يعتبر البرلمان الحالي الأكثر جرأة، بين سابقيه على مستوى التشريع، فيما يتعلق بقضية الحق في السكن، بعد إقراره سلسلة تشريعات لها تداعيات اجتماعية خطيرة، كان آخرها قوانين إيجار الأماكن وإعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر (الإيجار القديم)، التي تحاشت المجالس السابقة الاقتراب منها، رغم كثرة مشروعات القوانين التي تم تقديمها بشأنها.
لا يزال قانون “الإيجار القديم” مثيًرا للخوف وللجدل، رغم إقرار مجلس النواب له قبل أسابيع، قبيل نهاية الفصل التشريعي الخامس، خاصة فيما يتعلق بالمادة الثانية التي تنص على أحقية المالك في طرد المستأجر بعد سبع سنوات، من وقت تطبيق القانون الذي تم نشره في الجريدة الرسمية مؤخرا.
زاد من مساحة الخوف والجدل، تجاهل القانون حدود حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 9 نوفمبر 2024، والذي قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين 1 و2 من القانون رقم 136 لسنة 1981، فيما يتعلق بثبات الأجرة السنوية للأماكن السكنية، بحسب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
كان الهدف من حكم المحكمة، الذي حرك الحكومة لوضع قانون جديد للإيجار القديم، مناقشة تحديد قيمة إيجارية عادلة تأخذ في الاعتبار معدلات التضخم وانهيار قيمة العملة الوطنية، لكنه أقر نصًا يهدد الأمن والسلم الاجتماعي، وينتهك الحق الدستوري في السكن، ويفتح الباب أمام موجة واسعة من التشريد والحرمان، بحسب المركز.
تلك النقطة، أشارت إليها السفيرة مشيرة خطاب الرئيسة السابقة للمجلس القومي لحقوق الإنسان، حينما أثارت تساؤلًا محوريًا حول مدى قدرة الدولة على توفير بدائل سكنية مناسبة لأكثر من 6 ملايين مواطن، يقطنون وحدات سكنية تخضع لقانون الإيجارات القديمة، مبدية قلقًا بالغًا إزاء التداعيات الاجتماعية والاقتصادية المحتملة للقانون دون توفير ضمانات كافية لحماية هؤلاء المستأجرين.
وشددت خطاب، على أن “الحق في السكن الملائم هو حق أصيل من حقوق الإنسان، تكفله المواثيق الدولية والدستور المصري، وأي معالجة لقضية الإيجارات القديمة يجب أن تنطلق من هذا المبدأ، وأن تحمي الفئات الأكثر ضعفًا، فالمسئولية تقع على عاتق الدولة في إيجاد حلول عادلة ومستدامة، تحترم كرامة الإنسان وحقه الأساسي في السكن”.
الحلول الجذرية أم الحلول التدريجية
دخل البرلمان لأول مرة إلى ملف شائك بتبني القانون الحكومي الذي يعتمد على حل باتر، وليس تدريجيا لقضية ممتدة منذ خمسة عقود، رغم إمكانية تسببها في انفجار اجتماعي، وموجة تشريد جماعي، تزيد من معاناة ملايين الأسر، خصوصًا الفئات الأولى بالرعاية، بحسب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
كما يغفل بشكل صارخ الفوضى التي تسود سوق الإيجار؛ نتيجة غياب أسس ومعايير واضحة توازن بين حقوق المؤجر والمستأجر، ما يجعل المستأجرين، خاصة الأكثر هشاشة ضحايا لارتفاع أسعار السوق وجشع بعض الملاك، ويهدر الحقوق المكتسبة مثل مبالغ الخلو ومقدمات الإيجار، فضلاً عن تجاهله للدعم والتمويلات التي استفاد منها بعض الملاك.
