تعد المشاركة في الترشيح أحد مؤشرات مدى ثقة مجتمع الناخبين في النظام السياسي عامة، والرضاء عن مدخلات ومخرجات العملية الانتخابية خاصة.
في الانتخابات التي تجرى حاليا، يبدو المشهد غريبا، فصلاحيات مجلس الشيوخ محدودة للغاية، وتاريخ الإدلاء بالصوت فيه ضعيفا، ورغم ذلك يتلمس المرء صخبا وضجيجا مفتعلا في الشارع، من حيث الدعاية الانتخابية، وكأنها حركة تهدف إلى الضحك على الناس، حتى تنطلي عليهم لعبة، أن البلاد تعيش في ظل انتخابات تنافسية حقيقية، وأن النتائج مجهولة، حتى تعلن عنها الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات.
انخفاض ملحوظ في أعداد المرشحين
بلغ عدد المترشحين في تلك الانتخابات وفقاً لبيان الهيئة الوطنية للانتخابات 524 فردا، منهم 100 مرشح أساسي على القائمة الوحيدة المشاركة، و424 مرشحا على المقعد الفردي. ويمثل ذلك انخفاضا قدره 31,8% مقارنة بانتخابات الشيوخ 2020، وهذا الانخفاض استأثرت به كله المقاعد الفردية. وهو ما يشير إلى عدم إقبال المصريين على الترشح في هذا المجلس شحيح الصلاحيات، ولربما عدم الثقة في العملية الانتخابية برمتها، لتعدد الذهاب إلى صناديق الاقتراع، مع بقاء مشاكل مصر كما هي دون حل، ولربما تفاقمت وتعددت تلك المشاكل. جدير بالذكر أن مجلس الشورى الموازي لهذا المجلس كان عدد المرشحين في المقاعد الـ180 له عام 2012 بلغ 2881 مترشحا، منهم 1891 مرشحًا على المقاعد الفردية الـ60، و990 مرشحًا على مقاعد القوائم النسبية لشغل 120 مقعدًا، أي أن نسبة المنافسة كانت أكبر وأعظم بكثير.
غياب الأحزاب عن المشهد امتداد لغيابها عن الشارع
من خلف تلك الأعداد تأتي الأحزاب السياسية التي تظهر، وكأنها تقود الموقف، فالقائمة الفريدة والوحيدة في الانتخابات، والتي سيُجرى الاستفتاء عليها أو تزكيتها أو تعيين أعضائها، تضم فتات الأحزاب المصرية التي ناهزت الـ100 حزب، وهو أمر يشير إلى أن مكونات القائمة المؤلف من 12 حزبا، يشير إلى عدم قدرة عشرات الأحزاب الباقية لتشكيل قائمة منافسة لتلك القائمة، ولربما يأسها من أن تنافس أحزاب قائمة الدولة، التي يقف على رأسها أحزاب صنعتها السلطة، وهي من تقود المشهد الانتخابي الحالي، وهي مستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة الوطنية. هذه الأحزاب الثلاثة أوعز إليها من هم خارج القائمة، أن يحددوا لها 75 اسما؛ كي تشارك في القائمة (44 مستقبل وطن/ 19حماة الوطن/ 12الجبهة الوطنية)، بنسبة 75% من العدد المطلوب قانونا، والبالغ 100 مقعد. أما باقي الأحزاب الـ8 المشاركة بالقائمة بفتات المرشحين وعددهم 25 مرشحا، فهم لا شأن لهم مقارنة بالأحزاب الثلاثة، التي هي ضعيفة كما ذكر آنفا.
ضعف مشاركة الأحزاب بالفردي
وبالانتقال إلى الشق الفردي، يتبين مرة أخرى، أن الأحزاب المصرية ضعيفة للغاية، إذ تواجد فوق المشاركين بالقائمة وعددهم 11 حزبا، 22 حزبا آخر، قدم جميعها 87 مرشحا في 27 دائرة في 27 محافظة، بمتوسط 4 مرشحين عن كل حزب، ما يعني أن تلك الأحزاب آثرت المشاركة لغرض الرغبة في التواجد على الساحة. ولعل ما يشير إلى هشاشة المشهد الحزبي، أن أحزابا شاركت في القائمة الفريدة، ولم تقو على المشاركة في الفردي، مثل التجمع، وهو أقدم الأحزاب المصرية قاطبة، والمنشئ عام 1976، وكذلك الحزبين الحديثين الحرية المصري والحركة الوطنية، وهذان الحزبين الأخيرين سبق لهما المشاركة في قائمة الشيوخ 2020 الفريدة والوحيدة وقتئذ.
