لا يمر يوم إلا وينهار جزء من عقار بمصر، في ظل وجود مئات الآلاف من المباني الآيلة للسقوط والصادر لبعضها قرارات بالتنكيس دون التزام، بجانب مئات الآلاف من المباني الحديثة التي تم تأسيسها في غفلة، أو زيادة عدد أدوارها بأضعاف عن المسموح به أو قدراتها الإنشائية بتواطؤ من الأحياء.

في الإسكندرية، شهدت منطقة المندرة بدء إزالة مبنى مكون من 21 طابقًا بعد ميله على العقار المجاور، ما استدعى الأهالي لاستدعاء الأجهزة الرسمية، ليتضح أن المقاول زاد عدد الأدوار المخالفة بنحو 11 طابقًا رغم أن الترخيص الصادر له لعام 2016 يتضمن أرضي وميزان و10 طوابق فقط، وتكررت المأساة ذاتها بالإسكندرية أيضًا بعزبة محسن الكبرى، التي شهدت ميل عقار مكون 7 أدوار لكن على الشارع الرئيسي هذه المرة.

وبينما كانت الأجهزة المحلية تبدأ إزالة عقار الإسكندرية المائل، انهارت 3 عقارات في أماكن مختلفة من الجمهورية، بدءًا من عقار بطنطا محافظة الغربية مكونًا من طابقين خاليين من السكان، وعقار ثاني في منطقة عين الصيرة بمصر القديمة، وثالث في منطقة السيدة زينب بحي مصر القديمة أيضًا.

بحسب تقرير قطاع الإسكان بوزارة الإسكان، فإن إجمالي المباني بمصر، 13 مليونا و441 ألفا و68 مبنى، منها 10 ملايين و111 ألفا و607 مبان بنسبة 75.23% لا تحتاج إلى ترميم، و3 ملايين و231 ألفا و852 مبنى بنسبة 24.04% تحتاج إلى ترميم، بينما مطلوب هدم 97 ألفا و609 مبان، بنسبة 0.73%، وهي عقارات آيلة للسقوط لا يمكن إنقاذها.

لكن توجد العديد من الدراسات المستقلة التي ترفع ذلك الرقم لأضعاف مثل، دراسة للمركز المصري للحق في السكن، ذكرت أن 1.4 مليون عقار آيل للسقوط على مستوى الجمهورية، موضحًة أن محافظة القاهرة بها أعلى نسبة عقارات صدرت لها قرارات إزالة.

الإحصائيات غير الرسمية تؤكد أيضًا وجود أكثر من 7 ملايين عقار، تتضمن مخالفات سواء مخالفة من الأصل بعدم وجود رخصة بناء، أو مخالفة بزيادة عدد الأدوار عن المسموح به منها 2 مليون و184 ألف مخالفة خلال آخر 8 سنوات.

تعاقب المادة 104 من قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 من ينفذ أعمال بناء مخالفة للأصول الفنية بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة تبدأ من 50 ألف جنيه. لكن ارتفاع أسعار المساكن دفع المقاولين بالتعاون مع بعض الأجهزة المحلية في ارتكاب مخالفات ضخمة وزيادة عدد الأدوار بالمخالفة للقانون وبصرف النظر عن مدى صلاحية البناء وقدرته على التحمل.

في وقت كتابة هذه السطور، قدمت شركة عقارية شهيرة بمنطقة الفسطاط الجديدة السياحية، صاحبها يتردد على السجن أكثر من المكوث في منزله، طلبًا لحي مصر القديمة، لإضافة دور إضافي بكل عقاراتها في المنطقة التي تناهز 17 برجًا؛ ليصبح ارتفاع كل برج 12 طابقًا، بجانب طلب لتغيير رخصة الطابق السفلي من جراج إلى مخازن، وذلك رغم مخالفة ذلك للسائد في المنطقة، وتأكيد الشركة للسكان المعترضين، أن “الطلب هيمشي هيمشي”.

أسباب تزايد العقارات الآيلة للسقوط في مصر

بحسب دراسات لوزارة الإسكان، فإن أهم أسباب سقوط العقارات هو غياب الصيانة الدورية، خاصة العقارات القديمة التي طالتها عوامل الصدأ والتآكل، حيث تضمنت أحكام القوانين المعنية بهذا الأمر أن يتولى اتحاد الشاغلين أو المالك الحفاظ على سلامة العقار وأعمال صيانته وترميمه.

