في لحظة إقليمية تتغير فيها الخرائط السياسية، وتُعاد فيها صياغة الأدوار الوظيفية للمليشيات والجيوش والأنظمة، لم يعد حزب الله كما كان.
لا هو القوة الحاسمة في المعادلة اللبنانية، ولا هو الذراع الإيرانية المتقدمة في الجبهة السورية..
بل الأخطر: أن الحزب نفسه، وفق إشارات متفرقة وخطاب داخلي غير معلن، بدأ الاستعداد لتفكيك قوته العسكرية على مراحل، وتخفيف حضوره الإقليمي، ضمن ما يشبه “خطة انسحاب ناعم” من المشهد المباشر… قبل أن يُسحب منه هذا الدور قسرًا..
ومع تولي أحمد الشرع رئاسة الحكومة الانتقالية في سوريا، ودخول الملف اللبناني دائرة تفاوض دولية جديدة، تتغير أدوار الحلفاء والخصوم على السواء.
حزب الله اليوم لم يعد يقاتل، بل يعيد التموضع… ويُعاد تعريفه، وهذا الملف يتتبع سيرة هذا التحول المعقّد، من النشأة حتى بداية التفكيك، في محاور كثيفة، لا تختزل شيئًا مما يحدث تحت الرماد.
من الجنوب إلى الظل: سيرة حزب الله من التأسيس إلى الانقسام
في بلد تتعدد فيه الولاءات وتتنازع فيه الطوائف على النفوذ، خرج حزب الله من رحم الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ليصوغ مشروعًا مختلفًا… مشروعًا يمزج بين المقاومة والولاء العقائدي، وبين البندقية والصندوق الانتخابي، في خلطة غير مسبوقة.
لكن بين نشأته كمجموعة مقاومة، وتحوله إلى قوة إقليمية مدججة، تبدلت الملامح، وانقسمت الآراء، وانكشف التناقض بين شعاراته وسلوكياته.
شهد الحزب منذ بداياته تحولات قيادية، كان لكل منها أثر بالغ في مساره، حيث حمل كل قائد معه بصمة، شكلت طبيعة المرحلة.
في بداياته، تولى عباس الموسوي مهمة ترسيخ هوية الحزب، العقيدة الولائية لإيران كمرجعية دينية وسياسية، ومعلنًا في البيان التأسيسي عام 1985 التزامًا صريحًا بـ “ولاية الفقيه”. لم يعش طويلاً في المنصب، لكنه ترك البصمة العقائدية الأوضح، حيث ربط الحزب صراحة بمشروع الثورة الإسلامية في طهران، لا كتحالف، بل كولاء فقهي واستراتيجي دائم.
في عام 1992، وبعد اغتيال الموسوي في غارة إسرائيلية، تولى حسن نصر الله القيادة، وكان آنذاك شابًا في أوائل الثلاثينيات، لكنه تمتع برؤية سياسية هجومية، مدعومة بقبضة تنظيمية.
في زمنه، دخل الحزب الحياة البرلمانية لأول مرة، عبر انتخابات 1992، ضمن توافق سوري– إيراني على “لبننه” الشكل السياسي دون المساس بجوهر السلاح.
وسع الحزب نطاق تأثيره داخل البيئة الشيعية، ونسج شبكة خدماتية وتعليمية وإعلامية ضخمة، وبات يقدّم نفسه كـدولة داخل الدولة” في الجنوب والضاحية والبقاع.
وصل هذا المسار إلى ذروته بعد حرب يوليو 2006، التي خاضها الحزب ضد إسرائيل، إثر عملية “الوعد الصادق” التي أسفرت عن أسر جنديين إسرائيليين.
رغم التدمير الهائل، خرج الحزب من الحرب، باعتباره “صامدًا” أمام واحدة من أعتى جيوش المنطقة. اكتسب نصر الله وقتها مكانة شبه أسطورية، وأصبح الحزب جزءًا من الوجدان العربي المقاوم، ولو مؤقتًا لكن داخل البنية التنظيمية، كانت هناك عقول أخرى تُمسك بالجانب الأمني والعسكري.
أبرزهم كان عماد مغنية، القائد الميداني الأشهر، والمهندس الخفي لعمليات الخطف والردع والتفجير خلال الثمانينيات والتسعينيات، بما فيها استهداف المارينز الأمريكيين في بيروت عام 1983.
.
باغتياله في دمشق عام 2008، فقد الحزب عقلًا عملياتيًا نادرًا، ولم يتمكن حتى اليوم من تعويضه، خاصة مع توسع العمليات العسكرية الإقليمية.
