تغلق الهيئة الوطنية للانتخابات باب الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 بعد غدٍ الأربعاء، لتبدأ الهيئة مباشرةً في فحص أوراق المتقدمين للتحقق من مدى استيفائهم الشروط القانونية والدستورية للترشح، تمهيدًا لإعلان الكشف المبدئي بأسماء المرشحين يوم الخميس 16 أكتوبر.
قبل إعلان الكشوف النهائية، تزايدت التوقعات بسيطرة كبيرة لرأس المال السياسي على قوائم الترشيح، وتواجد رجال الأعمال في النواب بشكل لافت، في ظل القوائم المغلقة التي تضمنت حضوراً واسعًا لرجال أعمال من مستويات عمرية، و”ملاءة مالية”متفاوتة، وحديث نواب حاليين رفضوا الترشح مجددا؛ بسبب “المال السياسي”. يذكر أن الملاءة المالية هي مصطلح يشير لمدى قوة المركز المالي للمؤسسة وبات يستخدم بشكل أوسع للدلالة على قدرات الشخص المالية ومدى ثروته.
النائب محمود بدر، كان آخر من أعلنوا عدم الترشح، رغم فوزه دورتين متتاليتين بعضوية المجلس عن تنسيقية شباب الأحزاب، وذلك بعد استبعاده من القائمة الوطنية، ما يعني خوضه الانتخابات مستقلاً، وهو أمر أكبر من قدراته؛ بسبب ما أسماه بـ “سيطرة المال السياسي واستغلال الفقر والحاجة التي باتت ظاهرة مهيمنة”.
تبدو الصورة مشابهة إلى حد ما لانتخابات مجلس الشيوخ حيث سيطر رجال أعمال على القوائم، خاصة “القائمة الوطنية من أجل مصر” بقيادة حزبيّ مستقبل وطن والجبهة الوطنية التي ضمت حوالي 20 رجل أعمال من الوزن الثقيل، وهما الحزبان اللذان يُتوقع تصدرهما المشهد الانتخابي بمجلس النواب، بخلاف رجال الأعمال الفائزين على المقاعد الفردي.
قبل فتح باب التقديم، دار جدل كبير حول وضع بعض الأحزاب الملاءة المالية كمحرك أساسي للترشح، خاصة بعد تصريحات لحنان شرشر، القيادية بحزب حماة الوطن، التي تحدثت عن بيع الحزب الكراسي، وذلك بعد استبعادها من الترشح على القائمة بعد مطالبتها بدفع 25 مليون جنيه (على حد قولها)، لتنضم لمن سبقوها في انتقاد القوائم المغلقة المطلقة، وهو أمر نفاه الحزب على لسان قياداته.
نفس الاتهامات ترددت في مجلس النواب 2020 على لسان النائبين السابقين مرتضى منصور وعبد الرحيم علي اللذين خسرا الانتخابات حينها، وتحدثا عن مرشحي المال السياسي، الذين ينجحون لأنهم دفعوا، وليس لأنهم موجودون في الشارع.
تطور مقاعد رجال الأعمال في النواب
برلمان 2015 أظهر تطورًا كبيرًا بمقاعد رجال المال في البرلمان، فكان عدد رجال الأعمال نحو 40 نائبا من أصحاب شركات، لكن العدد يرتفع، إذا ما ضفنا له 28 من رؤساء مجالس إدارات للشركات والمصانع، و23 نائبا يشغلون عضوية مجالس إدارات ونائب رئيس مجلس إدارة بشركات ومصانع ومؤسسات خاصة.
في مجلس الشعب في 2010، كان 30 رجل أعمال من البارزين، منهم 17 كانوا في برلمان 2005، وثلاثة رجال أعمال كانوا أعضاء في برلمان 2001، علاوة على حوالي ١٠ رجال أعمال كان جُدد، وكلهم كانوا من الحزب الوطني المنحل.
حتى الآن، لم تتضح القوائم الانتخابية بشكل كامل، لكن الأحزاب الـ12 المنضوية تحت القائمة الوطنية من أجل مصر، بالإضافة إلى تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين حسمت أسماء المرشحين على رأس كل قائمة انتخابية، والذين ضموا حتى الآن 8 من رجال الأعمال.
بعيدا عن رؤوس القوائم، بدأ عدد كبير من رجال الأعمال المعروفين في نطاق دوائرهم تدشين حملات انتخابية على وسائل التواصل الاجتماعي وإعلانات الطرق، لا تتضمن برامج حتى الآن، ولكن تقتصر على تنويه بالترشح فقط ووعود بحل مشكلات الدائرة وتحسين أحوال مواطنيها.
