مشروع إسرائيل الكبرى ليس له فقط أساس توراتي عقائدي ولا هو فقط مشروع للاحتلال العسكري المباشر إنما هو أيضا مشروع للهيمنة وبسط النفوذ دون أن يعني بالضرورة تحرك جندي عبري واحد إلى أراضي 8 بلاد عربية مستهدفة من هذا المشروع.
ووفق ما جاء في أدبيات كثير من المؤسسات الدينية واليمينية المتطرفة مثل معهد “التوراة والأرض” وغيره بأن “أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقا إلى نهر النيل جنوبا”، وهي مقولة مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، حين أعلن مشروعه التوسعي عام 1904، وهي المعتقدات التي حملها وأصّلها قادة الحركة الصهيونية منذ بدايتها قبل أكثر من 120 عاما.
ولعل من أبرز هذه المعتقدات ما كتبه ديفيد بن جوريون أحد أبرز مؤسسي دولة إسرائيل عن أن “إقامة الدولة، حتى لو كانت على جزء بسيط فقط من الأرض، هي التعزيز الأقصى لقوتنا في الوقت الحالي ودفعة قوية لمساعينا التاريخية في تحطيم الحدود التي تفرض علينا، ليس بالضرورة عن طريق الحرب”.
أما الطبعة السياسية المعاصرة لهذا المشروغ فقد بلورها كل من حزب الليكود وحزب “الصهيونية بيتنا” الذي يقوده بتسالئيل سموتريتش منذ عام 2016، وكان حينها عضوا في الكنيست قبل أن يتولى حاليا حقيبة وزارة المالية وقال أن “حدود إسرائيل يجب أن تمتدّ لتشمل دمشق ، إضافة إلى أراضي 5 دول عربية أخرى هي لبنان والأردن والعراق وجزء من مصر ومن السعودية، لتحقيق الحلم الصهيوني من “النيل إلى الفرات”. ولا زال الكثيرون يتذكرون كيف أن سموتريتش وقبل عملية ٧ أكتوبر، وضع خلفه في خطاب شهير في باريس خريطة تشمل “أرض إسرائيل” وتضم الضفة الغربية وقطاع غزة، بجانب الأردن.
إن خريطة “إسرائيل الكبرى” التي يرفعها نتنياهو، تشمل: كامل فلسطين التاريخية، ومساحتها 27 ألفا و27 كيلو مترا مربعا، ولبنان ومساحته 10 آلاف و452 كيلومترا مربعا، والأردن ومساحته 89 ألفا و213 كيلو مترا مربعا، وأكثر من 70 بالمئة من مساحة سوريا البالغة 185 ألفا و180 كيلومترا مربعا، ونصف مساحة العراق البالغة 438 ألفا و317 كيلو مترا مربعا، ونحو ثلث الأراضي السعودية البالغة مساحتها مليونين و149 ألفا و690 كيلو مترا مربعا، وربع مساحة مصر البالغة نحو مليون كيلومتر مربع، وجزء من الكويت البالغة مساحتها 17 ألفا و818 كيلو مترا مربعا.
أما حزب الليكود فكان من أوائل الأحزاب السياسية التي تبنت مشروع إسرائيل الكبرى مذ عام ١٩٧٧ في عهد مناحم بيجين وحوّله إلى برنامج سياسي بُني على أفكار توراتية وأيديولوجية أهمها ما ورد في سفر التكوين، إضافة إلى أصوات داخل الحركة الصهيونية تدعو إلى توسيع حدود إسرائيل لتشمل أجزاء واسعة من دول عربية، وتبعها استخدام الاسم التوراتي للضفة الغربية “يهودا والسامرا” والترويج للاستيطان اليهودي.
صحيح أن السياق المحيط وخاصة عقب الخطوة الجريئة التي اتخذها الرئيس السادات بزيارة القدس ثم توقيعه على اتفاق سلام منفرد مع إسرائيل جمدت مشروع إسرائيل الكبرى وجعلت حديث بيجين وقادة الليكود يتركز أساسا على “يهودا والسامرا” في إعلان واضح عن رفض تسليم الضفة الغربية والقدس الشرقية للفلسطينيين وعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
إن تحويل هذه العقيدة التوراتية إلى برنامج سياسي يُنفذ على الأرض أخطر ما يعمل عليه نتنياهو في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر، واستهداف القوة العسكرية السورية بعد سقوط النظام في ديسمبر 2024، وشن الحرب على لبنان، وحديثه الأخير إلى قناة «i24» الإسرائيلية، يشير الى «الحلم الإسرائيلي» بوصفه «مهمة أجيال» يُسلمها جيل إلى جيل، وكيف أنه يشعر بأنه في مهمة «روحية وتاريخية» من أجل الشعب اليهودي.
إن ما قاله بن جوريون عن أن تحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى” لن يكون بالضرورة بالقوة المسلحة يشير إلي أن المقصود هو الهيمنة والسيطرة على هذه الدول، صحيح أن تل أبيب يمكن أن تستخدم القوة المسلحة لتحقيق أهدافها إنما سيظل الهدف الأساسي ليس احتلال ربع مساحة مصر إنما السيطرة الكاملة عليها وجعلها مسلوبة الإرادة وعاجزة عن الفعل والحركة.
خطورة الوضع الحالي مقارنة بأوقات سابقة أن مشروع إسرائيل الكبرى كان موجودا أثناء حكم الليكود ومناحم بيجين، ولكن قبلت إسرائيل أن تفعل عكس ما جاء فيه، وتنازلت عن أرض احتلتها في ٦٧ لأنها اعتبرت أن خروج مصر من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي مكسب استراتيجي لها وبالتالي جمدت مشروعها التوراتي المتعلق بإسرائيل الكبرى وأعادت سيناء لمصر، أما حاليا فلم يعد مبدأ التنازل عن أي أراضي من أجل السلام موجودا في السياسات الإسرائيلية.
مفارقة واضحة إنه في الوقت الذي تؤكد فيه كل دول العالم (ماعدا أمريكا وإسرائيل) على حل الدولتين وتنوي فرنسا وبريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومعهما عشرات الدول الأوربية وكندا هذا الشهر، فإن إسرائيل تعلن احتلالها الكامل لقطاع غزة وضم الضفة الغربية وتعتدي على سوريا وتتحرش بمصر والسعودية وتطرح تنفيذ مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي نال دعم قاعدة اجتماعية تمثل غالبية المجتمع التي وصلت لدرجة من التطرف وكراهية الآخر غير مسبوقة.
مشروع إسرائيل الكبرى حقيقة خاصة إذا أخذناه على إنه مشروع للهيمنة وبسط النفوذ وليس فقط احتلال عسكري، وهو لا يتطلب فقط جاهزية عسكرية إنما أيضا صلابة النموذج الداخلي وتماسكه وهو لن يتحقق إلا بحد أدني من الإنجاز الاقتصادي والاعتماد على النفس وعدم الارتهان للديون الخارجية وأيضا حد أدني من الكفاءة السياسية وحد أكبر من العدالة، غير ذلك لا يمكن الوقوف في وجه مشروع إسرائيل الكبرى أو الصغرى إلا بالشعارات التي لم تعد تسمن من جوع.