انتهى دور الانعقاد البرلماني الخامس من الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب “2020 ـ 2025″، وذلك في نهاية يوليو الماضي، وأصدر المجلس عددا كبيرا من القوانين والتشريعات خلال هذا الدور، وكان الكثير منها مؤثرا في عدة محاور أهمها، الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية وبشكل خاص الحق في ضمان محاكمة عادلة، وحقوق الدفاع، وهو ما جاء إثر إصدار قانون كامل للإجراءات الجنائية، وكذلك محور قانون المسئولية الطبية وغيرها.

وحظيت هذه القوانين بعدد كبير من الانتقادات؛ كونها تنظم العلاقة بين عدة أطراف، ولم تضع توازنا في المراكز القانونية مكافئا لهذه الأطراف، والانتقاد الأساسي لهذه التشريعات، أنها لم تأخذ حقها الكامل في العرض على الرأي العام والأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى أنها مرت دون وضع تعديلات حقيقية، تستجيب لآراء الأطراف المختلفة خارج مجلس النواب، واستغلت الحكومة الاغلبية البرلمانية المطلقة داخل المجلس، والتي ترجع لقانون انتخابي معيب، هو قانون القائمة المطلقة والمغلقة التي أجريت وفقا له انتخابات 2015، 2020 السابقة.

وحفل هذا الدور بعدد كبير من القوانين وصل إلى 186 قانونا، بإجمالي عدد مواد 2635 مادة، في 62 جلسة أي بمعدل 3 قوانين بكل جلسة، وها ما يشير إلى التسرع في إقرار هذه التشريعات دون حوار حقيقي.

 ولا يجب اعتبار كثرة القوانين والتشريعات الصادرة عن المجلس إنجازا، يحسب للحكومة، دون النظر لمضمون هذه التعديلات وكيفية الصياغة التشريعية لنصوصها، ودور الرأي العام والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية في النقاش حول هذه النصوص.

ومن المنتظر، أن تخلق هذه التشريعات عددا كبيرا من الخلافات بين الأطراف المتأثرة بها، على سبيل المثال، سيودي قانون الإجراءات الجنائية، إلى وضع عقبات أمام تحقيق العدالة، وسيُحدث خلافات بين أطراف منظومة العدالة “شرطة، قضاء، محامون، النيابة العامة” حيث انحاز القانون لكل من النيابة العامة والقضاء، وأضعف بشكل كامل دور حقوق الدفاع.

 كما ينتظر تعديل قانون الإيجارات خلافات كبيرة بين الملاك والمستأجرين، والمطلوب أن يقوموا بإخلاء مساكنهم خلال 7 سنوات من إصدار القانون، وغيرها من النصوص التي لم تأخذ حقها في النقاش. ولم تقم الحكومة بالاستجابة لأية تعديلات جوهرية لمضمون هذه التعديلات.

يأتي هذا الدور في المركز الثاني في إصدار القوانين خلال الفصل التشريعي الثاني بـ 186 قانونا، بعد دور الانعقاد الثالث الذي أصدر المجلس فيه 188 قانونا، بينما جاء دور الانعقاد الأول الأقل بـ 146 قانون.

ويسجل هذا الدور العدد الأكبر في مواد هذه القوانين بـ 2635، وهو رقم لم يسجل خلال أدوار الانعقاد السابقة، وقد يرجع ذلك للموافقة على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي زاد على 500 مادة بمفرده.

سمات عامة

بعض هذه القوانين كانت مطروحة منذ سنوات، ومنها بشكل خاص قانون العمل، ومع ذلك لم تأخذ حقها في النقاش، ولم يحدث فيها تشاور مع النقابات العمالية ومنظمات حقوق الإنسان المعنية بالحقوق النقابية، كما أرسلت الحكومة لمجلس النواب مشروع كامل للإجراءات الجنائية؛ بديلا عن القانون الحالي، كما قدمت تعديلا على قانون الإيجارات في نهاية الدور البرلماني الأخير. وهنا نرصد السمات العامةالتالية:

ـ يلاحظ التسرع الشديد في عرض هذه القوانين، منذ ساعة إدخالها للجان المختصة، ثم اللجنة التشريعية بالمجلس، مرورا بتحويلها بشكل أتوماتيكي للمناقشة والموافقة المبدئية من الأعضاء، انتهاء بالموافقة النهائية، وكل هذا لا يستغرق أياما.

على سبيل المثال، مُرر قانون لجوء الأجانب خلال يومين، حيث وافق المجلس بشكل مبدئي على المشروع في 17 نوفمبر 2024، وكانت الموافقة النهائية على المشروع في 19 نوفمبر 2024.

وهو ما ينطبق على تعديلات قانون التعليم، حيث لم يحتج مجلس النواب سوى أيام معدودة للموافقة النهائية على تعديلات قانون التعليم المعمول به منذ 35 عاماً، حيث عقدت لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب جلسة في 2 يوليو 2025، ثم وافق المجلس عليه بشكل مبدئي في 7 يوليو، ثم بشكل نهائي في 8 يوليو 2025، أي خلال يومين فقط.

وكذلك قانون المسئولية الطبية تم إقراره خلال ثلاثة أيام، حيث ناقشه المجلس في 2/ مارس، ووافق عليه بشكل نهائي في 25 مارس 2025.