أما نعيم قاسم، نائب نصر الله، فكان أشبه بـالحارس العقائدي” للمسار الأيديولوجي. أدار ملفات التكوين التربوي والكادر التنظيمي، وحافظ على صلابة الخط الشيعي في ظل التحولات السياسية، وكان حلقة وصل أساسية بين المكتب السياسي والقاعدة الشعبية، خاصة خلال سنوات الصعود.
كل قيادة من هذه القيادات كانت جزءًا من معمار تطور الحزب:
الموسوي رسّخ المرجعية، نصر الله وسّع التأثير، مغنية هندس الردع، وقاسم حفظ الإطار الفكري.
ومع تصاعد الضغوط، وتضخم القوة، واحتدام التناقض بين “المقاومة” و”الوظيفة الإقليمية”، بدأ الحزب يدخل نفقًا رماديًا… لم يعد فيه كليًا مقاومًا، ولا هو قادر على أن يكون حزب دولة. لم يتراجع تمامًا، لكنه لم يعد يمتلك المبادرة. سلاحه باقٍ، لكنه معلق في الفراغ… والهوية التي بدأت واضحة في الجنوب، بدأت تنحسر تحت طبقات من التناقضات في ظل قيادة وصلت إلى سقفها الأعلى… وبدأت بالانحدار الصامت.
الامتداد السوري: من الوكيل الإقليمي إلى العزلة التدريجية
لم يكن دخول حزب الله إلى سوريا قرارًا لبنانيًا داخليًا ولا استجابة لتحديات حدودية، بل خطوة استراتيجية منسّقة بين طهران ودمشق لمواجهة انهيار النظام السوري بعد 2011..
بدأ التدخل بشعار “حماية المقامات الشيعية”، لكن الحقيقة كانت أكبر: تأمين النظام حماية خطوط الإمداد، وفرض واقع سياسي جديد على خرائط النفوذ الإقليمي..
دخل الحزب منطقة القصير أولًا، ثم القلمون، ثم ريف دمشق. تحوّل من “مقاومة محلية” إلى ذراع عسكرية خارج الحدود، تخوض حربًا مذهبية في عمق بلد جارٍ.
هذا التحول لم يُحدث فقط صدمة في الشارع العربي، بل أيضًا في البيئة الشيعية اللبنانية التي لم تكن مهيّأة لقتال سنّة سوريا، بعد أن تربّت عقائديًا على مقاومة “العدو الصهيوني”.
ومع تعقّد الحرب، لم يعد التدخل عملية محدودة، بل بات الحزب قائدًا فعليًا للعديد من الجبهات السورية، ينسّق مع الحرس الثوري، ويتدخل في القرارات الأمنية للنظام.
وانتقل من الدعم العسكري الى إعادة ترتيب مناطق السيطرة لاسيما في الجنوب السوري ومحيط الغوطة وغيرهم، لكن هذا التمدد لم يخل من الثمن.
.
فقد الحزب أكثر من 2000 مقاتل خلال سنوات القتال، وتعرضت قياداته الميدانية لاغتيالات منظمة، أبرزها مصطفى بدر الدين، خليفة مغنية، الذي قُتل في ظروف غامضة بدمشق عام 2016، ويُعتقد أن القرار جاء من طهران لتقليص نفوذ الحزب في مسرح العمليات بعد خلافات على أسلوب القيادة.
سياسيًا، بدأ الحزب يفقد التوازن. لم يعد لاعبًا لبنانيًا مقاومًا، بل تحول إلى أداة واضحة في لعبة النفوذ الإيراني– الروسي.
تضررت صورته بشكل عميق، حتى داخل قواعده. وتزايدت الانتقادات داخل المجتمع الشيعي، خاصة بعد أن أصبحت القرى في الجنوب والضاحية تستقبل جثامين القتلى أسبوعيًا، بلا أفق واضح للمكاسب. .
الأهم، أن الامتداد السوري كشف هشاشة البنية العقائدية للحزب نفسه.
فبينما بدأ تحت شعار المقاومة العابرة للطوائف، انتهى إلى فاعل طائفي في صراع إقليمي.
ولم يعد بمقدوره استعادة تلك الهالة القديمة، حتى حين حاول ذلك في معاركه مع إسرائيل لاحقًا.
تفكيك ناعم: “حزب الله يغادر سوريا دون إعلان”
ومع تولّي أحمد الشرع رئاسة الحكومة الانتقالية في دمشق، بدأت ملامح مرحلة جديدة، تتشكّل بهدوء، قوامها تفكيك البنية العسكرية لحزب الله داخل الأراضي السورية. لم يكن ذلك عبر صدام مباشر أو قرار صريح، بل من خلال عملية ممنهجة وغير معلنة، استهدفت سحب الوظيفة دون سحب السلاح.
