في أكبر عملية انتشار خارج مصر منذ حرب الخليج عام 1991، تستعد قوات عسكرية مصرية للانتشار في الصومال، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ضمن قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي، وسط مخاطر من احتكاكات محتملة مع القوات الإثيوبية المتواجدة هناك، والاصطدام مع حركة الشباب المتطرفة، التي تقاتل بلا هوادة منذ عشرين عاما على التوالي، لإقامة دولة إسلامية مزعومة.

لدى وداعه الوفد المصري، الذي أنهى زيارة دامت 3 أسابيع للتحضير لنشر قوات مصرية في مدن جوهر، وبلعد، ومهداي، وبورني، فضلاً عن قاعدة بلّيدوجلي الجوية، أكد وزير الدفاع الصومالي أحمد فقي، أنّ انتشار القوات المصرية ضمن البعثة الإفريقية، سيمثل إضافة نوعية للجهود الرامية إلى استعادة الأمن والسلام في الصومال، وتعزيز التعاون العسكري بين البلدين.

وجود وتعويض

وستحل القوات المصرية، التي تأخر دخولها لأمور إجرائية ولوجستية محل قوات بوروندي، التي أوشكت على الانسحاب، قبل تمديد بقائها ستة أشهر، ما يعني أن جانبا من الوجود المصري يستهدف تعويض غياب محتمل لقوات أخرى.

من وجهة نظر الجنرال داجفين أندرسون، قائد الجيش الأمريكي في إفريقيا (أفريكوم)، فان الوضع الأمني في الصومال صعب للغاية، حيث تسبب حركة الشباب اضطرابات للدول المجاورة.

وفقًا لتحليل أمريكي، فإن تصاعد الغارات الجوية الأمريكية في الصومال يعكس قناعة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإمكانية الجمع بين محاربة الإرهاب ومواجهة النفوذ الصيني والإيراني، بتكلفة منخفضة، بفضل الدور الكبير الذي تلعبه قوى إقليمية مثل تركيا وقطر والإمارات.

يرى ترامب، أن الصومال مهم جدًا، ولا يمكن تركه ينهار، رغم مخاطر تحول ما يسميه “حربًا صغيرة” إلى حرب أبدية جديدة.

وتحدثت تقارير بريطانية عن تزايد المخاوف من انهيار أمني شامل، في ظل ضعف الحكومة الصومالية وانقساماتها، على خلفية تقدم مقاتلي حركة الشباب على بعد 25 ميلاً فقط من العاصمة مقديشو.

لكن مسئولي الحكومة الصومالية نفوا صحة هذه التقارير، واعتبروها مبالغة وتضخيم لقدرات الحركة، ولفتوا إلى أن سيناريو أفغانستان، حيث سيطرت حركة طالبان على السلطة بعد الانسحاب الأمريكي، غير قابل للتكرار في الصومال.

ومع ذلك، يُظهر استيلاء مقاتلي الحركة على بلدة تاردو في منطقة حيّران وسط الصومال، وهو موقع استراتيجي على مفترق طرق رئيسية، أنها ما زالت قادرة على توسيع نفوذها رغم الضربات الجوية الأمريكية المتزايدة، وأنها تستفيد من هشاشة التنسيق بين الجيش الصومالي والميليشيات العشائرية، ما يبرز التحدي الأمني المزمن، خاصة مع اقتراب نفوذ الحركة لمسافة قريبة نسبيا من العاصمة مقديشو .

الصدام المتوقع

وتنشط حركة الشباب المجاهدين، المعروفة اختصارًا باسم الشباب، كجماعة إرهابية إسلامية منذ عام 2006، وتعمل في جنوب وسط الصومال، وتضم ما بين 7000 و9000 مقاتل تقريبًا.

