على عكس توقعات الطوائف المسيحية، انتهى دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب دون وصول مسودة قانون الأحوال الشخصية، بعد أن ترقب الأقباط صدوره رسميًا في يوليو الماضي.

ورغم انتهاء جلسات الحوار المجتمعي التي عقدت خلال فبراير الماضي، بمقر وزارة العدل بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتصريحات وزير العدل “عدنان فنجري” التي بثت تفاؤلًا بمشروع القانون من ناحية التوافق المسيحي التام، إلا أن أسبابًا لم تعلن حالت دون وصوله لمجلس النواب قبيل انتهاء دور انعقاده.

مسودات ثلاث

يعد مشروع القانون الحالي الذي شارك في إعداده ممثلون عن الكنائس “الأرثوذكسية، والإنجيلية، والكاثوليكية، والروم الأرثوذكس، والأسقفية”، ثالث المشاريع المقترحة منذ عام 1978.

وحسب تصريحات المستشار منصف سليمان– عضو اللجنة القانونية لصياغة قانون الأحوال الشخصية- فإنه عقب الحكم الصادر لصالح “مجدي وليم“- طليق الفنانة هالة صدقي- عام 2010- ضد الكنيسة، جاء قرار بابوي بالطعن لوقف تنفيذه، وبعدها شكل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك لجنة لإعداد مشروع قانون، على أن تنتهي من عملها خلال 30 يومًا، غير أن الكنيسة فوجئت بوفاة كل أعضاء اللجان السابقة، ولم يتبق منهم سواى أنا، والبابا شنودة.

ويكشف عضو المجلس الملي بالكنيسة الأرثوذكسية كواليس ما دار بين الرئاسة، والمقر البابوي خلال فترة “مبارك”، حيث كان قانون الأحوال الشخصية قاب قوسين أو أدنى من الإقرار الرسمي قائلًا: الرئيس مبارك كان ينتوي إصدار قرار بقانون لإنهاء جدلية “قانون الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية”، لكن تصريح على لسان أحد الكهنة، يقول بـ”أن حسني مبارك سيجامل الأقباط بإقرار قرار بقانون” أوقف المسيرة.

ويقول إيهاب رمزي– عضو مجلس النواب-: إن مشروع القانون لم يصل بعد لمناقشته، وما زال في أدراج وزارة العدل.

وحول تحرك برلماني باتجاه سرعة مناقشته، وإقراره رسميًا، يضيف “رمزي”، يبدو أنه مرهون بمناقشة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين.

وتواصلت النقاشات، والاجتماعات بين الكنائس المشاركة في صياغة المسودة النهائية لمشروع القانون نحو 11 عامًا، حيث بدأ إعداد النسخة الحالية منذ عام 2014.

وفي عام 2023، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي– رئيس الجمهورية بضرورة تضمين جلسات النقاش بوزارة العدل كل الكنائس، والطوائف المسيحية المعترف بها في مصر.

إشادة بالصياغة وتأجيل بلا أسباب

ولم يشر يوسف طلعت ممثل الكنيسة الإنجيلية بـ”لجنة قانون الأحوال الشخصية” إلى أسباب واضحة، تقف وراء عدم إرسال مشروع القانون من قبل وزارة العدل إلى مجلس النواب، لكنه خمن في الوقت ذاته، بناءً على بعض ما يتداول في سياق إقراره بالتوازي مع قانون الأحوال الشخصية للمسلمين.

وبتأخير إقرار القانون، وبعد تذمر ساد الأوساط القبطية على خلفية واقعة وفاة الإعلامي عاطف كامل إثر حصول طليقته الثانية على حكم بحبسه 10 سنوات، وطرح تساؤلات حول حيثية حصوله على تصريح بالزواج الثاني، يرى الدكتور فريدي البياضي عضو مجلس النواب، أن تأجيل صدور القانون سيعود بخيبة أمل على كثير من العالقين أمام المحاكم في انتظار الحصول على تصاريح زواج، بجانب قضايا الإرث، وغيرها.

وفي السياق ذاته، ينفي ممثل الكنيسة الإنجيلية طلب الجهات المختصة إجراء أية تعديلات على المسودة النهائية لمشروع القانون، فعلى حد تأكيده، أشادت المجالس المعنية بالصياغة النهائية.

