كتبت- دعاء عبد المنعم
رواتب متدنية، بيئة عمل قاسية، محفوفة بالمخاطر، حوادث طرق، غياب الحماية القانونية والاجتماعية اللازمة، ساعات عمل طويلة، أوقات صعبة كـموجات الحرارة المرتفعة والبرودة القاسية، وشهر رمضان، كلها صعوبات تحيط بعمال التوصيل (الدليفري) في ظل حديث متواصل عن قوننة أوضاع العمالة غير المنتظمة.
رغم عدم وجود بيانات رسمية، تحصر أعداد عمال التوصيل في مصر، إلا أن وزارة العمل أشارت إلى وجود أعدد كبيرة جدا، ترتفع على مستوى الجمهورية للعاملين في هذا القطاع، ويزدهر قطاع خدمات التوصيل يوما بعد يوم.
وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة Statista في فبراير 2025، من المتوقع أن تصل إيرادات سوق التجارة الإلكترونية في مصر إلى 8.19 مليارات دولار أمريكي خلال هذا العام، بزيادة قدرها 24.9% عن عام 2024، كما يُتوقع أن يستمر السوق في النمو بمعدل سنوي مركب يبلغ 9.51% خلال الفترة من 2025:2029، ليصل إلى 11.78 مليار دولار بحلول عام 2029، تشير التوقعات إلى أن عدد مستخدمي التجارة الإلكترونية في مصر سيستمر في الزيادة، إذ من المتوقع أن يصل إلى 9.94 مليون مستخدم بحلول عام 2029، بزيادة قدرها 33.38% مقارنة بعام 2024، هذا النمو يعكس تزايد اعتماد المستهلكين المصريين على التسوق عبر الإنترنت.
نعود لمهنة الدليفري والتي هي ذات صلات قوية بالتجارة الإلكترونية، حيث يعمل في هذه المهنة التي تتطلب مجهودا بدنيا ونفسيا، طلاب وخريجون، من مختلف الفئات والأعمار، ويعانون جميعا من ظروف عمل قاسية، تؤثر على صحتهم البدنية والنفسية.
أكد وزير العمل “محمد جبران”، على هذه الظروف الصعبة التي يواجها عمال التوصيل أثناء عملهم، قائلا إن مشكلة عمال التوصيل (الدليفري) تتطلب اهتمامًا خاصًا، نظرًا لأنهم يعانون من ضعف الرواتب وقلة التأمينات الاجتماعية والصحية، وأن الهدف هو نقل هؤلاء العمال من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، ما يتيح لهم الاستفادة من التأمينات الاجتماعية والطبية، مع ضرورة وجود تعاقدات واضحة، تحفظ حقوق العامل وصاحب العمل على حد سواء.
ورصدت الوزارة حالات وفاة، وإصابات بالغة بين عمال التوصيل تتسبب في فقدانهم القدرة على العمل.
ويشير مصطلح قطاع (الاقتصاد غير الرسمي) إلى فئة العمالة التي تعمل خارج الإطار الضريبي والتأميني، ولا تخضع إلى القوانين واللوائح، وبالطبع يدخل القطاع الأعظم من عمال التوصيل ضمن هذا التصنيف.
سلطت وسائل الإعلام المختلفة الضوء على فئة عمال التوصيل، ومن خلالها قدموا نماذج للمشكلات التي يواجهونها أثناء عملهم، ومنها رفض الطلب أو تغيير الوجبة، بعد أن يأتي بها عامل توصيل إلى منزل، والعنوان الخاطئ، فضلا عن تعنت بعض العملاء أثناء استلام الطلب، أو توصيل الطلب لعميل لم يطلبه، ليتضح فيما بعد أنه مجرد مقلب من أحد أصدقائه، وأحيانا تعرض البعض منهم إلى سرقة دراجة التوصيل وحالات نصب مختلفة.
