من مرافق لوالده في ساحات القتال إلى نائب القائد العام للجيش الوطني الليبي، وهو المنصب الذي يشغله الأب خليفة حفتر، يسير صدام حفتر بخطوات سريعة نحو قمة الهرم العسكري، والسياسي بالتبعية ذات يوم، في نمط توارثي، بات يتكرر في البلاد العربية وغيرها، وذلك في دولة تعاني من فوضى عارمة، لا يلوح في الأفق القريب حلحلة لها أو خلخلة لحدتها وشدتها.

 تعيينه الأخير، الذي جاء في ذكرى تأسيس الجيش الليبي، وضمن ما بات شبه تقليد في الإعلانات السياسية لكثير من الحكومات حولنا تحت مسمى “رؤية 2030″، أثار التعيين جدلاً بين من يراه خطوة لتعزيز كفاءة المؤسسة العسكرية، ومن يعتبره ترسيخًا للحكم العائلي وسط اتهامات بالفساد، وانتهاكات حقوقية وصراعات سياسية داخلية.

في عام 2014، وبينما كان اللواء آنذاك خليفة حفتر، قد أطلق عملية الكرامة للقضاء على الجماعات الإرهابية والمتطرفة في بنغازي، كان نجله صدام مرافقه الرئيسي، قد ساعدني في ترتيب أول حوار عبر الهاتف مع والده في خضم تلك المعارك.

حينها، كان الوصول إلى صدام سهلًا نسبيًا، لكن السنوات التالية غيّرت المشهد كليًا، حيث بدا ليس وقتها، أن ابن اللواء يعمل كمساعده، لكن اتضح أن لديه حظوة من نوع ما، كانت كفيلة باقناع والده بإتمام اللقاء، الذى عاود صدام الاتصال هاتفيا بى في المرات الثلاث، التي انقطع فيها.

ترك نجل حفتر انطباعا لدي، بأنه يفهم مهمة وخطورة الإعلام، لكنه لاحقا لم يتحدث لأي وسيلة إعلامية، خلافا لشقيقيه الأكبر الصديق والأوسط بلقاسم.

حرص حفتر على ربط تعيين صدام، الذى سماه تيمنا بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في منصب استُحدث خصيصًا وبشكل استثنائي وفق هيكلية الجيش في إطار الاحتفال بالذكرى الـ85 لتأسيسه، وتماشيًا مع رؤية 2030  الطموحة لتطوير وتعزيز الأداء العام لقوات الجيش.

وهكذا تحول صدام خلال إحدى عشر عاما فقط، إلى شخصية بارزة في المشهد العسكري والسياسي، وسط جدلً حول دوره المستقبلي وطموحاته في قيادة البلاد.

لم يعلق المجلس الرئاسي، الذي يترأسه محمد المنفي، رسميا على قرار حفتر، لكن نائبه عبد الله اللافي، اعتبر أن استحداث أي مناصب جديدة داخل الجيش، اختصاص أصيل للسلطة التشريعية، وأن أي تعيين في قمة هرم القيادة العسكرية يجب أن يتم وفقًا لما نص عليه القانون، وبقرار من القائد الأعلى للجيش الليبي، والمتمثل في المجلس الرئاسي مجتمعًا.

ودعا اللافي زملاءه في الرئاسي، لاجتماع عاجل للنظر في الأمر، بما يضمن احترام التشريعات النافذة وصون الصلاحيات المنصوص عليها قانونًا.

وقال إن الوضع القائم، وما يشهده من انقسام في المؤسسة العسكرية، يفرض علينا جميعًا العمل بجدية ومسئولية في إطار المسار العسكري والأمني المتفق عليه، من أجل الوصول إلى مؤسسة عسكرية موحدة، قادرة على حماية الوطن وضمان أمنه واستقراره، بعيدًا عن أي خطوات أو إجراءات، قد تعمّق حالة الانقسام أو تخرج عن الأطر القانونية المنظمة.

ونقلت وسائل إعلام محلية، عن مصدر بالمجلس الرئاسي، أن موقف اللافي تم بالتنسيق مع عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في طرابلس، مشيرا إلى أنه لم يستشر بقية أعضاء الرئاسي قبل إعلانه.

وكما كان متوقعا، وصف عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، التعيين بأنه “قرار حكيم” يعكس ثقة قوية في مهارات صدام، وأصدر 33 من أعضاء مجلس النواب عن إقليم برقة بيانا مشتركا للإشادة بقرار حفتر، وهو نفس الموقف الذي أعلنه أيضًا أسامة حماد، رئيس حكومة الاستقرار الموازية والموالية لحفتر وللبرلمان في شرق البلاد.

السيرة الذاتية

وُلد صدام حفتر في بنغازي عام 1991، وهو الابن الأصغر لحفتر الأب لـ12 ابنا (سبعة أولاد وخمس بنات).

ومثلت حادثة اعتقاله عام 2011، بعد اتهامه بمحاولة فاشلة لسرقة مصرفالأمان في العاصمة طرابلس، نقطة تحول جوهرية فى مسيرته السريعة.