قانون الاستثمار العقاري.. ضوابط مهمة
الانتقادات الكثيرة لقانون الإيجار القديم، ضيعت الكثير- حسبما يرى البعض- من مجهودات المجالس التشريعية الأخرى التي تصدت لمشكلات كبيرة في قطاع الإسكان، مثل قانون الاستثمار العقاري الذي وضع أطرا حاكمة للعلاقة ما بين المستثمرين والعملاء وشركات التطوير العقاري للحفاظ على حقوق جميع الأطراف.
استحدث القانون موادًا يتعين على المطورين العقاريين الالتزام بها عند القيام ببيع أي وحدة ضمن مشروعاتها التي تقوم بطرحها، ووضع ضوابط خاصة بوديعة الصيانة بنسبة تتراوح ما بين 4 و10% من الثمن الإجمالي للوحدة، ويتم سدادها عند حجز الوحدة أو قبل الاستلام، وألزم الشركات العقارية بفتح حساب لإيداع تلك المبالغ مع وجود إشراف للسماح بالتصرف بها.
كما تلزم الشركات بعدم الإعلان عن المشروع إلا بعد الحصول على القرار الوزاري، أو تصريح صادر من قبل جهاز المنطقة للسماح بالبناء حماية لحقوق الحاجزين، وضبط مشكلة التأخر في تسليم الوحدات، وهو أمر يحل الكثير من مشكلات العقار بمصر الذي يعاني من مماطلة الكثير من الشركات في تسليم الوحدات لسنوات، وكذلك نهب الوديعة العقارية، والزعم بأنه تم إنفاقه على غير الحقيقة على صيانة المنزل.
ضبط مسار التنمية العمرانية بمصر
من بين التشريعات المهمة التي أقرها مجلس النواب، قانون اختصاصات المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، الذي أقر اعتماد مخططات وبرامج وأولويات وآليات التنفيذ ومصادر التمويل لمشروعات التنمية العمرانية الجديدة التي يتم إنشاؤها خارج حدود الحيز العمراني المعتمد للمدينة أو القرية، طبقًا للمخططات الاستراتيجية للمحافظات والأقاليم التخطيطية والمعتمدة بالمخطط الاستراتيجي القومي.
وواجه النشاط العقاري في الريف مشكلة خلال الفترة من عام 2012 حتى 2018 لعدم تحديد الأحيزة العمرانية، لكن تم حل المشكلة مع وضع شروط بنائية يجب الالتزام بها، وعدم الجواز للوحدات المحلية إصدار بيان بصلاحية الموقع للبناء وإصدار الترخيص بالبناء دون وجود مخطط تفصيلي معتمد.
قانون المطورين.. تأخر غير مفهوم
رغم إصدار قانون الاستثمار العقاري، تعرض قانون آخر للتأخير لمدة عامين في مجلس النواب، وهو قانون اتحاد المطورين رغم مساهمته في حل مشكلة سماسرة الأراضي، وتنظيم السوق بشكل أكبر.
وتم مناقشة القانون لمدة سنتين في البرلمان وإرساله بعدها لمجلس الدولة، وكان يفترض عودته إلى المجلس الدورة التشريعية للعرض على لجنة الإسكان، ثم الجلسة العامة وإقراره، لكن ذلك لم يحدث.
يتضمن المشروع تصنيفًا للشركات المتواجدة بالسوق، ما يحمي الصناعة بأكملها، إذ سيتم منح الأرض بحسب القدرة المالية والخبرة الفنية المتاحة للمطور، ما يضمن عدم تعثره، ويحافظ على أموال العملاء وسمعة السوق الكبير وغيرها من المميزات التي سيتضمنها الاتحاد بمجرد تدشينه.
قاعدة بيانات للقطاع العقاري
وافق المجلس أيضًا على القانون رقم 88 لسنة 2025 مُقدم من الحكومة بإنشاء قاعدة بيانات الرقم القومي الموحد للعقارات لتشجيع الاستثمار الذي يشبه البطاقة الشخصية لكل منزل، تتضمن تاريخ البناء، اسم المالك، هل العقار مُسجل في الشهر العقاري أم لا، وجميع المعلومات القانونية الخاصة بالوحدات السكنية، وهذا الرقم لا يتكرر، حيث تمتلك كل وحدة رقم عقاري خاص بها، لا يمكن تزويره أو التلاعب به.
