يترقب مجتمع الأعمال في مصر إطلاق وثيقة السياسات الضريبية قبل نهاية العام الحالي، بعد ولادة متعثرة، امتدت لنحو 3 سنوات، لوثيقة استثمارية مهمة، تُحدد سياسات الدولة لمدة 5 سنوات مقبلة.

كانت الحكومة قد كشفت النقاب لأول مرة عن إعدادها وثيقة للسياسة الضريبية للمرة الأولى في يناير 2023، وقيل حينها، إنها تضمن تعديلات على ضريبة أرباح رأس المال وضريبة الدخل، ووعدت الوزارة حينها بإطلاقها خلال أسابيع، لكن ذلك لم يحدث.

في منتصف العام الماضي، أكد الدكتور محمد معيط، وزير المالية السابق، أن الوثيقة ما زالت تحت الدراسة المتأنية من قبل لجنة عليا تعدها بوزارة المالية، حتى تُعبِّر عن مستهدفاتها خلال ست سنوات، مضيفًا أنها تعكف على وضع اللمسات الأخيرة قبل الإطلاق للحوار المجتمعي خلال أسابيع، وهو ما لم يحدث أيضًا.

كان يُفترض بدء تطبيق الوثيقة للفترة من “٢٠٢٤/ ٢٠٣٠” لكن مرّ على تلك الفترة عام ونصف، وبررت الوزارة ذلك، بأنها تدرس كل التجارب الدولية المتميزة في ترسيخ استقرار السياسات الضريبية؛ لتحسين مناخ الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات.

ظل الملف راكدًا، ورحل د. محمد معيط عن وزارة المالية، ليتولى منصبا قياديا في صندوق النقد الدولي، وخلفه نائبه د. أعلن أحمد كجوك، وزير المالية، الذي قال، إن الوزارة ستطلق وثيقة السياسات الضريبية قبل نهاية العام الحالي 2025.

أضاف كجوك، خلال مؤتمر مجلس الأعمال المصري الكندي قبل أيام، أن الوزارة وصلت لمراحل متقدمة بالإعداد، والوثيقة تخص خمس سنوات مقبلة دون ضرر على تنافسية الاقتصاد، وتتضمن مستهدفات واضحة مدرجة بالوثيقة على المدى المتوسط.

الوثيقة تستهدف تحقيق العدالة الضريبية

بحسب وزارة المالية، فإن الوثيقة تستهدف تحقيق العدالة والكفاءة والكفاية الضريبية وسهولة التطبيقُ، وخلق درجة عالية من وضوح الرؤية للمستثمرين سواء المحليين أو الأجانب بخصوص السياسات الضريبية المستقبلية.

كما تستهدف زيادة قدرة المستثمرين على بناء الخطط المستقبلية لاستثماراتهم في مصر وبناء نماذج التنبؤ، ودراسات الجدوى الاستثمارية للمشروعات بشكل أفضل وبدرجة عالية من اليقين الضريبي.

الصيغة الأولى للوثيقة نصت على إبقاء السعر العام لضريبة الدخل على الشركات عند 22.5% وضريبة الدخل على الأفراد تصاعدية من صفر حتى 27.5% والسعر العام على القيمة المضافة 14%، بالإضافة إلى السلعة التي تخضع لضريبة الجدول والتي تعفي من ضريبة القيمة المضافة، لكن لم تتضح حتى الآن التعديلات التي تم إجراؤها عليها.

تريد “المالية” من الوثيقة توسيع القاعدة الضريبية وتبسيط النظام الضريبي، ورفع كفاءة الإدارة وترشيد الإنفاق الضريبي، ووضع إطار زمني متوقع لتمرير أي إصلاحات جوهرية متفق عليها ولازمة للإصلاح الضريبي.

يقول مسئول بالمالية، إن وثيقة السياسات الضريبية تستهدف أربعة عناصر، أولها، رفع كفاءة الإدارة الضريبية من خلال التحول الرقمي، والذي يشمل الميكنة الشاملة لجميع الأعمال الضريبية، والثاني، هو توسيع القاعدة الضريبية وضم الاقتصاد غير الرسمي، والثالث، هو زيادة معدلات الحصر وترشيد الإعفاءات والفاقد الضريبي، والرابع هو الضرائب على التجارة الإلكترونية وضرائب الكربون والتغيرات المناخية.

أشار إلى أن الهدف من الوثيقة هو السماح بمهلة كافية عند صدور التعديلات التي تتيح للمجتمع التكيف والاستجابة للإصلاح، عوضًا عن سريان التشريعات أو التعليمات من اليوم التالي للنشر، كما تتضمن فتح قنوات وتأصل مستمرة مع مجتمع الأعمال لضمان الاستقرار في التطبيق، خاصة من خلال الدور الأساسي للمجلس الأعلى للضرائب.

تأجيل الوثيقة.. دور كبير لصندوق النقد الدولي

يربط البعض بين تأجيل إطلاق الوثيقة واشتراطات صندوق النقد الدولي، فيما يتعلق بسياسة الإعفاءات الضريبية، إذ قال الصندوق في أكثر من مراجعة له، أن على الحكومة المصرية تبسيط إجراءاتها الضريبية والجمركية وتوسيع قاعدتها الضريبية.

وفي ظل تأكيد الوثيقة على الدخول في حوار مجتمعي قبل إجراء أي تعديل، أو تمرير لأي إصلاح بوقت كافٍ، بما يعكس وجهة نظر مجتمع الأعمال في التعديلات مع تجنيب التغييرات الطارئة المفاجئة في السياسات الضريبية دون سابق تمهيد، وحوار مع المجتمع الضريبي بشأنها، فكان عدم إصدارها إلا بعد الاتفاق على جميع النقاط الضريبية العالقة “ضروري” لمنح وزارة المالية المرونة في التفاوض.