لا يمتلك شهادة ثانوية عامة معروفة، ولم يتلق تعليمًا عسكريًا تقليديًا طويل الأمد، مما أثار انتقادات حول مؤهلاته العسكرية، لكنه لاحقا تلقى تدريبًا عسكريًا قصيرًا في الولايات المتحدة والأردن، حيث أكمل دورة تدريبية لمدة تسعة أشهر في الأردن عام 2016.

 وفي مارس 2024، حصل على درجة دكتوراه في العلوم العسكرية من الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية المصرية، في محاولة لتعويض افتقاره لخلفية أكاديمية تقليدية.

دوره في الجيش الليبي

بدأ صدام حفتر ظهوره العلني في المشهد العسكري عام 2016، عندما حضر حفلًا عسكريًا في الأردن مرتديًا زيًا عسكريًا برتبة نقيب شرفية، منحها له الجيش الأردني تقديرًا لجهود والده.

 في نفس العام، عُين قائدًا للواء طارق بن زياد، وهو وحدة عسكرية قوية اتُهِمت بقمع المعارضة والتورط في انتهاكات حقوقية، بما في ذلك القتل غير القانوني، والتعذيب، والإخفاء القسري، وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية.

قاد صدام في 2017، الكتيبة 106 في معركة استعادة بنغازي، ما عزز مكانته، قبل أن يؤسس اللواء 106 كقوة مكلفة بحماية والده.

في مايو 2024، عُين رئيسًا لأركان القوات البرية برتبة لواء، وهو نفس المنصب الذي شغله والده سابقا، ثم رُقي إلى رتبة فريق في أغسطس 2024، في ترقية سريعة أثارت انتقادات لمخالفتها القوانين العسكرية الليبية، التي تتطلب سنوات طويلة للوصول إلى هذه الرتبة.

الحضور الخارجي والدبلوماسي

برز صدام حفتر كشخصية دبلوماسية نشطة، حيث قام بزيارات رسمية إلى دول مثل تركيا (2025)، والولايات المتحدة، ومصر، وباكستان، والنيجر، وبوركينا فاسو، لبحث التعاون العسكري والأمني، بَيد أن زيارته إلى تركيا، بعد تطبيع العلاقات معها بعد فترة من العداء، اعتُبرت خطوة دبلوماسية مهمة لتعزيز شرعيته دوليًا، وأيضا نفوذه كلاعب سياسي وعسكري.

الجدل المستمر

ولطالما رافق الجدل صدام؛ بسبب صعوده السريع وأنشطته، اذ اتهم في 2017، بنقل مبالغ ضخمة (160 مليون يورو، و639 مليون دينار ليبي، ومليوني دولار) من البنك المركزي في بنغازي إلى جهة مجهولة، فيما وُصف بـ”أكبر عمليات السطو على البنوك في التاريخ”.

كما اتهم بالتورط في تهريب الذهب إلى تركيا والإمارات، علما بأن معلومات تحدثت عن امتلاكه عقارات بأكثر من  8 ملايين دولار في ولاية فرجينيا بالولايات المتحدة، حيث كان والده يقيم إبان فترة إقامته فى منفاه، الذى طال لربع قرن تقريبا هناك.

وامتنع صدام عن التعليق على معلومات رددها معارضو والده، بشأن  زيارة سرية مزعومة في نوفمبر 2021، إلى تل أبيب للاجتماع بمسئولين إسرائيليين، بحثًا عن دعم عسكري ودبلوماسي.

كما التزم الصمت حيال ما تردد عن اعتقاله في إيطاليا في أغسطس 2024، بناءً على مذكرة إسبانية بتهمة تهريب أسلحة، لكنه أُفرج عنه لاحقا، بعد إغلاق حقل الشرارة النفطي للضغط على إسبانيا.

علاقته بالمشهد السياسي

يُنظر إلى صدام حفتر كوريث محتمل لوالده، الذي أخفق في السيطرة على طرابلس عسكريًا عام 2019.

ومع أنه بنى شبكة علاقات دولية واسعة تشمل روسيا، ومصر، والإمارات، وتركيا، والولايات المتحدة، مما يعكس نهجًا برجماتيًا لتعزيز نفوذه، يواجه صدام تحديات داخلية، ومعارضة حكومة الوحدة المؤقتة بقيادة عبد الحميد الدبيبة، الخاضعة لسيطرة الميليشيات المسلحة.

لكن البعض يقلل من أهمية هذه المعارضة على خلفية صفقة، قادها صدام مع ممثل للدبيبة، وساهمت في فرحات بن قدارة رئيسا لمؤسسة النفط الليبية، بدلا من رئيسها السابق مصطفى صنع الله، ما أدى إلى فتح الحقول والمواني النفطية التى ظلت مغلقة لنحو 3 أشهر عام 2022.

ورغم نفي الدبيبة إبرام صفقة مع نجل حفتر، فلم يدم التوافق بينهما كثيرا، إذ سرعان ما استقال ابن فرحات من منصبه في إعلان غير مباشر عن انتهاء التوافق الوقتي مع الدبيبة.

صعود صدام الذي وصف بأنه “صعود محض بالوساطة والنفوذ” أكثر من كونه نتيجة كفاءات حقيقية أو إنجازات مستقلة، يعكس جانبا من مشكلة ليبيا المنقسمة ما بين الولاءات والمال أكثر من المؤسسات الحقيقية.

 يجمع صدام بين القوة العسكرية، والنفوذ المالي، والدبلوماسية البرجماتية، مما يجعله شخصية محورية في المشهد الليبي، ومع ذلك فإن افتقاره لخلفية تعليمية أو تدريب رسمي في قيادة الأركان، يثير تساؤلات حول قدرته على قيادة الجيش بشكل فعال.

مؤيدون ومعارضون

هل سيكون صدام حفتر خليفة والده أم مجرد رمز لصراع عائلي جديد؟ الإجابة تعتمد على التطورات  المقبلة في المشهد الليبي.

ويعتبر البعض تعيينه الجديد في منصب الرجل الثاني في الجيش، محاولة لتأسيس حكم عائلي، كجزء من استراتيجية خليفة حفتر لترسيخ نفوذ عائلته في المؤسسة العسكرية، فيما يرى آخرون، أنه يعزز قبضتها على الجيش والموارد الاقتصادية.

يعتقد محمود محمد فحيل المحلل السياسى الليبي، أن تعيين صدام، هو الجرعة الأخيرة والشافية من والده المشير حفتر، لما وصفه بالجسد الليبي المريض، والضامن “أي التعيين” لاستمرار المشروع الوطني العسكري لخروج ليبيا من محنتها وأقوى صفعة، لمن أسماهم بأعداء هذا المشروع، المتمترسين خلف رواية موت المشير وسقوطه.

واعتبر أن تسمية صدام نائبا لوالده، أعطى مساحة أمان وثقة كبيرة لمؤيدي مشروع الكرامة، الذى أعلنه حفتر قبل 11 عاما وبنى عليه أسطورته العسكرية ومشروعه السياسي.

ورأى أحد مستشارى حفتر، الذي رفض كشف هويته، أنه من المهم في هذه المرحلة أن يكون لحفتر نائباً، وأضاف: “أما من يكون النائب في المستقبل، فهذا أمر يعود للمختص، وهو حفتر نفسه باعتباره القائد العام و”أهل مكة أدرى بشعابها”.

وتابع: “أنا على ثقة بأن الاختيار تم على أساس الكفاءة والاستعداد، فلا أحد يستطيع المزايدة على المشير حفتر في حرصه على الجيش الوطني، ومن ثم سيكون في غاية الحرص عند اختياره لنائبه.

في المقابل، رفضت لجنة تسيير بلدية بنغازي ماوصفته بالمُقامرة بـ”فكر التوريث العسكري”، و”تحويل للقوة إلى ملكية عائلية”، محذّرة من أن ذلك ينحرف عن مسار توحيد المؤسسة العسكرية ويقوض الجهود الدولية نحو بناء دولة مدنية وسيادة القانون.

ورأى أعضاء في مجلس الدولة، ما حدث بمثابة “تكريس للفوضى وتغليب للتدخلات الخارجية على بناء الدولة”، وجادلوا بأن تأسيس الدولة يبدأ ببناء مؤسسات أمنية محترفة بعيدًا عن التوريث والمحسوبية.

وامتنعت بعثة الأمم المتحدة عن إعلان أي موقف مباشر أو تعليق بخصوص هذا التعيين، بينما يروج الاتحاد الأوروبي لفكرة، أن روسيا قد تستغل صدام حفتر كنقطة اتصال رئيسية لها في ليبيا، لاستخدام ملف الهجرة غير الشرعية كأداة ضغط توجهها نحو أوروبا.

وهكذا، يبدو أن تعيين صدام حفتر نائبًا لوالده ليس مجرد خطوة إدارية في هيكل الجيش، بل فصل جديد في قصة النفوذ العائلي داخل المؤسسة العسكرية الليبية، حيث تتقاطع الطموحات الشخصية مع حسابات السياسة الداخلية والرهانات الإقليمية والدولية.

وبينما ليبيا أحوج ما تكون إلى مؤسسات موحدة بعيدة عن الاستقطاب والمحسوبية، يبقى صعود صدام مثيرًا للجدل، محاطًا بأسئلة مفتوحة حول قدرته على إدارة جيش منقسم وبلد مثقل بالأزمات، وسط خلاف بين كونه امتدادًا طبيعيًا لمشروع “الكرامة” أو تكريسًا للتوريث وإقصاءً للكفاءات.

في كل الأحوال، تبقى الأزمة الليبية تعبيرا عن صراع أشخاص وفوضى سياسية وعسكرية، بعيدا عن الحسم المؤجل إلى وقت غير معلوم بالضرورة.