ـ من جهة أ خرى، يلاحظ أن كثير من هذه القوانين تتعلق بالحقوق السياسية والمدنية كقانون الإجراءات الجنائية الذي شهد تغييرا كليا، وحظي هذا القانون أثناء النقاش بعاصفة هائلة من انتقادات منظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية المعارضة، وعدد من النقابات المهنية مثل، المحامين والصحفيين والمجتمع المدني، حيث قلص من ضمانات الحق في المحاكمة العادلة، وأعطى صلاحيات مطلقة للنيابة العامة، وهمش نظام قاضي التحقيق. وغيب كثير من الضمانات المتعلقة بالحق في الحرية وتفتيش المساكن، وهمش كذلك حقوق الدفاع ودور المحامين أثناء التحقيقات.

 ـ كما أصدر المجلس عددا من القوانين المؤثرة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومنها قانوني العمل والضمان الاجتماعي. وتعديل قانون الإيجارات، وتعديلات قانون التعليم، وقانون تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي.

وهو ما ينطبق بالأخص على قانون العمل الذي ينظم العلاقة بين العاملين في القطاع الخاص وبين أصحاب الأعمال، وانحاز في مجمله لأصحاب الأعمال، وأبقى على قيود ممارسة الحق في الإضراب، ولم يضع حلا لمشكلة الفصل التعسفي للعمال، باستثناء أن تودع استمارة 6 في مكتب العمل.

ـ كل التعديلات التي قدمت على هذه المشروعات من جانب نواب المعارضة والمجتمع المدني، لم يتم وضعها في الاعتبار، وحتى مشروعات القوانين والصياغات البديلة التي أعدها عدد من المنظمات الحقوقية والنقابات المهنية، لم يتم الاستفادة منها في أي تعديل لقانون الإجراءات الجنائية وقانون العمل وقانون لجوء الأجانب على سبيل المثال.

ـ جاء عدد من القوانين ذات العلاقة بحقوق المهنيين؛ لتثير جدلا كبيرا مع النقابات الممثلة لهم، ومن أمثلتها تعديل قانون تنظيم شؤون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 2014، وقانون المسئولية الطبية الذي أثار رفضا كبيرا من نقابة الأطباء وجمعيتها العمومية، باعتباره يسمح بالحبس الاحتياطي في الأخطاء المهنية الطبية.

ـ جانب كبير من هذا القوانين بالرغم من أهميته وتأثيرها في العلاقات القانونية بين أطراف مختلفة، لم يتم مناقشته عبر حوار مجتمعي، أو يأخذ وقته في النقاش مثل، تعديل قانون الإيجارات الذي أوقف مسألة الامتداد القانوني للإيجار، ورفع نسب الإيجار، بالرغم من أن حكم المحكمة الدستورية العليا الذي يستند إليه التعديل، تحدث فقط عن عدم دستورية تثبيت النسب الإيجارية، ولم يشر إلى عدم دستورية الامتداد القانوني، وهو ما أثار انتقادات عدة من المستأجرين القدامى، والذي ينطبق القانون على العقود المبرمة قبل عام 1996.

ـ وأخيرا وافق المجلس على قوانين مستحدثة، أي يتم إصدارها للمرة الأول، وأبرزها قانون لجوء الأجانب، والذي ينظم علاقة طالبي اللجوء بالجهات الإدارية، وحظي هذا القانون بانتقادات عدة من جانب المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لتهميشه حقوق طالبي اللجوء، ومخالفته للاتفاقية الدولية للاجئين الصادرة من الأمم المتحدة عام 1950.

خاتمة

يوكد هذا التقرير، أن هناك عدة ملاحظات في العملية التشريعية تتعلق في أغلبها بطريقة تشكيل مجلس النواب، ولاحقا بكيفية إصدار القوانين، وأهم هذه الملاحظات غياب الحوار المجتمعي الحقيقي بين الأطراف ذات العلاقة حول هذه المشروعات، وافتقاد مشاركة الرأي العام، والذي يتضمن ممثلي الأحزاب السياسية كافة، وممثلي النقابات المهنية والعمالية وباقي الأطراف المتأثرة بتطبيق هذه القوانين، بالإضافة إلى السرعة في إصدار أجندة العمل التشريعية التي تضعها الحكومة بالتعاون مع الأحزاب المهيمنة على تكوين مجلس النواب.

أيضا ينبغي الإشارة إلى النظام الانتخابي الذي يأتي عبره أعضاء المجلس، وهو نظام يحظى بانتقادات عدة؛ بسبب اعتماد القائمة المطلقة والدوائر الكبرى التي لا تستطيع أغلب الأحزاب ترشيح ممثلين لها فيها؛ لاحتياجها إمكانيات مادية كبيرة وضخمة، وهو ما يقصر العضوية النيابية على أطراف محددة، فضلا عن أن نظام القائمة المطلقة يعصف بحقوق الـ49% من أصوات الناخبين، ولا يضمن تمثيلا حقيقيا للأحزاب الصغيرة والمتوسطة، وهو ما أصر عليه المجلس عبر تمرير تعديلات قانوني مجلسي النواب والشيوخ وتقسيم الدوائر بتبني نفس النظام الانتخابي.

ويشير ذلك إلى خلل كبير في الصياغة التشريعية؛ كونها تنحاز للأجندة الحكومية، دون وضع مصالح ووجهات نظر الأطراف الأخرى في الاعتبار.

لقراءة التقرير كاملا: