي فعال ومستقل، يكرس إجراء انتخابات تنافسية حقيقية.
والخيار الثالث التي قد تلجأ إليه هو خيار المقاطعة، خاصة إذا لم يتم الموافقة على أي قوائم مقدمة من الحركة المدنية، أو عدم قناعتها بوجود إشراف قضائي حقيقي على هذه الانتخابات القادمة.
ومن الواضح، أن ذلك سيكرس ذات النفوذ لأحزاب الموالاة مع إعادة تقسيم المقاعد بين أحزاب مستقبل وحماة وطن والشعب الجمهورية وحلفائهما وبين الوافدين الجدد، وهو ما سيكرس ذات الإطار السياسي الذي سارت عليه انتخابات 2015، 2020 بغياب تمثيل حقيقي لأحزاب المعارضة والمستقلين.
وهو ما سيؤدي إلى كون المجلس القادم نسخة من المجالس السابقة، ويرسخ سيطرة السلطة التنفيذية على البرلمان.
لقراءة الورقة كاملة: