تهدف إدارة دونالد ترامب إلى إعادة هيكلة الشرق الأوسط في أعقاب الضربة الأخيرة على إيران، متبعة رؤية تركز على “السلام من خلال القوة” والاستناد إلي “التجارة، وليس الفوضى”. يتميز هذا النهج، بأنه عملي إلا إنه مزعزع للاستقرار، ويعطي الأولوية لتعظيم المزايا الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل.

يرى ترامب نفسه “صانع صفقات”، ويعتقد أن الضربات العسكرية توفر نفوذًا كبيرًا لتحقيق الأهداف الدبلوماسية، وخاصة لإجبار إيران على العودة إلى المفاوضات للتوصل إلى اتفاق شامل. تتضمن استراتيجيته استخدام القوة العسكرية الساحقة لتحقيق أهداف محددة وقابلة للتحقيق، مع تجنب التورط العسكري المطول و”الحروب التي لا تنتهي”. ويشمل ذلك الالتزام بتجنب جهود بناء الدولة وتحويل مسئولية الاستقرار الإقليمي إلى الشركاء المحليين.

وفي حين تراجعت القيمة الاستراتيجية لموارد الطاقة في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ بالنسبة للولايات المتحدة، إلا أن المنطقة حافظت على أهميتها لواشنطن، بل وأكثر من ذلك للإدارة الحالية. ويبدو- كما ذكر https://a7b4e4.emailsp.com/f/rnl.aspx/?fjd=vrspxy.-ge=tyah0=otqr/8-70.=:8d&x=pv&84591i&x=pp&rz&a1.-37c-207h=qtwoqNCLM

Med This Week | As Netanyahu-Trump Meeting Falls Flat, Gaza Talks Hinge on Doha Deadline

ماريو ديل- باحث أول مشارك بمعهد الدراسات السياسية الدولية- أن ثلاثة عوامل رئيسية تحدد الإجراءات الأمريكية الأخيرة في المنطقة، أولها التحالف بين حكومتي اليمين المتطرف في كلا البلدين. ولا يتعلق هذا بتلاشي “العلاقة الخاصة” بين الولايات المتحدة واسزائيل- حيث أصبحت أغلبية كبيرة من الناخبين الديموقراطيين، تنتقد إسرائيل بشدة- بقدر ما يتعلق بالتوافق الأيديولوجي والسياسي والاستراتيجي بين قيادات اليمين المتطرف في كلا البلدين، ثانيها الإيمان بهيمنة إسرائيل كطريق للاستقرار الإقليمي. ويبدو أن هناك قناعة بأن “إسرائيل الكبرى” المهيمنة، التي تحظى بدعم أمريكي ساحق، يمكنها فرض السلام والاستقرار في المنطقة من جانب واحد- مما يحد من نفوذ إيران، ويعزز رؤية ترامب الإمبريالية الجديدة للنظام العالمي. أما الدافع الثالث وراء الإجراءات الأمريكية فهو المصالح الاقتصادية للرئيس وعائلته، والتي تجلت بوضوح خلال زيارة ترامب الأخيرة للخليج.

تتضمن هذه الرؤية ردع الطموحات النووية الإيرانية. كان الهدف الأساسي المباشر لحرب الـ١٢ يوما، هو تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية ومنعها من الحصول على أسلحة نووية. أعلن ترامب أن المنشآت المستهدفة “مدمرة بالكامل” أو “مغلقة”، معتبرًا ذلك خطوة حاسمة ضد تهديد وجودي مُتصور.

لقد أثرت العمليات العسكرية بشكل كبير على ديناميكيات القوة الإقليمية، مما أدى إلى إعادة ترتيب كبيرة للمشهد الاستراتيجي.

إن الركيزة الأساسية لاستراتيجية ترامب الإقليمية الأوسع هي توسيع التطبيع الدبلوماسي بين إسرائيل والدول العربية، ولا سيما المملكة العربية السعودية، مع إمكانية إدراج عُمان وإندونيسيا وقطر وسوريا. ترى الإدارة الأمريكية أن وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن أمران حاسمان لدفع اتفاقيات التطبيع.

أظهرت الولايات المتحدة استعدادها لاستخدام القوة العسكرية الساحقة من جانب واحد لتحقيق أهداف محدودة، وخاصة باستخدام القنابل “الخارقة للتحصينات” التي تستهدف المواقع النووية الإيرانية، والتي وصفت بأنها “عرض استثنائي للقدرة العسكرية الأمريكية”. وقد أعاد هذا تأكيد نفوذ الولايات المتحدة، وأرسل إشارة ردع قوية للقوى المنافسة مثل، الصين وروسيا.

برزت إسرائيل بسمعة قوية كقوة عسكرية هائلة، حيث أظهرت قدرات عسكرية واستخباراتية كبيرة، بما في ذلك الاختراق العميق للأجهزة النووية والأمنية الإيرانية. يعتقد بعض المسئولين الإسرائيليين، أن هذا رفع إسرائيل إلى مرتبة متقدمة بين القوى العظمى في العالم.

يبدو أن هناك اعتقاداً، بأن “إسرائيل الكبرى” المهيمنة، بدعم أمريكي ساحق، قادرة على فرض السلام والاستقرار في المنطقة من جانب واحد.

لكن هل يمكن أن تكون إسرائيل قوة مهيمنة في المنطقة؟ وهل ستقبل القوي الإقليمية الرئيسية في المنطقة- كالسعودية وتركيا ومصر- في نهاية المطاف طموحات إسرائيل التوسعية؟ وهل يمكن توسعة اتفاقات إبراهام، بما يضمن اندماج إسرائيل في المنطقة بشكل طبيعي دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية؟ وأخيرا وليس آخرا، هل يمكن ردع الطموحات النووية الإيرانية، ونزع سلاح حزب الله، والقضاء على مجمل المقاومة في المنطقة؟

إسرائيل لا يمكن أن تكون قوة مهيمنة

بينما أظهرت إسرائيل قدرات عسكرية واستخباراتية فائقة، وحققت انتصارات تكتيكية ضد خصومها، إلا أن تحقيق هيمنة إقليمية حقيقية ومستدامة يمثل تحديًا كبيرًا .

هي تعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي من الولايات المتحدة، وتواجه صراعات إقليمية عميقة الجذور (وخاصة القضية الفلسطينية)، وعليها أن تتعامل مع مرونة خصومها وطبيعة الدبلوماسية الدولية غير المتوقعة. الوضع الحالي مع إيران “توقف هش ومؤقت” أكثر منه تحولًا جذريًا ودائمًا نحو الهيمنة الإسرائيلية.

إن قدرتها على تحقيق هيمنة حقيقية ودائمة، وكمسار مستدام للاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط ليست مضمونة على الإطلاق وتواجه العديد من التحديات المعقدة.

إن التفوق العسكري لإسرائيل يعتمد بشكل حاسم على تحالفها مع الولايات المتحدة، التي توفر لها المساعدات العسكرية والأسلحة والحماية الدبلوماسية.

إن عدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة في عهد الرئيس ترامب، يخلق حالة من عدم اليقين لكل من الحلفاء والخصوم. يشير بعض المحللين، إلى أن نهج ترامب “أمريكا أولاً” وسياسته الخارجية القائمة على المعاملات التجارية، تقوض التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد والأنظمة الدولية التعاونية، مما قد يؤدي إلى نظام دولي أكثر عدائية، حيث تتلاشى القوة الأمريكية.

كان من الممكن إلغاء “الضوء الأخضر” الأمريكي لعملية الأسد الصاعد، مما قد يؤدي إلى فشلها التام دون تدمير منشأة فوردو الإيرانية.

