الحق في العمل أحد أهم حقوق الانسان التي نصت عليها العديد من المواثيق الدولية، والتي أقرت أن لكل شخص الحق في العمل، وفي حرية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة ولجميع الأفراد، دون أي تمييز، والحق في أجر متساو على العمل المتساوي، الذي يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية.
كما يعد الحق في العمل حقا دستوريا، كفله الدستور المصري، ونص على أنه حق، وواجب وشرف تكفله الدولة، وقد جاء حرص الدستور على الحقوق المتصلة بالعمل وحقوق العمال، جليا واضحا ومتماشيا مع التزامات مصر الدولية في هذا الشأن- إلى حد كبير- الواردة بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومجموعة الاتفاقيات والتوصيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية.
وجاءت القواعد المتعلقة بالحق في العمل في دستور مصر عام 2014، موزعة على ثلاثة أبواب، المقومات الاجتماعية والمقومات الاقتصادية وباب الحقوق والحريات والواجبات العامة، على أن تفعيل هذه الحقوق والمبادئ يتطلب مراجعة كافة التشريعات المتعلقة بالحق في العمل، وتطويرها وتعديلها لتتلاءم وتلك المبادئ، الدستورية، فضلاً عن ملائمتها وتوافقها مع المعايير الدولية للحق في العمل. وهو ما نحاول أن نرصده في ضوء إصدار قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، والصادر في 3 يونيو 2025، ودخل حيز النفاذ في 1 سبتمبر 2025، على أن تصدر القرارات الوزارية المنفذة لأحكام القانون خلال تسعين يوما من تاريخ نفاذ القانون.
فلسفة تشريع العمل المصري
من خلال متابعة نشأة وتطور تشريعات العمل، يتضح الطابع الحمائي لهذا الفرع من فروع القانون، حيث ذهبت تشريعات العمل إلى إضفاء الطابع الاجتماعي في التعامل مع هذه العلاقة، وإحداث التوازن بين طرفي علاقة العمل، كما أخذت في الاعتبار الآثار التي تتجاوز شخص العامل لتمتد إلى الأسرة والمجتمع.
وجعل قواعد قانون العمل من القواعد المتعلقة بالنظام العام، حيث تغلب على نصوص قانون العمل القواعد الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، ويترتب على مخالفتها بطلان ما أُتفق عليه، إلا إذا كانت أكثر فائدة للعامل.
وتكون القواعد التي وردت في قانون العمل قواعد عامة، تُعين الحدود الدنيا لحقوق العمال.
وترك المشرع المجال مفتوحا للتفاوض بين العمال وأصحاب العمل؛ لتحسين شروط وظروف العمل من خلال عقد اتفاقيات العمل الجماعية.
أسباب ودوافع إصدار قانون العمل الجديد 14 لسنة 2025
الانتقادات الواسعة بشأن قصوره في حماية حقوق العمال، خاصة مع ازدياد الاعتماد على العمالة غير المنتظمة، وتوسع الاقتصاد غير الرسمي. والأنماط الجديدة من العمل، والتي خلا قانون العمل السابق (12 لسنة 2003)، من أية إشارة إلى تنظيمها ، فضلا عن الإشكاليات الخاصة بالتطبيق واستبعاد الكثير من المنشآت من تطبيق القانون والتضارب مع بعض التشريعات الأخرى، (قانون الطفل مثالا واضحا في هذا الشأن) والحاجة إلى مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية الموقعة من جانب مصر ومواكبة التشريع الوطني مع أهداف التنمية المستدامة 2015-2030، والتي أكد الهدف الثامن منها على ضرورة تعزيز النمو الاقتصادي والعمل اللائق والمستدام.
أبرز التعديلات والمستجدات في القانون رقم 14 لسنة 2025
جاء قانون العمل الجديد في 5 كتب، تضم 298 مادة قانونية، وقد تباينت العديد من الرؤى حول قانون العمل الجديد، ما بين مؤيد ومعارض للتعديلات المطروحة، والتي رأى البعض، أنها لا تمثل الطموحات التي كانت منتظرة في حين رأى آخرون، أنها تمثل خطوة متقدمة في التشريعات العمالية، لا سيما عن سابقتها، بداية من التوسع في التعريفات المتضمنة في القانون، فقد تضمن القانون 14 لسنة 2025 (38) تعريفًا، مقابل (9) تعريفات في قانون العمل الملغى رقم 12 لسنة 2003. وانطباق أحكام القانون على أسرة صاحب العمل، كما نص القانون في باب الأحكام العامة– لأول مرة- على حظر العمل الجبري أو السخرة والتحرش والتنمر والعنف وحظر التمييز في مجال العمل، أيضا توسع القانون وأسبغ المزيد من الحماية وإقرار المزيد من الحقوق للنساء والأطفال في مجال العمل، متوافقا مع المعايير الدولية في هذا الشأن، حيث نص على المساواة بين الجنسين في الأجر عن العمل ذي القيمة المتساوية، ويشمل ذلك كل صور الأجر وعناصره من مزايا نقدية أو عينية أو علاوات وحوافز وغيرها من الصور الأخرى. كما نص على أن للعاملة الحق في إجازة وضع لمدة أربعة أشهر، وتكون هذه الإجازة مدفوعة الأجر، وألا تستحق الإجازة لأكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها، وحسب المادة 57 فقد تم زيادة مدد إجازة رعاية الطفل إلى ثلاث مرات طول فترة خدمة العاملة، على ألا تقل المدة بين الإجازة الأولى والثانية عن سنتين. لكن هذه الإجازة تتضمنت قيودا أكثر عند استحقاقها، تخالف ما ورد في قانون الطفل 12 لسنة 1996 وتعديلاته، تم حذف الاستثناء الذي كان منصوصًا عليه في المادة 97 من قانون العمل 2003، مما يعني أن العاملات في الزراعة أصبح لهن الحق في التمتع بكافة الحقوق والامتيازات التي يكفلها القانون، كذلك تم حذف الاستثناء الوارد في المادة 103، مما يعني أن الأطفال العاملين في الزراعة أصبحوا أيضا مشمولين بأحكام القانون المتعلقة بتشغيل الأطفال. كما تم رفع سن التدريب للأطفال من 12 عاما في القانون القديم إلى سن 14 عاما في القانون الجديد ورفع سن العمل إلى 15 عاما.