يعتمد قانون الانتخابات الحالي على نظام انتخابي مختلط، إذ يتم تقسيم المقاعد بواقع 50% للمقاعد الفردية، والـ50% الأخرى يتم انتخابها بنظام «القوائم المغلقة المطلقة»، ما يعني فوز أعضاء القائمة كلهم في حال نَيلها أعلى الأصوات. ويذكر أن القائمة المغلقة هي قائمة مرشحين ثابتة لا يمكن للناخب تغيير ترتيب المرشحين بها أو اختيار عدد من الموجودين بها دون الآخر.
تمويل أم دعم
بعض نواب الأغلبية القادمين من عالم البيزنس كالنائب محمد السلاب، يعتبر مصطلح المال السياسي دخيل على الحياة السياسية المصرية، فهناك قانون ينظم العملية الانتخابية بالكامل، ويمنح كل مواطن مصري حق الترشح، ما دام تنطبق عليه الشروط والضوابط التي حددها القانون، سواء كان رجل أعمال أم لا، كما أن هناك حدا أقصى للإنفاق على الدعاية الانتخابية.
يُفترض أن يكون تمويل الدعاية الانتخابية للمرشح من أمواله الخاصة، لكنه يحق له تلقي تبرعات نقدية أو عينية من أي شخص طبيعي مصري، أو من الأحزاب المصرية، بشرط ألا يجاوز التبرع العيني والنقدي من أي شخص أو حزب 5% من الحد الأقصى المصرح به للإنفاق على الدعاية الانتخابية.
السيد القصير، أمين عام حزب الجبهة الوطنية، وهو من المرشحين كرأس قائمة، يقول إن الحزب رفض تمامًا مبدأ “ادفع كي تُرشَّح”، وهي ممارسة مرفوضة ولا مكان لها داخله، لكن في المقابل، لا يمانع أن يدعم رجال الأعمال أو الأعضاء نشاط الحزب، شريطة ألا يكون ذلك مشروطًا بمنصب أو تأثير سياسي، وهذا هو الفارق بين التمويل المشروع، وبين المال السياسي الفاسد الذي يُفسد المشهد، ويُقصي الكفاءات، ويعوق التطور.
أضاف القصير، أن أي حزب سياسي فاعل يجب أن يستند إلى ثلاثة أعمدة رئيسية، أولها الكوادر التكنوقراطية، وهي العقول ذات الخبرات المتراكمة، ممن يملكون القدرة على طرح حلول واقعية وعلمية لمشاكل الدولة.
العنصر الثاني، وفقًا للقصير، يتمثل في القيادات الشعبية الطبيعية الذين يمتلكون الحضور الحقيقي على الأرض، ويشكلون جسور تواصل بين الحزب والمجتمع المحلي، ويملكون القدرة على الحشد والتأثير، وهم أدوات فاعلة في إثراء العمل السياسي والحزبي، أما العنصر الثالث، فهو “التمويل المنضبط”، فلا يمكن لأي حزب أن يمارس دوره دون موارد مالية قانونية، سواء عبر تبرعات أو اشتراكات، وفق ما ينظمه الدستور والقانون.
يشدد القصير، على أن التبرع للحزب لا يعني أبدًا شراء القرار أو التأثير على الاختيارات، فالمتبرع ليس صاحب قرار داخل حزب الجبهة، ولا يُمنح موقعًا سياسيًا مقابل تمويل، فلن يحكمنا المال السياسي واختيار مرشحينا يتم وفق معايير دقيقة، تقوم على الكفاءة، والسيرة الذاتية، والانتشار، والقدرة على التأثير، وليس على حجم ما يُقدمه ماديًا.
مخاوف
وائل عباس، نائب رئيس حزب الشعب الديمقراطي الأسبق، يرفض الدفع بمرشحين إلى مجلس النواب، لا يمثلون إلا مصالحهم الخاصةـ على حد قوله، معتبرا اختيار المرشحين على أساس الملاءة المالية لمعظمهم، كما أعلن أحد قيادات الأحزاب الكبرى بمثابة تلاعب بأوجاع الناخبين وانتقاص لكرامتهم.
بعض الأحزاب التاريخية مثل الوفد، جعل التبرع من المعايير الصارمة للترشح على قوائم الحزب، في انتخابات مجلس النواب، كما استبعدت “الهيئة العليا” المدينين للحزب ماليا من الانتخابات الماضية، فالترشح على قائمة الوفد، يتطلب التبرع بمبالغ كبيرة للحزب، يتم الاتفاق عليها مسبقًا.
