قبل أربعة أعوام، وَعد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في كلمته أمام البرلمان، بتحقيق الاكتفاء الذاتي من البترول ومنتجاته بحلول العام 2023، لكن بعد مرور عامين من ذلك التاريخ، تتعاظم كميات الاستيراد من المنتجات البترولية بوتيرة ملحوظة، مع هبوط عنيف للإنتاج المحلي.

وارتفعت واردات مصر من النفط خلال النصف الأول من العام المالي الجاري إلى 9.7 مليارات دولار بنسبة زيادة 53.3%، مدفوعة بزيادة واردات الغاز الطبيعي بمقدار 2.1 مليار دولار، بحسب بيانات حديثة للبنك المركزي.

استوردت مصر شحنات وقود بقيمة بلغت نحو 15.5 مليار دولار خلال عام 2024، بزيادة 26% عن 12.3 مليار دولار خلال 2023، بسبب زيادة استهلاك محطات الكهرباء من المازوت والغاز المسال المستورد من الخارج.

يأتي ذلك بالتزامن مع انخفاض كبير في إنتاج مصر من النفط ليصل خلال الربع الثاني من عام 2025 لمستوى 513 ألف برميل يوميًا، مسجلاً أدنى مستوى له منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، بحسب منصة الطاقة “ميس” التي ارتكزت على بيانات وزارة البترول المصرية.

ارتفاع متواصل بواردات البترول

د. مدحت يوسف، رئيس هيئة البترول السابق، يؤكد أن حجم استيراد المنتجات البترولية من الخارج تزايد كثيرا رغم إعلان وزارة البترول، أن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية عام ٢٠٢٣.

تراهن وزارة البترول على مشروعات زيادة الطاقة الإنتاجية بمعامل التكرير ضمن المحور الأهم في استراتيجيتها بافتتاح وحدات جديدة باستثمارات ضخمة، لكن على أرض الواقع تشير الإحصائيات، إلى أن طاقات الوحدات القائمة بالفعل غير مستغلة بالكامل.

ووضعت الوزارة مخصصات لمشروع مجمع التفحيم وإنتاج السولار بمعامل التكرير بالسويس بقيمة 1.93 مليار دولار (حوالي 91.5 مليار جنيه)، كما تستهدف إنشاء مشروع للتقطير الجوي بمصفاة تكرير أسيوط جنوب القاهرة بحلول 2027، بتكلفة استثمارية تفوق الـ 10 مليارات جنيه.

طاقات معطلة

يقول يوسف، إن طاقة معامل التكرير المصرية تبلغ 35 مليون طن خام نفط سنويا، والمستغل طبقًا للبيانات الرسمية لا يمثل سوي ٧٢٪ فقط.

وبلغ متوسط إنتاج المصافي 490 ألف برميل يوميًا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، تعادل 56% فقط من طاقة وحدة تقطير النفط الخام البالغة 875 ألف برميل يوميًا، علاوة على أن إنتاج المصافي البالغ 493 ألف برميل يومياً لم يوفر سوى 64% من الطلب المحلي.

رغم تلك الطاقات المعطلة، اتفقت الهيئة العامة للبترول، مع شركات تكرير النفط على زيادة حجم طاقات التكرير بنحو 13% خلال النصف الثاني من 2025 خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2025

يضيف يوسف، أن هناك تخطيطا لإقامة وحدة تقطير جديدة بشركة أسيوط بطاقة 5 ملايين طن سنويًا، في ظل توافر طاقات معطلة بكمية 10 ملايين طن سنويًا، موزعة على معامل التكرير المصرية، موضحًا أنه يتفق مع ذلك المخطط، لو كان الهدف خفض تكرير النفط بمعامل التكرير البسيطة واستيراد المنتجات من الخارج، نظرًا لأن معامل التكرير البسيطة، تحقق خسائر عند تكرير الخام إلى مكوناته الأساسية.

من واقع بيانات الهيئة العامة للبترول، فإن معامل التكرير المصرية قامت بتكرير ما يعادل 25.3 مليون طن نفط خام فقط خلال العام 2024/ 2025 مقسمة ما بين (نفط محلي مملوك للهيئة، ونفط محلي ملك الشريك الأجنبي، وتم شراؤه بالأسعار العالمية ونفط مستورد)، بحسب يوسف.

تلك الأرقام تعني، أن إجمالي المنتجات البترولية المستوردة من الخارج في حدود 13 مليون طن منتجات بترولية خلال العام 2024/ 2025 (بوتاجاز/ بنزين/ سولار/ مازوت) بعد خصم فاقد عمليات التكرير بمعامل التكرير المحلية.

ووفقًا لوزارة البترول، فإن نمو استهلاك الوقود بنحو 5 إلى 7% سنويًا يتطلب زيادة في إنتاج الزيت الخام وبالتبعية إنتاج كميات إضافية من المواد البترولية التي تحتاجها السوق في مصر، ولذلك تسعى للتوسع في إنشاء معامل التكرير.

