بعد طرح وزارة المالية صكوكا إسلامية في يونيو الماضي، تعتزم الوزارة العودة مجددًا لإصدار صكوك كأحد وسائل سد الفجوة التمويلية الكبيرة في الموازنة العامة للعام المالي الحالي 2025/ 2026، التي تبلغ 3.6 تريليونات جنيه.

وقال أحمد كجوك، وزير المالية، في جلسة نقاشية حول «تعزيز دور القطاع الخاص» بالجمعية المصرية البريطانية للأعمال بلندن أخيرًا، إن الوزارة تدرس العودة مرة أخرى لإصدار الصكوك، بعدما نجحت في الطرح الأخير الذي اكتتب فيه بالكامل “بيت التمويل الكويتي”.

أضاف كجوك، أن الحكومة تعمل على استراتيجية متكاملة لتحسين مؤشرات المديونية الحكومية، والحفاظ على ثقة المستثمرين، بجانب الاهتمام بتنويع مصادر وأدوات وأسواق التمويل لتلبية احتياجات الموازنة بأقل تكلفة.

يقصد وزير المالية بتنويع مصادر الدين إصدار صكوك إسلامية وسندات دولية، وكذلك سندات في السوق الصينية باليوان “باندا”، وسندات للتنمية المستدامة المتعلقة بمشروعات ذات بعد بيئي، بدعوى إطالة مدى الدين من قصير الأجل لمتوسط الأجل، ما يقلل العبء المالي على الوزارة.

الصكوك وسيلة لتنويع مصادر الدين

أصدرت وزارة المالية، في يونيو الماضي، الإصدار الثاني من الصكوك السيادية، المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية بقيمة مليار دولار في صورة طرح خاص، بكوبون سنوي بقيمة 7.875% لأجَل ثلاث سنوات؛ مستهدفة المستثمرين الرافضين للفائدة التقليدية والراغبين في العمل بآليات، تتوافق مع الشريعة.

كان أول إصدار للصكوك الإسلامية السيادية في مصر خلال فبراير 2023 بقيمة 1.5 مليار دولار، والذي شهد إقبالًا ملحوظًا، حيث بلغت طلبات الاكتتاب نحو 1.6 مليار دولار، بما يعني تغطية الاكتتاب بأكثر من أربع مرات، وتقدم أكثر من 250 مستثمرًا بمختلف أسواق المال العالمية.

مع إصدار الصكوك الإسلامية، تستهدف وزارة المالية إصدار سندات دولية بقيمة 4 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي 2025- 2026، بهدف العمل على تنويع مصادر التمويل.

وجمعت الوزارة في يناير الماضي ملياريّ دولار من إصدارها من سندات دولية، وتم الإصدار على شريحتين، الأولى بقيمة 1.25 مليار دولار لأجل خمس سنوات بعائد 8.625%، وبلغت قيمة الشريحة الثانية 750 مليون دولار لأجل 8 سنوات بعائد 9.45%.

فجوة تمويلية كبيرة

يأتي الحديث عن الصكوك الجديدة والسندات الدولية بعد 20 يومًا فقط من بدء الموازنة العامة الجديدة للدولة 2025/2026 التي تشهد فجوة تمويلية بقيمة 3.6 تريليونات جنيه، وهي مبالغ تستهدف وزارة المالية توفيرها لتغطية عجز الموازنة، وسداد القروض.

يصل العجز الكلي للموازنة العامة للدولة في العام الجديد نحو 1.5 تريليون جنيه، بينما من المقرر سداد أقساط قروض محلية وأجنبية بقيمة 2.08 تريليون جنيه، ليصبح المبلغ المراد تمويله من خلال الموازنة 3.6 تريليونات جنيه.

تستهدف الوزارة لمواجهة الفجوة الحصول على تمويل خارجي بقيمة 400.4 مليار جنيه، وداخلي بقيمة 3.1 تريليونات جنيه موزعة بين سندات خزانة بقيمة 768.5 مليار جنيه، مقابل 755.3 مليار جنيه في العام المالي الحالي.

وقال صندوق النقد، في تقرير له صادر أخيرًا، إن الحكومة المصرية نجحت في تأمين التزامات تمويلية مؤكدة، لتغطية احتياجاتها خلال 12 شهرًا، تنتهي في يناير 2026، بينها مليار يورو من الاتحاد الأوروبي في ديسمبر الماضي، كجزء من حزمة تمويلية إجمالية، تبلغ 5 مليارات يورو.