من شأن سيطرة المال السياسي تهميش الكفاءات الوطنية والكوادر الجادة التي تحمل فكرًا ورؤية، يتم استبعادها لعدم قدرتها على المنافسة المالية وفقدان الثقة الشعبية، فالمواطن يرى أن الكرسي البرلماني أصبح سلعة، ما يضعف المشاركة السياسية، ويزيد من عزوف الناخبين، بحسب أحزاب معارضة.
أضاف عباس، أن من يستغل احتياج الفقراء والبسطاء، ويحاول أن يشتري صوتهم وقت الانتخابات البرلمانية، ما هو إلا مُرابي، يستثمر أمواله على حساب أقوات الشعب المصري، فأغلب المرشحين من رجال الأعمال والمطورين العقاريين، بعيدون كل البعد عن مشاكل الناس وأوجاعهم ومعاناتهم اليومية؛ وما إن يحصلوا على الحصانة البرلمانية، حتى ينفصلوا تمامًا عن دوائرهم.
تراجع القبلية أمام المال
الكاتب السياسي عبد الجواد أبو كب، حذر من إقصاء الأحزاب لعائلات كبرى لها تواجد تاريخي وثقل انتخابي وشخصيات حزبية بارزة من انتخابات النواب، سيخلق أزمة في الشارع السياسي وعزوف جماعي.
معروفٌ أن رجال الأعمال لهم نفوذهم المالي، لكن ظلت هناك قدرات لرموز العائلات على جذب المواطنين لصناديق الاقتراض أو توجيه الاختيار لصالح مرشح بعينه، مع شبكة العلاقات التي تربطهم بالعائلات الكبيرة الأخرى، الذين لديهم قدرة على توجيه عائلتهم وقراراتها.
لكن في المقابل، تسبب دمج الدوائر واتساع رقعتها في تقليل نفوذ العائلات والقبائل في الصعيد، مقارنة بالمال السياسي، كما تسبب تحديد رسوم الترشح عند 30 ألف جنيه في تنقية مبكرة للراغبين في الترشح، تبعد غير القادرين ماليا الذين يراهنون على التعاطف الجماهيري (في أحد دوائر الغربية فاز مرشح في 2010 بعضوية النواب؛ بسبب تعاطف الأهالي، بعدما خسر 5 مرات قبلها، واضطر لبيع أثاث منزله لسد الديون).
وسط الحضور الواسع لرجال الأعمال، خرجت أسماء بارزة في مجلس النواب الحالي مثل، النائب أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، النائب محمد الحسيني، وكيل الإدارة المحلية بمجلس النواب، والنائب علاء عابد، رئيس لجنة النقل بمجلس النواب ونائب رئيس حزب مستقبل وطن.
لماذا يريد رجال الأعمال عضوية البرلمان؟
يعتبر البعض التواجد الكبير لرجال الأعمال بمثابة تحويل البرلمان إلى نادٍ للمصالح، إذ يتعامل بعض رجال الأعمال مع المقعد البرلماني، باعتباره استثمارًا، يدرّ عائدًا عبر النفوذ والتعاقدات، أو على الأقل درجة من الحصانة في التعاملات.
بعض رجال الأعمال يستهدفون عضوية مجلس النواب؛ لأنها تمنحهم حصانة قانونية تحميهم من الملاحقات، ونفوذا سياسيا واقتصاديا داخل الدولة، وربما معلومات وفرصا مسبقة في السوق والتشريعات، فضلاً عن وجاهة اجتماعية، ومكانة تعزز حضورهم العام، وشبكة مصالح مع المسئولين والإدارات تسهّل أعمالهم.
رئيس حزب سياسي، رفض ذكر اسمه، قال إن وجود رجال الأعمال في البرلمان طبيعي في ظل امتلاك رجل الأعمال القدرة على الإنفاق والحشد وتقديم خدمات مباشرة لأهالي الدائرة كتعيين بعض الشباب في مصانعه، أو دفع غرامات بعض الغارمات والمشاركة في تجهيز بعض العرائس.
يضيف أن عدد رجال الأعمال في نواب مصر لا يزال قليلاً، فما يقرب من نصف أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة من أصحاب الملايين، ما يعني أن الواقع المصري ليس مغايرًا للعالم، لافتا إلى أن بعض رجال الأعمال تم استبعادهم من القوائم مثل النائب محمد السلاب رئيس لجنة الصناعة.