يتضمن القانون تغيير أساس حساب العلاوة الدورية من “7% من الأجر الأساسي في المادة 34 في القانون السابق” إلى 3% من الأجر التأميني في المادة 102 في القانون الجديد.
أنهى القانون الجديد التطبيق التعسفي لاستمارة 6 التي كانت تُستخدم كأداة للفصل التعسفي. حيث أجرى تعديلات تنظيمية صارمة على آلية استخدامها من خلال المادة رقم 167 التي تقضي، بأن يقدم العامل استقالته كتابة لصاحب العمل، بشرط أن تكون موقعة منه أو من وكيله الخاص، ومعتمدة من الجهة الإدارية المختصة. ولا تنتهي خدمة العامل إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة، وعلى العامل أن يستمر في العمل، إلى أن تبت جهة عمله في الاستقالة خلال عشرة أيام من تاريخ تقديمها، وإلا اعتبرت مقبولة بفوات هذه المدة، وللعامل المستقيل أو وكيله الخاص العدول عن الاستقالة خلال عشرة أيام من تاريخ إخطاره بقبول صاحب العمل الاستقالة، على أن يكون هذا العدول مكتوبًا ومعتمدًا من الجهة الإدارية المختصة، وفي هذه الحالة تعتبر الاستقالة، كأن لم تكن.
كما تضمن القانون تنظيما وإقرارا لحقوق العمالة غير المنتظمة والعاملين في الأنماط الجديدة للعمل، والنص على مساواتهم في الحقوق مع العاملين في علاقات العمل التقليدية، كما نظم القانون بشكل أفضل وأكثر استحقاقا لحقوق العمال في الإجازات، ونص لأول مرة على حق العمال في الحصول على إجازة لتأدية الامتحانات الدراسية لا تحسب من رصيد إجازاته، أيضا تم النص في إطار المسئوليات العائلية على منح إجازة ليوم واحد للأب في حالة ولادة الطفل، دون الإشارة إلى إجازات أبوية مرنة أو ممتدة، في حين أن هذه الإجازة تتراوح في بعض الدول مثل اسبانيا ” 16 أسبوعا” وفرنسا “25 يوما”، والمغرب” 15 يوما” وسلطنة عمان 7 أيام، وقطر ولبنان 3 أيام.
هذا، وقد نص القانون على إنشاء المحاكم العمالية المتخصصة، والتي تكون مهمتها النظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق أحكام القوانين واللوائح المنظمة لعلاقات العمل كافة.
نص القانون في الفصل السادس الخاص بواجبات العمال ومساءلتهم بإلزام العامل للخضوع للاختبارات الطبية عن تعاطي المواد المخدرة أو الأمراض المعدية، حينما يطلب منه صاحب العمل وعلى نفقته، على أن يتم الاختبار بالهيئة العامة للتأمين الصحي أو المعامل المركزية بوزارة الصحة.
بينما هناك تحديات لم يعالجها القانون رغم ضرورتها، فما تزال بعض الملفات الجوهرية غائبة عن الإطار التشريعي، وكان من الضروري معالجتها صراحة لضمان شمولية الحماية، يأتي في مقدمتها غياب تنظيم العمالة المنزلية، وهو مطلب طالما تبنّته منظمات حقوق المرأة والنقابات العمالية، نظرًا لما يشهده هذا القطاع من هشاشة وافتقار لأبسط ضمانات الأجر العادل وساعات العمل الآمنة. وأيضا توجد العديد من الإشكاليات بشأن تقنيين والنص صراحة على عقود العمل الموقتة، وهناك مبالغة في ساعات تواجد العمال في المنشآت، والتي تتراوح بين 10 و12 ساعة يوميا، وما تزال هناك بعض الإشكاليات في تحديد مصطلح الأجر وعناصره والتعويض عن الأجر، لا سيما في النصوص التي تحيل بعض أوجه الصرف لقانون التأمينات الاجتماعية.
ما تزال هناك الكثير من التحديات المرتبطة بإعمال القانون ونفاذه، حيث أن الكثير من المواد المتضمنة في القانون، ما زالت في انتظار القرارت الوزارية التنفيذية، حيث نصت (المادة 11 من القانون) على أن يصدر الوزير المعني بشؤون العمل القرارات المنفذة لأحكام هذا القانون والقانون المرافق خلال مدة لا تجاوز تسعين يومًا من تاريخ العمل به، وإلى أن تصدر هذه القرارات يستمر العمل بالقرارات السارية في هذا الشأن، بما لا يتعارض وأحكام هذا القانون والقانون المرافق. كما يُصدر وزير العدل القرارات اللازمة لتنفيذ أحكام القانون المرافق، فيما يتعلق بالمحاكم العمالية المتخصصة.