منظمة العمل الدولية والمعايير التي تضعها من خلال الاتفاقيات التي تبرمها مع الدول، هي بمثابة المرجعية الأساسية لقياس مدى احترام الدول لحقوق الفئات العاملة لديها، ومصر هي إحدى الدول المنضمة لكثير من تلك الاتفاقيات، وبالتالي هي ملزمة التزاما قانونيا وأخلاقيا بالسير على الخطى الدولية لحماية حقوق العاملين لديها..

– وقانون العمل الجديد أجده قد أحدث تغيرات واسعة جداً، لم تكن موجودة في القانون السابق 12 لسنة 2003، خاصة في نصوص المواد المعنية، ببيئة العمل وحظر التمييز والمواد التي لها علاقة بنفسية العامل وراحته…

على سبيل المثال لا الحصر، المادة 4 والمادة 5 من القانون..
المادة 4 – ونصها على حظر تشغيل العامل سخرة أو جبراً……..كما يحظر التحرش أو التنمر أو ممارسة أي عنف لفظي أو نفسي….

أهمية التعريفات:

القانون وضع تعريفات دقيقة لمصطلحات مثل، “التحرش”، “التنمر“، وهذا لم يكن موجودا في ظل القانون رقم 12 لسنة 2003، وهي نقلة نوعية في قانون العمل الحالي، ولكنه لم يضع تعريفا ” للعنف النفسي” الذي أدرجته المادة في محظوراتها، هذا الغموض قد يؤدي إلى تفسيرات مختلفة في التطبيق، مما يُضعف فعالية القانون.
على سبيل المثال، ما الذي يُعتبر “عنفًا نفسيًا”؟ هل النقد الشديد من مدير يُعد تنمرًا؟


ما يعيب صياغة تلك المادة ويضعنا في تحدٍ وترقب في تطبيقها ….

الاعتماد على لوائح المنشآت:

ربط الجزاءات التأديبية بلوائح المنشآت قد يُعرض القانون للإساءة………
بعض أصحاب العمل قد يضعون لوائح متساهلة أو غامضة لتجنب العقوبات، خاصة في القطاع الخاص غير المنظم. هذا يتطلب رقابة صارمة من الدولة، وهو تحدٍ كبير في ظل محدودية موارد التفتيش العمالي في مصر.

ضعف آليات الإنفاذ:

على الرغم من فرض غرامات تصل إلى 50 ألف جنيه مصري (مع إمكانية التضاعف في حال التكرار)، فإن فعالية هذه العقوبات تعتمد على التطبيق الفعلي في مصر، تُعاني قوانين العمل تاريخيًا من ضعف الإنفاذ؛ بسبب نقص مفتشي العمل، والفساد، أو التساهل في الرقابة، خاصة في المناطق الريفية أو المنشآت الصغيرة.

عدم الشمولية:

النص لا يتناول بشكل واضح العمال غير الرسميين (مثل عمال اليومية أو العاملين في الاقتصاد غير المنظم)، الذين يشكلون نسبة كبيرة من القوى العاملة في مصر (حوالي 40- 50% وفقًا لتقديرات غير رسمية). هؤلاء العمال غالبًا لا يخضعون للوائح المنشآت، مما يجعل حمايتهم من السخرة أو التحرش أمرًا صعبًا.

التحديات الثقافية:

في سياق اجتماعي محافظ، قد تواجه مفاهيم مثل “التحرش” أو “العنف النفسي” مقاومة ثقافية، حيث قد يُنظر إلى بعض السلوكيات (مثل الصراخ أو التوبيخ)، على أنها “عادية” في بيئة العمل. هذا يتطلب حملات توعية مكثفة، وهو أمر لم يُشر إليه النص أو القانون بشكل مباشر.

 السياق الاقتصادي والاجتماعي:

القانون يأتي في وقت تواجه فيه مصر تحديات اقتصادية، مثل ارتفاع التضخم، وانخفاض قيمة الجنيه، مما قد يجعل أصحاب العمل مترددين في تحمل تكاليف إضافية (مثل تحسين بيئة العمل أو دفع الغرامات). هذا قد يؤدي إلى مقاومة تطبيق القانون في القطاع الخاص، خاصة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

  • في الوقت نفسه، أجد نص المادة 4  خطوة إيجابية نحو تحسين بيئة العمل، لكنه قد لا يكون كافيًا بمفرده لخلق “بيئة عمل لائقة” دون استثمارات موازية في التدريب، وتحسين الأجور، أو تعزيز البنية التحتية للرقابة.