يشدد يوسف على أن معامل التكرير التحويلية العميقة هي الأكثر ربحية ويجب تشغيلها بكامل طاقتها مثل وميدور والمصرية والعامرية، مطالبا ببيانات أوضح حول حجم الإنتاج المصري من النفط المملوك لهيئة البترول، وحجم الكمية المشتراة من الشريك الأجنبي، وكذلك حجم المستورد من النفط.

وتحصل الهيئة المصرية العامة للبترول على كامل إنتاج النفط الخام المستخرج من حقول النفط المصرية الذي يقارب 520 ألف برميل يوميًا، غالبيته من خليج السويس والصحراء الغربية ودلتا النيل- والتي بدورها تتولى توزيعها بحصص متفاوتة على معامل التكرير المحلية.

وفقا لوزارة البترول، فإن كميات الوقود المُنتجة محليًا تلبي ما بين 60 و65% من إجمالي استهلاك البلاد من بعض المواد البترولية، خاصة البوتاجاز “وقود الطهي” والسولار والبنزين، ونحو 80% من أنواع أخرى من المحروقات

المطلوب؟

يقول د. أحمد سلطان، خبير النفط والطاقة، إن الوصول إلى هدف الاكتفاء الذاتي من المنتجات والمشتقات البترولية خلال الفترة المقبلة يتطلب زيادة وجذب الاستثمارات في الطاقة الأحفورية، أو التقليدية وتحسين كفاءة الطاقة وترشيد استخداماتها، وزيادة وتعزيز أنشطة البحث والاستكشاف، وإضافة احتياطيات جديدة.

وأعلنت وزارة البترول في مايو الماضي، عن اكتشافات جديدة للغاز والزيت في الصحراء الغربية وخليج السويس من شأنها إضافة 3380 برميل زيت، و30 مليون قدم مكعب غاز يوميًا للإنتاج المحلي، لكن في الوقت ذاته، هناك تزايد في حجم الاستهلاك من الديزل الذي يصل إلى حوالي 12 مليون طن سنويًا، والبنزين لحوالي 6.7 ملايين طن.

ومنذ يوليو 2024، وضعت الحكومة خطة متكاملة لزيادة حجم الإنتاج من البترول والغاز، تشمل جدولة مستحقات الشركات الأجنبية، والتي تجاوزت أكثر من 7.5 مليارات دولار- وفق وسائل إعلام محلية- وسددت بالفعل جزءا كبيرا منها، وتنمية الحقول المتقادمة، وطرح مناقصات لاكتشاف حقول جديدة، وتعديل عقود الشراكة مع الشركات الأجنبية لتحفيزها على تسريع وتيرة الإنتاج.

بحسب بيانات وزارة البترول، فقد أسفرت الخطة عن زيادة معدلات الإنتاج المضافة لتصل إلى 1.4 مليون برميل زيت مكافئ/ يوميًا، وذلك من خلال 105 آبار جديدة (95 بئر زيت– 10 آبار غاز)، بمعدلات إنتاج يومية (مضافة) وصلت إلى 63.7 ألف برميل زيت ومتكثفات، و271 مليون قدم مكعب غاز.

أضاف سلطان، أن تحقيق ذلك الحلم يتطلب أيضًا ترشيد استخدام النفط التقليدي، وذلك من خلال زيادة الحوافز ضمن برامج تعويض السيارات القديمة، بأخرى تعمل بالغاز الطبيعي، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في صناعة البتروكيماويات والتكرير، وتسريع خطط تأهيل ورفع قدرات معامل التكرير.

وأعلنت شركات كبرى عن ضخ استثمارات ضخمة آخرها توتال إنرجيز الفرنسية التي أكدت عزمها التوسع بمصر، وقبلها شركة إيني الإيطالية التي تعتزم ضخ استثمارات بأكثر من 8 مليارات يورو في مصر خلال 4 سنوات، وشركة شيفرون الأمريكية، التي تعتزم استثمار 150 مليون دولار لتنمية حقل نرجس.

الغاز أيضا

عبد النبي عبد المطلب، وكيل وزارة الصناعة السابق، يقول إن واردات مصر من الغاز الطبيعي قفزت بنحو 82.8% خلال شهر يوليو 2025 مقارنة بشهر يونيو من نفس العام، رغم ارتفاع الإنتاج بسبب زيادة الاستهلاك، وبلغت الواردات 1.985 مليار متر مكعب  مقابل 1.086 مليار متر مكعب، بزيادة نحو 899 مليون متر مكعب.

أضاف أن واردات الغاز عبر خطوط الأنابيب وصلت إلى 783 مليون متر مكعب في يوليو، مقابل 477 مليون متر في يونيو، بينما تضاعفت واردات الغاز المسال إلى 1.2 مليار متر مكعب مقابل 609 ملايين متر مكعب، كما يُخَطط لإنشاء أول وحدة تغويز بتكاليف 200 مليون دولار، متسائلاً: هل انتهى عصر المركز الإقليمي للغاز؟ وهل سنظل نستورد الغاز المسال؟ وأين اتفاقات تصدير الغاز إلى أوروبا؟