المستقلون ضعفاء لكنهم أكثر قوة من الأحزاب
في الشق الفردي، يظهر المستقلون بعدد 183 من إجمالي 424 مرشحا، وذلك بنسبة 43,2%. وتلك النسبة رغم ما يبدو أنها قليلة، إلا أنه يتضح أنها تتجاوز نسبة مشاركة أي حزب قدم مرشحين في المقاعد الفردية، بل أنها تتجاوز مجموع الأحزاب الأكبر في ترشيحات الفردي، وهي مستقبل وطن (60مرشحا) حماة الوطن (25 مرشحا) المؤتمر (14 مرشحا) مصر الحديثة (12 مرشحا) إرادة جيل (11 مرشحا) والجبهة الوطنية والجيل (10 مرشحين لكل منهما) والاتحاد (9 مرشحين) والنور (8 مرشحين) بمجموع 159 مرشحا. هذا الأمر يدل على أن المستقلين هم الطرف الأقوى في تلك العملية التي يمكن أن يطلق عليها مجازا انتخابات.
المرشح والناخب يعتمدا على العلاقات الشخصية
ومهما يكن من أمر، فإن الناخب المصري يعتمد على العلاقات الشخصية، وقد اعتاد الانتخاب بالأسلوب الفردي منذ انتخابات مجلس شورى النواب عام 1866، باستثناء سنوات معدودة، جرت فيها الانتخابات بأساليب أخرى، كالقائمة النسبية في برلمان 1984 و1987، والقائمة المطلقة في المحليات في عقد التسعينات من القرن الماضي، ومجلس الشورى 80- 1989.
لهذا أدرك المرشح، أن العلاقات والصلات الشخصية التي تعتمد على الاتصالات المباشرة في الموالد والأفراح والأتراح وسرادقات المناسبات الدينية والدواوير في القرى، هي الأنجع في الدعاية الانتخابية، التي ترتبط بالولائم وغيرها من وسائل الإنفاق غير المنظور والبعيد كل البعد عن رقابة الهيئة الوطنية للانتخابات التي لا زالت ترقد في برج عاجي، تتحدث فيه عن رقابتها على المال الانتخابي؛ بغية عدم خرق سقوف الدعاية، وهي تعلم جيدا، أنها لا ولن تستطيع أن تراقب وتحسب، ما يظهر للقاصي والداني من شره الإنفاق، كان غاية أغلبه الحصول على مقعد بغرض الوجاهة الاجتماعية أو الحصانة.
توقع نسبة المشاركة في الاقتراع
في توقع المشاركة في الاقتراع في الانتخابات، يعتقد واستنادا إلى الاستحقاقات السابقة لمجلس الشورى/ الشيوخ، أن نسب المشاركة ستتسم بالضعف. ففي آخر انتخابين لمجلس الشورى عهد الرئيس مبارك، حيث كانت الانتخابات يُزور نتائجها، كانت نسبة المشاركة في الدور الأول من انتخابات 2007 لمجلس الشورى واسع الصلاحيات (دستوريا) 31,2%، وفي جولة الإعادة 19,2%. أما في انتخابات مجلس الشورى 2010، فكانت النسبة في الجولتين على التوالي 30,78% و13,76%. أما في انتخابات مجلس الشورى عام 2012 أي عقب أحداث 25 يناير 2011، فكانت النسبة في المجلس الذي كان له حق التشريع وله صلاحيات أكثر اتساعا، فكانت في الجولة الأولى 12,75%. أما انتخابات مجلس الشيوخ 2020، معدوم الصلاحيات تقريبا، فكانت المشاركة في الجولة الأولى 14,23% وفي الجولة الثانية 10,22%.
من البيانات السابقة، والتي كانت فيها الدعاية تخرق السقوف المالية، وكانت تعتمد جميعها- بما فيها الانتخابات في عهد الإخوان المسلمين- على استغلال عوز الناخبين بالمال والمواد التموينية، لا يتوقع أن تتجاوز نسبة المشاركة في هذا المجلس بأي حال عن ربع عدد الناخبين المسجلين بقاعدة بيانات الرقم القومي، والبالغ عددهم نحو 70 مليون نسمة تقريبا.
من هنا، لا يتصور أن يفضي المشهد الانتخابي عن شيء جديد أو غير متوقع عن المشاهد السابقة، بل أنه لا غرو أنه الأسوأ؛ بسبب ضعف المنافسة في المشاركة بالفردي وإنعدامها في القائمة، وتوقع نتيجة برودة المشهد في الشارع، رغم زخمه الكبير في وسائل الإعلام التي تملكها الشركة المتحدة القائمة على تأميم الإعلام في مصر، (توقع) أن تكون هي الانتخابات الأقل زخما، حتى من الانتخابات التي كانت تشهدها مصر قبل 25 يناير 2011.