فقد أُعيد رسم خرائط الجبهات، بطريقة قلّصت الحاجة لوجود الحزب، وجرى تضييق خطوط الإمداد الممتدة من لبنان، كما فُرضت ضوابط ميدانية جديدة، حدّت من حرية تحرك عناصره. وفي مواقع أساسية، تم إحلال قوات محلية أكثر التصاقًا بالنظام الجديد، وأقل تبعية للمشروع الإيراني.
ورغم غياب البيان الرسمي، فإن ما جرى على الأرض كان أوضح من أي تصريح: لا قواعد علنية للحزب حاليًا في سوريا، ولا أسماء بارزة لقادته في المشهد العملياتي، بعدما كانت وجوههم مألوفة على أكثر من جبهة. وبهذا، فإن الحزب الذي مثّل أحد أعمدة النفوذ الإيراني في سوريا، بات خارج المعادلة بشكل تدريجي، وتحت رادار الإعلام، لقد تحول الحزب ببساطة من فاعل مباشر إلى ظل ثقيل، يراقب عن بعد قرارا جديدا من طهران أو فرصة استعادة دور ميداني لم تعد دمشق ولا واشنطن ولا تل أبيب تسمح به الآن..
من قلب الضاحية: التفكيك الناعم في لبنان وولادة البديل
بعد عقود من السيطرة شبه المطلقة، بدأ حزب الله يواجه تآكلًا مزدوجًا في الداخل اللبناني: سياسيًا من قوى الدولة المتعددة، وشعبيًا من بيئته التقليدية.
فالمعادلة التي صمدت طويلاً: “السلاح مقابل الحماية”، لم تعد تقنع الجيل الجديد من الشيعة، الذي يبحث عن الخبز، والكهرباء، والدولة… لا عن الجهاد.
بدأ هذا التآكل بالتحديد بعد انفجار مرفأ بيروت 2020، ثم انهار تدريجيًا مع الأزمة المالية الكبرى في لبنان، واتهامات الفساد، وهيمنة الحزب على القرار السياسي عبر حكومة حسان دياب ثم نجيب ميقاتي.
وجد الشيعة أنفسهم في قلب الانهيار، دون غطاء فعلي، وبدأت شعارات “بيئة المقاومة” تتحوّل في بعض المناطق إلى “بيئة المحاسبة”.
داخليًا، لم يعد الحزب قادرًا على ضبط كل المفاصل. ظهرت بوادر تمرد خافتة داخل النقابات، والبلديات، وحتى داخل الحوزات الدينية في البقاع.
ازدادت الأصوات المنتقدة في المجالس الحسينية الخاصة، بل وظهرت مبادرات إعلامية صغيرة، تحاول تقديم صورة شيعية، لا تتماهى مع خطاب نصر الله.
البيئة لم تتمرد بالسلاح، لكنها كفّت عن الانصياع الكامل.
خارجيًا، باتت الدولة اللبنانية نفسها تتحرك خارج ظل الحزب.
لم تعد كل التعيينات تمر عبره، ولم تعد كل المعادلات، تُقرّ من الضاحية.
والأهم، أن العلاقات الخليجية– التي كانت يومًا تُسترضى عبر وساطات خارجية– بدأت تعود من بوابة اقتصادية، وتُعيد تموضع الدولة بعيدًا عن الهيمنة الإيرانية.
هذا لا يعني سقوط الحزب، لكنه يعني فقدانه للاحتكار.
ثم جاء التطبيع العربي مع إسرائيل ليفرض تحولًا نوعيًا في المشهد.
لم تعد تل أبيب “العدو المشترك”، بل أصبحت جزءًا من النظام الإقليمي الجديد.
ومع تطبيع سوريا عبر حكومة أحمد الشرع، والتنسيق الأمني المصري– الإسرائيلي– الأردني–السعودي، أصبحت وظيفة المقاومة عبئًا سياسيًا، لا أحد مستعد لتبنيه.
حتى إيران نفسها باتت تتحرك عبر الدبلوماسية والاقتصاد في بيروت، لا عبر البنادق والصواريخ وحدها.
… بلا ضجيج
السلاح لم يُسلَّم، لكنه جُمد.
الخطاب لم يتغير، لكنه كُفَّ عن التوسع.
النفوذ لم يُسحب، لكنه أُعيد ترسيمه.
وهكذا، يتحول الحزب إلى فاعل احتياطي في مشهد، تطبعه واشنطن، وتباركه تل أبيب، وتديره طهران بحذر.