  • – فبينما يتماشى النص ( شكلياً ) مع مبادئ العمل الدولية، إلا أنه يفتقر إلى تفاصيل تنفيذية موجودة في قوانين دول أخرى. على سبيل المثال، في دول مثل كندا أو أستراليا، توجد بروتوكولات واضحة للتعامل مع شكاوى التحرش تشمل تحقيقات مستقلة وآليات حماية المبلغين عن المخالفات.
    – ولكن القانون المصري الحالي اعتمد بشكل كبير على لوائح المنشآت، مما قد يُضعف الحماية في حالة وجود إدارات غير محايدة.


                                  المادة الخامسة من القانون والتي تحدثت عن حظر التمييز…
نصت المادة (٥) في قانون العمل الجديد: “يحظر كل عمل أو سلوك أو إجراء، يكون شأنه إحداث تمييز الأشخاص في التدريب، أو الإعلان عن الوظائف أو شغلها، أو شروط أو ظروف العمل أو الحقوق والواجبات الناشئة عن عقد العمل، بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو النقابي أو الجغرافي أو أى سبب آخر، يترتب عليه الإخلال بمبدأ المساواة، وتكافؤ الفرص، ولا يُعتبر تمييزاً محظوراً كل ميزة أو أفضلية أو منفعة أو حماية تقرر بموجب أحكام هذا القانون والقرارات واللوائح المنفذة له للمرأة أو للطفل أو للأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام، كلما كانت مقررة بالقدر اللازم لتحقيق الهدف الذي تقررت من أجله، وتعمل الوزارة المختصة على وضع السياسات والخطط اللازمة لدمجهم فى سوق العمل وتوفير الحماية اللازمة لهم في بيئة العمل، وذلك بالتنسيق مع الوزارة المختصة بالتضامن الاجتماعي والمجالس القومية المتخصصة المعنية”. 

–  أضافت أسسًا جديدة  للتمييز مثل “المستوى الاجتماعي” و”الانتماء الجغرافي”، ووسّعت نطاق الحماية ليشمل مراحل العمل كافة، بينما القانون السابق، كان أقل شمولية ولم يتناول هذه الأسس صراحةً.

1. منع التمييز على أساس الجنس


تحظر التمييز في التدريب- الإعلان عن الوظائف- التوظيف- شروط العمل- والحقوق الناشئة عن عقد العمل بناءً على الجنس- إلى جانب أسس أخرى مثل الدين، الإعاقة، والمستوى الاجتماعي.

  •  كما أجازت “التمييز الإيجابي” للنساء، مثل توفير إجازات أمومة أو مرافق خاصة، لتحقيق المساواة الفعلية.

الامتثال لـ منظمة العمل الدولية…

  • متوافق مع الاتفاقية 111 التي تطالب بالمساواة في الفرص والمعاملة.
  • يتماشى مع الاتفاقية 100 التي تطالب بالمساواة في الأجور بين الجنسين للعمل ذي القيمة المتساوية.

– فالقانون يمنع إعلانات وظيفية، تحدد الجنس (مثل “مطلوب موظف ذكر”) ما لم يكن هناك مبرر وظيفي.

– يحظر دفع أجور أقل للنساء عن الرجال في وظائف متساوية القيمة.

2. إجازة الأمومة

   (المادة 91 من القانون السابق، مستمرة في القانون الجديد مع زيادة المدة).

– يمنح القانون إجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة 90 يومًا، تشمل فترة ما قبل الولادة وبعدها.

– يحق للمرأة العاملة الحصول على إجازة أمومة لثلاث ولادات كحد أقصى خلال خدمتها.

– يُحظر فصل المرأة خلال إجازة الأمومة أو بسبب الحمل.

الامتثال لمنظمة العمل الدولية ILO:

متوافق مع الاتفاقية 183 (حماية الأمومة)، التي تطالب بإجازة أمومة لا تقل عن 14 أسبوعًا (98 يومًا).
 لكن مصر توفر 90 يومًا فقط، وهو أقل قليلاً من المعيار، ومقارنة إجازة الأمومة في مصر مع الدول العربية، نجد أن كل الدول العربية لم تحقق الامتثال الكامل لهذا المعيار.

الإمارات العربية المتحدة

  • المدة: 60 يومًا في القطاع الخاص (45 يومًا بأجر كامل + 15 يومًا بنصف الأجر)، و90- 120 يومًا في القطاع الحكومي.
    • الأجر: 100% لـ45 يومًا و50% لـ15 يومًا في القطاع الخاص، 100% في القطاع الحكومي.
      الامتثال لـ ILO
      : أقل من الحد الأدنى (14 أسبوعًا)، والأجر الجزئي في القطاع الخاص، لا يحقق معيار الأجر الكامل.
    • المقارنة مع مصر: مصر تقدم إجازة أطول (90 يومًا) بأجر كامل دون شروط، مما يجعلها أفضل من القطاع الخاص في الإمارات.

