حينما كانت الحرائق مشتعلة في سنترال رمسيس بوسط القاهرة، كان صندوق مصر السيادي يتلقى عروضًا من مؤسسات أجنبية ومحلية؛ بهدف تطوير مبنى الهيئة العامة للاستثمار بوسط البلد، ضمن استغلال مقار الهيئات ومباني الوزارات غير المستغلة، بعد نقلها إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
عروض تطوير مبنى الهيئة أثارت سؤالاً مهمًا: هل يشجع حريق سنترال رمسيس على بيع أصول الحكومة في القاهرة أم العكس؟ خاصة أن الحريق أظهر أهمية توزيع المنشآت وعدم تركيز خدماتها بمكان واحد وإيجاد بدائل لها، وهو تساؤل يعبر في الأساس عن أزمة ثقة شعبية في سياسات الحكومة.
وأعلن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، عن طرح منطقة مربع الوزارات القديمة بوسط القاهرة في نهاية يونيو الماضي؛ بهدف استغلال الأصول المملوكة للدولة ومباني الوزارات التي تم إخلاؤها، وإعادة استغلالها بصورة سليمة مع الحفاظ على الطابع العمراني والمعماري للمنطقة دون تغيير شكل المباني.
تريد الحكومة التركيز على استثمار المنطقة في زيادة عدد الغرف السياحية وخدمة الحركة السياحية، مع مستهدفاتها لزيادة عدد السائحين إلى 30 مليون سائح، لكنها تواجه تحديات في توفير الغرف الفندقية اللازمة لاستقبال ذلك العدد، وبالتالي الحل الأسهل هو عقارات وسط البلد “الداون تاون” التي تجذب السائحين الذين لا يريدون العيش بمعزل عن المواطنين، ولكن الاندماج معهم. جدير بالذكر أن مصطلح “الداون تاون” الذي بات يستخدم بشكل عام للإشارة إلى وسط المدينة التجاري، هو في الأصل مصطلح أمريكي جرى استخدامه للإشارة لوسط مدينة نيويورك.
من يريد الاستثمار في وسط القاهرة؟
تلقى صندوق مصر السيادي حتى الآن خمسة عروض استثمارية من كيانات محلية وخليجية؛ لتطوير مبنى الهيئة العامة للاستثمار السابق، وتتخذ أكثر من صورة أهمها نماذج الشراكة أو التطوير مباشر، مع تحويل المبنى لمكان متعدد الاستخدامات، يجمع بين الأنشطة الفندقية والثقافية والإدارية، ومن المقرر إعلان الفائز خلال شهرين، ما يعني أن الحكومة، ربما أجلت بشكل غير معلن موعد الإعلان عن تطوير وسط القاهرة إلى سبتمبر.
وقال مدبولي في مؤتمر صحفي، إن العديد من الكيانات الاستثمارية المحلية والدولية أبدت اهتماما شديدًا لمشاركة الدولة في تنمية منطقة وسط البلد، مضيفًا أن هناك تكليفًا للمكتب الاستشاري بوضع رؤية لطرح المنشآت التي تملكها الدولة داخل وسط البلد، والتي أصبح الصندوق السيادي مالكًا لها.
يظل رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار المرشح الأول للاستثمار بوسط القاهرة، والذي تتماشى رؤيته مع الدولة، مؤكدًا أن مصر عليها زيادة عدد الغرف الفندقية بأكثر من الضعف، مضيفًا أن القطاع الفندقي بها أفضل من القطاع العقاري، ولا بد أن يصل عدد السياح بمصر إلى 70 مليون سائح سنوياً، بدلاً من نحو 15 مليون سائح حالياً.
تقدمت “إعمار” للحكومة المصرية بمقترح للمساهمة في تطوير مباني وسط القاهرة، وقال العبار، إن الحديث مستمر مع الحكومة في هذا الشأن، موضحا أنه يتوقع طرح الحكومة عطاءات على الشركات العقارية المحلية والعالمية، وستكون “إعمار” أول المتقدمين حسبما قال؛ لأنه”مؤمن بقوة المدن وقوة القاهرة”.
هل يفيد حريق رمسيس خطة القاهرة؟
رفض مسئول حكومي الحديث عن استفادة الحكومة من حريق رمسيس، فيما يتعلق بطرح وسط القاهرة، مؤكدًا أن سنترال رمسيس يخدم تلك المناطق ووجوده هام في الطروحات، فلا فندقة بدون إنترنت ولا حياة في أي مكان من غيره، بعدما بات من مقومات الحياة الأساسية حاليًا.