وتفاقم العمليات العسكرية في إقليم جوهرلاند الصومالي، التي تستغل ضعف الحدود مع كينيا، التوترات الإقليمية بين مصر وإثيوبيا، حيث يرتبط الانتشار المصري في الصومال بنزاع سد النهضة، مما يهدد بتصعيد أوسع يشمل دول شرق إفريقيا.

ويُعد هذا الاقليم المدعوم من إثيوبيا وكينيا، جناحًا أمنيًا حيويًا لأديس أبابا، بينما يُنظر إلى التحركات المصرية كضغط استراتيجي، مع تزايد التحديات المرتبطة بالمياه والسكان بحلول 2050.

ونصب القائد الحالي لحركة الشباب أحمد عمر، نفسه أميرًا لها بعد مقتل سلفه مختار علي الزبير، في غارة أمريكية بطائرة مسيرة في سبتمبر 2014.

قائد حركة الشباب أحمد عمر
قائد حركة الشباب أحمد عمر

ومع إدراج 15 من قادة الحركة على قوائم أمريكية وعربية للعقوبات، بهدف حرمانها من الوصول إلى الشبكات المالية الإقليمية والدولية، فإن الحركة متهمة بإرهاب الشعب الصومالي وابتزازه، وزعزعة استقرار المنطقة عبر حملتها العنيفة.

موقف الحركة

حتى الآن، لم تصدر حركة الشباب مواقف رسمية تجاه مصر، ولم تهدد صراحة باستهداف قواتها في الصومال، لكن الحركة تتبنى خطابًا عامًا معاديًا لكل القوات الأجنبية المنتشرة هناك، سواء ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي أو في إطار تعاون ثنائي مع الحكومة الصومالية.

وكما أوضح تقرير أمريكي، تُصعّد الحركة عملياتها ضد القوات الحكومية وقوات الاتحاد الإفريقي، باعتبارها قوات أجنبية غازية، لكنها نادرًا ما تستهدف دولًا بعينها خارج هذا الإطار.

ولهذا تحديدا، تواجه القوات المصرية التي ستقدم إلى الصومال، أكبر دعم عسكري مصري، مخاطر الاحتكاك مع القوات الأثيوبية المتواجدة بالفعل ضمن القوات الإفريقية، وهجمات محتملة من حركة الشباب.

ولن تحصل القوات المصرية في الصومال في ثاني ظهور لها بعد مشاركتها ضمن قوات حفظ السلام الأممية من ديسمبر 1992 إلى فبراير 1995، على معاملة تفضيلية في بيئة شبه معادية مع وجود عناصر الحركة والقوات الإثيوبية.

ورغم عدم إعلان الحركة موقفها بشأن القوات المصرية، لكن الإذاعات المرتبطة بالحركة مثل راديو الأندلس، تصف الحكومة المصرية بالمرتدة، وتعتبر إرسال قواتها الصومال، انضماما للحملة الصليبية في الصومال.

ويبدو مرجحا من هذه الزاوية، أن تتعامل الحركة مع القوات المصرية، كما تتعامل مع بقية القوات الأجنبية، أي باعتبارها “قوة غازية” تستحق الاستهداف، كما قد يؤدي انتشار هذه القوات فعليًا في مناطق العمليات (مثل شبيلي السفلى أو جوبا)، في وضعها ضمن دائرة الهجمات بالعبوات الناسفة أو الكمائن، التي تنفذها الحركة عادة ضد القوات الإفريقية.

وإلى جانب احتمال تعرض القوات المصرية لهجمات، فان الحركة قد تستغل وجودها في دعايتها لتصوير الحكومة الصومالية، على أنها “تابعة لقوى خارجية”، ولإظهار أن مصر “تتدخل لصالح الغرب أو خصوم الإسلاميين”، كما فعلت سابقًا مع القوات الكينية والأوغندية والإثيوبية.

وقد يدفع دخول مصر على خط الصراع الصومالي– الإثيوبي، خاصة بعد أزمة اقليم أرض الصومال الانفصالي، الحركة لاستغلال التوترات بين أديس أبابا والقاهرة، عبر تقديم نفسها كقوة “وطنية”، تقاتل كل التدخلات الأجنبية، بما فيها المصرية.