السعودية

  • المدة: 70 يومًا (10 أسابيع).
    • الأجر: 50% لمدة خدمة سنة، و100% لمدة 3 سنوات أو أكثر.الامتثال لـ ILO: المدة أقل من 14 أسبوعًا، والأجر الجزئي لبعض العاملات، لا يتوافق مع ILO.
    • المقارنة مع مصر: مصر تتفوق بإجازة أطول (90 يومًا)، وأجر كامل دون شروط مدة الخدمة.

قطر

  • المدة: 50 يومًا (7.1 أسابيع).
    • الأجر: 100%.
    • الامتثال لـ ILO: المدة قصيرة جدًا مقارنة بـ14 أسبوعًا.
    • المقارنة مع مصر: مصر تقدم إجازة أطول بكثير (90 يومًا)، مما يجعلها أكثر دعمًا للأمهات.

الكويت

  • المدة: 70 يومًا (10 أسابيع).
    • الأجر: 100%.
    • الامتثال لـ ILO: المدة أقل من 14 أسبوعًا، لكن الأجر الكامل متوافق.
    • المقارنة مع مصر: مصر تقدم إجازة أطول (90 يومًا)، مما يمنحها ميزة.

لبنان

  • المدة: 70 يومًا (10 أسابيع).
    • الأجر: 100%.
    • الامتثال لـ ILO: المدة أقل من 14 أسبوعًا، لكن الأجر الكامل متوافق.
    • المقارنة مع مصر: مصر تقدم إجازة أطول، لكن لبنان يوفر إجازة إضافية غير مدفوعة (حتى عام)، قد تكون ميزة.

الأردن

  • المدة: 70 يومًا (10 أسابيع).
    • الأجر: 100%.
    • الامتثال لـ ILO: المدة أقل من 14 أسبوعًا.
    • المقارنة مع مصر: مصر تتفوق بإجازة أطول (90 يومًا).

الجزائر

  • المدة: 98 يومًا (14 أسبوعًا).
    • الأجر: 100%.
    • الامتثال لـ ILO: متوافق بالكامل مع الاتفاقية 183.
    • المقارنة مع مصر: الجزائر تتفوق بمدة إجازة تلبي معيار ILO بالكامل، بينما مصر أقل بـ8 أيام.

تونس

  • المدة: 30 يومًا (القطاع الخاص)، 60 يومًا (القطاع العام).
    • الأجر: 100% في القطاع العام، 67% في القطاع الخاص.
    • الامتثال لـ ILO: المدة في القطاع الخاص بعيدة عن معيار ILO، والأجر الجزئي لا يحقق المعيار.
    • المقارنة مع مصر: مصر تقدم إجازة أطول بكثير (90 يومًا) وأجر كامل، مما يجعلها أفضل من تونس، خاصة في القطاع الخاص.
  • بعض الشركات في القطاع الخاص تتجنب توظيف النساء؛ بسبب تكلفة إجازة الأمومة.
  • القطاع غير الرسمي (40-50% من القوى العاملة)، لا يوفر هذه الحماية فعليًا.

الحماية من التحرش في مكان العمل

القانون الجديد يتضمن أحكامًا لمكافحة التحرش الجنسي في بيئة العمل، ويُلزم أصحاب العمل باتخاذ تدابير وقائية، مثل وضع سياسات داخلية وآليات شكاوى.

متوافق مع الاتفاقية 190 (2019) بشأن القضاء على العنف والتحرش في العمل، التي تطالب بسياسات لمنع التحرش وضمان بيئة عمل آمنة.

لكن المشكلة أن القانون العمالي لم يضع آليات تفصيلية داخل مكان العمل (سياسات، لجان شكاوى داخلية، تدريب،)، وهو ما يترك فراغًا في التطبيق.

  كيفية الحماية من التحرش والاعتداء (على مستويين)

1- حماية تشريعية وقانونية:

نصوص صريحة تجرم التحرش والاعتداء. (المادة 306 عقوبات).

عقوبات رادعة (جنائية + عمالية) على مرتكبي التحرش وأصحاب العمل المتقاعسين.

ضمان عدم تعرض المبلّغة للانتقام أو الفصل (حماية الشهود والمبلّغين).

2- حماية عملية ومؤسسية داخل بيئة العمل:

سياسة مكتوبة لمكافحة التحرش يلتزم بها جميع العاملين.

قنوات سرية وآمنة لتقديم الشكاوى (مثل صندوق شكاوى، خط ساخن، أو لجنة مستقلة).