أضاف الصندوق، أن دول الخليج ملتزمة بعدم سحب ودائع رسمية بقيمة 18.3 مليار دولار من البنك المركزي المصري حتى نهاية برنامج “تسهيل الصندوق الموسع” في أكتوبر 2026، في خطوة تعزز استقرار الاحتياطي الأجنبي، فدول الخليج تعهدت، بأن أي استخدام لهذه الودائع لشراء أصول يجب أن يتم، بحيث تبقى عائدات تلك العمليات ضمن الاحتياطي الأجنبي للبلاد.

ارتفاع الدين.. كيف السيطرة؟

في ظل الفجوة التمويلية ومطالب صندوق النقد، تظهر أهمية الصكوك بالنسبة لوزارة المالية؛ لأنها تعتمد على تحويل جزء أو مجموعة من الأصول المحددة غير السائلة، والمُدِرة للدخل، والتي تكون مملوكة للمؤسسة أو الدولة، إلى أوراق مالية، تقوم على الشراكة في منافع هذه الأصول خلال فترة زمنية محددة، وبعد انتهاء مدة الصك الأصل_ مثل الأرض) ترجع ملكيتها للدولة، مثلما كانت؛ لأن المستثمر علاقته بها انتفاع فقط، وليس شراء أو امتلاك.

وقال مسئول بوزارة المالية، إنها تتعامل بمرونة واستباقية في إدارة الدين الخارجي؛ للحد من المخاطر، وتستهدف استمرار خفض الدين الخارجي لأجهزة الموازنة من مليار إلى ٢ مليار دولار سنويًا، بجانب إطالة ومد آجال الاستحقاق وتقليل الاعتماد على أدوات التمويل قصيرة الأجل، مع التوسع في الأدوات التمويلية طويلة الأجل؛ لتخفيف العبء على الموازنة وتعزيز الاستدامة المالية.

أضاف أن الوزارة تستهدف في الموازنة الحالية تحقيق عدة أهداف، ومنها دعم الحماية الاجتماعية وخفض الدين والعجز الكلي، ونمو الإيرادات لتكون أعلى من المصروفات من خلال التركيز على الاحتياجات الأساسية، ووضع سقف للاستثمارات العامة.

لكن صندوق النقد الدولي توقع، أن يرتفع الدين الخارجي لمصر من 162.7 مليار دولار في 2024 – 2025 إلى 202 مليار دولار بحلول  2029 – 2030، وحثّ الصندوق الوزارة على توسيع القاعدة الضريبية، والتخلص التدريجي من الدعم غير الموجه، وزيادة الرقابة على الجهات غير المدرجة في الموازنة، مثل الهيئة المصرية العامة للبترول وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.

رغم وضع الحكومة سقفًا للاستثمارات العامة، لكن صندوق النقد قال إن اعتماد مصر على نموذج النمو الذي تقوده الدولة، والذي يركز على المشروعات الضخمة والاستثمار العام، يحد من توفير فرص العمل، ويخنق القطاع الخاص في بيئة عالمية متقلبة على نحو متزايد.

بيع الأصول.. مصدر تمويلي

توقع الصندوق، أن تحقق الحكومة المصرية إيرادات بقيمة 3 مليارات دولار من برنامج بيع الأصول خلال العام المالي 2025- 2026، ومبلغ 2.1 مليار دولار في العام المالي 2026- 2027.

بحسب مسئول وزارة المالية، فإن الوزارة لديها خطة بالفعل لطرح الأصول خلال العام المالي الحالي لا تستهدف طرح الأصول الإنتاجية، ولكن الاستغلال الأمثل للأراضي الفضاء والمباني القديمة لتحقيق أعلى عائد، مضيفا أن دور الدولة ليس إدارة الأصول العقارية، لكن ضمان تعظيم العائد عليها بالتوسع في المشاركة مع القطاع الخاص.

تستهدف وزارة المالية استمرار توجيه الفائض الأولي، وتحويل نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي من عائدات التخارج من الأصول إلى الموازنة لخفض دين أجهزة الموازنة، بمبلغ يتراوح بين ٢٠ – ٢٥ مليار جنيه سنويا، وبحسب خطة الوزارة، فإنها تستهدف أيضًا، خفض فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة ليصل إلى ٤٢.٦% من المصروفات العامة في عام ٢٠٢٧/٢٠٢٦، وذلك ضمن استراتيجية متكاملة لوضع معدل الدين في مسار نزولي.

لكن الخبير الاقتصادي هاني توفيق، أبدى اعتراضه على سياسات الحكومة الحالية، وطالب بتحفيز الاستثمار الخاص المصري قبل الأجنبي، والتشغيل والتصدير وسداد كرة الثلج المسماه بالديون، رافضًا أيضًا توقعات صندوق النقد حول ارتفاع الدين الخارجي في ٢٠٣٠، يرتفع إلى ٢٠٢ مليار دولار، مشددا على أن حل المشكلة الاقتصادية في يد المصريين فقط.