لا حديث في الشارع الاقتصادي حاليًا، يعلو على “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية” التي أطلقتها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، وتستهدف الانتقال التدريجي من الدور الحكومي المباشر في الاقتصاد إلى الدور التنظيمي مع قدر من المشاركة مع القطاع الخاص، وتعظيم العائد من الأصول العامة.

استخدمت الدولة لفظة غريبة على الأدبيات الاقتصادية ومشتقة من عالم الرواية والأدب؛ لمنح إيحاءات بقصة كفاح ونجاح حكومية منتظرة، ورغم المصطلح الجديد، لا يختلف المضمون كثيرًا، عن المصطلحات السابقة مثل، الخطة والرؤية والوثيقة، خاصة أن تركيزها مُنصب بالأساس حول إعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد، وتمكين القطاع الخاص

تستهدف السردية زيادة معدلات النمو إلى 7% عام 2030، ورفع الاستثمارات الكلية إلى 18% من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك نسبة الاستثمارات الخاصة إلى 66% من الاستثمارات الكلية، بجانب زيادة نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 82% بحلول 2030، وزيادة عدد الوظائف التي يولدها الاقتصاد لتبلغ 1.5 مليون وظيفة سنوياً، وزيادة نسبة المشروعات الخضراء لنحو 75% من اجمالي الاستثمارات العامة.

تركيز على تخلص الدولة من أصولها

بحسب وزارة التخطيط والتعاون الدولي، فإن “وثيقة ملكية الدولة” تُعد المرجعية الأساسية للسردية، باعتبارها تُحدد إطار تدخل الدولة في مختلف القطاعات، حيث تميز بين القطاعات التي تستمر الدولة في إدارتها لأسباب استراتيجية، والقطاعات الأخرى الذي ستترك مفتوحة على مصراعيها أمام القطاع الخاص، سواء من خلال الشراكة أو التخارج الكلي أو الجزئي.

تُلقي السردية بملف الملكية الحكومية في “ملعب” ثلاث جهات رئاسية هي: وحدة الشركات المملوكة للدولة التابعة لمجلس الوزراء، التي تم تأسيسها بموجب قانون الشركات المملوكة للدولة أو التي تُساهم فيها، إلى جانب الصندوق السيادي المصري، ووحدة الطروحات الحكومية.

يمثل الصندوق السيادي ــ وفق السرديةــ الأداة الاستثمارية للدولة لإدارة الأصول العامة، إذ يعمل على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال الشراكات طويلة الأجل، وإعادة إحياء العلامات التجارية الوطنية، وتعظيم القيمة المضافة للأصول.

أما وحدة الطروحات الحكومية، سيكون دورها تحديد أساليب الطرح المناسبة، والتنسيق مع الجهات المعنية لتعيين المستشارين وبنوك الاستثمار، وضمان التنسيق الفعال بين الجهات المعنية؛ لتحقيق أهداف وثيقة سياسة ملكية الدولة، وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، والتخصيص الأمثل والفعال لموارد الدولة.

بالنسبة لوحدة الشركات المملوكة للدولة بمجلس الوزراء، فسيكون مسئوليتها تعزيز تحول الدولة نحو تمكين القطاع الخاص وإفساح المجال لمزيد من الاستثمارات، حيث تتولى الوحدة المهام الفنية المتعلقة بتقييم الشركات العامة، عبر تطبيق معايير استراتيجية، تشمل الجدوى الاقتصادية، والملاءمة السوقية، وفرص مشاركة القطاع الخاص، كما تشرف على إعداد خرائط طريق واضحة للتخارج أو إعادة الهيكلة، وتحديد الأصول القابلة للنقل إلى الصندوق السيادي أو الإدراج في برنامج الطروحات.

إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية

لم تغفل “السردية” إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية بالإعلان عن مراجعة 59 هيئة اقتصادية من أصل 63 هيئة؛ بهدف تعظيم العائد الاقتصادي، ورفع كفاءة الأداء، وتقليل التداخل في الاختصاصات، وترشيد الإنفاق العام، ويتحقق ذلك عبر مسارات مقترحة، تتضمن التحويل إلى هيئات عامة، أو الدمج، أو التصفية.

لم تتطرق وزارة التخطيط لدور وحدة المتابعة الجديدة للشركات المملوكة للدولة، والتي تم تأسيسها، بوصفها هيئة تنسيقية للقرارات المتعلقة بمصير الشركات المملوكة للدولة، ومسئولة عن الحفاظ على قاعدة بيانات شاملة للأصول المملوكة للحكومة، لا سيما الأصول المدرجة ضمن برنامج الطروحات.

