تُظهر المعطيات الميدانية في مدينة الفاشر خلال سبتمبر 2025، أن قوات الدعم السريع نجحت في كسر خطوط دفاعية أساسية للجيش السوداني، أبرزها الوصول إلى مبنى السلاح الطبي، والاقتراب من مقر الفرقة السادسة مشاة. على الرغم من تمكن الجيش من صد بعض الهجمات، فإن وصول الدعم السريع إلى هذه المواقع الحساسة يعكس تآكل القدرات الدفاعية التقليدية للجيش في دارفور، ويشير إلى تغيير واضح في موازين القوى الميدانية.


تزامن ذلك مع ظهور عبد الرحيم دقلو، نائب قائد الدعم السريع، في مقاطع مصورة، وهو يشرف على العمليات ميدانيًا، ويتنقل بين مناطق طرة وقرني وكورما وشنقل طوباي، ما يعكس دوره المباشر في التخطيط والتعبئة وتحفيز مقاتليه. وقد أسهمت هذه القيادة الميدانية في دفع قوات الدعم السريع للتقدم على المحور الجنوبي حتى مسافة 600 متر من مقر الفرقة السادسة، مع تنفيذ عمليات إعدام ميدانية بحق أسرى وجرحى من القوات النظامية، وهو مؤشر على اعتماد سياسة القوة والردع الميداني بلا قيود.


في 19 سبتمبر، ارتكبت قوات الدعم السريع مجزرة بحق المدنيين في مسجد الصافية في المدينة بحي الدرجة الأولى، حيث أودى القصف بحياة أكثر من ستين مدنيًا، كانوا يؤدون صلاة الفجر. إلى جانب ذلك، اتبعت قوات الدعم السريع سياسة تهجير قسري، شملت طرد سكان منطقة بريديق شمال غرب كتم، وتحويلها إلى ثكنة عسكرية، وفرض حصار على منطقة إنكا ومنع المدنيين من المغادرة.


وفي 21 سبتمبر، ظهرت مؤشرات على إرسال تعزيزات إضافية إلى منطقة وادي هور ومحور الصحراء، مما يعزز احتمالات تجدد المواجهات في شمال غرب ولاية شمال دارفور. ويرتبط هذا التطور بتفاهمات القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش مع موسى هلال، قائد قوات مجلس الصحوة الثوري، ما يمثل ضغطًا إضافيًا على الدعم السريع، ويبرز المنافسة المتعددة الأطراف على النفوذ في قلب دارفور.

الفاشر محور الصراع


مع تصاعد العمليات الميدانية، برز عنصر جديد في النزاع: الاعتماد المتزايد على الطائرات المسيّرة، التي شكلت عاملًا حاسمًا في مجريات القتال. فقد استخدمت قوات الدعم السريع المسيرات الانتحارية من نوع FPV في هجمات منسقة، تسبق اندفاع الوحدات المدرعة، ما ساعد على تعطيل تحركات الجيش وفتح ثغرات في خطوط دفاعه. وتتميز هذه الطائرات بارتباطها بكابل بصري يحد من فعالية أنظمة التشويش التقليدية، ما يشير إلى مستوى متقدم من الدعم التقني الخارجي.

تشير المعلومات إلى دور محتمل لعناصر مرتبطة بمجموعات فاجنر الروسية في تشغيل هذه الطائرات، خاصة وأن هذه التقنيات سبق توظيفها في الحرب الروسية الأوكرانية. وفي سياق متصل، أفاد شهود عيان من ولاية جنوب دارفور بتوغل قوات فاجنر عبر معبر أم دافوق على الحدود مع إفريقيا الوسطى، حيث نُفذت اعتداءات، استهدفت المدنيين والنازحين في قرى الصهيب وأم طبيلة وبشمة، ما أجبر العديد من الأسر على النزوح نحو بلدة أم دافوق طلبًا للأمان.

مجموعة فاغنر أعيدت هيكلتها جزئيًا لتعمل تحت مسمى أفريكا كوربس
مجموعة فاجنر أُعيدت هيكلتها جزئيًا لتعمل تحت مسمى أفريكا كوربس

ويرى بعض الباحثين، أن مجموعة فاجنر أُعيد هيكلتها جزئيًا؛ لتعمل تحت مسمى “أفريكا كوربس” كذراع روسي جديد في إفريقيا، بما في ذلك السودان، مع حضور في خمس دول أخرى (ليبيا، مالي، بوركينا فاسو، إفريقيا الوسطى، النيجر). ويُعتقد أن هذا التطور تم في ظل انشغال القوى الدولية بقضايا الشرق الأوسط وبإشراف مباشر من نائب وزير الدفاع الروسي، الجنرال يونس بك يفكيروف.
على الجانب الآخر، لجأ الجيش السوداني لتعويض تراجعه الميداني باستخدام الطائرات المسيّرة التركية من طراز “بيرقدار TB2” و”أكينجي”. ورغم الفعالية العسكرية لهذه الأنظمة، فإن الدعم السريع بث فيديوهات تظهر استخدام أجهزة تشويش محمولة للتأثير على الطائرات التابعة للجيش، ما يوضح تحول النزاع إلى صراع تقني متقدم، يرفع مستوى المخاطر على المدنيين، ويعقد فرص السيطرة الميدانية للجيش.