تتواصل الهجمات المسلحة التي تشنها قوات الدعم السريع على قرى ومناطق واسعة من ولايات كردفان، في موجة مستمرة من العنف، تستهدف المدنيين بصورة مباشرة، وتمثل امتدادًا متوقعًا لطبيعة النزاع الذي دخل عامه الثالث. في الأيام القليلة الماضية، تواصلت وتيرة الاعتداءات في غرب وشمال وجنوب كردفان، ضمن سباق محموم للسيطرة الميدانية قبيل اجتماع المجموعة الرباعية الدولية المعنية بالأزمة في السودان ((أمريكا والسعودية ومصر والإمارات)) المقرر غدا في واشنطن، وبعد إعلان تشكيل حكومة موازية تحت سيطرة الدعم السريع في السادس والعشرين من يوليو الجاري.

في قرى شمال مدينة النهود بولاية غرب كردفان، قُتل ما لا يقل عن 42 شخصًا؛ نتيجة هجمات متكررة، نفذتها قوات الدعم السريع الأربعاء والخميس 23 و24 يوليو 2025. تركزت الهجمات على قرية بريمة رشيد، حيث سقط فيها 32 شهيدًا، وأُصيب العشرات بجروح متفاوتة، بينهم نساء وأطفال، كما طالت الهجمات قرى مجاورة مثل أبوسيميته. وأسفرت عن استشهاد 35 مواطنًا حتى مساء الأربعاء. واجه السكان الهجمات بمقاومة محلية، قبل أن تسيطر القوات على المنطقة.

مشاهد أثناء الهجوم على قرية بريمة رشيد
مشهد أثناء الهجوم على قرية بريمة رشيد
مشاهد أثناء الهجوم على قرية بريمة رشيد
مشهد أثناء الهجوم على قرية بريمة رشيد

مشاهد أثناء الهجوم على قرية بريمة رشيد

وفي شمال كردفان، استهدفت طائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع صباح الأربعاء 25 يوليو 2025 مبنى قسم الشرطة في محلية أم دم حاج أحمد بولاية شمال كردفان، فجُرّف المبنى بالكامل، واحترقت مرافقه، بينما أصيب عدد من المدنيين الذين تواجدوا قرب المكان بجروح متفاوتة، رغم غياب أي وجود عسكري أو اشتباكات توحي بوجود هدف قتالي. وفي واقعة أخرى على طريق دونكي الأمين بين ولايتي شمال كردفان والنيل الأبيض، هاجمت طائرة مسيّرة أخرى مركبات مدنية، تقلُّ نازحين من محلية أم دم حاج أحمد في طريقهم إلى مدينة الدويم، مما أسفر عن مقتل ثلاثة مواطنين وإصابة سبعة آخرين.

مشاهد أثناء الهجوم على قرية بريمة رشيد
صورة من عربة المواصلات المستهدفة- منطقة دونكي الأمين
صورة من عربة المواصلات المستهدفة - منطقة دونكي الامين
صورة من عربة المواصلات المستهدفة- منطقة دونكي الأمين

مشاهد لدمار قسم شرطة محلية ام دم حاج احمد
مشاهد لدمار قسم شرطة محلية أم دم حاج أحمد
مشاهد لدمار قسم شرطة محلية ام دم حاج احمد000
مشاهد لدمار قسم شرطة محلية أم دم حاج أحمد000

في ولاية النيل الأبيض، وتحديدًا بمدينة الدويم تصاعدت تحركات قوات الدعم السريع خلال الأيام الأخيرة، وشملت هجمات متفرقة على الأطراف الجنوبية وقرى الريف القريبة، حيث نفّذت العربات المسلحة عمليات تفتيش واقتحام واعتقالات عشوائية، ترافقت مع اعتداءات متكررة على المخازن والمرافق الزراعية. صباح 24 يوليو، استُهدفت المدينة بطائرة مسيّرة، وسقطت إحدى القذائف في مدرسة بحي السلام، فيما أطلقت المضادات الأرضية نيرانها من جهة مربع 22 غرب المدينة. هذه التطورات دفعت عددًا من الأهالي إلى النزوح الوقائي من بعض القرى والمناطق الطرفية، وسادت أجواء من الترقب والتوتر، أثّرت على النشاط اليومي بشكل ملحوظ، دون أن تصل إلى توقف كامل.