وفي شهر رمضان كانت هذه الفئة تعمل بلا انقطاع لتوصيل الطعام إلى المنازل وسط الضغوطات، ويبدأ يومهم عادة في ساعات مبكرة من الصباح، ويتعين عليهم استقبال الطلبات وتجهيزها والوقوف في طوابير المطاعم والمحال التجارية للحصول على الوجبات لتوصيلها في أوقات دقيقة، ويضطر عامل التوصيل أحيانًا للإفطار في الشارع، بدًلا من تناوله مع أسرته.
ولا تقتصر “الأوقات الصعبة” على شهر رمضان، فهناك الموجات الحارة، والبرد القارس، والأمطار.
وتحدث موظف بهيئة الإسعاف المصرية عن عشرات الحالات اليومية التي تتلقاها من فئة عمال التوصيل، ومنها حالة “حسين”، سائق دراجة النارية الذي فقد وعيه على الطريق، وأزاح أحد المحيطين به الخوذة عن رأسه، ليجد حرارته مرتفعة حيث كان يعمل منذ الصباح.
من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي
تشير التقديرات، إلى أن حجم العمالة غير المنتظمة في مصر يقدر بحوالي 20 مليون عامل، وتسعى الدولة في الآونة الأخيرة إلى إدماج هذه العمالة في الاقتصاد الرسمي، لذا قامت بتنفيذ بعض السياسات التي تستهدف تنظيم العمالة غير المنتظمة في مصر، ومنها قانون العمل الجديد، وفيما يتعلق بعمال التوصيل على وجه الخصوص فقد أطلقت حملات توعية وإجراءات احترازية.
من هذه الحملات إطلاق حملة “سلامتك تهمنا”، وتهدف إلى حماية عمال التوصيل حتى بمنعهم ومنع أرباب العمل من تجاوز قواعد السلامة، إذ يجري عند المخالفة اتخاذ إجراءات مشددة، ومنها سحب رخصة القيادة وسحب الدارجة النارية، بالإضافة إلى إطلاق منظومة لتلقي شكاوى عمال التوصيل، تتضمن موقعًا إلكترونيًا مخصصًا لتلقي البلاغات والاستفسارات.
وتوفر الوزارة مهمات الوقاية لعمال التوصيل، وتشمل أدوات الحماية الشخصية الأساسية مثل، خوذة الرأس، والسترة العاكسة، والقفازات، والكمامات، وأدوات الإسعاف الأولية، وسيتم توزيعها مجانًا في المرحلة الأولى على الفئات الأكثر احتياجًا، ضمن خطة تدريجية، مع توفير فحص طبي، وتدريب لقيادة آمنة.
كما تعمل الوزارة على إعداد آلية قانونية لضمان وجود تعاقدات عادلة، تحمي الطرفين، وتلزم الشركات بتوفير التأمين والتدريب والتعويض في حالات الحوادث، بالإضافة إلى إعداد خطة تفتيشية متكاملة تبدأ من العاصمة الإدارية، وتشمل باقي المحافظات تدريجيًا، وبالتعاون مع إدارات المرور، وسيتم متابعة الالتزام بمعدات الوقاية.
لم تكن حملة “سلامتك تهمنا”، الأولى من نوعها، ففي عام 2022، أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي مبادرة بعنوان “طريقك أمان”، لحماية عمال التوصيل خلال احتفالية توقيع بروتوكول التعاون بين الوزارة وشركة مرسول مصر للاتصالات والتقنية، ويهدف البروتوكول إلى ضم العاملين بخدمات التوصيل تحت مظلة الحماية التأمينية، وتمكين العمالة غير المنتظمة اقتصاديًا.
بجانب إتاحة استفادة عمال التوصيل من مبادرة “معاشك بأيدك”، والتي تقدم للمستفيدين معاش تكميلي، يسمح للعامل الاشتراك في هذا المعاش باختيار سن الاشتراك، وتحديد قيمة القسط التأميني الأنسب لقدرته الاقتصادية، ومدة الاشتراك ودورية سداد قسط التأمين وسن التقاعد.
تُحسب هذه الإجراءات كخطوة أولية؛ لتوفير الحماية القانونية والاجتماعية لفئة عمال التوصيل، مع ضرورة أن تتيح الخطوات القادمة لهم إنشاء نقابة لضمان استقرارهم المهني.