لا يجب اختزال حزب الله في كونه فقط جزءا من الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة ولا يجب اعتباره فقط حزبا مقاوما يحمل قيم ومبادئ المقاومة والعداء لإسرائيل عقب دوره الأساسي في تحرير الجنوب عام ٢٠٠٠، إنما أيضا أصبح في الفترة الأخيرة تنظيما يشير إلى مخاوف جانب من حاضنته الشعبية الشيعية ليبرر احتفاظه بسلاحه.

إن موقف العهد الجديد في لبنان من سلاح حزب الله موقف مبدئي، وتسليم سلاح الحزب للدولة تأخر ما يقرب من عقدين، بعد أن ثبت وخاصة في الحرب الأخيرة عدم نجاعته في مواجهة إسرائيل، وفي نفس الوقت فإن الجميع في لبنان مطالب بالحفاظ على السلم الأهلي وإزالة أي مخاوف يمكن أن تصيب أي مكون لبناني من أي قوى داخلية أو خارجية.

والحقيقة أن معضلة سلاح حزب الله إنها لا تخص فقط تنظيما مسلحا موازيا للدولة، ولا مشروعا عقائديا أحادي الجانب ظل لعقود يعتبر حماية هذا السلاح هدفا وطنيا وفق ثلاثية الشعب الجيش المقاومة، ورأي أن المساس بسلاحه نوع من “الخيانة الوطنية” لأنه أعطي لنفسه منذ دوره البارز في تحرير الجنوب عام ٢٠٠٠ مرتبه أعلى من باقي القوي والفصائل.

والحقيقة أن حزب الله تجاهل مطالب تسليم سلاحه في الداخل اللبناني ولم يعرها اهتماما خاصة عقب اجتياح عناصره لبيروت في ٢٠٠٨ وهيمنته على القرار السياسي والعسكري ثم تدخله المسلح في سوريا وتورطه في قتل مدنيين أبرياء وليس فقط دواعش أو فصائل مسلحة، وظل متمسكا بسلاحه حتى الآن رغم أن جانبا كبيرا منه دمرته إسرائيل في حربها الأخيرة.

لو كان تمسك حزب الله بسلاحه يرجع فقط لكونه حزبا مقاوما فإنه لن يستطيع أن يقاوم به إسرائيل، وبالتالي ما المانع من أن يسلم سلاح لن يستخدمه في هدفه الأصلي أي المقاومة؟.

الحقيقة أن سلاح حزب الله يمثل في أحد جوانبه بعدا عقائديا وسياسيا معاديا لإسرائيل، وقدم تضحيات في سبيل دفاعه عن قناعاته العقائدية وتحالفاته الإقليمية، وإنه لا مانع من بحث صيغة إدماج لما تبقى من سلاح حزب الله في الجيش اللبناني حتى يقوى هذا الجيش وتشعر جميع المكونات اللبنانية وخاصة الشيعة إنه قادر على حمايتهم.

والحقيقة أن البحث عن صيغ انتقالية لا تؤثر على الهدف النهائي بحصرية السلاح في يد الدولة ستكون تلبية لمخاوف جانب كبير من بيئته الشيعية التي باتت تعتبر أن هذا السلاح أيضا سلاح للمكانة الداخلية والحماية، مما يجعل قضية سلاح حزب الله أكثر عمقا وتعقيدا من كونها قضية مبدئية وقانونية صحيحة، أو أنها تتعلق فقط بتنظيم مسلح إذا امتلك الجيش القدرة على نزع هذا لسلاح سيفعل وتنتهي القضية.

إن التنظيمات والمشاريع العقائدية والسياسية التي تمتلك قاعدة اجتماعية أو طائفية أو مناطقية، لا يمكن التعامل معها على أنها مجرد تنظيم و”خلاص” إنما تحتاج إلى مشروع مقابل قادر على جذب أو تحييد قطاعات مؤثرة من البيئة الحاضنة لهذا التنظيم، وهو لم يحدث بعد في لبنان بالصورة المطلوبة.

لإحداث تغيير في معادلة سلاح حزب الله فيجب أولا الاستماع إلى اجتهادات (بعضها موجود) علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا حول تفسير أسباب تمسك جانب كبير من جمهور حزب الله بالسلاح رغم إنه لن يستطيع أن يحارب به إسرائيل بعد أن فككت الأخيرة جانبا كبيرا منه وقضت على معظم قياداته، كما سيصبح مطلوب أيضا أن تمتلك الدولة مشروعا سياسيا واجتماعيا متكاملا لدمج جانب مؤثر من البيئة الحاضنة لحزب الله في منظومة العهد الجديد.

إن الحديث الجديد والمتصاعد حول حاجة الشيعة إلى السلاح لكي يحموا أنفسهم من أي أخطار يمكن أن تأتي من “سوريا الجديدة” خاصة بعد أحداث الساحل والسويداء وتصاعد التوتر مع الأكراد، وأن قضية حماية الأقليات باتت مطروحة في أكثر من بلد عربي. ورغم إن الشيعة ليسوا أقلية في لبنان إلا إنه هناك من يعتبرهم أقلية وسط المحيط السني، وهناك من قال أن سحب السلاح هدفه جعل الشيعة مهمشين و”معترين” وأن يعودوا “محرومين” مرة أخرى، وإنه محاولة لإضعاف طائفة وليس نزع سلاح حزب.

وبعيدا عن مدى صحة هذه الأسباب أو على الأقل مساحة المبالغة أو الدقة فيها لتبرير تمسك الحزب بسلاحه لأسباب يراها كثيرون مرتبطة باستعادة الهيمنة على القرار السياسي والعسكري اللبناني والبقاء كجزء من الاستراتيجية الإيرانية، أما داعمو سلاح الحزب فيعتبره بعضهم إنه من أجل الحفاظ على مكانة مكون لبناني ويؤكد البعض الآخر على إنها من أجل ردع إسرائيل، فإن نتيجة ذلك تقول إن هناك قاعدة اجتماعية مرتبطة بجانب كبير من مكون لبناني وتتجاوز مساحة الأنصار لحزب سياسي تعتبر الاحتفاظ  بالسلاح جزءا من الحماية الذاتية والمكانة المجتمعية بصرف النظر عن الشعار الذي يبرر ذلك (مقاومة إسرائيل أم لا).  

إن  أخطر ما قاله مؤخرا  الرئيس اللبناني بإخلاص شديد إن إسرائيل تركت لبنان في وضع غير قادر على الحركة فإما ينفذ ماجاء في خطة براك فيكون أمام خطر الإنزلاق في مواجهة أهلية وإما لا ينفذها فيكون أمام خطر العدوان الإسرائيلي.

والحقيقة أن المطلوب تنفيذ الورقة لا عدم تنفيذها ولكن بشكل تدريجي لأنها مطلب لبناني منذ ٢٠٠٨، وأن تسليم سلاح التنظيمات المسلحة نص عليه اتفاق الطائف في ١٩٨٩، وأن خطة تسليم السلاح التي يفترض أن يضعها الجيش وينفذها نهاية العام تحتاج أن تراعي التعقيدات الحالية لا أن تلغى، لأن قرار حصر السلاح في يد الدولة هدف لا يجب التنازل عنه، تماما مثل الحفاظ على السلم الأهلي فكلاهما شرطان لا يجب التخلي عنهما.