انفض الدور التشريعي الأخير لمجلس النواب في دورته الأخيرة، ونحن الآن على مشارف موسم انتخابات برلمانية جديد، وذلك بعد أن انفض مولد مجلس الشيوخ المحسوم نتيجته من قبل بدايته. لكن وحتى يكون هناك حالة من حالات الانتخابات حقيقية، قد يقبل عليها المواطنون، بعكس ما كان عليه الحال، وما رأيناه بأعيننا في انتخابات مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، فلا بد لنا من أن نتعرض لما كان عليه حال مجلس النواب قبل فض دورته وحله، وهل كان يمثل حقيقة مجلس نواب، بمعنى الإنابة عن الشعب، أم أنه كان منحازاً إلى جانب السلطة التنفيذية، وليس رقيباً عليها، بحسب الأصل العام.
وإذا ما استعرضنا، ما قدمه مجلس النواب في دور الانعقاد الخامس والأخير له، نجد أنه قد ناقش، وأقر 186 مشروع قانون، كان أهمها مقدم من الحكومة بعدد 34 مشروع قانون، والتي كانت بمثابة أهم تلك التشريعات جميعها، حيث كان من بينها قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي لم نعلم مصيره حتى الآن، وقانون العمل الجديد، وتعديلات قانون حماية المستهلك، وتعديلات قانون التصالح في مخالفات البناء، وقانون الإيجارات القديمة.
أما عن الأدوات الرقابية، كالعادة منذ بداية عمر هذا المجلس منذ 2021، لم يتم تسجيل أي استجواب، والذي يمثل أهم الأدوات الرقابية، ولكن تم استخدام أدوات رقابية أقل حدة مثل طلبات الإحاطة، أو البيانات العاجلة أو الأسئلة البرلمانية، أو طلبات مناقشة عامة.
والجدير بالذكر، أنه ما زالت جلسات مجلس النواب غير علانية منذ أول دور انعقاد، حينما قرر مجلس النواب بعد أول جلستين له وقف بث جلساته على الهواء مباشرة فضائياً وإذاعياً، وذلك على الرغم من حديث المادة 120 من الدستور عن بث جلسات مجلس النواب، حيث أكدت المادة أن جلسات البرلمان علنية، ولكنها أجازت أن تكون الجلسات سرية، حيث تكون الجلسات سرية بناءً على طلب رئيس الجمهورية، أو رئيس مجلس الوزراء، أو رئيس المجلس، أو 20 عضوًا، وبعدها يأخذ رئيس المجلس رأى الأغلبية، ما إذا كانت المناقشة في الموضوع المطروح أمامه تجري في جلسة علنية أو سرية، وإذا وافقت الأغلبية تكون الجلسة سرية، مما حول الاستثناء إلى أصل عام، وهو الأمر الذي أدى إلى غياب الرقابة الشعبية على أعمال البرلمانيين من خلال متابعة أهالي دوائرهم لكيفية عملهم داخل المجلس النيابي، ومن الملفت للنظر، أن علانية الجلسات قد جرى النص عليها منذ دستور 1923 في مادته رقم 98، وقد أقرت الدراسات الدستورية ذلك المبدأ، حرصا على أن يتمكن الشعب من رقابة وكلائه من السادة النواب، وفى ذات الوقت، فإن من حق الوكيل أن يعرض أعمال وكالته على الشعب كله، فضلًا عن إحاطة الرأي العام بحقيقة، ما يحدث تحت قبة البرلمان، سواء كانت المناقشات لموضوعات يناقشها المجلس، وهي في الأصل تستهدف صالح الشعب وحده، أو كانت المناقشة عند إعداد التشريعات، أو السياسة العامة للدولة أو الخطط والموازنة أو ممارسة وسائل الرقابة على الحكومة.
كما وأنه من الناحية التشريعية التي تمثل صلب عمل مجلس النواب، بحسب التوصيف الدستوري، وكما هو الشأن العام في جميع الهيئات التشريعية على مستوى دول العالم، كما تؤكد ذلك كافة المدونات الدستورية، إلا أنه منذ أن انعقد البرلمان، وبدأ في مراجعة ما تم اتخاذه في غيبته من قرارات بقوانين، ظهر على السطح، أننا أمام هيئة برلمانية غير منحازة إلى دوائرها الانتخابية، أكثر من انحيازها لصانعي القرار السياسي، فعلى الرغم من المواد الدستورية التي تجعل من البرلمان، أن يكون سلطة تشريعية ورقابية قوية بدرجة ما، إلا أنه لم يقم بتفعيل دوره الحقيقي، فلم يلاحظ رجل الشارع، أن هناك تشريعات قام بها البرلمانيون، دونما إرادة الحكومة، فأغلب ما تم الموافقة عليه من قوانين، كانت عبارة عن مشروعات قوانين، تقدمت بها وزارة العدل، بحسب ذلك أسلوباً من الأساليب التي تعرض من خلالها القوانين. وللتدقيق وبقراءة متأنية، لما أقره أو أنجزه أعضاء مجلس النواب الحالي، وهل كان انحيازاً لجانب الشعب المصري، أم جاء متوافقاً مع إرادة السلطة التنفيذية؟ وإن كنت أرى إجمالاً، أن هذا المجلس قد ساير رغبة السلطة التنفيذية، فيكفي أن ندلل على ذلك بعدم تفعيله الجدي لدوره الرقابي، وعدم استخدام أهم أدواته الرقابية والمتمثلة في الاستجواب، ويكفي أكثر أن نقول إنه ليس من بين هذا العدد الهائل من التشريعات التي أقرها البرلمان المصري، لم يكن سوى عدة تشريعات تعد على أصابع اليدين فقط مقدمة من قبل أعضاء مجلس النواب، في حين كانت الغلبة لصالح التشريعات المقدمة من الحكومة، وهو أمر لم يكن يحدث، لو أن مجلس النواب كان هو المهيمن على مجريات أو مقدرات السلطة التشريعية، بحسب نص الدستور المصري، أو بحسبها الوظيفة الرئيسية التي من أجلها توجد البرلمانات.
المحصلة، أننا كنا في حالة من انصياع المجلس لرغبة الحكومة، سواء كان ذلك من خلال سيطرتها على الأغلبية النيابية، أو وجود مهمش لبعض الأحزاب المنسوبة للمعارضة، وهو ما يؤكد هيمنة حكومية شاملة على مجريات السلطة التشريعية الأساسية، وهو ما يجعلها ليست بسلطة مستقلة، إلا شكلا، أما من ناحية الأمور الواقعية، فإن الأمر كله كان في ركاب السلطة التنفيذية بصورة شبه كاملة.
وبعد هذا العرض المبسط لما أنتجه مجلس النواب، هل نستشرف تغييراً في مأرب السلطة التنفيذية، في سياساتها التعاملية مع مجلس النواب منذ بداية الترويج للانتخابات القادمة، أم أن الأمور ستسير في نفس النهج، وعلى ذات الوتيرة، بما يضع المجتمع المصري أمام وضعية شكلية متمثلة في وجود نواب وأعضاء لمجلس النواب، لا يخرجون في سوادهم الأعظم عن الأحزاب الموالية للسلطة، والمحسوبة عليها، مع وجود تمثيل نسبي ضعيف، لما يطلق عليها أحزاب المعارضة، بما يضمن للحكومة عدم وجود أصوات رقابية حقيقية معنية بهموم الناخب، وما تمليه عليه مصلحة دائرته، ولا يدور في فلك السلطة التنفيذية ترغيبا وترهيبا، وهو ما يجعلنا في حالة نيابية باهتة، لا تشكل صدى لأوجاع الوطن، ولا تعتني بحقوق المواطنين، والتي بات معظمها رهن مشيئة السلطة التنفيذية، والتي بدورها جعلت غالبيته، إن لم يكن كلها خدمات مدفوعة الأجر، مما أصاب معظم الحقوق الأساسية للمواطنين مثل التعليم والصحة بحالة غير مناسبة للأوضاع الاقتصادية لغالبية المجتمع المصري، وباتت الحقوق مجرد بضاعة، لمن يملك ثمنها، لا أكثر ولا أقل.
فماذا إذن ينتظر المواطنون من انتخابات مقبلة سوى نفس حالة الضيق والتذمر التي كانت واضحة بشكل لا يخفى على أحد وقت انتخابات مجلس الشيوخ.