يعتبر الذكاء الاصطناعي من المصطلحات الحديثة نسبيًا في المجال القانوني، وعلى المستوى الاجتماعي مفهوم الذكاء الاصطناعي ليس متداولا، وأنه يشير إلى النماذج الحديثة في استخدام الآلة في الحياة العملية، والتي يتم إدارتها بواسطة الإنسان العادي، ومن الممكن أن نوجز بأنه أحد منتجات التطورات التكنولوجية البشرية التي تتداخل في مظم الأنشطة البشرية الطبيعية، كما أنها تتداخل كذلك في غالبية العمليات التكنولوجية الحديثة، بما في ذلك الصناعة والطب والفن ،ونتيجة لكون الذكاء الاصطناعي خوارزميات مصطنعة متطورة، فإنه لا يخلو من الإشكالات والمخاطر المباشرة وغير المباشرة، فقد ينجم أن تكون هناك أضرار مباشرة، تصيب المتعاملين أو الغير من تقنية الذكاء الاصطناعي، وذلك لتحديد المسئول عن اضرار التصرفات الناتجة من تقنية الذكاء الاصطناعي، وقد لا تحمل الأحكام العامة في المسئولية المدنية أو الجنائية أو العقدية الأضرار الناتجة عن تقنية الذكاء الاصطناعي، وقد يكون الضرر الناتج من الذكاء الاصطناعي غير مباشر، عندما يتم استخدام البيانات والمعلومات التي تحصل عليها تقنية الذكاء الاصطناعي، واستخدامها من قبل مشغلي الذكاء الاصطناعي.
وقد بدأ الاهتمام بالذكاء الاصطناعي خلال العقدين الماضيين، وذلك بسبب الإنجازات الكبيرة التي حققها في العديد من المجالات مثل الطب، واللوجستية، والصناعة، والاقتصاد، ومعالجة اللغات الطبيعية، وتداول الأسهم في الأسواق، والأنظمة الأمنية في تحليل الصور و الأصوات، وهناك من يرى بأن تكون سلوكيات أنظمة هذا الذكاء مع الذكاء البشري وتحاكيه، أما الطرف الآخر، فيرفض هذا الشيء، بل ويقول بأنه ليس من الضروري أن تعتمد الأنظمة على نفس الأساليب التي يستخدمها البشر في الوصول لسلوك معين. رغم اختلاف الشروح ووصف الذكاء الاصطناعي، إلا أنهم يجتمعون في عامل واحد، وهو بناء نظام تقني ذكي، يتمكن من التفوق على العوائق، التي تواجه ذكاء البشر و تباطؤه.
ويعد الذكاء الاصطناعي أحد أهم المستجدات على الساحة القانونية، والتي تثير العديد من المشكلات القانونية والتطبيقية، وذلك من خلال التطورات السريعة التي واكبت هذه التقنية في أغلب المجالات الحياتية بشكل متسارع، وهو الأمر الذي يقتضي البحث عن حلول قانونية لأزمة تقنين هذه الأوضاع المترتبة على استخدام هذه التقنية، وكذلك للحفاظ على حقوق الآخرين المرتبطة باستخدام ابتكاراتهم العلمية، وكذلك مؤلفاتهم الفنية والموسيقية والأدبية من خلال هذه التقنية، وهو الأمر الذي يكون مؤثراً في كيفية الحفاظ على حقوق الآخرين، والأمر هنا مرتبط بكيفية إيجاد قواعد قانونية مستحدثة، تدعم وجود تقنية الذكاء الاصطناعي، واستفادة البشرية منها، وكذلك، ومن ناحية مغايرة الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية، مثل حق المؤلف، أو براءات الاختراع، إذ أنه تشكل مجالاً خصباً لاستغلالها من قبل هذه التقنية الحديثة.