ويرى د. نادر الصيرفي المتخصص في شؤون الأحوال الشخصية للمسيحيين، أن تأخر صدور القانون يرجع إلى عدم صدور قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، باعتباره قانونًا عامًا يطبق في حالة عدم وجود نص بقانون الطوائف المسيحية إزاء الأمور المشتركة التي لا تتعلق بجوهر العقيدة المسيحية مثل، “الأهلية، والوصاية، والحضانة، والمنقولات الزوجية”.

ويرجح “الصيرفي”- الذي خاض جولات لسنوات طويلة مدافعًا عن حق الأقباط في الطلاق- أن عدم إرساله لمجلس النواب في دور الانعقاد الحالي، ربما يتعلق بـ”جاهزية القانون” من عدة زوايا مثل “دستوريته”- كأن يكون موحدًا بمعنى الكلمة- لأجل أن تسري قواعده على جميع المسيحيين المصريين دون تميز، دون أن تستأثر طائفة بأحكام خاصة.

ويشير المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية، إلى أن مشروع القانون- الذي لاحقته تسريبات تدعم توسعًا في أسباب الطلاق- قد يتضمن على عكس ما يشاع عدم كفاية أحكام الطلاق، بما يعني اكتفائه بالهجر لمدة 3 سنوات، وهو معيار زمني لا موضوعي- على حد تعبيره- يجيز للطرف المتسبب في الهجر رفع دعوى الطلاق، بما يتعارض مع المصلحة القانونية، حسب “قانون المرافعات”.

خلاص الأقباط في القانون المؤجل

وحسب تصريحات المستشار منصف سليمان – ممثل الكنيسة الأرثوذكسية بلجنة إعداد القانون- فإن النسخة الحالية تتضمن 11 سببًا لبطلان الزواج من بينها “الغش”، و عدم الرضا، وعدم بلوغ أحد الزوجين السن القانونية، وقيام مانع لدى الزوجين من موانع الزواج، وزواج المرتبط بزيجة أخرى، وزواج القاتل عمدًا، أو شريكه بغرض تسهيل الزواج، وانتماء أحد الزوجين لدين أو مذهب آخر لا تعترف به الكنائس، وقيام مانع العلة النفسية لأحد الزوجين، وإخفاء معلومات أساسية، وموت أحد الزوجين حقيقة أوحكمًا.

وتبلورت فكرة إعداد قانون موحد للطوائف المسيحية عقب اجتماع البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث برؤساء الكنائس عام 1977، وأعيدت صياغة هذا المشروع مرة أخرى عام 1988، ووافقت وزارة العدل عليه من حيث المبدأ.

في ضوء ذلك تساءل د. فريدي البياضي- عضو مجلس النواب عن أسباب تأخر صدور قانون الأحوال الشخصية، لافتًا إلى أن ثمة لوائح قديمة جدًا، تعمل بها الكنائس حاليًا، حيث تعمل الكنيسة الإنجيلية بلائحة صدرت عام “1904”، ونظيرتها الأرثوذكسية بلائحة “1938”.

ويضيف في تصريحات متلفزة– أن الكنائس جميعها توافقت على النسخة النهائية، وأجري بعد تسليمه لوزارة العدل نقاش مجتمعي، وبالتالي لم يعلم أحد سببًا واضحًا معلنًا لعدم صدور القانون.

وحسب اللوائح الكنسية، فإن عقد الزواج يتم على مرحلتين، أولاهما عقد زواج كنسي داخل الكنيسة، يعقبة تسجيل بمصلحة الشهر العقاري “جهة التوثيق بوزارة العدل”.

في حين أن أحكام الطلاق الصادرة من المحاكم لا يعترف بها إلا بعد إقرار “المجلس الإكليريكي”- المختص بقضايا الأحوال الشخصية داخل الكنيسة-“، وهو ما يتسبب في آلاف العالقين المتضررين الراغبين في الحصول على تصاريح زواج ثاني.