تدريب العاملين والمديرين على احترام الزملاء ومنع التمييز والتحرش.

إجراءات سريعة للتحقيق مع ضمان سرية بيانات الضحية.

عقوبات إدارية واضحة داخل الشركة (إنذار – خصم – فصل) بجانب العقوبات الجنائية.

  • دعم دمج المرأة في سوق العمل

المادة (5) توكل لوزارة القوى العاملة، بالتنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعي، وضع سياسات لدمج النساء في سوق العمل، مثل برامج التدريب المهني ودعم ريادة الأعمال.

  • يشجع على توفير جداول عمل مرنة والعمل عن بُعد لتلبية احتياجات النساء، خاصة الأمهات.
    – متوافق مع منظمة العمل الدولية بشأن المساواة بين الجنسين (2009)، الذي يدعو إلى دمج النساء في سوق العمل من خلال التدريب وتكافؤ الفرص.
  • يدعم تقليل فجوة العمالة بين الجنسين.

    ولكننا نرى أن…..
  • الفجوة في مشاركة النساء في سوق العمل، لا تزال كبيرة بسبب العوامل الثقافية والاقتصادية.
    (معدل مشاركة النساء في مصر حوالي 17% مقارنة بـ70% للرجال).

    –  المساواة في الأجور

القانون يضمن المساواة في الأجور بين الرجال والنساء للعمل ذي القيمة المتساوية، مع الحد الأدنى للأجور ،يُلزم أصحاب العمل بالشفافية في هيكل الأجور.

  • متوافق مع الاتفاقية 100 التي تطالب بالمساواة في الأجور بغض النظر عن الجنس.

ولكن في الحقيقة….

فجوة الأجور لا تزال موجودة في القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي (حيث تعمل نسبة كبيرة من النساء بأجور منخفضة).

ضعف التفتيش العمالي يحد من مراقبة المساواة في الأجور.

  •  دعم الأمهات العاملات   
    يسمح القانون بفترات راحة يومية للرضاعة لمدة عامين بعد الولادة (30 دقيقة يوميًا).

               يشجع على توفير حضانات في أماكن العمل التي تضم أكثر من 100 عامل.
              متوافق مع التوصية 191 (حماية الأمومة)، التي تدعو إلى دعم الأمهات العاملات.

    الإعفاء من الرسوم القضائية

نصت المادة (٧) من القانون: “تعفى من الرسوم والمصاريف القضائية فى جميع مراحل التقاضي الدعاوى الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام هذا القانون، التي يرفعها العاملون والمتدرجون وعمال التلمذة الصناعية، أو المستحقون عن هؤلاء، وللمحكمة الأحوال أن تشمل حكمها بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، ولها في حالة رفض الدعوى، أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها، وتعفي الفئات المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة من ضريبة الدمغة على كل الشهادات والصور التي تعطي لهم، والشكاوى والطلبات التي تقدم منهم، تطبيقا لأحكام هذا القانون، ومع مراعاة حكم المادة (١٨٥) من هذا القانون، لا يشترط بالنسبة لتلك الفئات توقيع محام على صحيفة افتتاح الدعوى، أو صحيفة الطلبات الموضوعية أو طلبات استصدار الأوامر.  


النص يتماشى مع المعايير الدولية التي تشجع على تسهيل الوصول إلى العدالة.
ولكن………

– إمكانية الحكم على رافع الدعوى بالمصروفات في حالة رفض الدعوى قد تُثني بعض العمال عن رفع دعاوى مشروعة؛ خوفًا من تحمل تكاليف لاحقة. هذا قد يتعارض مع الهدف الأساسي للقانون، وهو تشجيع العمال على المطالبة بحقوقهم.

– يتطلب ذلك معايير واضحة؛ لتحديد متى يتم فرض المصروفات على العامل، لتجنب الإضرار بالفئات الضعيفة.

– النص يقتصر على العمال، المتدرجين، عمال التلمذة الصناعية، والمستحقين عنهم، لكنه لا يتناول بشكل واضح العمال في القطاع غير المنظم (مثل عمال اليومية أو العاملين في الاقتصاد غير الرسمي)، الذين يشكلون نسبة كبيرة من القوى العاملة في مصر (تقدر بحوالي 40-50%). هؤلاء العمال غالبًا لا يملكون عقودًا رسمية، مما يجعل إثبات أحقيتهم في الإعفاءات صعب.

– بالإضافة أن العامل يتحمل مصروفات أخرى، أثناء سير الدعوى كالمستخرجات الرسمية وتنفيذ التصاريح وغيرها.