ما الذي يمكن أن تحققه الرباعية في ظل تعقيدات المشهد السوداني؟

يتزامن هذا التصعيد مع خطوات من قوات الدعم السريع لإضفاء طابع سياسي على سيطرتها الميدانية، تمثّلت مؤخرًا في إعلان حكومة مدنية اسمًا، مفروضة واقعًا تحت تهديد السلاح. غير أن الواقع الميداني يكشف أن ما يجري هو فرضٌ بالقوة لمنظومة، تفتقر للشرعية، وتتغذى على الانتهاكات بحق المجتمعات الضعيفة دون أي التزام بمبادئ الحكم الرشيد أو وحدة الدولة.

في المقابل، تُظهر المناطق التي استعادت تماسكها بعد خروج الدعم السريع منها، لا سيما في معظم أجزاء العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة ملامح لاستعادة تدريجية لمؤسسات الدولة مع جهود لإصلاح البنية التحتية، وعودة المرافق الحيوية إلى العمل وتدفق مئات النازحين واللاجئين إلى منازلهم. ويبرز في هذه المناطق توجه واضح نحو بسط الأمن وحظر مظاهر الفوضى، بما في ذلك نزع السلاح حتى من المجموعات المتحالفة مع الجيش، في خطوة تستبطن إرادة وطنية لإعادة هيبة الدولة وإنفاذ القانون على الجميع دون استثناء.

إن ما يجري اليوم ليس تحولًا جديدًا، بل استمرار لمنهج معتمد لدى الدعم السريع منذ اندلاع الحرب: السيطرة بالنار وتكريس الهيمنة العسكرية عبر المجازر والانتهاكات الجماعية بحق المدنيين في محاولة لخلق واقع ميداني قبيل بلورة أي تسوية محتملة. وفي هذا السباق، تبقى مناطق كردفان الأكثر هشاشة، والأشد عرضة للاجتياح، باعتبارها نقطة تماس استراتيجي بين مناطق النفوذ.

اجتماع الرباعية المرتقب غدا، يأتي في لحظة فارقة في ظل سباق واضح بين أطراف الصراع لفرض وقائع جديدة قبيل انعقاده. لا يُنظر للاجتماع كمبادرة قادرة على إنهاء الحرب بشكل جذري، بل كآلية لتقليص آثارها وضبط تمددها، خاصة في ظل غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف المتصارعة وتضارب المصالح بين القوى الدولية الفاعلة.

إعلان الدعم السريع عن حكومة موازية بالتوازي مع تصعيد عسكري في كردفان، يعكس مسعى لفرض أمر واقع سياسي على المجتمع الدولي، وإبراز النفس كطرف متحكم بالميدان. في المقابل، تسعى الحكومة السودانية المدعومة من الجيش إلى تأكيد شرعيتها من خلال ضبط الأوضاع في المدن الكبرى، وإعادة مؤسسات الدولة للعمل، بما يعيد للداخل والخارج صورة الدولة الواحدة القادرة على بسط سلطتها واستيعاب الجميع تحت مظلة القانون.

الاجتماع المرتقب للرباعية، يُنتظر منه تحقيق الحد الأدنى الممكن: وقف تمدد الحرب، منع ترسيم الانقسام، وفرض تهدئة مؤقتة في الجبهات الأخطر، خاصة تلك التي تهدد بانزلاق السودان إلى سيناريوهات إقليمية معقدة. كما يوفر الاجتماع فرصة لتبادل الرسائل بين اللاعبين الدوليين، خصوصًا بين الولايات المتحدة والإمارات، مع محاولة لصياغة إطار تنسيقي جديد بعد تعثر مسار جدة.

لكن غياب أدوات ضغط فعالة واختلاف أولويات الأطراف، يجعل النتائج المحتملة محدودة أقرب إلى التهدئة المؤقتة منها إلى معالجة جذرية، ويبقى الأمل معقودًا على توافق إقليمي، يُعلي من أولوية استعادة الدولة، ويرفض مشاريع التفتيت، ويؤسس لمسار سياسي جامع، يحفظ وحدة السودان واستقراره، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو منطق فرض القوة.