رغم احتلال مصر المرتبة الأولى عالميًا في واردات القمح، من المتوقع ارتفاع صادراتها من الدقيق الأبيض بنسبة 20% في السنة التسويقية 2025/ 2026، لتصل إلى 1.7 مليون طن متري.
يأتي ذلك في ظل توجه جديد للحكومة لاستيراد منتجات خام وإعادة تصديرها مصنعة، في ظل الطلب القوي من الدول المتضررة من النزاعات بالشرق الأوسط وإفريقيا، التي تجعل قدرات الطحن المحلية بتلك الدول محدودة، وفق تقرير لدائرة الخدمات الزراعية الخارجية التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية بالقاهرة.
عززت مصر دورها كمورد رئيسي لدقيق القمح للأسواق المجاورة، بما في ذلك السودان وإريتريا واليمن والصومال وجيبوتي وسوريا والأراضي الفلسطينية، بسبب القرب الجغرافي وتوسع طاقة المطاحن المصرية.
يزيد عدد المطاحن بمصر عن 410 مطاحن مملوكة للقطاعين العام والخاص والمشتركة، بينها 156 مطحنًا منتجة للدقيق المدعم موزعة على 75 مطحنًا قطاع خاص و81 مطحنًا تابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية.
كما توجد مئات الشركات العاملة في مجال تعبئة الدقيق، والتي تشتري منتجات المطاحن عالية الجودة (فينو) في أجولة زنة 50 كيلو، وتعيد تعبئتها في عبوات بلاستيكية زنة 1 كيلو جرام، وعدد كبير منها ينشط في التصدير.
تصدير الدقيق.. قيمة مضافة
يقول الخبير الاقتصادي محمد النجار، إن مصر صدرت ١,١ مليون طن دقيق قمح بقيمة ٤٥٠ مليون دولار خلال عام 2024، مضيفًا أن ذلك التوجه جيد؛ لأنه يمثل قيمة مضافة للمواد الخام التي يتم استيرادها ثم إعادة تصديرها.
في 2024، استحوذ السودان على 47% من صادرات مصر من دقيق القمح بنحو 367 ألف طن بقيمة 211 مليون دولار، تلته مدغشقر بنسبة 14% من إجمالي الصادرات بإجمالي 103 آلاف طن بقيمة 40 مليون دولار، ثم الصومال بـ 56 ألف طن تعادل 60 مليون دولار.
واستوردت اليمن نحو 63 ألف طن دقيق مصري بقيمة 46 مليون دولار، تبعتها فلسطين بنحو 34 ألف طن بقيمة 54 مليون دولار، فجيبوتي بنحو 9 ملايين دولار، ثم تشاد بنحو 5 ملايين دولار، فالإمارات بقيمة مليون دولار، وكذلك غانا بمليون دولار.
تنامي كبير في الاستهلاك
من المتوقع، أن يبلغ إجمالي استهلاك مصر من القمح 20.4 مليون طن متري في موسم 2025/ 2026، بزيادة قدرها 1.5% عن العام السابق؛ نظرًا للنمو السكاني المطرد.
يُقدر إنتاج القمح المحلي في موسم 2025/ 2026 بنحو 9.3 مليون طن، بزيادة قدرها 1% عن العام السابق، مدعومًا بارتفاع أسعار المشتريات الحكومية وتوسع مساحات الزراعة.
تستهدف الحكومة توفير 8.5 مليون طن قمح في العام المالي الجديد 2025/ 2026 منها 7.9 مليون طن موجهة لرغيف الخبز التمويني، و560 ألف طن لدقيق المستودعات بإجمالي 116 مليار جنيه.
في الموازنة العامة للدولة للعام الحالي 2025 /2026، رفعت وزارة المالية سعر استيراد القمح المتوقع إلى 280 دولارا للطن مقابل 240 دولارا للطن العام الحالي.
كما وضعت ضمن الموازنة الحالية 44 مليار جنيه كاحتياطيات لمواجهة أية ارتفاعات في أسعار السلع المدعمة، خاصة القمح بنسبة تزيد 400% عن الاحتياطيات التي تم تخصيصها للعام المالي الماضي 2025/2024 الذي انتهي في 30 يونيو.
لكن وزارة الزراعة الأمريكية تتوقع، أن تبلغ واردات مصر من واردات القمح في موسم 2025/ 2026 نحو 13 مليون طن متري، ما يماثل أعلى مستوى قياسي مسجل خلال العام السابق، لتلبية برنامج دعم الخبز التمويني، وكذلك قطاع تصدير الدقيق المتوسع.
مطالبات بزيادة التصنيع بدلا من تصدير الحاصلات “خام”
وقال الخبير الاقتصادي محمد النجار، إن الحكومة عليها التوقف عن تصدير الخامات تمامًا والتركيز على تصدير المواد المصنعة، حتى لو كان الأمر تصنيع أولي.
فكرة القمح والدقيق كررتها الحكومة مع الأعلاف، مثل أعلاف أسماك وإضافات أعلاف، مع العديد من الدول، رغم أنها تحتل مرتبة متقدمة عالميا في واردات الذرة الصفراء وفول الصويا.
دخلت مصر سوق تصدير الأعلاف للمرة الأولى في التاريخ عام 2019، رغم أنها تستورد كميات من فول الصويا سنويًا، تقترب من 2.5 مليون طن سنويًا، ونحو 8 ملايين طن من الذرة الصفراء لتلبية احتياجات نحو 1100 مصنع، تعمل بمجال الأعلاف بالسوق المحلية.
وأكد المحلل المالي نادي عزام، أن تركيا تعتبر من أهم الدول في مضمار القيمة المضافة على القمح من أجل التصدير، إذ تسمح باستيراد القمح من أجل تصدير الدقيق، بجودة عالية وبأسعار تنافسية، وهناك الاتفاقيات التجارية بينها وبين العديد من الدول المجاورة لها بسبب ذلك.
أضاف عزام، أن التصنيع سواء للحاصلات المستوردة أو المحلية يرفع القيمة المضافة من المحاصيل الزراعية، ويقلل الفاقد، فضلاً عن أنه يشجع الاستثمار الزراعي، ويوفر فرص عمل جديدة، ويزيد من حجم الصادرات.
وقفزت صادرات مصر الزراعية إلى 8.6 مليون طن خلال عام 2024 لتسجل أعلى مستوى في تاريخها، بزيادة تتجاوز 1.2 مليون طن عن العام السابق.
وتطالب الدراسات بتسهيل إنشاء مجمعات صناعية، وحل العقبات التي تواجه الراغبين في الاستثمار في مجال التصنيع الزراعي، وفي مقدمتها توفير الأراضي اللازمة وتسهيل الإجراءات والسماح بتغيير الأنشطة غير المستخدمة حاليا إلى أنشطة مطلوبة حاليًا، وتشجيع المستثمرين الكبار والصغار على إنشاء مشروعات، تزيد القيمة المضافة على المنتجات الزراعية.