منذ الإعلان عن وثيقة السياسات الضريبية، أجرت وزارة المالية عددا من التعديلات الضريبية العامة العام الماضي، من ببنها تعديل قانون الضريبة على الدخل لرفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة 33% من 45 ألفا إلى 60 ألف جنيه، وفرض ضريبة تصاعدية على أي دخل يتجاوز 55 ألف جنيه، تصل إلى 27.4% على من يزيد دخله عن 1.2 مليون جنيه.

خلال العام الحالي، تم تعديل بعض أحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية لزيادة حد الإعفاء الضريبي للعقارات المبنية والوحدات التي يتخذها المكلف سكناً خاصاً له ولأسرته، إذ زاد صافي القيمة الإيجارية من 24 ألف جنيه إلى 50 ألف جنيه.

وفي يوليو الحالي، أجرت وزارة المالية بعض التعديلات في ضريبة القيمة المضافة، تتضمن إخضاع “المقاولات” للسعر العام للضريبة (14%)، بدلاً من ضريبة جدول بنسبة 5%، مع السماح بخصم الضرائب على المدخلات، ما قد يؤدي إلى خفض تكلفة الخدمة.

تضمنت التعديلات إخضاع الوحدات الإدارية ذات الطابع التجاري، مثل المولات لضريبة بنسبة 1% من القيمة البيعية أو الإيجارية، بينما تظل الوحدات في الأماكن العادية معفاة، وكذلك إخضاع البترول الخام لضريبة جدول بنسبة 10%، على أن تتحمل الهيئة العامة للبترول هذه التكلفة ضمن ميزانيتها.

وشملت أيضًا تعديل شرائح الضرائب وزيادة الضريبة القطعية على السجائر بـ50 قرشاً فقط لأول مرة منذ 2023، مع اعتماد نظام تصاعدي للمشروبات الكحولية، حسب نسبة الكحول.

رفع نسبة الضرائب للناتج المحلي

تعتمد الموازنة العامة للدولة في تمويلها بشكل رئيسي على الإيرادات الضريبية، التي تتراوح بين 70 و80% من إجمالي الإيرادات العامة للحكومة المركزية، لكن “المالية” ترى، أن نسبة الإيرادات الضريبية للناتج المحلي لا تظل منخفضة، إذ تبلغ 12.5% مقابل 16% متوسط القارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية التي تبلغ حوالي 20.9%.

وأقرت الحكومة أخيرًا نظامًا جديدا للضرائب، تضمن إلغاء الفحص الضريبي لمدة خمس سنوات، وعدم المطالبة بأي مستحقات ضريبية عن الفترات السابقة على التسجيل، وتقديم إقرارات ضريبة الدخل وفقًا لنسبة ثابتة، تتراوح بين 0.4% حتى 1.5% من رقم الأعمال السنوي.

ويقول المحاسب عبد الخالق محمد، الخبير الضريبي، إن التسهيلات الضريبية الأخيرة تتضمن تحفيزا للشركات الصغيرة على التسجيل، وزيادة مساهمة القطاع غير الرسمي في الإيرادات الضريبية، لكن تواجه تحديا، يتمثل في ضمان التزام هذه الشركات بالقوانين الضريبية على المدى الطويل، وتجنب عودتها للاقتصاد غير الرسمي عند انتهاء فترة الإعفاءات.

ويطالب عبد الخالق الحكومية بإدخال نظام ضرائب تصاعدي أكثر عدالة، لضمان تحمل أصحاب الدخل الأعلى الجزء الأكبر من العبء الضريبي، وزيادة الإعفاءات الضريبية للقطاعات الحيوية مثل، التعليم والصحة والتكنولوجيا وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الضرائب لتحسين الكفاء وتقليل الفساد.

تغير التكاليف يسبب أزمة للمشروعات

يشكو المستثمرون من التغييرات الضريبية المستمرة في مصر؛ لأن تغير التكاليف المفاجئ قد يسبب أزمة للمشروعات، فمعروف أن الضرائب تؤثر على الميل للاستثمار من خلال تأثيرها على الكفاية الحدية لرأس المال، أي من خلال تأثيرها على معدل الأرباح، فكلما زادت فرص الربح، يزيد الميل للاستثمار، وينخفض مع انخفاضها.

عندما تفرض الضريبة على قطاع معين بمعدل منخفض، فإن المستثمرين يوجهون استثماراتهم إليه للحصول على أرباح أكبر، والعكس صحيح. وتمثل الضريبة وسيلة فعالة لمنع توظيف الأموال في القطاعات الخاضعة لمعدل ضريبي مرتفع، وتستخدمها الحكومات لتوجيه الاستثمار نحو مجال دون آخر وفق خطط الدول الاقتصادية، ولذلك تستخدم الدول الحوافز لجذب الاستثمار.

د. زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية، قال إن مصر تتميز بانخفاض نسبي في معدلات ضريبة الدخل مقارنة بالعديد من الدول، إلا أن هناك تحديات حقيقية تواجه المستثمرين، من أبرزها ضرورة وضوح الرؤية منذ بداية المشروع، فيما يتعلق بالرسوم والضرائب المتوقعة.

كما قال بهاء الدين، إن وضوح الرؤية يُمكن المستثمر من التخطيط السليم لمستقبله، مشدًدا على أهمية أن تكون الإعفاءات الضريبية محددة المدة، ولها أهداف واضحة، وألّا تُجدد تلقائيًا، دون تقييم أثرها ونتائجها.