الاحتكاك مع القوات الإثيوبية

وبدرجة أقل، هناك احتمالات لتداخل مناطق النفوذ المصري والإثيوبي عسكريا في الصومال، لكن مصادر مصرية وصومالية، أكدت في المقابل، على قدرة الاتحاد الإفريقي على إدارة الانتشار تحت مظلة واحدة؛ لتفادي المواجهة المباشرة، نافية أي تعارض بين مهمات القوات المصرية والإثيوبية.

لكن قرب مناطق التمركز المصرية المقترحة من محاور عمليات إثيوبية سابقة أو خطوط نفوذ، بالإضافة إلى غموض نقاط التمركز الإثيوبية الحالية؛ قد يخلق “فراغ معلوماتي”، ما يزيد خطر سوء التقدير، ويمكن أن يؤدي إلى مناوشات محدودة.

وعبر مسئولون إثيوبيون عن الاستياء من وصول القوات المصرية، باعتبارها استعراضا للقوة بعد تدشين إثيوبيا سد النهضة على نهر النيل، باعتباره الأكبر في إفريقيا.

ويعتقد البعض، أنه بما أن حركة الشباب ليست مجرد جماعة إرهابية عادية، بل حركة اجتماعية، ويتجاوز شكلها وبنيتها تنظيم القاعدة، وتمثل جزءًا من المجتمع الصومالي، حيث تتمركز في جنوب وسط الصومال، فإنه ينبغي أخذها على محمل الجد، بالنظر لاستمرار مساعيها لإقامة دولة إسلامية هناك.

وفي غياب الحسم العسكري للصراع المدمّر، وعدم تحقيق نصر عسكري، لا زال بعيد المنال في واحدة من أفقر دول العالم، لا يبدو الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بصدد فتح قنوات تفاوض مع الحركة.

وفي لقائي معه العام الماضي، اشترط حسن لبدء مفاوضات، أن تلقي الحركة سلاحها، وتتخلى عن سياستها لإسقاط الحكومة، وهو موقف ترفضه الحركة شكلا وموضوعا.
ومع ذلك، يبدو أن الرئيس الصومالي نجح إلى حد ما في إدارة توازن دقيق بين مصر وإثيوبيا، بتوقيع اتفاقيات عسكرية معهما، مستفيداً من تنافسهما لتعزيز أمن واستقرار الصومال.

لكن هذا لم يمنعه من إبداء غضبه من الانزعاج الإثيوبي من الحضور المصري، وجادل بأن الصومال دولة مستقلة وقراراتها سيادية، لافتا إلى أن” اختيار مصر تم عن وعي، وبالتأكيد ستأتي”، إذ ينتظر الصومال فقط وصول أول دفعة من قواتها في إطار ما وصفه بشراكة استراتيجية وتاريخية.

من وجهة نظر مصر، التي عبر عنها رئيسها عبد الفتاح السيسي، فإن مشاركتها ضمن القوات الإفريقية لا تستهدف إثيوبيا، بل دعم قدرات الدولة الصومالية ومؤسساتها، لحفظ الأمن والاستقرار، ومكافحة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة.


وبغض النظر عن المخاطر المحتملة، تتوخى مصر أهدافا استراتيجية لحماية مصالحها، عبر مواجهة ما تراه “تغولًا إثيوبيًا” على مياه النيل ومواني البحر الأحمر، مع توسيع نفوذها السياسي والعسكري في منطقة القرن الإفريقي.

وتراهن القاهرة على هذه الأهداف المزدوجة، لإجبار أديس أبابا على التحلى بالواقعية والتخلي عن طموحها المتزايد، لكن ثمة ثمنا لتحقيق هذا أمنيا وعسكريا، قد يكون الصومال ساحته الدامية في المرحلة المقبلة.