“مجلس النواب” لم يحسم مشروع الأحوال الشخصية المرتقب..وخبراء اجتماع: إحصائيات الأطفال المشوهين نفسيًا مرعبة
لم تتوقع “شيماء محمد أبو بكر” – 37 عامًا- اعتداء طليقها عليها داخل شقتها الكائنة بمدينة 6 أكتوبر- محافظة الجيزة، إثر خلاف نشأ بينهما خلال فترة الرؤية المحددة.
المشاجرة التي حققت فيها نيابة جنوب الجيزة في الخامس من مايو الماضي، أعقبتها وقائع مشابهة تُبرز العنف الأسري المتبادل جراء قضايا الرؤية العالقة بين المطلقين، والتي تتصاعد بشكل لافت.
وبعد نحو أسبوعين تقريبًا كشفت أجهزة الأمن ملابسات مقطع فيديو لسيدة تتهم طليقها بالتعدي عليها، ونجلها، داخل أحد الأندية خلال تنفيذ حكم الرؤية الصادر لصالحه بمحافظة الإسماعيلية.
وأسفرت الواقعة عن تعرض السيدة لإصابات على خلفية الاعتداء، حسبما كشفت الأجهزة الأمنية بعد فحص مقطع فيديو تداولته وسائل التواصل الاجتماعي في الثامن عشر من مايو الماضي.
فتيل الأزمة
بموجب قانون الأحوال الشخصية الحالي فإنه يحق للأب رؤية أبنائه بعد الطلاق إذا آلت الحضانة إلى الأم، أو أي شخص آخر، وإذا منعت الأم ذلك، فإنه يلجأ إلى المحكمة للحصول على ما يسمى بـ”حق الرؤية”.
يتدرج حق الرؤية حسب القانون على النحو التالي “حق الرؤية المنتظمة”، بما يعني رؤية الأبناء بشكل منتظم، ومحدد من قبل المحكمة، و”حق التواصل مع الأبناء” إذا كانوا في سن يسمح لهم بالتواصل مع الأب سواء عبر الهاتف، أو الزيارة المباشرة، وانتهاء بـ”حق في حضانة معينة للطفل بعد التوافق” حسب سن الطفل وتحت إشراف المحكمة.
ولم ينجز مجلس النواب الحالي إقرار مشروع قانون الأحوال الشخصية المرتقب خلال دور انعقاده الأخير، رغم آمال معلقة على تضمينه عدة تعديلات قوامها إعلاء مصلحة الطفل، والحفاظ على الأسرة المصرية، وتخفيفًا من تصاعد وتيرة العنف الأسري على خلفية الانفصال، وما يتبعها من قضايا النفقة، والرؤية.
تقول أميرة أبو شقة– عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب: إن قانون الأحوال الشخصية صدر عام 1920، وجرى تعديله عدة مرات في أعوام 1929، و1985، و2001، و2014، لافتة إلى أنه رغم تعديلاته لم يعالج قضايا الأسرة.
وطبقًا للقانون الحالي حسبما تضيف “عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب” فإن ثمة تعديل في المشروع الجديد يمس “الرؤية”، و”الاستضافة“، مشيرة إلى أن التعديل الجديد يتضمن زيادة مدة الرؤية إلى 10 ساعات شهريًا، في حين أن الاستضافة تكون 15 يومًا، وربما تشمل اقتسام الإجازات الرسمية بين الأم والأب.
وينظم قرار وزير العدل رقم 1078 لسنة 2000 تحديد أماكن تنفيذ الأحكام الصادرة برؤية الأطفال، والإجراءات الخاصة بتنفيذ الأحكام، والقرارات الصادرة بتسليم الطفل، أو ضمه، أو رؤيته، أو سكنه، أومن يناط به ذلك.
وبموجب المادة الرابعة من القرار فإنه في حالة عدم توافق الحاضن، ومن صدر له الحكم على المكان الذي تتم فيه الرؤية يحق للمحكمة أن تنتقي الأماكن التالية للرؤية وفقًا للحالة المعروضة عليها، وبما يتناسب قدر الإمكان، وظروف أطراف الخصومة، مع مراعاة أن يتوافر في المكان ما يشيع الطمأنينة في نفس الطفل، وتنوعت هذه الأماكن ما بين “الأندية الرياضية، ومراكز رعاية الشباب، ودور رعاية الأمومة والطفولة ذات الحدائق، على ألا تقل مدة الرؤية عن 3 ساعات أسبوعيًا.
واقع ينتج تشوهات
ورغم ذلك فإن العديد من الأزمات تنشأ عن رغبات متبادلة بين الأب والأم المنفصلين في التنكيل المتعمد المتبادل فيما بينهما، وفق ما أعلنه عمر هريدي – عضو مجلس نقابة المحامين- عن واقعة تزوير جرت بين أب، وأم – يعملان بإحدى المؤسسات الكبرى- على خلفية حق الرؤية، لافتًا إلى أن المكان المحدد لهما كان “الحديقة الدولية” في الثالثة عصرًا حسب رغبة الأم، ووقتها المتاح.
ويشير “هريدي” إلى أن الزوج الذي يتلقى إنذارًا بموعد الرؤية، كان يذهب ثم لا يجد أحدًا، بينما يفاجأ بتوقيع طليقته في الدفتر الرسمي بما يثبت إتمام الرؤية.
لقاء ذلك – على حد قوله- لجأ الزوج لأساليب مشابهة في تزوير محررات رسمية، وتبادلا البلاغات الرسمية، وأحيلا معًا للمحكمة.
