مع انتهاء انتخابات مجلس الشيوخ، اليوم الثلاثاء، التي تشهد منافسة بين أسماء ذات وزن في عالم المال والأعمال، تدور تساؤلات حول كيفية تصدي البرلمان السابق بغرفتيه “الشيوخ” و”النواب” لقضايا الحق في العمل، وحقوق العمال.
وصل عدد جلسات مجلس الشيوخ إلى 186 جلسة، ناقش فيها 40 مشروع قانون، و39 طلب مناقشة عامة، و919 اقتراحا برغبة من نوابه، وفي الوقت ذاته، اختتم مجلس النواب دور الانعقاد العادي الخامس من الفصل التشريعي الثاني بعدد جلسات 62 جلسة، بإجمالي عدد ساعات 220 ساعة، ومناقشة 417 اقتراحًا برغبة، و2230 طلب إحاطة.
كان أهم حصاد للبرلمان بغرفتيه بالنسبة لقضايا العمال، هو قانون العمل الجديد، الذي تلقى انتقادات عنيفة بخصوص ملفات غياب ضمانات الاستمرار الوظيفي، وتوسيع دور شركات توظيف العمالة الوسيطة التي تستغل حاجة الناس، وتضرب استقرار العمل، واستثناء شرائح واسعة من العمال من الحماية القانونية، وحقوق العمالة غير المنتظمة، وملف النقابات المستقلة ونشاطها”.
يناقش مجلس الشيوخ مشروعات القوانين التي تحال إليه من مجلس النواب، ويبلغ المجلس رأيه بها، وهو ما حدث مع قانون العمل الذي يبدأ تنفيذه أول سبتمبر المقبل، بعد إصدار 87 قرارًا وزاريًا تنفيذيًا خاصًا بالقانون منها، 68 قرارًا ستصدر عن وزارة العمل، فيما يتولى مجلس الوزراء، ووزارتا العدل والصحة إصدار القرارات المتبقية، ووفقا لوزير العمل محمد جبران.
ملف الأجور.. جدل مستمر
من أهم النقاط التي أثارها قانون العمل الجديد، هي ملف الأجور، إذ يقول د. محمد طه عليوة، عضو الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي في مجلس الشيوخ السابق، إن العلاوة أصبحت في القانون الجديد 3% من الأجر التأميني مقابل 7% من الأجر الأساسي في القانون الحالي، لكن الحكومة قالت، إن هناك دراسة قامت بها الهيئة العامة للتأمينات، وأن الـ3% من الأجر التأميني قد تكون أكبر من الـ7%.
أشار أيضًا إلى ما يتعلق بإبرام عقود العمل الفردية محددة المدة، أمر يؤدي إلى الافتئات على حقوق العمال، مضيفًا أنه تم اقتراح تضييق إبرام عقود العمل المحددة المدة، إذا كان العمل مؤقتا بطبيعته، لكن تم الموافقة على المادة 70 التي تنظم ذلك الأمر كما هي.
لفت أيضًا إلى المادة 71، والتي تتعلق بعقود العمل غير محددة المدة التي تحول عقد العمل من محدد إلى دائم بعد مضي ست سنوات، وتم تعديلها إلى أربع سنوات، رغم المطالبات بأن يحول تجديد العقد السنوي العقد إلى دائم (يتحول إلى دائم مع أول تجديد)، مبينًا أن المادة 131، والتي تعطي كل من العامل وصاحب العمل حق إنهاء علاقة العمل بشرط إخطار الطرف الآخر قبلها بشهرين، واقترح عضو الشيوخ السابق استفادة العامل من صندوق العمالة غير المنتظمة حال انقضاء مهلة الاستفادة من تأمين البطالة، وفقا لقانون التأمينات، ولم يصوت لصالح الاقتراح لتظل المادة كما هي.
رغم استحداث القانون حكماً بإعفاء العمال من اشتراط توقيع محام على صحيفة افتتاح الدعوى أو صحيفة الطلبات الموضوعية- وعمد في الوقت ذاته إلى محاولة الاستجابة لحاجتهم إلى الدعم والمساندة القانونية، بما نصت عليه المادة 158 من إنشاء مكاتب للمساعدة القانونية العمالية فى مقر كل محكمة ابتدائية، وبكل مقر آخر تنعقد به المحكمة العمالية، غير أن مشروع القانون قد كف عن التصدي للمشكلة الأبرز التي يعانيها العمال بهذا الصدد منذ صدور قانون العمل الحالي رقم 12 لسنة 2003، وهى الحكم على العامل رافع الدعوى حال رفضها بالمصروفات القضائية..
كما تم مناقشة انتقاص الإجازات للعمال بعد سن الخمسين عامًا، بالإضافة لشروط الإضراب، والذي يتم الإبلاغ عنه لصاحب العمل والجهة الإدارية بخطاب بعلم الوصول قبلها بعشرة أيام، وهذا الإجراء يثير جدلاً، حول ما إذا كان يحد من حق العمال في الإضراب، أو يحمي حقوقهم، بحسب أحمد فاوي الضبع رئيس اتحاد عمال تحالف الأحزاب المصرية.
استمرار أزمات العمالة
على مدار مدة مجلس الشيوخ السابق، كانت هناك حالة من الحراك العمالي، تؤكده البيانات الرسمية ذاتها، فـإحصائيات وزارة العمل ترى، أنها نظرت 914 شكوى جماعية من إجمالي 1300 شكوى، تلقتها في 2024، فضلاً عن القيام بالتفتيش على 330 ألف منشأة؛ للتأكد من تفعيل قانون العمل الحالي والوقوف على المخالفات الشائعة.
في 2023، تلقت الوزارة 6172 شكوى عمالية، وقالت إنها نجحت في تسوية 4863 شكوى منها ودياً، وإحالة 1105 شكاوى منها للقضاء، وفي 2022 تلقت وزارة العمل 14845 شكوى، تم تسوية 13580 شكوى منها، بينما تم تحويل 69 شكوى إلى جهات أخرى، وفي 2021 تلقت الوزارة 83 ألف شكوى.
ارتكزت معظم الشكاوى على مطالب اقتصادية ومالية، ما يشير إلى عدم فعالية قانون العمل في حل المشاكل التي يعاني منها عمال مصر، وضرورة التأكيد على تغيير هذا القانون “أي قانون العمل”، بما يتلاءم مع مسعاهم لتجاوز واقعهم الاقتصادي المتراجع. كما تؤشر هذه المطالب الاقتصادية المتصاعدة إلى غياب الحوار الجماعي بين أصحاب العمل والعمال.
كيف تفاعل النواب مع قضايا العمال؟
في 2024، ناقشت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب 5 مشروعات قوانين مقدمة من الحكومة؛ بشأن زيادة وعلاوة غلاء معيشة ومنح علاوات للعاملين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، وغير الخاضعين له والعاملين بشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام وأصحاب المعاشات وتمت الموافقة النهائية عليهم بالجلسة العامة، وناقشت 46 طلب إحاطة تنوعت بين صرف علاوات للعمال وضمان صرف الحد الأدنى للأجور ومشاكل العاملين بشركات القطاع العام، واستمرار خدمة التأمين الصحي والاجتماعي للعاملين بقطاع الغزل والنسيج ومشاكل العمالة المصرية بالخارج والعمالة غير المنتظمة والعمالة الموسمية.
في 2023، كان أداء اللجنة أقوى من ناحية الجانب الرقابي، وأقل من الناحية التشريعية، إذ ناقشت 4 مشروعات قوانين، و80 طلب إحاطة، وفي 2022 (دور الانعقاد الثاني) ناقشت اللجنة 112 طلب إحاطة بخصوص حرمان العاملين بشركات مياه الشرب والصرف الصحي من الحصول على العلاوات الخاصة، والاستثنائية وعدم الالتزام بصرف الحد الأدنى للأجور، والتفاوت في الأجور بين الشركات.
في 2025، لم تعلن اللجنة عن حصادها، لكن كان عدد طلبات الإحاطة التي تناولت قضايا العمالة محدودة، من بينها طلب إحاطة باتخاذ جميع الإجراءات لتطبيق الحد الأدنى للأجور على جميع العمال داخل مختلف شركات النظافة على مستوى الجمهورية الذين يتراوح أجرهم شهريًا بين 2000 و4 آلاف جنيه فقط، في حين أن شركات العمالة التابعين لها تتعاقد مع المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، بمبالغ تتعدى الحد الأدنى للأجور.
كما تم تقديم طلبات الإحاطة الخاصة بطلب بالحد الأدنى للأجور للعاملين بمصانع الشركة القابضة للصناعات الغذائية المصرية التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، وتأخر العلاوات السنوية وقلة الحوافز، بجانب طلب إحاطة حادث وفاة عمال الصرف الصحي أثناء صيانة بيارة الكيلو 21 بالإسكندرية، والإهمال الجسيم في تطبيق معايير وإجراءات السلامة والصحة المهنية، وطلب إحاطة بشأن شكوى أعضاء الجمعية العامة لاتحاد العاملين المساهمين بالشركة الشرقية (إيسترن كومباني) بصفتهم شركاء في ملكية الأسهم وأصحاب رأس المال، والتي تضرروا فيها من عرض الشراء المقدم للشركة.
الملاحظ في الفترة ذاتها عدم دخول المجلس بقوة على خط العديد من القضايا والإضرابات العمالية التي شهدتها الفترة ذاتها، كأزمة شركة النيل للمواد العازلة “يتونيل”، وفصل ممثلي العاملين بالشركة، وكذلك إضراب عمال شركة يونيفرسال لإنتاج الأجهزة الكهربائية بالمنطقة الصناعية الثانية بمدينة السادس من أكتوبر؛ بسبب الزيادة السنوية، وأزمة عمال شركة النصر للغزل والنسيج والتريكو”الشوربجي”.
عمالة الأطفال.. قضايا برلمانية عالقة
رغم تأكيد قانون العمل الجديد في أحكام تشغيل أو تدريب الأطفال التي وردت في المواد 61، وما بعدها أباحت تدريب الأطفال بداية من سن الرابعة عشر، حتى مع الاستثناءات التي أوردتها المادة 64 من القانون، والتي تضمنت عدم جواز تدريب الأطفال في الأعمال والمهن التي من شأنها، أن تعرض صحتهم البدنية أو النفسية أو سلامتهم أو أخلاقهم للخطر. إلا أنه لم يقم بتحديد أو تعريف لتلك الأعمال، وترك تحديدها لقرار، يصدر من الوزير بالتنسيق مع المجلس القومي للأمومة طبقا لمراحل السن المختلفة.
ورغم إقرار القانون لسن الرابعة عشرة، وهو سن صغيرة لقبول تدريب الأطفال، وهو الأمر الذي يسمح بالتسريب من التعليم، وكذلك يجعل من صحة الأطفال عرضة للخطر على النحو الذي جرمته نصوص قانون الطفل.
وبحسب اتحاد عمال تحالف الأحزاب المصرية، الذي يضم 11 حزبًا، فإن وزارة العمل تتعامل مع ملف عمالة الأطفال كالعادة إعلامياً فقط، دون اللجوء لما جاء به ملف عمالة الأطفال بقانون العمل الجديد، طالبوها بالتفتيش الدوري على مقرات العمل، والمرور وغلق أي ورشة أو منشأة، لا تلتزم بتطبيق القانون، وأخيرًا طالبوا بالتنسيق مع أكثر من وزارة بشأن موضوع عمالة الأطفال، وخاصة التضامن الاجتماعي والتعليم الفني وأيضًا الجمعيات الأهلية.
القانون 73 لسنة 2021.. عائلة العامل تدفع الثمن
بجانب قانون العمل يظل القانون ٧٣ لسنة ٢٠٢١ يمثل أزمة كبيرة للعمالة، فيما يتعلق بالتحليل للكشف عن المخدرات للموظفين والعاملين، والذي وضع عقوبة واحدة، وهى الفصل حال إيجابية العينة، ما يعني ضياع أسرة كاملة، وهو ما أكده النائب مصطفى بكري، أنه لابد من آلية محددة لمراجعة القرارات والطعن عليها بشأن العمال والتشهير بهم.
وكيل لجنة القوى العاملة في البرلمان، النائب إيهاب منصور، تقدم بطلب إحاطة إلى مجلس النواب، مرفقاً بأسماء 150 حالة يتشكك في إجراءات فصلهم، قائلاً إن «بعضهم لم يُقدم عينة للفحص، ورغم ذلك صدرت النتيجة إيجابية، وآخر تظلم على نتيجة العينة، وعند إعادتها جاءت سلبية، ورغم ذلك فُصل بناء على نتيجة العينة الأولى.
بحسب صندوق مكافحة الإدمان في يناير من عام 2023، بلغ عدد المفصولين بـسبب القانون ألف موظف، من بين 600 ألف خضعوا للفحوصات، في الفترة بين 2019 و2022، و17 ألف موظف تقدموا بطلب العلاج طواعية، خوفاً من تطبيق قانون الفصل عليهم، وللحفاظ على وظائفهم.
وقالت النائبة بمجلس النواب إحسان شوقي، إن تفعيل نصوص القانون أدى إلى اكتشاف عدد من الثغرات التي من شأنها عدم منح أي فرصة لعودة الموظف، ما تسبب في انهيار عدد كبير من الأسر، ما جعل القانون عقابياً، وليس لتقويم الموظف، مطالبة بإعطاء فرصة لهم لعدم وقف مصدر دخل الأسر.
يظل تقييم أداء البرلمان بغرفتيه، فيما يتعلق بقضايا العمال متعلقاً بالانتصار للعامل الطرف الأضعف في العملية الإنتاجية من أجل تحقيق التوازن والاستقرار المجتمعي، ورغم بعض المزايا التي يتضمنها قانون العمل الجديد، آخر ما صدر من المجلس بخصوص العمال، إلا أنه ينطوي على مثالب تخص أمان العامل، وكذلك القانون 73 لسنة 2011، وهو باكورة القوانين الخاصة بالعمال في البرلمان الأخير الذي لا يمنح العامل آلية للطعن.