لكن ربما يتم استبدال تلك الوحدة بمؤشر سياسة ملكية الدولة الذي يعده مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الذي سيوفر أداة كمية ومنهجية لقياس مدى التقدم في تطبيق وتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، وكذلك قياس مستوى الأثر الفعلي على الاقتصاد، بما يضمن وجود آلية متابعة موضوعية وشفافة، تدعم اتخاذ القرار وتوجه السياسات المستقبلية.

عبد النبي عبد المطلب، وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية سابقًا، يعتبر السردية مصطلحا لا يحمل جديدًا، ضاربا المثل بمصطلح “الطروحات” الذي استخدم كوسيلة لإظهار طرح أصول الدولة كسياسة مغايرة للخصخصة، مضيفًا أنه يحمل فحوى سلبية، فالسردية قد تكون حكاية أو أسطورة، وبها قدر أكبر من الخيال، ما يجعل التنمية الاقتصادية مجرد آمال.

جانب من جلسه السردية الوطنية
جانب من جلسه السردية الوطنية

مناقشة المصطلح وليس فلسفته


د. مصطفى عادل، الخبير المالي، لا يعتقد أن كلمة “سردية” محاولة لطرح رؤية لبرنامج اقتصادي أو خطة خمسية جديدة، ولكنها محاولة حكومية لتجميل المصطلح “وما ظبطش”، فأصبحنا نناقش المصطلح نفسه ومعناه وفلسفته، وليس الهدف منه.

يشير أيضاً إلى تصريحات لرئيس مجلس الوزراء حول تحقيق أقل حجم للدين في التاريخ بالمقارنة بالناتج القومي ونسبته، فالمفروض أن الدولة لا تستهدف خفض الدين لأدنى مستوى أصلا، لكن المهم تثبيته وضبط الميزان التجاري، بحسب مصطفى عادل.

أضاف أن اللافت في “السردية” وكل النقاشات والمحاور، أنه لا يوجد للعقار أو المشروعات القومية مرتفعة التكلفة مثل الطرق والمحاور والمدن والمشروعات العقارية أي ذكر أو وجود في خطة الدولة للتنمية الاقتصادية، كما كانت عليه السنوات العشر الماضية.

أوضح أن الدولة أعلنت بشكل رسمي، أنها ستفتح المجال للقطاع الخاص للعمل وتدعمه، وأن دورها اكتمل، وعليها أن تفتح المجال للقطاع الخاص بلا مزاحمة، مضيفا أن من المبكر التفاؤل، فالبرنامج نفسه غير مكتمل، ويجب إعطاؤه مهلة حتى نهاية العام للانتهاء من كافة المناقشات بخصوصه.

الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، اعتبر السردية الوطنية استكمال للشفافية والمصارحة كفكرة الحوار الوطني، لكن ينقصها بعض الأمور التي تشغل المواطن البسيط لتصبح استراتيجية قابلة للتنفيذ، كالمشروعات متناهية الصغر، باعتبارها محرك اقتصادي قد يخلق طفرة خلال الفترة المقبلة.

محطة اقتصادية مهمة

لكن في المقابل، يقول الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، إن السردية تتضمن محاور استراتيجية للتحديات الاقتصادية، وكيفية التعامل معها خلال السنوات المقبلة بعد جلسات حوار مجتمعي استمرت لمدة شهرين كاملين، حول إعادة تحديد وتعريف دور الدولة في الاقتصاد.

يضيف غراب، أن السردية الوطنية تقوم على أساس فتح المجال أمام القطاع الخاص وتعميق الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوفير فرص العمل وتحسين مستوى دخل المواطن وتحسين مستوى معيشته، بجانب رفع معدل النمو وتوفير فرص العمل، مؤكدًا عدم وجود تنافر بين “السردية الوطنية” و”رؤية مصر 2030″.

النائبة شادية الجمل عضو مجلس النواب، اعتبرت هي الأخرى “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية” نقلة نوعية في مسار الإصلاح الاقتصادي، وتأتي استجابة للتساؤلات المطروحة حول رؤية الدولة لمرحلة، ما بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الدولي، إذ تتضمن خفض معدلات الدين العام وتحقيق معدل نمو يتراوح بين 5% و7%، إلى جانب تعزيز مشاركة القطاع الخاص كقاطرة أساسية للتنمية.

وأكدت أهمية إعلان الحكومة طرح رؤيتها للحوار المجتمعي، ما يعكس التزامها بمبدأ الشفافية والمشاركة، وطرح المشكلات التي تواجه الاقتصاد المصري والاستماع لأراء الخبراء والمختصين لمواجهة هذه التحديات والعبور بالاقتصاد الوطني من الأزمة العالمية، وتحقيق نمو اقتصادي ينعكس على المواطنين.