الأخطر أن هناك بوادر إعادة هندسة للمشهد الشيعي ذاته، فبدلاً من المواجهة المباشرة مع الحزب، بدأت بعض الأطراف الإقليمية والدولية في تبني مسار “البديل الشيعي الناعم “:
شخصيات علمانية شيعية، قوى محلية تنادي بدولة مدنية، منابر إعلامية ناطقة باسم بيئة الجنوب، لكنها لا تردد شعارات “الموت لأمريكا”، وجمعيات تنموية تحل تدريجيًا محل شبكات الحزب الاجتماعية، ولا يعني هذا تفكيك نهائي بيد إيران، بل حزب مسلح جاهز للاستدعاء وقت الحاجه، لكنه غير مفعل، مجرد لاعب جزئي في مشهد لا يشبهه.
الضربات الإسرائيلية: تفكيك الرأس لا الذراع
في العقدين الأخيرين، شكّلت إسرائيل معادلة جديدة في صراعها مع حزب الله، تقوم على الضربات المحسوبة لا الحرب المفتوحة، وعلى استهداف “الرأس” دون تدمير الذراع كاملاً.
فمنذ ما بعد حرب 2006، بدا أن تل أبيب تخلّت عن منطق المواجهة الشاملة، وركّزت على تفكيك قدرات الحزب ببطء، لكن بثبات.
الاغتيالات كاستراتيجية
جاءت الاغتيالات كأداة رئيسية في هذه المقاربة، واستهدفت قيادات محورية في الحزب.
هذه الاغتيالات لم تُضعف الجبهة فقط، بل أربكت بُنية القيادة العسكرية داخل الحزب، خصوصًا مع تقلّص الخيارات القيادية القادرة على الجمع بين الخبرة والشرعية الميدانية.
الضربات الذكية والمركزة
إلى جانب الاغتيالات، كثّفت إسرائيل ضرباتها لما تسميه “أهدافًا دقيقة”، شملت:
• مستودعات الأسلحة النوعية في الجنوب والبقاع.
• خطوط النقل والتخزين العابرة من سوريا.
• محطات المراقبة الجوية والاتصالات الخاصة بالحزب.
والأهم، أن إسرائيل باتت تنفّذ هذه الضربات علنًا، وتعلن مسئوليتها عنها، دون خشية من الرد، ما يعكس ثقتها في محدودية قدرة الحزب على التصعيد.
مع حماس… من “وحدة الساحات” إلى الانفصال المرحلي
لعبت العلاقة بين حزب الله وحركة حماس دورًا مركزيًا في فكرة “وحدة الساحات”، والتي تم الترويج لها بعد معركة “سيف القدس” 2021 .
لكن الواقع لم يكن دائمًا كما يُروّج.
فعلى الرغم من الزيارات المتكررة لقادة حماس إلى بيروت، وظهورهم بجانب نصر الله، فإن الحزب لم يدخل أي معركة فعلية إلى جانب حماس.
.
حتى بعد اندلاع حرب غزة 2023، بقيت جبهة الجنوب اللبناني مشتعلة ضمن ضوابط محددة، ولم تنزلق إلى حرب شاملة.
اللافت أن حماس نفسها بدأت تتحدث عن “خصوصية الساحة اللبنانية”، ما يعني عمليًا فك الارتباط..
أوروبا وروسيا… غموض موقف الحلفاء
في لحظة تبدو فيها واشنطن أكثر حسمًا تجاه مستقبل الحزب، تسود حالة من الغموض في مواقف كل من روسيا وأوروبا،
روسيا لطالما تحالفت ميدانيًا مع إيران وحزب الله في سوريا، لكنها منذ عام 2022 بدأت تنسحب تدريجيًا من تغطية عمليات الحزب، ورفضت أي تصعيد غير منضبط على الحدود الإسرائيلية.
وفي أكثر من محطة، ظهر تمايز روسي عن إيران في التعامل مع الملف اللبناني، إذ فتحت موسكو خطوط اتصال مستقلة مع الجيش اللبناني ومؤسسات مدنية
أوروبا
• تنقسم المواقف الأوروبية تجاه الحزب.
فرنسا– مثلًا– لا تزال تُبقي على قنوات تواصل معه من باب “التوازن الطائفي”، بينما تسير ألمانيا وهولندا نحو اعتبار الحزب كله (بجناحيه السياسي والعسكري) منظمة إرهابية.
هذا الانقسام يعكس ترددًا أوروبيًا، لكنه يفتح الباب أمام تغييرات مستقبلية أكثر تشددًا.