وتهدف حقوق الملكية الفكرية إلى حماية مجموعة من حقوق المبتكرين والمبدعين، وتشمل طائفة واسعة مثل العلامات التجارية وبراءة الاختراع وحقوق النشر والملكية الصناعية، وتبدو الإشكالية الأساسية، فيما بين تقنية الذكاء الاصطناعي، وبين مجموعة تلك الحقوق، أن الذكاء الاصطناعي، عادة ما يمكن تغذيته، بما يعتبر محمياً وفق الأطر القانونية المؤسسة لمجموعة حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع وغيرها، فهل في ذلك ما يمثل اعتداءً على تلك الحقوق، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مشروعاً وفق نسق التطور التكنولوجي. وقد تبدو المشكلة في صورة معكوسة، في أنه هل يمكن أن تكون لما تنتجه تقنية الذكاء الاصطناعي حماية قانونية، كما هو متعارف عليه من الحماية المقررة للحقوق البشرية، أم أن الحماية لا يمكن أن يتم إسباغها عليها بحسب كونها ليست من الأشخاص؟
لا يمكننا بحال من الأحوال، أن نسلم بأن التقدم العلمي بما أتى به من اختراعات جديدة، قد اشتملت فيما تضمنته إلى تقنية الذكاء الاصطناعي، قد يحق لها أن تستخدم ما أنتجته العقول البشرية من إبداعات في شتى مجالات الحياة، دونما حد يقف حائلاً بين ذلك، وبين حماية حقوق المؤلفين والمخترعين والمبتكرين، إذ أننا إذا سلمنا بذلك، جعلنا من كل تلك الحقوق حالة شائعة لمستخدمي تقنية الذكاء الاصطناعي، دونما حد فاصل يحمي حقوق أصحاب الحق الأصلي في الاختراع أو الابتكار أو التأليف، وذلك لما لهذه التقنية الحديثة من إمكانية استخدام نتاج عقول المؤلفين وغيرهم بصورة مطلقة، ذلك إذ أن الإبداع البشري يتحول إلى إبداع تقوم به الآلة، فمن خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي تستطيع الآلة القيام بالعديد من المهام المعقدة التي تحتاج إلى خبرات كثيرة متراكمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن حاليا استنساخ أصوات المطربين عن طريق تقنية الذكاء الاصطناعي، وإعادة إنتاجها بصورة قد تكون متقاربة مع الأصوات الأصلية، إذ أنه في تقنية الذكاء الاصطناعي، يقوم الفنيون بوضع برامج معينة لتمكين الآلة من التحرك والعمل وفق البرامج التقنية المعدة خصيصا لذلك الغرض. ومن هذا مثلا، نجد الروبوت وغيره من أدوات الذكاء التقني. وبفضل الذكاء الاصطناعي تعمل على توصيل الرسائل، وبفضل الذكاء المبرمج تقوم الآلات بمهام عديدة، وهذا أدى لظهور نوع جديد من العمالة، ينافس البشر، وقد يحل محلهم في عدة مهام. ومن هذا يتخوف البعض؛ لأن “المنافس” والعامل الجديد خطير جدا، ويعمل في صمت وبدون توقف أو احتجاج أو مطالبات، وكل هذا يغري أصحاب الأعمال للتوسع في الاعتماد على الآلة الدائمة البكماء الخرساء. وفي هذا السياق، فقد أكدت محكمة العدل الأوروبية في قرار هام صدر في 27 تشرين الثاني من عام 2003، أن الأصوات يمكن أن تستعمل كعلامة تجارية، وأنها قادرة على أداء وظيفة العلامة التجارية في تمييز منتجات أو خدمات أحد المشاريع عن منتجات أو خدمات المشاريع الأخرى. بنفس الوقت، قامت هذه المحكمة بتحديد الشروط الصارمة التي يتوجب على العلامة الصوتية، أن تحققها من أجل أن تكون قابلة للتسجيل، حيث يجب أن يكون ممكن تمثيلها بشكل مرئي بطريقة واضحة، ودقيقة، وشاملة، وموضوعية. وبهذا فإن الصوت، مثلاً، الممكن تمثيله بنوته موسيقية كاملة تحدد مسافاته وأبعاده بشكل دقيق، يمكن تسجيله كعلامة تجارية. بينما صوت حيوان أو ضجيج المحركات لا يمكن تسجيلها كعلامة؛ لأنه لا يمكن تمثيلها بدقة وفق الشروط المبينة أعلاه في نوتة مثلاً، وإن كان يمكن تسجيلها على آلة تسجيل.
الأمر ليس بهين، إذ أننا لا نستطيع أن ننكر الخدمات التي تقدمها تقنية الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات التي دخلتها، وكان لها دوراً مميزاً في تحسين جودة العمل، أو تسريع الإنتاج، وهو ما يعني أن البشرية تحتاج إلى استخدام هذه التقنية، ولكن هل تكون تلك الحاجة حاجزاً دون المسألة عن حقوق المؤلفين أو المبتكرين، أو في المجمل أصحاب الحقوق الأصلية، ونخص بالذكر هنا أصحاب حقوق المؤلف في الأعمال الأدبية والفنية، ذلك إذ أن هناك مجموعة من الحقوق التي ترد على الإنتاج الفكري، وتجعل لصاحبها سلطة الاستئثار بهذا الإنتاج والحق في استغلاله استغلالا مالياً. وبينما تثبت الحقوق الذهنية بحسب الأصل على الإنتاج الفكري كالأعمال الأدبية والفنية وبراءات الاختراع، فقد أدى تطور الحياة الاقتصادية إلى التوسع في هذا المفهوم وإدخال طائفة الحقوق التي تنصب على قيم معنوية، كما هو الحال في الحقوق التي ترتبط بالصوت مثل الكلمات واللحن، والتسجيل الصوتي، يمكن من خلالها وقف أي انتهاك لحق الملكية الفكرية، إذا كان العمل مقلدا بشكل واضح، كما أن الصوت المصطنع بهذه التقنية لن يكون مشابه للصوت الأصلي بشكل دقيق، حيث إن تقنية الذكاء الاصطناعي مهما بلغت درجة دقتها في وقتنا الراهن، لن تصل للصوت الأصلي.
إذن في المجمل، أن الواقع القانوني المصري في حاجة ماسة إلى استحداث تشريع، يتناسب مع تلك التطورات التكنولوجية، والتي تمس بشكل أو بآخر مع حقوق الملكية الفكرية على اختلاف صنوفها.