يستهدف القانون وضع حد للمشكلات الخاصة بالعقارات في مصر وتمكين المصريين بالخارج من شراء عقار بدون أي خوف أو تردد؛ لأنه سيحصل على جميع المعلومات الخاصة بالعقار من خلال الإنترنت، وكذلك الأمر للمستثمرين الأجانب ٍالراغبين في شراء العقارات بمصر.
المستوى الرقابي.. أدوار متعددة
على المستوى الرقابي، وهو الدور الثاني لمجلس النواب بجانب التشريع، شهد البرلمان العديد من طلبات الإحاطة المتشابهة، فيما يتعلق بتأخير شقق الإسكان الاجتماعي والتعاوني التي تم بناؤها، ولم يتم تسليمها لسنوات؛ بسبب عدم اكتمال بعض المرافق، ما يعطي انطباعا سلبيا لدى المواطن، بأن الحكومة عاجزة عن تسليمه الوحدات السكنية.
تركزت غالبية الاستجوابات على قضية الإسكان والخدمات والأحوزة العمرانية، كضعف الموقع الإلكتروني وعدم قدرة المواطنين على حجز وحداتهم في طرح وزارة الإسكان الجديد، وقلة عدد الوحدات السكنية مقارنة بأعداد المتقدمين، وعدم التزام هيئة المجتمعات العمرانية بقرارات مجلس الوزراء الخاصة بنظام التخصيص المباشر للأراضي الصناعية أرقام 2076 لسنة 2022، 1670 لسنة 2024.
وركزت أيضًا على التأخر الشديد في اعتماد الحيز العمراني لمحافظة الشرقية، أو تهالك شبكات الصرف الصحي وتكرار طفح مياه الصرف، وضعف المياه ببعض المناطق.
كانت هناك بعض الاستجوابات القليلة مثل تفشي ظاهرة الغش في مواد البناء، كالحديد والأسمنت والطوب وغيرها من الخامات الأساسية، الأمر الذي يهدد أرواح المواطنين، ويعرض آلاف المنشآت لخطر الانهيار، وكذلك البيروقراطية التي تواجه جموع المواطنين في ملف التصالح على مخالفات البناء.
تطرق البرلمان أيضًا إلى مشكلة طلبات إحاطة محدودة كالنائبة سميرة الجزار التي تحدثت عن القرار الوزاري رقم 1045 لسنة 2024 الخاص بحذف 10 مدافن من سجل المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز لمحافظة القاهرة، وكذلك عن هدم مطرانية ملوي، التي وصفتها بأنها تحفة معمارية للفن القبطي وذات قيمة تاريخية وثقافية عميقة.
تلقى المجلس طلبات إحاطة بخصوص هدم عقار مدكور باشا، وهو من كبار الأعيان في القاهرة في العصر العثماني، رغم تسجيله ضمن قائمة حصر المباني ذات الطراز المعماري، وكذلك هدم قبة مستولدة “القابلة أي الداية” محمد علي باشا التي تحمل قيمة معمارية وأثرية، لا تقدر بثمن، وجزء من قبة “نام شاز” التاريخية بالإمام الشافعي، وهي تحفة فنية عمرها أكتر من 155 سنة.
بعد هذه الجردة لحصاد البرلمان، يجدر في الأخير التذكير بحرص الدستور المصري 2014 على تضمين حق السكن ضمن نصوصه، حيث نص الدستور، على “تكفل الدولة للمواطنين الحق في السكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية” وقد خالف البرلمان هذا الحق في قانون الإيجار القديم الذي أثار فزعا وجدلا حول علاقته بالدستور، وقد تضطر المحكمة الدستورية العليا للتدخل من أجل تصويبه.