داخل البيئة الشيعية: سؤال التمثيل القادم
مع تراجع حضور الحزب، بدأت تساؤلات تخرج من داخل البيئة الشيعية نفسها:
• من يمثلنا إن اختفى الحزب؟
• هل يمكن لقوة مدنية شيعية أن ترث دوره؟
• وماذا عن الحوزات المستقلة؟ وعن النخب التي لم تعد تؤمن بـالسلاح أولًا؟
في الجنوب اللبناني، بدأت نخب جامعية، وبلديات محلية، وشخصيات دينية مستقلة، في طرح بدائل علنية.
حتى في الضاحية، ظهرت أصوات نقدية، ترفض احتكار الحزب للقرار، وترفض تسخير الطائفة لمعادلات خارجية.
الأهم أن السردية الشيعية بدأت تنكسر، وتحل محلها تعددية في الخطاب، تُعيد الشيعة إلى قلب الدولة، لا على هامشها.
تحديث للتطورات– يوليو 2025
في سياق كتابة هذا الملف، ورد عبر شبكة “سكاي نيوز عربية” تقرير يفيد بأن إيران استأنفت عمليات تهريب الأسلحة إلى أذرعها في المنطقة، ومن بينهم حزب الله، عبر مسارات تمرّ من سوريا والعراق.
ويبدو أن هذا التحرك يأتي كرد فعل مباشر على الضربات المتكررة التي طالت مخازن الأسلحة والقيادات الميدانية، خاصة في الجنوب اللبناني وداخل العمق السوري.
هذا التطور يعكس أمرين متوازيين:
أن إيران لا تزال ترى في حزب الله ذراعًا قابلة للاستثمار الميداني، إن لزم الأمر، حتى وإن تراجع دوره السياسي في لبنان أو تآكل حضوره في سوريا.
أن الحزب نفسه لم يعد يتمتع بالقدرة اللوجستية القديمة، ولا بخطوط إمداد محمية، بل أصبح جزءًا من شبكة تهريب لا من منظومة مستقلة.
اللافت أن التهريب– الذي طالما استخدم كأداة سرية للتوسّع– بات اليوم يُعلَن عنه في الإعلام، ما يعني أن فاعليته تقلّصت، أو أن الطرف المقابل (إسرائيل/ الولايات المتحدة) يسمح له بالحدود التي تضمن استمرار السيطرة دون الانفجار.
وعليه، فإن هذا الخبر لا يتعارض مع استنتاجات المقال، بل يعزّزها:
فـحزب الله يُعاد تموضعه، لا ليُعيد الهيمنة، بل ليبقى على قيد الحياة كلاعب ثانوي احتياطي، بعد أن فُكّكت بنيته المركزية، وسُحب منه وهج المبادرة.
حزب الله لم يُهزم عسكريًا… لكنه يُفكك سياسيًا واجتماعيًا وأيديولوجيًا
وإذا استمرت المعادلات الحالية على هذا النحو، فلن نكون أمام “سقوط الحزب”، بل أمام تحويله إلى ظلٍ من ذاته… يحتفظ بالسلاح، ويفقد المشروعية.
أما الصيغة الجديدة للشيعة في لبنان وسوريا، فقد بدأت تتشكل بهدوء… بعيدًا عن الخطابة، وأقرب إلى هندسة دقيقة تقودها مصالح القوى الكبرى، لا شعارات العقائد
المصادر
- Council on Foreign Relations (CFR)
o “What Is Hezbollah?” – Updated October 2024
https://www.cfr.org
(تحليل شامل عن نشأة الحزب، بنيته، تمويله، وسياسته الإقليمية) - Vox – “The conflicted history of Israel, Lebanon, and Hezbollah”
http://o www.vox.com - (عرض زمني للحروب الثلاثة الكبرى ودور الحزب ما بعد 2006)
- The National – Beirut bureau reports & interviews (2023–2024)
o تغطية ميدانية للتوتر في الجنوب ومواقف الشارع اللبناني - Al Jazeera Centre for Studies
o “Hezbollah in Syria: From Resistance to Intervention,” 2022
o تحليل حول مشاركة الحزب في الحرب السورية وتداعياتها الإقليمية - Carnegie Middle East Center – Lina Khatib & Joseph Bahout
o “The future of Hezbollah in Lebanon’s fragile state”
(تحليل لتآكل شعبية الحزب وصعود البدائل الشيعية المدنية) - Synaps Network – Reports on Southern Lebanon and Hezbollah Networks
o دراسة ميدانية عن التحولات الاجتماعية في الجنوب اللبناني - International Crisis Group (ICG)
“Counting the Costs of Hezbollah’s Military Role.
.
.
.
.
.