وعلى الرغم من الضربات الأخيرة، فإن الإرادة السياسية لإيران لمواصلة برنامجها النووي لا تزال “ثابتة”، ومن المرجح جدًا أن تعيد بناء قدراتها، ربما مع زيادة السرية. قد تؤدي الضربات بشكل متناقض إلى تسريع مساعي إيران نحو الحصول على الأسلحة النووية كرادع ضروري. يوصف قادة إيران، وخاصة المرشد الأعلى علي خامنئي، بأنهم عنيدون، ومن غير المرجح، أن يتفاوضوا من موقف ضعف. إن انعدام الثقة العميق لدى إيران تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي ينبع من الضربات العسكرية برغم التفاوض الذي كان جاريا، بالإضافة إلي أفعال سابقة مثل، انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، يعوق الحلول الدبلوماسية.

إن مدى الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني محل نقاش، حيث تشير بعض التقييمات إلى انتكاسة، تستغرق شهوراً فقط، وليس سنوات، فضلاً عن إمكانية قيام إيران بنقل أنشطتها إلى أماكن أبعد تحت الأرض.

القضية الفلسطينية غير القابلة للحل

تشكل القضية الفلسطينية عقبة رئيسية أمام توسيع اتفاقيات إبراهام وتحقيق السلام الإقليمي الأوسع. الشرط السعودي الثابت- حتى الآن- للتطبيع هو “التزام لا لبس فيه بإقامة دولة فلسطينية” بخطة واضحة. ومع ذلك، فإن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، المتأثرة بالعناصر المتطرفة، تعطي الأولوية للتفوق العسكري والطموحات في غزة والضفة الغربية على صفقة التطبيع مع المملكة العربية السعودية.

لقد أدى الصراع المستمر في غزة إلى تكثيف المشاعر السلبية تجاه إسرائيل في الدول العربية، مما يجعل من الصعب على قادة الخليج تطبيع العلاقات دون حل الدولتين. إن الفشل في التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في غزة والافتقار إلى الوضوح، فيما يتعلق بسيناريو “اليوم التالي”، يعوق بشكل كبير قدرة إسرائيل على تحقيق الهيمنة الإقليمية المستدامة في الشرق الأوسط.

إن الجهود الحالية لدمج إسرائيل في الإطار الإقليمي تشكل تحديًا لقادة الخليج، حيث قد يبدو أنهم يتحالفون مع دولة يُنظر إليها على نطاق واسع، على أنها تنتهك الحقوق العربية بشكل متكرر. كما أن الرأي العام في العالم العربي يرفض التطبيع بشكل متزايد مع تصاعد العدوان الإسرائيلي.

إن استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، وخاصة في ظل ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف، تعطي الأولوية للهيمنة العسكرية، باعتبارها المسار الوحيد للأمن، بهدف فرض “السلام بالقوة” وإبراز قدرة إسرائيل على الوصول إلى أي عدو.

وفي حين يحتفل البعض في إسرائيل بالانتصارات العسكرية، فإن التأثير طويل الأمد على أمن إسرائيل يظل سؤالاً مفتوحاً. في حين تدعي إسرائيل تحقيق “نصر” عسكري، فإنه يأتي بتكلفة باهظة، بما في ذلك الأضرار النفسية والجسدية الكبيرة التي تلحق بسكانها والضغط الاقتصادي الكبير. إن هذه التكلفة المستمرة تجعل النهج العسكري أولاً غير قابل للاستمرار في تحقيق الهيمنة طويلة الأمد.

يمكن أن تؤدي الإجراءات العسكرية الخارجية إلى حشد الدعم الوطني مؤقتًا حول نظام ما، كما حدث في إيران، بدلاً من إضعافه أو التسبب في تغيير داخلي. إن الانهيار المحتمل للنظام الإيراني، في حين أنه يمثل “سيناريو حلم” بالنسبة لإسرائيل، فإن دول الخليج تنظر إليه على أنه “كابوس”؛ بسبب خطر الفوضى والأزمات الإنسانية وتدفقات اللاجئين وانتشار المواد النووية.

يتفق الخبراء على نطاق واسع، على أن تغيير النظام المفروض من الخارج من غير المرجح، أن ينجح أو يمكن أن يؤدي إلى عدم الاستقرار.

أدى الفشل في تأمين إطلاق سراح جميع الرهائن وإنهاء الحرب في غزة من خلال وقف إطلاق نار دائم إلى استياء عام وتزايد الدعوات إلى استقالة نتنياهو داخل إسرائيل، مما يسلط الضوء على نقاط الضعف السياسية الداخلية التي تقوض رؤية استراتيجية موحدة وطويلة الأجل.

لم تقم إسرائيل بإنشاء كيان حكومي فلسطيني موثوق به لتولي المسئولية في غزة. لقد فشلت محاولات فرض قيادة خارجية أو خاضعة تاريخيًا، مما أدى إلى الفوضى وعدم الاستقرار وتأجيج صعود مقاومين جدد (كما حدث في أفغانستان والعراق). إن شرعية الحكم يجب أن تنبع من داخل المجتمع الفلسطيني نفسه.

من المرجح، أن تظل غزة، في غياب هيئة حاكمة شرعية وفعالة، مصدرًا لعدم الاستقرار، مما يدفع إسرائيل باستمرار إلى العمل العسكري، ويمنع تحقيق نوع الاستقرار الإقليمي الذي ترغب فيه الجهات الفاعلة الأخرى، وخاصة دول الخليج. وهذا من شأنه أيضاً، أن يعقد أية جهود لدمج غزة في الأطر الاقتصادية والأمنية الأوسع.

إن العمليات العسكرية الإسرائيلية المطولة في غزة والافتقار إلى أفق سياسي قد ألحقت ضرراً بالغاً بصورتها العالمية، مما أدى إلى زيادة الإدانة الدولية والاحتجاجات، وحتى تراجع الدعم من الحلفاء التقليديين مثل، الاتحاد الأوروبي. إن هذه العزلة الدبلوماسية تقوض عنصر “القبول” الضروري للهيمنة الإقليمية الحقيقية.

في جوهره، فإن ما قامت به إسرائيل من انتصارات عسكرية، وإن حقق القدرة على تحييد التهديدات المباشرة واستعراض القوة العسكرية، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة هيمنةً دائمة. إن عدم القدرة على حل صراع غزة سياسيًا وبناء مستقبل مستقر بعد الصراع هناك؛ يعزز الاعتقاد، بأن إسرائيل تعتمد على حلول عسكرية مؤقتة، بدلًا من استراتيجية شاملة لتحقيق السلام المستدام والتكامل الإقليمي. وهذا يؤدي إلى استمرار دورة العدوان الإسرائيلي/ المقاومة، حيث تظل إسرائيل قوة عسكرية هائلة، ولكنها تكافح من أجل تحقيق قيادة وقبول إقليميين. وحتى بعد إضعاف جماعات مثل حزب الله وحماس، فإن قدرة المنطقة على توليد مقاومة جديدة سوف تستمر، مما يشكل تهديدات وجودية لإسرائيل.

إن الانتهاك الملحوظ للقانون الدولي من خلال الضربات الأمريكية والإسرائيلية يشير إلى أن “الضعفاء فقط هم من يتبعون القواعد”، مما يقوض جهود الأمن الجماعي والإجماع الإقليمي.

الخلاصة: فرغم أن إسرائيل أظهرت قدرات عسكرية واستخباراتية مثيرة للإعجاب، وغالباً بدعم من الولايات المتحدة، وأضعفت خصومها بشكل كبير، فإن الاستقرار الإقليمي الحقيقي والدائم لا يمكن تحقيقه من خلال الهيمنة العسكرية وحدها. وبدلاً من ذلك، يتطلب الأمر معالجة القضايا السياسية العميقة الجذور، وتعزيز الحلول الدبلوماسية، والتوصل إلى حل شامل للصراع الفلسطيني، والتعامل مع الديناميكيات المعقدة للقوى الإقليمية الأخرى وأوضاعها الداخلية. “السلام” الحالي هش ومؤقت، وليس تحولًا جوهريًا نحو الاستقرار طويل الأمد.

لن تقبل السعودية وتركيا ومصر بطموحات إسرائيل التوسعية

لا تقبل المملكة العربية السعودية طموحات إسرائيل التوسعية، وقد وضعت باستمرار شروطًا واضحة لأي تطبيع أوسع للعلاقات مع إسرائيل.

إن العقبة الأهم أمام انضمام المملكة العربية السعودية إلى اتفاقيات إبراهام هي مطالبتها بالتزام لا لبس فيه بإقامة دولة فلسطينية. ويجب أن يستند هذا الالتزام إلى خطة واضحة ذات معايير قابلة للقياس، مشروطة بالإصلاحات الضرورية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية. حكومة نتنياهو، المتأثرة بالعناصر المتطرفة، تعطي الأولوية لاستمرار الحرب في غزة وضم الضفة الغربية على هذا الالتزام، وهو ما يتناقض بشكل مباشر مع الشروط السعودية.

إن المناقشات الجادة حول التطبيع لا يمكن أن تكون واقعية إلا بعد انتهاء حرب غزة بشكل كامل. بدون مسار موثوق لحل الدولتين، يظل السلام الإقليمي الأوسع بعيد المنال.

تعيد بعض دول الخليج تقييم وجهة نظرها تجاه إسرائيل، متسائلة، عما إذا كانت أفعالها الأخيرة تساهم في الاستقرار أو زعزعة الاستقرار. لقد أدى تأثير الضربات الإسرائيلية الأمريكية إلى جعل المملكة العربية السعودية أقل ميلاً إلى تجاهل المخاوف الأخرى على الفور والمضي قدمًا في التطبيع. تعطي دول الخليج عمومًا الأولوية للازدهار الاقتصادي والاستقرار الإقليمي على الصراع، مفضلة إضعافًا مطولًا لكل من إيران وإسرائيل، بدلاً من تحقيق نصر حاسم لأي منهما، لأن هذا يقلل من التهديدات لدولهم والاستقرار الإقليمي. إنهم يخشون الفوضى والأزمات الإنسانية وتدفقات اللاجئين التي قد يطلقها انهيار النظام الإيراني.

لقد اعتمدت دول مثل، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالفعل استراتيجيات التحوط، بما في ذلك تعزيز التقارب مع إيران في عام 2023. ويتم ذلك لتجنب الاضطرار إلى اختيار أحد الجانبين في الصراعات الإقليمية، وقد يجعلهم أقل استعدادًا لتشكيل تحالفات حصرية مناهضة لإيران.

بشكل عام، في حين ترحب المملكة العربية السعودية بإيران الضعيفة، فإن مخاوفها الأساسية تظل متجذرة في القضية الفلسطينية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي الأوسع، والذي يتعارض في كثير من الأحيان مع السياسات التوسعية الإسرائيلية.

إسرائيل وتركيا

من غير المرجح، أن تقبل تركيا بالهيمنة الإسرائيلية في الشرق الأوسط. والسبب الرئيسي هو: تصاعد التنافس والشكوك المتبادلة. هناك تنافس كبير، يؤجج التوترات، حيث ينظر كل طرف إلى صعود الآخر الإقليمي كتحدٍّ استراتيجي أو حتى تهديد.

فعلى الرغم من “العصر الذهبي” التاريخي للتعاون في التسعينيات، حيث كانت تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة، تعترف بإسرائيل في عام 1949، وتعاونت الدولتان اقتصاديًا وعسكريًا وفي مجال الاستخبارات، إلا أن العلاقات تدهورت منذ ذلك الحين. السياسيون الإسرائيليون والأتراك عادة، ما يصورون بعضهم البعض كأعداء لتحويل الانتباه عن التحديات الداخلية وتعزيز قواعدهم السياسية.

أعربت تركيا عن قلقها المتزايد إزاء العمليات العسكرية الإسرائيلية العدوانية المتصاعدة، وخاصة في غزة، ومواجهتها المباشرة مع إيران. وترى تركيا، أن هذه التطورات، إلى جانب تعزيز العلاقات بين إسرائيل واليونان وقبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط، وأفعالها في سوريا، جزء من “نمط مثير للقلق”، حتى أن البعض في تركيا يخشى أن تكون بلادهم “التالية” بعد الصراع الإسرائيلي الإيراني.