كان السبب الثاني لتداعي العقارات ـ بحسب الدراسات الحكومية ــ هو غش مواد البناء واستخدام غير المطابق منها للمواصفات الفنية وغالبا ما يقوم بذلك المقاول بهدف تقليل أعباء التنفيذ خاصة الحديد والصلب، والسبب الثالث هو التلاعب بالتراخيص وزيادة طوابق العقار بشكل يخالف الاشتراطات الانشائية.

أحمد الصعيدي، مقاول هدم، يقول إنه يرى كوارث في الأعمال التي يهدم أدوار مخالفة بها، خاصة في كمية الحديد المستخدمة التي تقل كثيرا عن الحدود المسموح بها، وآخرها عمارة سكنية قديمة في السيدة زينب استخدم فيها المقاول وقت بناءها كمية أقل من 50% من الكميات الطبيعية.

يضيف الصعيدي أنه يجب تغيير فكرة أن صاحب الشقة لديه الحق في إجراء تعديلات بها إذ يصادف كثيرا هدم “كمرات” أساسية من أجل الديكور ما يؤثر على سلامة المبنى.

في يونيو الماضي، سقطت 3 عقارات في منطقة حدائق القبة دفعة واحدة اثنان منهما يتكونان من 4 طوابق دون أي سابق إنذار على رؤوس السكان، وكان السبب قيام مالك الطابق الأول بعقار من الثلاثة بأعمال مخالفة دون تصريح من الحي، بهدم أحد الحوائط الداخلية الحاملة بغرض التوسعة، مما أثر على المبنى وأدى إلى انهياره وتداعي المنزلين المجاورين لبنائها على الجدران الحاملة دون أعمدة خرسانية.

منظومة للتعامل

وطرحت الحكومة استراتيجية ومنظومة التعامل مع المباني القديمة الآيلة للسقوط والحد من الانهيارات، حيث تتضمن عدة مقترحات تشمل إلزام الوحدات المحلية بالمحافظات بتنظيم اتحاد الشاغلين للعقارات المبنية، وتنفيذ قرارات الترميم والتدعيم والهدم للمباني التي تحتاج تدخلا، بالإضافة إلى تفعيل دور اللجان المُشكلة بالمحافظات لمعاينة المنشآت الآيلة للسقوط، وغيرها.

لكن يواجه ملف اتحاد الشاغلين واتحاد الملاك، في المقابل، تحديات كبيرة فيما يتعلق بالمستندات المطلوبة التي يرفض المقاول أو صاحب شركة العقارات في غالبية الأحيان التعاون بشأنها أو إرفاقها في عقود البيع، مثل صورة عقد شراء الأرض المقام عليها العقار محل الطلب وصورة رخصة البناء، وصور عقود ملكية لجميع أعضاء الاتحاد أو إيجار، خاصة في المناطق التي يكون الإقبال فيها على شراء العقار من أجل الاستثمار وليس السكن، فغالبا ما لا يستطيع الراغبون في تأسيس اتحاد توفير نسبة (50% + 1) من إجمالي مشتري الوحدات بالعقار.

السكن البديل

ودخلت الحكومة على خط العقارات الآيلة للسقوط مجددًا، قبل أيام بتوجيه من د. مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، بسرعة إجراء حصر دقيق بجميع العقارات الآيلة للسقوط؛ بحيث تكون هناك آلية واضحة للتعامل مع هذه العقارات، مثلما تعاملت الحكومة مع مشكلة المناطق غير الآمنة، أو المناطق العشوائية، وذلك بالتعهد بتوفير سكن بديل.

يثير التوجيه الحكومي تساؤلات حول دور لجان إزالة العقارات الآيلة للسقوط والتي تكون مهمتها معاينة العقارات بما فيها من عيوب وشروخ وتحديد أشكال معالجتها، والتي يفترض أيضًا أن تمتلك وفق نطاق عملها بيانات واضحة حول تلك النوعية من العقارات بمحيط مسئوليتها الجغرافي.