ويستطرد قائلًا: بعيدًا عن القانون، ومواده، فإننا بصدد تخريج أبناء مشوهين نفسيًا للمجتمع، ويضيف أن دور الأزهر والكنيسة في التوعية بهذا الأمر يتجاوز أهمية النص القانوني.
وتشير إحصائيات موثقة إلى أن ما يقرب من 9 مليون طفل يعانون من ويلات الانفصال، والشتات بين الأب والأم بعد الطلاق، طبقًا للأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة، والإحصاء عام 2023.
وتقول الإحصائيات تفصيلًا أن معدلات الطلاق تتصاعد لتصل إلى 250 حالة طلاق يوميًا وفق البيانات الوصفية للإحصاء، وتستقبل محاكم الأسرة ذات العدد تقريبًا.
يأتي ذلك بالتوازي مع ما حذر منه الدكتور عبد الحميد زايد أستاذ علم الاجتماع بجامعة الفيوم، بشأن تصاعد وتيرة العنف الأسري بعد الطلاق، واستعمال الأطفال كأدوات في الصراع بين الأب، والأم، معرجًا على أن ثمة تغير كبير أصاب منظومة القيم الأسرية، لعل أهمها – على حد تعبيره- قيمة الحفاظ على الزوجة، وحفاظها على الأبناء.
يقول “أستاذ علم الاجتماع” مع إقراره أن الأرقام الإحصائية تعكس الخلل الظاهر في المجتمع: إن القيم الأسرية بين الزوجين استحالت إلى قيم نفعية شخصية، أسفرت عن استدعاء القوة في الخلافات الناشئة بينهما، وصولًا إلى اللعب بـ”ورقة الأبناء“.
تعديلات القانون.. هل ستكون حلًا؟
وحسب معنيين بتعديلات قانون الأحوال الشخصية فإن ثمة تعديلات شملت 60 مادة مشتركة بين المسلمين والمسيحيين متعلقة بالمسائل الإجرائية والتنظيمية فقط، مثل الرؤية، والاستزارة، والنفقة دون المساس بأحكام الشريعة. كما سيتم تعديل عقود الزواج لكلا الديانتين، لتقديمها ضمن مذكرة إيضاحية إلى وزارة العدل.
وتضمنت التعديلات الجديدة تثبيت سن الحضانة عند 15 عامًا للبنين، والبنات حتى زواج الأم، أو وفاتها، على أن يكون الأب في المرتبة الثانية بعد الأم مباشرة.
ويشار إلى أن ترتيب الأب في الحضانة في القانون الحالي يأتي في المرتبة السادسة عشر، بعد الجدات، والأخوات الشقيقات، وغير الشقيقات، وبنات الأخوات، ثم الخالات، والعمات، وبنات الخالات، وبنات العمات، وبنات الأخ من ناحية الأب بالترتيب، يليهم خالات الأم، ثم خالات الأب، ثم عمات الأم، وأخيرًا الأب.
على خلفية الترتيب السالف الذكر، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا مقطع فيديو لـ”شاب” يقف أسفل منزل طليقته، وينادي على ابنته، ويتعرض لهجوم وسباب من أبيها محذرًا من عودته مرة أخرى.
خلال المقطع يطالب الأب برؤية ابنته التي لم يرها منذ عام، ذاكرا أنها تناست وجهه، ومتوعدًا بالرد على حرمانه من ابنته، لولا تدخل عدد من الجيران لإثنائه عن فعله، والانصراف إلى منزله.
ويقترح “علي صبري” المحامي المتخصص في شؤون الأسرة تضمين القانون الجديد حجية الاتفاق الودي الموقع من الطرفين عقب الطلاق، بعيدًا عن ساحة المحكمة، مشيرًا إلى أن هذا العقد سيقلل من وتيرة العنف والتنكيل بين الطرفين.
ويضيف أن الأجدر في ظل هذه الأزمات الأسرية المتلاحقة هو تطبيق نظام الرعاية المشتركة، والسماح باستضافة “استزارة” الأبناء لأبيهم.
ويستطرد قائلًا:” القانون الحالي لا يسمح بإنهاء النزاع خارج المحكمة، لكن الاتفاق الذي سيوقع بينهما سواء في مكتب محام، أو في مكتب التسوية الملحق بمحكمة الأسرة سيخفف كثيرًا من وطأة العنف”.
ويرى الدكتور نادر الصيرفي المتخصص في قضايا الأسرة أن بعض الأمهات تسيء استخدام القانون على حد قوله، ويأتي ذلك في الوقت الذي ينكل فيه بعض الآباء بالأم، والأبناء نظير حصوله على حكم بالرؤية، ثم لا يذهب إطلاقًا في موعده.
ويقول: إن المشكلة الأساسية الآن بعد تزايد وتيرة الشجار، والعنف بين المطلقين، وتحميل الأطفال أعباءً نفسية إضافية، تتبلور في القانون الحالي.
“الصيرفي” الذي يعتقد أنه لا يجوز لأحد أن يقيم العدالة لنفسه، ينفي وجود نص يسمح للأب باصطحاب طفله إلى أي مكان بشكل منفرد، بينما التعديلات التي أجريت منذ عام 2014 تتضمن حق الاستضافة، وهو ما يترقبه المسلمون والمسيحيون على حد سواء.
وحسب عصام شيحة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان فإن مشروع القانون المزمع إقراره في دور الانعقاد القادم لمجلس النواب يقوم على فلسفة “مصلحة الطفل”، ويوسع من صلاحيات القاضي، لافتًا إلى أن المحكمة ستكون صاحبة السلطة التقديريه في مسألة مواعيد، ومدة الاستضافة.