تعمل تركيا بشكل نشط على تعزيز قطاعي الدفاع والأمن الخاصين بها، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي وترسانتها الصاروخية. إنها تسعى إلى تأكيد نفوذها في المنطقة، وخاصة في سوريا. في حين تتشاطر تركيا مخاوفها مع إسرائيل بشأن النفوذ الإيراني في سوريا، إلا أن رؤاهما لسوريا ما بعد الأسد تختلف؛ إذ تفضل تركيا دولة سورية مركزية وفعالة، في حين أظهرت إسرائيل تفضيلها لسوريا مجزأة أو غير فعالة، يسهل إخضاعها. كما وضعت تركيا نفسها في البداية كوسيط دبلوماسي في الصراع الإسرائيلي الإيراني، مما يشير إلى أنها ترى نفسها كجهة فاعلة إقليمية مستقلة.

تنظر إسرائيل أيضًا إلى تركيا بقلق، لا سيما فيما يتعلق بعلاقات أنقرة مع حماس وإدانتها المستمرة للسياسات الإسرائيلية. وقد دفعت مخاوف إسرائيل من النفوذ الإقليمي لتركيا، وخاصة بعد سقوط نظام الأسد، إلى إجراء دراسة بتكليف من الحكومة؛ لتحديد كيف تشكل تركيا تهديدا استراتيجيا.

في جوهرها، تتسم العلاقة بين تركيا وإسرائيل بانعدام ثقة عميق وديناميكية تنافسية، حيث لا يبدو أي من الطرفين مستعدًا لقبول هيمنة الآخر. وقد أدت الصراعات المستمرة وديناميكيات القوة المتغيرة في الشرق الأوسط إلى تفاقم هذا التنافس، مما يجعل من غير المرجح أن تقبل تركيا بالهيمنة الإسرائيلية.

إسرائيل ومصر

يتشابه وضع مصر إلى حد كبير مع تركيا، فيما يتعلق بالتهديد المباشر من إسرائيل. لا يقتصر التهديدات على قضية التهجير فقط، ولكن استراتيجية إسرائيل التوسعية من شأن نجاحها، أن يغير مجمل البيئة الجيو سياسية للإقليم ككل، وهو ما يخلق تحديات كبيرة على مصر.

ستتأثر مصر استراتيجيا؛ بسبب إعادة الهيكلة الإسرائيلية للشرق الأوسط، والمدعومة من الولايات المتحدة، والتي تعد الحرب على إيران وسوريا ولبنان واليمن، بالإضافة إلي غزة والضفة أحد مظاهرها. تهدف إسرائيل إلى إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية من خلال معالجة القضية الفلسطينية على حساب كل من مصر والأردن، وتهميش الأدوار القيادية العربية التقليدية لصالح تحالفات جديدة، تركز على إسرائيل، والتأكيد على نظام مهيمن متحالف مع الولايات المتحدة، يتوقع من الدول الإقليمية الأخرى، أن تتوافق معه.

الخلاصة: إن قدرة ترامب على إعادة هيكلة الشرق الأوسط جذريًا وتحقيق سلام دائم بعد ضرب إيران تبدو غير مؤكدة. فبينما حققت العمليات العسكرية غير الحاسمة أهدافًا قصيرة المدى بإضعاف البرنامج النووي الإيراني ووكلائها، لا يزال الاستقرار على المدى الطويل غير مؤكد إلى حد كبير. غالبًا ما يُوصف “السلام” الحالي، بأنه هدنة هشة، وليس تحولًا جذريًا. لا يزال الطريق إلى الأمام في المنطقة غامضًا، ويتأرجح بين تجدد الصراع والحل الدبلوماسي الصعب والمرهق. إن القضايا ذات الجذور العميقة، وخاصة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والسعي الإيراني الحاسم، وإن كان ربما بطريقة أكثر سرية، إلى امتلاك القدرات النووية، تشكل عقبات هائلة، قد تتطلب مشاركة دبلوماسية أكثر استدامة ودقة، مما يقدمه نهج ترامب القائم على الصفقات والمتصف بالتقلب الشديد.