ورغم أن تلك الخطوة “أي تعهد الحكومة توفير سكن بديل” يُفترض أن تحل المشكلة من المنبع، لكن التقارير الحكومية الصادرة من وزارة الإسكان تشير إلى أن رفض المستأجرين إخلاء مساكنهم المتهالكة خوفًا من عدم التمكن من إيجاد مسكن بديل كان أحد أهم أسباب تزايد حالات سقوط العقارات أصلا، خاصة أن معظم تلك العقارات تتضمن أسرًا لا يمكنها تحمل أقساط إضافية وبعضها على المعاش، بينما عانت العديد من الأسر التي سقطت العقارات التي كانت تقيم فيها لحين توفير سكن بديل، فبعضهم قضى نحو شهر في الشارع أو في المسجد لحين حل المشكلة. 

الإيجار القديم أحد أسباب المشكلة

في مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء، قال في يوليو الماضي إن جزءا من مشكلة تقادم العقارات وأيلولتها للسقوط كانت مشكلة قوانين الإيجار القديم، فالأصل أن صيانة العقارات مسئولية المالك، لكنه كان يتقاعس عن ذلك، ومع مرور الوقت بدأت تتراكم عقارات كثيرة لا يتم صيانتها، لتبدأ العمارة تتداعى، والوصول في النهاية إلى قرار بالإخلاء.

بحسب الجهاز الفني للتفتيش على أعمال البناء، فإن 96% من حوادث سقوط العقارات كانت في عقارات قديمة، بينما 1% بمبانٍ حديثة، و3% خلال أعمال البناء، بينما تؤكد الدراسات أن عمر المبنى قد يستمر إلى 150 عامًا بشرط إجراء الصيانة الدورية المطلوبة.

وقالت المهندسة نفيسة هاشم، مستشار وزير الإسكان، إن الخطة الحكومية تتضمن عدة مراحل أولها تنفيذ قرارات إزالة وترميم المباني الصادرة عن لجان المنشآت الآيلة للسقوط خلال مدة زمنية تتراوح بين 6 أشهر وعام، أما المرحلة الثانية فتشمل معاينة المباني التي يزيد عمرها على 75 عامًا بالأحياء القديمة خلال فترة تمتد من عام إلى عامين ونصف العام، أما المرحلة الثالثة فتتعلق بالمباني التي يتراوح عمرها بين 50 و75 عامًا، ويتم تنفيذها خلال مدة من عام إلى عامين.

 كما أوضحت “هاشم” أنه يمكن تشكيل لجان فنية هندسية إضافية مؤقتة لمعاونة اللجان الحالية؛ بهدف تسريع عملية معاينة العقارات ذات الخطورة المرتفعة واتخاذ القرارات الضرورية بشأنها خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا من ورود الطلبات إليها، أو العرض عليها أو المعاينة، بالإضافة إلى إجراء معاينة ظاهرية دورية للعقارات القائمة، كما تضمنت الآليات المقترحة أن تتم معاينة المباني السكنية كل فترة زمنية تتناسب مع تاريخ إنشاء العقار ودرجة تعرضه البيئي (تأثير الملوحة مثل عقارات الإسكندرية) ، مع الحرص على تقييم الخطورة الإنشائية للمباني القائمة.

هل تكفي المقترحات الحكومية؟

د. مصطفى جلال، أستاذ الهندسة المعمارية، يطالب بإنشاء صندوق لأعمال صيانة المباني يشرف عليه جهاز الصيانة التابع للمحافظة وله السلطة في اتخاذ القرارات الخاصة بالإخلاء والتنكيس للحفاظ على أرواح المستخدمين وغير المستخدمين للمبنى وتحديد شركات متخصصة في مجالات صيانة المباني السكنية وبيان تكلفتها مع تلقي أي شكاوى أو أي نزاعات قضائية.

وطالب جلال بإعداد استراتيجية لصيانة المباني والمنشآت على المستوى القومي والاستفادة من التطورات التكنولوجية وإصدار شهادة للصيانة يتحدد فيها العمر الافتراضي والصيانة اللازمة وتوقيتاتها السنوية وقاعدة بيانات مركزية بأعمال الصيانة ومحاولة الحد من المنازعات القضائية وسرعة الفصل فيها.