وأوضح الأنبا بولا أسقف طنطا، وتوابعها– ورئيس المجلس الإكليريكي بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية- أن ثمة فوارق بين مشروع القانون الحالي، ولائحة 1938، لافتًا إلى أن اللائحة لم تراع الاختلاف بين الطوائف.

ومن منظور متفائل، يرى “أسقف طنطا”، وتوابعها أن الطوائف الآن- وفقًا لمشروع القانون الحالي المنتظر صدوره- لديها مواد تتضمن أهدافها، ومعتقداتها، وخصوصيتها، لكن ذلك لا ينفي وجود مشتركات بين الطوائف.

وعن لائحة 1938 الملغاة عام 2008، والتي كانت تتضمن ثمانية أسباب للطلاق، يضيف أنها كانت تتعارض مع قوانين الكنيسة، وتعاليمها”، فيما وصف مشروع القانون المؤجل، بأنه متوافق مع الدستور، وسيخرج بصورة ترضي جميع الأطراف في الدولة، والكنائس، دون تعارض مع الكتاب المقدس، وقوانين الكنيسة.

ملامح المسودة النهائية

ووفقًا لمشروع القانون المتوافق عليه كنسيًا بين الطوائف المسيحية، فإن طلب الطلاق يجوز في الحالات التالية، وفق ما صرح به “ممثل الكنيسة الأرثوذكسية:” زنا أحد الزوجين، وترك أحد الزوجين للدين المسيحي، أو طائفة لا يسري عليها أحكام هذا القانون مثل، طائفة “المرمون”، إلى جانب “المثلية الجنسية”، وقيام أحد الزوجين بمعاشرة الآخر بغير الطريقة الطبيعية للمعاشرة الزوجية.

في حين أن طوائف “الأرثوذكس، والسريان، والأرمن، والروم الأرثوذكس” تعتبر هروب الزوجة مع رجل آخر ليس من محارمها، أو المبيت معه، أو هروب الزوج مع امرأة ليست من محارمه، وإذا حملت الزوجة في فترة غياب زوجها، ما لم يثبت بالطرق العلمية، أن الحمل يعد “زنا”.

أما بالنسبة للكنيسة الإنجيلية، فإن طلب التطليق قبل المخالطة الجسدية، بناءً على أن الزواج لم يكتمل- على حد قوله-.

 كما أن أسباب الطلاق وفق لائحة الأرمن الأرثوذكس، بناءً على الصيغة النهائية لمشروع القانون- تتضمن ما يلي: إذا مضت 3 سنوات من تاريخ إصابة أحد الزوجين بمرض عضوي، أو نفسي، بشرط أن تكون هناك شهادة طبية بذلك، أو صدور حكم قضائي بالسجن 3 سنوات، أو أكثر، أو شروع أحد الزوجين في قتل الآخر، أو رفض أحد الزوجين معاشرة الآخر جنسيًا أثناء الزواج بغير مانع شرعي، أو تقصير أحد الزوجين في واجبات المعونة التي يفرضها واجب الزواج، أو رفض أحد الزوجين المعيشة مع الآخر، أو غياب أحد الزوجين مدة لا تقل عن 3 سنوات دون مبرر، أو إصابة أحد الزوجين بمرض جنسي معدي أثناء الزواج، شريطة أن يظهر ذلك وفق تقرير طبي، أو إصرار أحد الزوجين على عدم الإنجاب، أو تكرار اعتداء الزوجين على الآخر، أو وجود تنافر شديد بين طباع الزوجين، مما يجعل أمر المعيشة مستحيلًا، أو قيام مانع طبيعي كالخنوثة، والإخصاء، لا يرجى زواله، بشرط أن يثبت ذلك بتقرير رسمي.

ويقول “سليمان” الذي عمل على إعداد المسودة النهائية لمشروع القانون، وتوقع إقراره في يوليو الماضي: إن للزوجة الحق في طلب التطليق طبقًا لخصوصية كنيسة الأرمن الأرثوذكس في الحالات التالية: “ثبوت خيانة الزوج، المعاشرة الزوجية بغير الطريقة الطبيعية، وسوء أخلاق الزوج، خصوصًا إذا دفع زوجته لممارسة الرذيلة، وقيام مانع “العنة” لدى الزوج، واستمراره لمدة 3 أشهر.