تزامن الحريق مع جدل قانون الإيجار القديم ودفاع الحكومة الشديد عن بنوده المثيرة للجدل، خاصة المادة السابعة التي تمنح للملاك حق طرد المستأجرين بعد 7 سنوات، ما زاد من التأويلات عن سعي حكومي لإخلاء السنترال لبيعه، خاصة أن عمر المبنى يقترب من 100 عام، ما يجعله من المباني ذات التراث المعماري المميز التي يصعب التعامل معها.
لكن المسئول الحكومي يبدي استغرابه الشديد من ذلك، قائلاً: “السنترال أثر اقتصاديا على العشرات من الخدمات.. فهل يعقل أن تثير الحكومة مشكلة بيديها؟ مشددا على أن الحكومة بدأت أعمال الترميم لمبنى لا غنى عنه في تطوير القاهرة التاريخية.
التعامل مع مباني وسط البلد، يقسمها إلى ثلاث فئات، أولها ذو طابع تاريخي وعمراني مميز، أما الثاني فهو أثري تابع لوزارة السياحة والآثار، والقسم الثالث غير المسجل لدى وزارة الآثار ولا ينتمي للطراز المعماري المميز، يعتبر الأسهل في التصرف، وإعادة استخدامه أو بيعه.
يؤكد المسئول، أن وسط القاهرة منطقة لها طبيعة خاصة، وخطط التطوير الحكومية لن تجعلها شبيهة بالداون تاون، بالمفهوم الأمريكي ، فطبيعة البلدين “أي مصر وأمريكا” مختلفة تمامًا، لكن التطوير الذي تشهده شبيه بما حدث في المباني الحكومية التي تم طرحها بالفعل مثل، وزارة الداخلية القديمة ومجمع التحرير.
بموجب اتفاق وقع مع شركة A Developments الإماراتية، أعلن صندوق مصر السيادي توقيع عقد تطوير مقر وزارة الداخلية بلاظوغلي وسط القاهرة، الذي يتكون من 7 مبان بمساحة بناء تقترب من 40 ألف متر مربع، وبذلك يكون مقر الوزارة أول المباني التي تم حسم مصيرها بتحويله، لمنطقة تضم محال تجارية، ومكاتب إدارية، وفرع لجامعة إيباج لإدارة الأعمال الفرنسية.
كما يتضمن المقر فندقًا 3 نجوم وشققًا فندقية، تُدار من قبل إحدى السلاسل العالمية، بجانب مركز للتعهيد، وهي خدمات تكنولوجية يتم تقديمها عبر وسيط من خارج دولة مقر الشركة الأم.
أعلنت شركة كايرو هاوس إيجيبت للتطوير العقاري، في فبراير الماضي، عن توقيع اتفاقية مع شركة الاستثمار السياحي وماريوت الدولية، تهدف إلى تحويل مجمع التحرير التاريخي إلى فندق تحت مظلة علامة أوتوجراف كولكشن الفندقية، التي تملك 300 فندق حول العالم، وتتضمن الخطة 500 غرفة وجناحا فندقيا وشققا فاخرة مخدّمة بالكامل، بجانب باقةٍ متنوعة من المطاعم والمرافق الترفيهية الراقية.
ولادة متعثرة لملف الطروحات
يشهد ملف طروحات عقارات وسط القاهرة ولادة متعثرة منذ الإعلان في ديسمبر الماضي عن طرح مقار وزارة التربية والتعليم السابق (قصر الأميرة فائقة) ومقر وزارة الإنتاج الحربي السابق (قصر الأميرة توحيدة)، ووزارة السياحة والآثار ومبنى وزارة الخارجية لخدمة أغراض السياحة والتجارة والاستثمار.
بعض الخبراء يتفقون مع وجهة نظر الحكومة بهذا الصدد فحريق سنترال رمسيس أضر بالطروحات الحكومية، وأثار تساؤلات واسعة حول دور الحماية المدنية بمصر واشتراطات المباني مع استمرار الحريق مدة 15 ساعة قبل إطفائه، لكن الحكومة ترى أن جهود الحماية المدنية كانت ملحمة حقيقية في السيطرة على الحريق ومنع امتداده، موجهًا تحية خاصة لإدارة الإطفاء تقديرًا للدور البطولي الذي أدّته في احتواء الأزمة.
حنان رمسيس، الخبيرة المالية، من أنصار ذلك الاتجاه، فترفض نظريات المؤامرة، وترى أن الدولة نفسها متضررة في ملف طروحات وسط القاهرة من الحريق، لكنها لها رؤية لتطوير وسط القاهرة غير أن تكلفتها كبيرة، وبالتالي الطرح في رؤيتها للاستثمار الأجنبي يقلل تلك الأعباء، لكن المشكلة في أن بعض المواطنين غير متحمسين للفكرة فيما يتعلق بالشركات الأجنبية والعائد وكذلك تعديلات قانون الإيجار القديم.